رحلة باحثة بين محطات حقل دراسة التكاثفات
04 December 2024
نشرت بتاريخ 7 يناير 2019
تُبدي الأعراف الاجتماعية تغيُّرًا على امتداد الوطن العربي. ويجب أن يستمر التثقيف والتوعية بشأن الوقاية من الأمراض المنقولة جنسيًّا، وفقًا لقول رحاب جمعون1
الالتزام الديني الصارم أمرٌ مألوفٌ في المجتمعات العربية، وتترتب عليه سلوكيات جنسية محافظة نسبيًّا مقارنةً ببعض الثقافات الأخرى.2 تاريخيًّا، كان انتشار حالات عدوى الأمراض المنقولة جنسيًّا (ومن ضمنها فيروس الورم الحليمي البشري المعروف باسم HPV) منخفضًا في هذه المنطقة الجغرافية مقارنةً ببقية أنحاء العالم. .3 ولكن مع التغيُّرات السريعة في نمط الحياة التي أتت مع العولمة، أصبحت أنماط السلوك الجنسي -وخاصةً بين الأجيال الشابة- أكثر تحرُّرًا. ومن المتوقع أن تؤدي هذه الظاهرة إلى ارتفاع معدّل انتشار الأمراض المنقولة جنسيًّا والسرطانات المرتبطة بها، كسرطان عنق الرحم، في المنطقة العربية.2
على الرغم من الجهود التي بُذلت على مدى العقدين الماضيين، إلا أن اختبارات المسح للكشف عن سرطان عنق الرحم في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (MENA) منخفضة نسبيًّا. تسعى منظمة الصحة العالمية (WHO) وغيرها من الهيئات والخبراء الصحيين للدفاع عن لقاح فيروس الورم الحليمي البشري كطريقة تدخُّل فعالة؛ للتغلُّب على الحواجز في الحصول على الخدمات الصحية، والقضاء على معظم السرطانات ذات الصلة بفيروس الورم الحليمي البشري والتي يمكن توقِّيها. بيد أن النهج الديني والتقاليد المحافظة في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا منعت إدراج لقاح فيروس الورم الحليمي البشري في برامج التحصين الوطنية من قِبَل صانعي السياسة الصحية، تحسُّبًا لرد الفعل الشعبي.
تقدير السلوكيات بالأبحاث
لاستكشاف هذا الأمر، عمدت مراجعة منهجية نُشرت مؤخرًا في المجلة الصحية لشرق المتوسط (EMHJ)، الدورية الرسمية للمكتب الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط، لاستقصاء الوعي بعدوى فيروس الورم الحليمي البشري وتقبُّل اللقاح بين العديد من المجموعات الفرعية في البلدان العربية. 4 كشفت النتائج عن تقبُّلٍ متوسط إلى مرتفع للقاح فيروس الورم الحليمي البشري -على الرغم من معرفة متدنية إلى معتدلة بعدوى فيروس الورم الحليمي البشري- وانفتاحٍ بين عامة الناس ومقدمي الرعاية الصحية، لتعلُّم المزيد عن الفيروس والوقاية منه.
وأُجريت دراسة حديثة أخرى في تونس، شملت 452 امرأةً و55 اختصاصيًّا في أمراض النساء5 ، واستقصت تقبّل لقاح فيروس الورم الحليمي البشري. وقد هدف هذا العمل إلى استنتاج معدل النجاح المقدّر لبرنامج التطعيم الوطني المحتمل لفيروس الورم الحليمي البشري في تونس بناءً على استجابات من النساء والعاملين في مجال الصحة المشاركين في برنامج الوقاية من سرطان عنق الرحم (وهو دور يؤديه أطباء أمراض النساء في تونس).
كشفت النتائج عن مستويات مرتفعة جدًّا لتقبُّل لقاح فيروس الورم الحليمي البشري، وعن اهتمام واضح لمعرفة المزيد عن طرق الوقاية من سرطان عنق الرحم بين النساء التونسيات. ذكرت أكثر من 80٪ من النساء اللاتي شملهن الاستطلاع استعدادهن لتلقّي لقاح فيروس الورم الحليمي البشري إذا ما أوصى به أطباؤهن. كما عبّرن عن استعدادهن للدفع لقاء تلقيح بناتهن في المستقبل ضد فيروس الورم الحليمي البشري، حتى وإن كانت التكلفة مرتفعةً نسبيًّا. وأيدت أكثر من 90٪ من النساء اللواتي شملهن الاستطلاع إدخال لقاح فيروس الورم الحليمي البشري في برنامج التطعيم الوطني لجعله متاحًا ومجانيًّا لجميع الفتيات التونسيات.
وكان لافتًا تسجيل معدلات تقبُّل مرتفعة للقاح فيروس الورم الحليمي البشري على الرغم من محدودية معرفة النساء المشاركات حول فيروس الورم الحليمي البشري وسرطان عنق الرحم. وأدركت 38.7٪ فقط من النساء العلاقة السببية بين عدوى فيروس الورم الحليمي البشري وسرطان عنق الرحم، وكانت 38.9٪ فقط على علم بمعدل التكرار الموصى به لإجراء اختبار مسحة عنق الرحم.
تؤكّد هذه النتائج الدعم الشعبي العام للقاح فيروس الورم الحليمي البشري، وأن الأسباب الثقافية التي تتذرع بها السلطات الصحية عادةً كحاجز رئيسي لبرنامج التلقيح ضد فيروس الورم الحليمي البشري لا تستند إلى أدلة. هذا الاتجاه لا يقتصر على تونس فقط. فقد أشارت دراسات أخرى إلى وجود نفس التقبّل المتوسط إلى المرتفع للقاح فيروس الورم الحليمي البشري بين نساء من بلدان أخرى في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا4 ,6 .
تثقيف مهنيي الرعاية الصحية
من المثير للاهتمام أن نلاحظ أن الدراسة وجدت دليلًا أقل على تقبّل لقاح فيروس الورم الحليمي البشري بين أطباء أمراض النساء الذين شملهم الاستطلاع. كما أفاد معظم أطباء التوليد/ أطباء أمراض النساء المشاركين في الاستطلاع بمعرفة واسعة عن سرطان عنق الرحم واختبار مسحة عنق الرحم، في حين كانت معرفتهم عن لقاح فيروس الورم الحليمي البشري أقل نسبيًّا. وأشار الأطباء إلى تكلفة التطعيم المرتفعة كعامل محدّد لتقديم لقاح فيروس الورم الحليمي البشري بشكل واسع. وكمثال على ذلك، يبلغ السعر الحالي لجرعة واحدة من اللقاح الثنائي التكافؤ في الصيدلية التونسية حوالي 45,7 دولارًا أمريكيًّا7 ، في حين أن سعر الجملة قد يصل إلى 9,50 دولارات أمريكية لكل جرعة عند تضمين اللقاح في برنامج تحصين8 .
وتضمنت العوامل الأخرى التي ذُكرت الحاجز الثقافي المرتبط بتقديم لقاح ضد العدوى المنقولة جنسيًّا في المجتمعات العربية التي لا تسمح بالعلاقات الجنسية خارج إطار الزواج، ومحدودية الوعي بعدوى فيروس الورم الحليمي البشري بين النساء، والمعرفة المحدودة نسبيًّا بين ممارسي المهن الطبية حول التطعيم، وفاعليته وآثاره الجانبية المحتملة.
هناك دليل متزايد على أن ثمة حاجة ماسة إلى التعاون السريع بين البلدان في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؛ لتطوير التثقيف المستمر بالتطعيم ضد فيروس الورم الحليمي البشري بين العاملين في مجال الصحة المشاركين في الوقاية من سرطان عنق الرحم. وهذا سيضمن أن العاملين في مجال الصحة على دراية جيدة بالتطعيم وكيفية تشجيع مرضاهم على اعتماده. إن إستراتيجيات التدخل في مجال التثقيف والتوعية، سواء كانت تستهدف العاملين في مجال الصحة أو النساء العربيات عمومًا، ستعزِّز -دونما شكّ- المعرفة بفيروس الورم الحليمي البشري ومضاعفاته والنجاح المحتمل للبرامج الوطنية للتطعيم ضد فيروس الورم الحليمي البشري في بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
doi:10.1038/nmiddleeast.2019.3
الدكتورة رحاب جمعون استشارية الوبائيات والتطور السريري.
لها عدة سنوات من الخبرة الدولية في النتائج الصحية والاقتصاديات الدوائية وإدارة المشاريع، وخاصةً فيما يتعلق بالحصول على الخدمات الصحية في سياق التنمية الدولية. تتضمن خلفيتها الأكاديمية شهادة الدكتوراة في الوبائيات الدوائية والطب الوقائي من جامعة المنستير، تونس، وماجستير في الوبائيات الدوائية، والإحصاء الحيوي والاقتصاد الصحي من جامعة مونتريال، كندا، ودرجة البكالوريوس في العلوم البيولوجية من جامعة مونتريال، كندا. وقد ركز بحثها الذي أجرته للحصول على الدكتوراة على دراسة تقبُّل طرق الوقاية من سرطان عنق الرحم في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وبين مختلِف المجموعات الفرعية في تونس (النساء، وطلاب الطب وأطباء التوليد وأمراض النساء). وقد أدت أطروحتها للدكتوراة إلى نشر ثلاث دراسات في دوريات Vaccine، المجلة الصحية لشرق المتوسط (EMHJ) الصادرة عن (EMRO-WHO)، وJournal of Preventive Medicine and Hygiene.
تواصل معنا: