مقالات

السمنة تهدد أطفال الشرق الأوسط ومراهقيه بأمراض القلب

Published online 22 نوفمبر 2023

ارتفاع معدل الوفيات الناتجة عن أمراض القلب والأوعية الدموية في بلدان الشرق الأوسط إلى حوالي 80٪ في العقود الثلاثة الماضية

هاني زايد

تعرض الأطفال للتسويق التجاري للوجبات السريعة يؤدي إلى شراء أغذية غير صحية وفرط الوزن والسمنة
تعرض الأطفال للتسويق التجاري للوجبات السريعة يؤدي إلى شراء أغذية غير صحية وفرط الوزن والسمنة
Jasmin Merdan/ Moment/ Getty Images Enlarge image
لا تتوافر معطيات دقيقة حول انتشار السمنة بين أطفال بلدان الشرق الأوسط ومراهقيها، لكن دراسات عدة حذرت من تزايُد احتمالات إصابة تلك الفئة العمرية بأمراض القلب والأوعية الدموية بسبب السمنة وزيادة الوزن.

ويزداد الأمر سوءًا في ظل ما كشفته دراسة حديثة أجراها باحثون في جامعة "جوتنبرج" السويدية من أن الذكور الذين يعانون من زيادة الوزن أو السمنة في سن 18 عامًا يكونون أكثر تعرضًا للإصابة بـ17 نوعًا مختلفًا من السرطان في وقت لاحق من الحياة.

يقول "أنرو أونرب" -الباحث في معهد أكاديمية ساهلجرينسكا للطب، والمشارك في الدراسة- في تصريحات لـ"نيتشر ميدل إيست": ارتبط ارتفاع مؤشر كتلة الجسم بسرطانات الرئة، والرأس والعنق، والدماغ، والغدة الدرقية، والمريء، والمعدة، والبنكرياس، والكبد، والقولون والمستقيم، والكلى، والمثانة، والجلد الخبيث، والدم، وسرطان هودجكين، واللمفومة اللاهودجكينية، وأورام الجهاز العصبي المركزي، والورم النقوي المتعدد.

الشرق الأوسط

تُصنف دول الشرق الأوسط بشكل رئيسي على أنها دول مرتفعة ومتوسطة الدخل، وشهدت تلك البلدان تحولًا سريعًا من أنماط الحياة الريفية إلى أنماط الحياة الحضرية على مدى العقود السبعة الماضية.

وتوضح دراسة أجراها باحثون في جامعة الإمارات العربية المتحدة أن معدل انتشار أمراض القلب والأوعية الدموية في بلدان الشرق الأوسط بلغ 10148 لكل 100 ألف في عام 2020، مقارنةً بـ7354.1 لكل 100 ألف في جميع أنحاء العالم.

وارتفع معدل الوفيات بسبب أمراض القلب والأوعية الدموية في بلدان الشرق الأوسط إلى حوالي 80٪ رغم انخفاضه في العديد من البلدان المتقدمة خلال الثلاثين عامًا الأخيرة.

وتؤدي السمنة الشديدة إلى انتشار عوامل الإصابة بالأمراض القلبية الوعائية في مرحلة الطفولة المبكرة، وحدوث تصلب في جدار الشريان السباتي، وخلل في بطانة الأوعية الدموية، ما يُعد مؤشرًا مبكرًا على الإصابة بتصلب الشرايين.

وتشير الدراسة إلى ارتفاع الإصابة بالاضطرابات الأيضية -مثل ارتفاع مستويات الدهون الثلاثية والكوليسترول الكلي- بصورة كبيرة جدًّا لدى الأطفال الإماراتيين الذين يعانون من زيادة الوزن في سن المدرسة بسبب "زيادة استهلاك الطعام غير الصحي والتاريخ الوراثي العائلي".

ولا يختلف الأمر كثيرًا بالنسبة لأطفال المملكة العربية السعودية بسبب الاستهلاك الواسع النطاق للوجبات السريعة والمشروبات الغازية ومشروبات الطاقة، وعدم ممارسة التمارين الرياضية بانتظام.

وتشير دراسة مرجعية شملت أطفالًا ومراهقين سعوديين تتراوح أعمارهم بين عامين و19 عامًا زاروا خمسة مستشفيات و24 مرفقًا للرعاية الأولية بين عامي 2016 و2021، إلى انتشار زيادة الوزن بينهم بنسبة 11.2%، والسمنة بـ9.4%.

وكان الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين عامين وستة أعوام أكثر تعرضًا للسمنة (12.3%)، في حين كان الذكور أكثر تعرضًا للسمنة (10.4%) مقارنةً بالفتيات (8.3%)، وعانى 64% من الأطفال المصابين بمرض السكري من السمنة أو زيادة الوزن.

وفي السياق، حذرت دراسة أُجريت على 218 طالبًا بمدارس مدينة الناصرية العراقية من انتشار زيادة الوزن والسمنة بين أطفال المدارس في سنوات المراهقة المبكرة.

وذكرت الدراسة أن 32.56% من عينة البحث يعانون من زيادة الوزن، و13.76% يعانون من السمنة المفرطة، وأن الطلاب في سنوات المراهقة المبكرة يكونون أكثر تعرضًا لزيادة الوزن والسمنة.

كما أوضحت دراسة مرجعية اعتمدت على تحليل بيانات دراسات أُجريت في الفترة بين 1990 وحتى 2007، أن "البحرين كانت صاحبة أعلى معدلات للسمنة وفرط الوزن، في حين كانت إيران أقلها، وأن ارتفاع معدل انتشار السمنة في الأطفال في الشرق الأوسط يجب أن يحفز أصحاب القرار لاتخاذ إجراءات فعالة لمواجهة تلك الظاهرة".

وتحتل الكويت حاليًّا المرتبة الأولى في معدلات السمنة بين البالغين في الشرق الأوسط والعالم العربي بنسبة انتشار 34.28% بين الذكور و47.08% بين الإناث، تليها قطر (33.46% للذكور و44.60% للإناث)، ثم السعودية بنسبة 31.73% للذكور و43.74% للإناث، مع ملاحظة تقدم الأردن على المملكة العربية السعودية في نسبة الإناث المصابات بالسمنة، والتي بلغت 44.60%، وفق تقديرات الاتحاد العالمي للسمنة.

ويرجع ارتفاع معدلات السمنة وزيادة الوزن بين سكان منطقة الشرق الأوسط إلى التخلي عن الأنظمة الغذائية الغنية بالخضراوات والحبوب الكاملة والاستبدال بها وجبات سريعة وأطعمة مصنعة وأغذية تحوي سكريات مكررة ودهونًا غير صحية.

تسويق الوجبات السريعة

يوضح تقرير أعدته منظمة اليونيسف أن تعرض الأطفال للتسويق التجاري للوجبات السريعة والمشروبات المحلاة بالسكر يؤدي إلى شراء أغذية غير صحية وفرط الوزن والسمنة.

ويضيف أن "الأطفال في بعض البلدان يشاهدون سنويًّا ما يصل إلى 30 ألف إعلان على شاشات التلفزيون وحدها، وأن التسويق التجاري للوجبات السريعة أدى إلى زيادة مفزعة في معدلات السمنة لدى الأطفال والمراهقين الذين يعانون من السمنة، من 11 مليونًا في عام 1975 إلى 124 مليونًا في عام 2016، وهو ما يمثل زيادة بمقدار 11 مرة".

وينقل التقرير عن هيلين كلارك -رئيسة وزراء نيوزيلندا السابقة والرئيسة المشاركة في إعداد تقرير اليونيسف- قولها: يواجه أطفال العالم أخطارًا تهدد حياتهم بسبب تغير المناخ والضغوط التجارية، ويجب أن تصلح البلدان نهجها فيما يتعلق بصحة الأطفال والمراهقين، ليس لضمان الاعتناء بأطفالنا اليوم فقط، بل أيضًا لحماية العالم الذي سيرثونه غدًا.

سبل الوقاية

تؤكد الدراسات -على اختلافها- أهمية مكافحة السمنة وعوامل الخطر المتعلقة بأمراض القلب والأوعية الدموية منذ مرحلة الطفولة سواء في المنزل أو المدرسة، باعتبارها من أهم العوامل الأولية للوقاية من أمراض القلب والأوعية الدموية لدى الأطفال والمراهقين.

ووفق دراسة أجراها باحثون في معهد كارولينسكا بالسويد، فإنه "من الممكن بالفعل الوقاية من نسبة كبيرة من أمراض القلب والأوعية الدموية في مرحلة البلوغ من خلال انخفاض مؤشر كتلة الجسم، وضبط ضغط الدم، وتحسين اللياقة البدنية، وتحسين قوة العضلات في مرحلة المراهقة".

يقول مارسيل بالين - الباحث في مركز علم الأوبئة وطب المجتمع بالسويد، والمشارك في الدراسة- في تصريحات لـ"نيتشر ميدل إيست": فترة المراهقة هي فترة مهمة في الحياة لتأسيس عادات جيدة مثل ممارسة الرياضة واتباع نظام غذائي صحي.

ويضيف: هناك أيضًا حاجة إلى تدخلات مجتمعية متعددة العوامل وشاملة بدلاً من التدخلات الموجهة بشكل فردي، مع التركيز على تحسين البيئة الغذائية.

من جهته، يقول "أونرب" لـ"نيتشر ميدل إيست": إن ممارسة النشاط البدني بقدرٍ كافٍ تمنع السمنة وتزيد من اللياقة البدنية، واتباع نظام غذائي صحي يمنع السمنة، ويجب على صناع السياسات اتخاذ إجراءات سريعة لوقف وباء السمنة على مستوى الصحة العامة والمجتمع.

doi:10.1038/nmiddleeast.2023.255