أخبار

إدارة ترامب توجه ضربة قاصمة إلى الجامعات وباحثيها

نشرت بتاريخ 20 أبريل 2025

شرعت الحكومة الأمريكية في اقتطاع 400 مليون دولار من ميزانية المِنَح البحثية الموجهة إلى جامعة كولومبيا، على خلفية احتجاجات طلابية مؤيدة لفلسطين.

همبرتو باسيليو

طلاب يتجولون داخل حرم جامعة كولومبيا بمدينة نيويورك.
طلاب يتجولون داخل حرم جامعة كولومبيا بمدينة نيويورك.
حقوق الصورة: Luiz C. Ribeiro/New York Daily News/TNS/Alamy

في الساعة السابعة من صباح الثلاثاء، الحادي عشر من مارس الجاري، استيقظَتْ طالبة الدكتوراه دانييلا فوديرا على اتصال هاتفي من رئيس المختبر البحثي الذي تعمل به بقسم الهندسة الطبية الحيوية بجامعة كولومبيا، يحمل إليها خبرًا مزلزلًا: أبلغها بإنهاء منحة الزمالة F31 الحاصلة عليها، وهي منحة تدريب بحثي تعتمد عليها فوديرا بوصفها المصدر الرئيس لدخلها السنوي.

تقول: "كان خبرًا صادمًا، ولم أدرِ إلا ودموعي تنهمر على الفور".

على أن فوديرا (التي تدرس الأورام الليفية في الرحم، وهي أورام غير سرطانية تصيب نسبة تتراوح بين 70 و80% من النساء بحلول سن الخمسين، ويمكن أن تسبب آلامًا مبرحة وعقمًا) ليست وحدها في ذلك. إنها حالة من عديد الحالات التي تضرَّر أصحابها من قرار إدارة ترامب بإلغاء منح وعقود فيدرالية تبلغ قيمتها 400 مليون دولار أمريكي مخصصة لجامعة كولومبيا، الكائن مقرها في مدينة نيويورك. وأفادت إدارة ترامب أن هذا القرار، الذي أُعلن في السابع من مارس الجاري، جاء نتيجة "استمرار الجامعة في التقاعس عن التصدي للمضايقات المتكررة التي يتعرض لها الطلاب اليهود"، مضيفةً أنَّ إلغاء المزيد من المنح البحثية "ليس بالأمر المستبعَد".

أكثر المتضررين من القرار باحثون وطلاب حاصلون على منح وزمالات بحثية من معاهد الصحة الوطنية الأمريكية (NIH)، أكبر جهة ممولة للأبحاث الطبية الحيوية في العالم. فقد أعلنت الهيئة يوم الاثنين، العاشر من الشهر الجاري، عن إلغاء تمويل مخصص لجامعة كولومبيا تتجاوز قيمته 250 مليون دولار، ويشمل أكثر من 400 منحة بحثية.

وقد أعرب عدد غير قليل من قادة المختبرات وطلاب الدكتوراه وباحثي ما بعد الدكتوراه لدورية Nature عن قلقهم حيال مستقبلهم البحثي في مجال العلوم، وقدرتهم على إعالة أنفسهم وأسرهم. وعلى الرغم من عدم الإعلان عن قائمة كاملة بالمنح الملغاة حتى الآن، تشير مصادر Nature إلى أن الباحثين الذين يقطعون الخطوات الأولى في مشوارهم المهني، من الحاصلين على منح التدريب البحثي من معاهد الصحة الوطنية، مثل الزمالات F30 وF31 وR25 وT32، هم الأشد تأثرًا بقرار الإلغاء. وبحسب ما صرح به مصادر الدورية داخل معاهد الصحة، فإن مكتب الأبحاث الخارجية التابع للهيئة هو الجهة المنوط بها إعداد قوائم المنح الملغاة، بناءً على ما يتحصَّل عليه من بيانات من وزارة الصحة والخدمات الإنسانية الأمريكية، التي تتبعها الهيئة، بالتنسيق مع وزارة الكفاءة الحكومية. وسوف تدخل هذه القوائم حيز التنفيذ فور صدورها، ربما في غضون ساعة واحدة.

في تصريحٍ أدلت به المتحدثة باسم جامعة كولومبيا لدورية Nature، ذكرت أنَّ الجامعة تعكف على مراجعة إخطارات بقطع المنح، وقالت إنها "لا تستطيع تأكيد عدد المنح الملغاة التي تلقت إخطارات بشأنها من الوكالات الفيدرالية منذ السابع من مارس الجاري". ومع ذلك فإن الجامعة، حسب قولها، "تتعهد بالتعاون مع الحكومة الفيدرالية لاستعادة التمويل الفيدرالي".

متظاهرون يتحصَّنون داخل مبنى أكاديمي في جامعة كولومبيا أثناء مظاهرات مناصِرة لفلسطين في شهر أبريل من العام الماضي
متظاهرون يتحصَّنون داخل مبنى أكاديمي في جامعة كولومبيا أثناء مظاهرات مناصِرة لفلسطين في شهر أبريل من العام الماضي
حقوق الصورة: Alex Kent/Getty

تداعيات قطع المنح البحثية على المجتمع

كذلك كان الحال بالنسبة إلى جيمي دو، التي تدير مختبرًا في كلية ميلمان للصحة العامة بجامعة كولومبيا؛ إذ وقع عليها كالصاعقة خبرُ إلغاء منحتها البحثية. تلقَّت دو – التي تدرس تأثير السياسات في مدى توفُّر الخدمات الصحية للنساء في سن الإنجاب والسيدات الحوامل – تلقَّت الخبر في رسالةٍ إلكترونية مساء الاثنين، العاشر من مارس.

وَرَد في الرسالة التي تلقَّتها دو من الجامعة أنَّ منحتها، التي كانت تُمِول حوالي 20 شخصًا، قد تقرَّر إلغاؤها، وأن القرار قد أصبح ساريًا منذ لحظة الإخطار، وأنَّ عليها وقف الأنشطة البحثية التي تدعمها المنحة، وإخطار المتعاونين معها في هذه الأنشطة داخل الجامعة وخارجها بذلك.

تقول دو: "يا له من شعور مؤلم! فنحن نسعى جاهدين لتحقيق الصالح العام، ونعمل بخاصةٍ على معالجة أزمة وفيات الأمهات في الولايات المتحدة". (تسجل الولايات المتحدة معدلات وفيات مرتفعة بين الأمهات، مقارنةً بسائر البلدان مرتفعة الدخل، ولا سيّما بين النساء ذوات البشرة السمراء.)

من ناحية أخرى، يحظى بعض الباحثين في مرحلة ما بعد الدكتوراه بحماية تقيهم من فقدان وظائفهم، بالرغم من قلَّة التمويل، بموجب اتفاق أبرمته الجامعة مع نقابة عمالية ينتسب إليها هؤلاء الباحثون. لذلك، تقول شيريدا دي ليو، رئيسة النقابة، إنَّه يقع على عاتق العاملين بالجامعة، مثل قادة المختبرات، مسؤولية توفير تمويل لباحثي ما بعد الدكتوراه الذين أُلغيت منحهم.

يقول جوردون بيتي، باحث ما بعد الدكتوراه بالجامعة، والذي أُخطر صباح الثلاثاء، الحادي عشر من مارس، بإلغاء منحته التدريبية T32 لدراسة مرض الفصام: "لو لم أحظَ بتلك الحماية، لتوقف راتبي قبل أسبوعين، وأصبحتُ مشردًا". ويتابع قائلًا: "يصعُب التنبؤ بالتداعيات على المدى القصير، ولكن في هذه المرحلة أعتقد أنَّ مسيرتي المهنية الأكاديمية قد انتهت بالفعل".

تعود جذور المشكلة التي تواجه جامعة كولومبيا حاليًا إلى المظاهرات الطلابية التي اندلعت احتجاجًا على الاجتياح الإسرائيلي لقطاع غزة في أعقاب هجمات السابع من أكتوبر عام 2023 التي نفذتها حركة «حماس»، تلك المنظمة الإسلامية التي تصنِّفها بعض الدول جماعةً إرهابية. وأسفرت تلك الهجمات عن مقتل 1200 شخص، واحتجاز نحو 250 رهينة. إلا أن بعض الطلاب بجامعة كولومبيا وجامعات أمريكية أخرى رأوا أن الرد الإسرائيلي كان مبالغًا فيه، حيث أسفر حتى تاريخ نشر هذا المقال عن مصرع 48 ألف فلسطيني، وفقًا لوزارة الصحة في غزة. في المقابل، شعر بعض الطلاب اليهود بأن المظاهرات تمثل تهديدًا لهم.

حول هذا الشأن، كتب ترامب على منصة التواصل الاجتماعي «تروث سوشيال» Truth Social، التي يملكها، في الرابع من مارس الجاري: "سيُقطع التمويل الفيدرالي عن أي كلية أو مدرسة أو جامعة تسمح باحتجاجات غير قانونية". وهو الذي أعلن في وقتٍ سابق عن رغبته في تطهير منظومة التعليم الأمريكية مما أطلق عليه "التنشئة اليسارية".

حتى يوم الاثنين، العاشر من مارس، أرسل مكتب الحقوق المدنية التابع لوزارة التعليم الأمريكية خطابات إلى 60 جامعة، منها جامعة كولومبيا، ملوِّحًا باتخاذ إجراءات عقابية إذا لم "تفِ بالتزاماتها بشأن حماية الطلاب اليهود داخل الحرم الجامعي".

وجامعة كولومبيا هي أول جامعة تطالُها هذه الحملة، حيث شهدت مظاهرات حاشدة استدعت تدخلًا من شرطة مدينة نيويورك لفضها.

الباحثون والطلاب بين المطرقة والسندان

صرح باحثون وطلاب في جامعة كولومبيا لدورية Nature بأنَّ تصريحات إدارة ترامب بشأن حماية الطلاب اليهود تبدو ذريعة لتبرير هجومها المستمر على البحث العلمي وجامعات النخبة.

في حديثه إلى الدورية، قال طالب دكتوراه يهودي في مركز إيرفينج الطبي التابع لجامعة كولومبيا، طلب عدم الكشف عن هويته خوفًا من أي عواقب، أنَّه معرض لأن تُلغى منحته البحثية، مضيفًا أنَّ أربعة من أقرانه اليهود على الأقل فقدوا مِنَحهم خلال الأيام الثلاثة السابقة على إدلائه بهذا التصريح.

ويستطرد قائلًا: أن تنفّذ تلك الإجراءات تحت ستار التصدِّي لمعاداة السامية، فهذا "أبعد ما يكون عن الإنصاف. أشعر بالإحباط، كما يشعر أقراني من الطلاب الجامعيين وطلاب الدراسات العليا اليهود بالغضب العارم".

لم تستجب وزارة التعليم الأمريكية ومعاهد الصحة الوطنية لطلب دورية Nature التعليق على الأمر. أما البيت الأبيض، فقد أحال الدورية إلى خطاب أرسلته وزارة التعليم إلى جامعة كولومبيا في الثالث عشر من مارس الجاري، أوردت فيه عدة شروط مسبقة تُلزِم الجامعة باستيفائها لضمان مواصلة المحادثات حول التمويل الفيدرالي، بما في ذلك إخضاع الطلاب المحتجين لإجراءات تأديبية، تصل إلى حدّ الفصل، وإدخال تعديلات على إجراءات القبول بالجامعة.

لم يمضِ أربعة أيام على الإعلان عن قطع المنح الموجهة لجامعة كولومبيا، إلا وألغت إدارة ترامب مِنحًا بقيمة تتجاوز 800 مليون دولار مخصصة لجامعة جونز هوبكنز في مدينة بالتيمور بولاية ميريلاند. إلَّا أنَّ السبب وراء هذا القرار لم يكن التصدي لمعاداة السامية، بل هو راجع إلى مشروعات بحثية وصفتها الإدارة بأنها تنطوي على تبديد للموارد. وكانت هذه المشروعات تُجرى بالتعاون مع الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، المسؤولة عن إدارة برامج الصحة الدولية وجهود الإغاثة في حالات الكوارث. نتيجةً لذلك، أعلنت الجامعة أمس أنَّها ستلجأ إلى تسريح ألفَي موظف.

صحيحٌ أنَّه من السابق لأوانه التكهن بعواقب هذه الإجراءات على المدى البعيد، إلا أن الباحثين يشعرون في الوقت الراهن بأنهم قليلو الحيلة، بوقوفهم موقف "المتفرج" في خضم معركة سياسية محتدمة، على حد وصف ديتريك إيجلي، اختصاصي البيولوجيا الجزيئية بمركز إيرفينج الطبي. ويضيف قائلًا: مما يصعُب علينا فهمه أن الجهود البحثية الرامية إلى دراسة الأمراض وعلاجها قد جُرَّت جرًّا إلى القلب من هذا الصراع. وأوضح أنَّ "المرضى يتوجهون إلى المجمع الطبي لتلقِّي العلاج، ويُمنُّون النفس بظهور اكتشافات علمية تساعدهم على معالجة مشكلاتهم الصحية، ولا يسعون إلى الانخراط في أي معارك أخرى".

 

* هذه ترجمة المقال الإنجليزي المنشور بمجلة Nature بتاريخ 14 مارس 2025.

doi:10.1038/nmiddleeast.2025.45