مقالات

استشاريون علميون يتصدون لمشكلات عالمية

Published online 27 أكتوبر 2024

في هذا التحقيق الإخباري، يناقش أربعة علماء كيف شقوا طريقهم إلى العمل في مجال تقديم الاستشارات العلمية، ويستعرضون منهجيتهم القائمة على الارتكاز على الأدلة لحل المشكلات المجتمعية.

• آيمي دي باول

يقدِّم خافيير جارسيا-مارتينيز الاستشارات العلمية لقادة عالميين حول عدد من السياسات العامة بالاستناد إلى أدلة علمية، وهو يرى أن على مزيد من العلماء العمل على بناء علاقة ثقة مع صناع السياسات. 

يقدِّم خافيير جارسيا-مارتينيز الاستشارات العلمية لقادة عالميين حول عدد من السياسات العامة بالاستناد إلى أدلة علمية، وهو يرى أن على مزيد من العلماء العمل على بناء علاقة ثقة مع صناع السياسات. 

يحسب كثير من الباحثين أن العمل في مجال سياسات العلوم مفعم بالرتابة. فيُخيل لهم أن العاملين في هذا المجال يعكفون على تمرير تلال من التقارير الرسمية المملة، تقبع في نهاية المطاف في أحد الأدراج، حيث لا يُتوقع أن تقع عليها حتى عينا قارئ.  لكن في كواليس اجتماعات الأمم المتحدة والهيئات التشريعية يعي خبراء سياسات العلوم أن مساعيهم ستُختبر جدواها. من هنا، في الاجتماعات السنوية للمنتدى الاقتصادي العالمي في مدينة دافوس السويسرية، يخطرون القادة العالميين بالابتكارات التقنية الثورية، كما يتولون طرح أجندة عمل البيت الأبيض المناخية على الصحافة والعامة والهيئات الحكومية. كما يبحثون الكيفية التي يمكن بها لهيئات التمويل توزيع المنح البحثية على تنوُّع طيفي أكبر من العلماء، ويساعدون الاقتصادات الناشئة على الحد من انبعاثاتها الكربونية دون تهديد مساعيها نحو التقدم.

وكما يفيد أربعة من خبراء سياسات العلوم في حوار أجرته معهم دورية Nature، فإن صوغ سياسات العلوم، كيفما كان شكله، مهم ومُجزِ. إلا أنه يواجه تحديات، أحدها، على سبيل المثال لا الحصر، لفت اهتمام صانعي السياسات إلى قضاياهم. ويتمثل تحد آخر في اكتساب ثقة المسؤولين الحكوميين في مرحلة مبكرة من صنع السياسات، عوضًا عن التصدي لبناء هذه العلاقات في أوقات الأزمات فقط.

لكن برغم هذه التحديات، يرى علماء أن وضع سياسات معينة أو دعمها أو تقديم الاستشارات، من شأنه أن يسهم في التقدم الاجتماعي بطرق ملموسة، وملحوظة.  وفي عالم ما زال يترنح من أثر صدمة جائحة «كوفيد-19»، وتتنظره اضطرابات تنجم من أثر التغير المناخي، وثورات تفجرها إمكانات الذكاء الاصطناعي، صرنا في أمس الحاجة اليوم إلى الاستشاريين العلميين.

خافيير جارسيا - مارتينيز: تجاوزوا رفع التقارير إلى اكتساب ثقة المسؤولين الحكوميين

مدير مختبر تقنيات النانو الجزيئية في جامعة أليكانتي في إسبانيا.

بالإضافة إلى إدارة فريقي البحثي، وهو فريق دولي يُعنى بالأبحاث في حقل تقنيات النانو من أجل الخروج بحلول في مجالي الكيمياء المستدامة والطاقة النظيفة، أتطوع للعمل لدى منظمات مثل المنتدى الاقتصادي العالمي (WEF)، والاتحاد الدولي للكيمياء البحتة والتطبيقية (IUPAC)، بهدف مساعدة القادة على مستوى العالم على صوغ سياسات عامة أكثر نجاعة، بالارتكاز على أدلة سليمة.

ومنذ عام 2012، ساعدت المنتدى الاقتصادي العالمي على صوغ تقرير سنوي بعنوان "أفضل 10 تقنيات ناشئة". وفي هذا التقرير، يحدد علماء من شتى أصقاع الأرض عددًا من التقنيات التي يتوقعون إطلاقها لثورة تغير وجه الصناعة والاقتصاد. فنقدم شروحًا مبسطة لماهية هذه التقنيات، وخلال وقائع قمة المنتدى الاقتصادي العالمي السنوية المنعقدة في يناير، في مدينة دافوس السويسرية، نسوق هذه الشروح إلى صناع السياسات والقادة حول العالم.

وبعض توقعات هذا التقرير الذي يقف على تقنيات ناشئة من شأنها أن ترسم ملامح مستقبل العلوم، تحقق على أرض الواقع. على سبيل المثال، صنّف تقريرنا لعام 2015 أداة التحرير الجيني «كريسبر-كاس9» على أنها من التقنيات الثورية. وبعدها بخمس أعوام، ربح العلماء الذين أسفروا النقاب عن هذه التقنية جائزة نوبل عن اكتشافها.

كذلك لفتنا إلى أهمية لقاحات الحمض النووي الريبي المرسال في تقريرنا لعام 2017. آنذاك، لم نكن نعي أن جائحة «كوفيد-19» في طريقها إلى الاندلاع. إلا أننا رأينا أن التقنية لم تحظ باهتمام كاف، وأنه على الحكومات تكريس المزيد من الموارد لتطويرها.

ويُعد تعزيز الانتفاع بالذكاء الاصطناعي في حقل الكيمياء من المجالات الأخرى التي قد تساعد فيها سياسات العلوم على توجيه دفة الجهود البحثية وإرشادها. ولتحقيق ذلك، نحتاج إلى "لغة" مبتكرة يمكن لآلات الذكاء الاصطناعي "قراءتها". من هنا، نعكف في الاتحاد الدولي للكيمياء البحتة والتطبيقية على ابتكار معرِّف نصي للمواد الكيميائية، يُرسي آلية قياسية لترميز المعلومات الجزيئية.  ومن شأن ذلك أن يسرع وتيرة تبني الذكاء الاصطناعي في الاكتشافات العلمية.

كذلك يسعى الاتحاد الدولي للكيمياء البحتة والتطبيقية إلى بناء تصور جديد في تدريس العلوم يستخدم مقاربة تُعرف باسم التفكير المنظومي. يعني هذا تدريس المواد العلمية من منظور مختلف السياقات، والوصل بين المعلومات المفككة غير المترابطة، ومساعدة الطلاب على اكتساب فهم أقوى لهذه المواد.

كذلك يَعني التفكير المنظومي الربط بين مختلف التخصصات. ويعني ذلك في مجال الكيمياء، على سبيل المثال، الربط بين التوصيف الجزيئي للمركبات وخصائصها التفاعلية ودورها في الصحة والاقتصاد والبيئة، ليصبح رخاء الفرد هو الأهم دومًا.

من هنا، نتعاون مع الحكومات في شتى أنحاء العالم لوضع التوجيهات وتوفير الأدوات والورش التعليمية التي تخدم في هذا الإطار. كما أدرنا خلال الأعوام الخمسة الماضية ورشًا تعليمية في جنوب إفريقيا والولايات المتحدة ومصر، حيث دربنا أساتذة التعليم الثانوي على نقل هذه المقاربة إلى الفصول التعليمية.

ففي صناعة السياسات، الدراية الواسعة في تخصص ما لا تجعل منك تلقائيًا استشاريًا علميًا مؤثرًا. يتطلب الأمر بدرجة أكبر فهمًا وإلمامًا شاملًا بجوانب القضايا، وقدرة على بناء علاقة ثقة مع صناع السياسات.

وهذا يتطلب إعداد تقارير عالية الجودة، تثبت مصداقيتها في عمليات التدقيق الأكثر صرامة. لكن بغض النظر عن التقارير، يحتاج الاستشاري العلمي إلى بناء علاقة ثقة مع صناع السياسات من خلال التمتع بمهارة الإصغاء الجيد ومراعاة الآخر. وتنبني هذه العلاقة منذ اللحظة التي تُطلب فيها من الاستشاري العلمي المشورة حول السياسات العامة، وتظل قائمة حتى إنفاذ التشريعات.

فتقديم الاستشارات العلمية هو في جوهره عملية لتزويد صانعي السياسات بأدق ما وصلت إليه المعارف في الوقت الحالي في سياق محدد.   وبمثل ما يحتاج صانعو السياسات إلى العمل مع المحامين لضمان صحة قرارتهم من الناحية الدستورية، يحتاجون أيضًا لإبرام تعاون وثيق مع الاستشاريين العلميين لدعم عملية وضع السياسات بأحدث ما وصلت إليه المعارف.

فالعالم سيكون في وضع أفضل عما هو عليه اليوم إذا صار لدينا استشاريون علميون أكفاء.

لورا بيتيش تعمل في مكتب سياسات العلوم والتكنولوجيا التابع للبيت الأبيض لدعم التصدي لأهم القضايا البيئية والمناخية.
لورا بيتيش تعمل في مكتب سياسات العلوم والتكنولوجيا التابع للبيت الأبيض لدعم التصدي لأهم القضايا البيئية والمناخية.
حقوق نشر الصورة: OSTP

لورا بيتيش: أوصي بالتفاعل مبكرًا وبكثافة مع القضايا المجتمعية

رئيسة فريق العمل المعني بالمناخ والبيئة والمدير المساعد المعني بقضايا التكيف مع التغير المناخي في مكتب سياسات العلوم والتكنولوجيا التابع للبيت الأبيض في العاصمة الأمريكية واشنطن.

حسبت في بداية مشواري المهني، أنني سأسلك المسار الوظيفي لأعضاء هيئات التدريس في إحدى الجامعات البحثية. وفي منصبي كباحثة في مرحلة ما بعد الدكتوراة بـ«مختبر النظم الإيكولوجية الساحلية والبحرية» التابع لجامعة ولاية فلوريدا Florida State University's Coastal and Marine Laboratory، في مدينة سانت تيريزا الأمريكية، كنت أجري أبحاثًا رأيت أنها ستفيد المجتمع. فتناولت دراساتي تأثير الجفاف في تلك المنطقة، والذي أخذت بسببه أعداد مجتمعات المحار تتضاءل.

وبفضل أبحاثي، بعد أشهر قليلة من شغل هذا المنصب، سنح لي العمل جنبًا إلى جنب عدد من طواقم جمع المحار.  آنذاك، كنت أتطلع إلى فهم تأثيرات الجفاف على حياة مجتمعات الصيد وسبل عيشها.

وشعرت بالعجز التام عن مساعدة هذه المجتمعات التي تأثرت بقوة بتضاؤل أعداد مصائد الأسماك.

فشرعت في التفاعل مع طواقم الصيد وأسرها مباشرة. كما كنت أحضر اجتماعاتها لمعرفة تأثيرات الجفاف. والإصغاء لقضايا هذا المجتمع أرشد خطى ابحاثي وجعل مني مناصرة شرسة للعلماء الذين يجرون أبحاثًا قد تعود بنفع مباشر على المجتمع. فأحرص على تفاعل العلماء مبكرًا وبصفة مستمرة مع من تنصب عليهم منفعة أبحاثهم.

وفي عام 2009، بعد انقضاء دراساتي لمرحلة ما بعد الدكتوراة، فزت بزمالة لعامين حول سياسات العلوم برعاية الجمعية الأمريكية لتطوير العلوم، ومن ثم انضممت إلى مكتب برنامج المناخ لدى الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي (NOAA) في مدينة سيلفر سبرينج بولاية ميريلاند الأمريكية. وهنا، شرعت في بناء شراكات على مستوى الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي تُعنى بالنظم الإيكولوجية المناخية والساحلية والبحرية، ومن أمثلتها مبادرة لتأسيس نظام إنذار مبكر للإخطار بأحداث الجفاف المحلية في شرقي الولايات المتحدة.  بعد ذلك، عُينتُ استشارية علمية متخصصة في النظم الإيكولوجية بمكتب برنامج المناخ، حيث شاركت في برامج وأنشطة مشتركة بين هيئات متعددة تُعنى بالمرونة المناخية والتأقلم مع التغير المناخي. وخلال عملي بالإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي، أُسندت لي لمرتين مهام بمكتب سياسات العلوم والتكنولوجيا (OSTP) بالبيت الأبيض. ومنذ عام 2014، عملت لثلاث سنوات في هذا المكتب على مساعدة المسؤولين في إنفاذ خطة العمل المناخي للرئيس الأمريكي آنذاك، باراك أوباما. ثم باشرت العمل في المكتب عام 2021. وفي الوقت الحالي، أشغل منصب رئيس طاقم «فريق العمل المناخي والبيئي»، كما أنهض بمنصب المدير المساعد المعني بقضايا التكيف مع التغير المناخي.  ومن هنا، تعلّق قلبي بالعمل في مجال استشارات العلوم، ولم أبرح ساحته قط.

وفي منصبي الحالي، أدعم القضايا البيئية والمناخية ذات الأولوية لدى إدارة الرئيس الأمريكي جون بايدن. على سبيل المثال، تشمل مجالات عملي سياسات البِنى التحتية. ففي لحظة فاصلة في تاريخ العمل المناخي، تضخ الإدارة بالتعاوُن مع الكونجرس الأمريكي مليارات الدولارات نحو تمويل بِنى تحتية بعينها على مستوى البلاد. ونسعى إلى ضمان أن تكون هذه الاستثمارات المستقبلية المجتمعية مواكِّبة لتأثيرات التغيُر المناخي. على سبيل المثال، في حال اعتزام مجتمع محلي بناء طريق جديد أو إصلاح جسر ما، نطلع الجهات المعنية القائمة على الإنشاءات والتخطيط على أبحاث التغير المناخي، لتضع في حسبانها هذه المعطيات البحثية.

كذلك نتعاون مع عدد من الهيئات الحكومية لتبني حلول ترتكز على الطبيعة. ومن واقع تدريبي على العمل البيئي، أتمتع بالدراية العلمية لذلك. على سبيل المثال، من شأن الإصلاح البيئي للمستنقعات أن يقي المجتمعات والمباني والطرق المجاورة من مخاطر ارتفاع مستوى سطح البحر أو ارتفاع المد بسبب العواصف. فمبادرات كتلك تدعم البيئة، وتعود بالنفع على المجتمع بحمايته.

آرون ماكسويل: البيانات وسيلتنا للتصدي للإشكالات السياساتية

محلل بيانات لدى مجلس كندا الوطني لبحوث العلوم والهندسة في أوتاوا.

بدأ اهتمامي بعالم صناعة السياسات في أثناء دراساتي للحصول على درجة الماجستير في علم الفلك والفيزياء الفلكية بجامعة فيكتوريا في كندا. شجّعني صديق مخلص آنذاك على أن أتولى منصب نائب رئيس اتحاد الطلاب الخريجين بالجامعة، والذي ساعدت من خلاله في نهاية المطاف على التفاوُض على حصول أعضاء الاتحاد على تغطية تأمينية لعلاج الأسنان. وعند التقائي برؤساء كليات الجامعة خلال هذه المفاوضات، أدركت أن ثمة الكثير مما يجب القيام به. فكثير من المشكلات تطلب حلًا من خلال تغيير السياسات. وقد وجدت هذه التجربة ممتعة بحق.

واليوم، أعمل في مجلس كندا الوطني لبحوث العلوم والهندسة (NSERC)، وهو المجلس القائم على توزيع التمويلات الحكومية لباحثي الجامعات على مستوى كندا. ووظيفتي هي جمع البيانات للبت في ما إذا كانت سياسات المجلس تؤتي ثمارها، أم لا.

ورئيسي هو مسؤول البيانات الرئيس بالمجلس، حيث أُشرف على جميع نظم البيانات الخاصة بالمجلس، بما في ذلك صندوق أمانة البيانات للمجلس، وعلى تحليل وتنسيق البيانات مع الهيئات الحكومية والوزارات الأخرى، لتكون البيانات من أهم العوامل المحركة للخدمات العامة.

على سبيل المثال، تضخ الحكومة الكندية استثمارات في المركبات الكهربية وبطارياتها وفي عمليات تدوير هذه البطاريات. فإن صرح شخص في البرلمان الكندي، على سبيل المثال بأن "المركبات الكهربية هي المستقبل". وتساءل: "هل من أدلة داعمة لذلك؟"، عندها، نُضطر إلى فرز تقاريرنا للوقوف على مشروعات ذات صلة يمولها مجلس كندا الوطني لبحوث العلوم والهندسة. وهي عملية تستهلك الكثير من الوقت. إلا أننا نسعى لتبني تقنية تعلُم الآلة في أنشطتنا، بحيث لا نُضطر إلى قراءة كل تقرير يحوي كلمة "هندسة"، ككلمة مفتاحية على سبيل المثال. ومن خلال تعلُّم الآلة، يتسنى لك الوصول إلى مجموعات بيانات أكبر. وباستخدام هذه البيانات، يمكننا مساعدة المسؤولين على صوغ سياسات أكثر فاعلية.

ومن بين المجالات التي تشملها أبحاثنا قضايا تعزيز المساواة وإشراك وتمثيل مختلف الأطياف البشرية (EDI). ومن المهم بالنسبة لي تعزيز فاعلية سياساتنا في هذه القضايا، بالنظر إلى أني مختلط العرق (تنحدر أصولي من أب جامايكي أسود، وأم كندية بيضاء)، ومن ذوي الأنماط العصبية الفريدة (إذ أعاني من اضطراب قصور الانتباه مع فرط النشاط، ومن درجة من التوحد، فضلًا عن مشكلات صحية نفسية).  وكل هذه العوامل اتحدت معًا ضدي خلال مسيرتي التعليمية في مجال العلوم. لكنني أعي أنني محظوظ إذ آلت بي الحال إلى بلوغ المكانة التي أنا عليها اليوم.

وللوصول إلى فهم أفضل لأبعاد قضايا المساواة وإشراك وتمثيل مختلف الأطياف البشرية، تقدم مكتبنا بطرح مفاده أننا بحاجة إلى جمع البيانات حول المتقدمين لمِنح مجلس كندا الوطني لبحوث العلوم والهندسة. فجمعنا هذه البيانات من شتى مصادرها، في مستودعات بيانات.  ومن ثم، عمدت مع زميل لي بالمجلس إلى استخلاص هذه البيانات وتحليلها معًا.

ولم نكتف بعرض الجوانب التي أحرز فيها المجلس نجاحًا كبيرًا، بل أشرنا كذلك إلى المجالات التي شاب أداء المجلس فيها قصور كبير، ومن ثم احتاج إلى أن يوليها اهتمامًا خاصًا. على سبيل المثال، وجدنا أن المتقدمين للمنح التمويلية على اختلاف أطيافهم لا يعبرون حتى الآن عن التمثيل الطيفي للمجتمع الكندي ككل.  واستخدمنا بيانات إحصائية للبرهنة على أنه ستكون هناك حاجة لمتقدمين من مجموعات ديموغرافية بعينها، لتحقيق تمثيل طيفي منصف للحاصلين على المنح التمويلية. ومن هنا، توقعنا، على سبيل المثال، أن يتقدم لإحدى منح الزمالات الطلابية خمسون شخصًا من سود البشرة إذا كان المتقدمون يُعبرون عن التمثيل الطيفي للمجتمع الكندي، لكننا عوضًا عن ذلك، لم نحصل إلا على 30 طلبًا للمنحة من جانب سود البشرة.

بيت القصيد هنا هو أننا صرنا قادرين على الوقوف على هذه الفروق التمثيلية، ودراسة الكيفية التي يمكن بها للمؤسسات تحسين هذا الوضع.

على سبيل المثال، يمكن عندئذ لمجلس كندا الوطني لبحوث العلوم والهندسة أن يخطر إحدى الجامعات بالتالي: "لاحظنا أن الجامعة لم تفد بورود طلبات للتقدم لبرامج الدكتوراة من السود لديها العام الماضي. فهل تجدون هذا الوضع مقبولًا"؟ أو "ما السبب خلف ذلك؟" فمن واقع البيانات التي نرصدها، نتنبه إلى هذه الفوارق.

إندو مورثي، اختصاصية النظم الإيكولوجية الغابية تعمل اليوم لدى مركز أبحاث غير ربحي لسياسات العلوم في مدينة بنجالور الهندية، لأنها أرادت بناء علاقات أقوى بين المجتمع البحثي وصناع القرار.
إندو مورثي، اختصاصية النظم الإيكولوجية الغابية تعمل اليوم لدى مركز أبحاث غير ربحي لسياسات العلوم في مدينة بنجالور الهندية، لأنها أرادت بناء علاقات أقوى بين المجتمع البحثي وصناع القرار.

إندو مورثي: خاطبوا صناع السياسات بلغتهم

مديرة قسم المناخ بـ«مركز دراسات العلوم والتكنولوجيا والسياسات» في مدينة بنجالور الهندية.

أعمل لدى مركز دراسات العلوم والتكنولوجيا والسياسات (CSTEP)، وهو مركز أبحاث غير ربحي.

وفي هذه المؤسسة، نعمل على جمع الأدلة العلمية التي يمكن أن يسترشد بها صناع السياسات على المستوى المحلي والدولي، سواء كانوا من الأطراف المعنية الحكومية أو المؤسسات غير الحكومية التي تنهض بتنفيذ المشروعات. وسعيًا إلى خفض البصمة الكربونية للشركات دون تهديد خطى التنمية، أدير فريقًا قوامه نحو 30 شخصًا، يتصدون لقضايا متعددة، من أمثلتها السيناريوهات طويلة الأمد لجهود نزع الكربون من الغلاف الجوي. وتحظى تلك الجهود بأهمية كبيرة فيما يخص بلدًا كالهند، التي تحل في الشريحة الدنيا من الدول متوسطة الدخل.

من هنا، على سبيل المثال، تواصلت وزارة البيئة والغابات والتغير المناخي للبلد مع أكاديميين ومراكز بحثية تسهم في نمذجة السيناريوهات سالفة الذكر. وخلص فريق بحثي إلى سيناريوهات تطرُق العوامل التي يتطلبها تحقيق البلد لصافي صفري من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، بحلول كل من العام 2060، و2070، و2080، و2100. وطرحت هذه النماذج على الوزراء مسارات محتملة يمكن للبلد أن يسلكها على طريق الوصول إلى صافي انبعاثات صفري، كما استرشد بها قرار الهند بالالتزام بتحقيق هذا الهدف في ميثاق جلاسجو للمناخ بالقمة السادسة والعشرين لمؤتمر أطراف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيُر المناخ، وفي مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ لعام 2021.

والتحدي الأصعب في مجالي هو لفت اهتمام صانعي السياسات لقضايانا. فنحتاج، على سبيل المثال، إلى الرجوع لهم للحصول على إفادتهم بالرأي عدة مرات. إذ لا يتحمسون ببساطة لكل ما أدلو به إليهم. أمر كهذا لا يحدث أبدًا. فإقناعهم يتطلب خوض عدة محادثات.

لذا، عليك أن تخاطبهم بلغتهم، بالحديث عما سيكون له أعظم الأثر. على سبيل المثال، إذا كنت تخاطب عضوًا تشريعيًا يتفاعل مباشرة مع أفراد المجتمع، فربما عليك أن تحدثه عن التأثيرات الاجتماعية لقضيتك. من جانب آخر، في خطاب صانعي السياسات بالمستويات الحكومية العليا، قد يتعين عليك محادثتهم بلغة قوامها الاستثمارات والتأثيرات الاقتصادية. تلك هي الأوراق المهمة في اللعبة، وتلقى صدى قويًا في نفس من تخاطبهم. ففي نهاية المطاف، ما ينشدونه هو صناعة تأثير.

في وقت سابق من مسيرتي المهنية، أمضيت 25 عامًا كعالمة متخصصة في دراسة النظم الإيكولوجية الغابية بالمعهد الهندي للعلوم في مدينة بنجالور. آنذاك، كنت أجري دراسات رصدية طويلة الأمد لإحدى بؤر التنوع الحيوي، هي سلسلة جبال الغات الغربية في الهند.

ولرغبتي في صناعة تغيير وبناء علاقات أقوى مع صانعي القرار، التحقت بالعمل في مركز دراسات العلوم والتكنولوجيا والسياسات (CSTEP). كما أعمل استشارية في برنامج الأمم المتحدة للبيئة، حيث أساعد في إعداد تقرير «مستقبل البيئة العالمية» Global Enviroment outlook. وفي إطار هذه الجهود، أساعد أيضًا في طرح منظور الدول منخفضة ومتوسطة الدخل لتناوُله في نقاشات العمل البيئي وحلول المناخ.  ولا شك أن صناعة تأثير ملموس؛ بالتأثير في الأفراد وفي تناوُلهم للقضايا الإشكالية باعث على رضا كبير.

خضعت هذه المقابلات للتحرير لدواعي الاختصار والوضوح.

نُشر هذا المقال في دورية Nature بتاريخ 18 سبتمبر عام 2024

doi:10.1038/nmiddleeast.2024.319