أخبار

من عينة دم واحدة: الذكاء الاصطناعي يشخص السكري والإيدز وكوفيد

نشرت بتاريخ 17 أبريل 2025

نهجٌ متكامل يعتمد على "اختبار واحد" باستخدام تعلم الآلة لفحص الخلايا المناعية، من شأنه أن يسهم في الكشف عن حالات مرضية متداخلة الأعراض.

• ميريام ندّاف

الذكاء الاصطناعي يُحلل التسلسلات الجينية المرتبطة بمستقبلات على أسطح الخلايا البائية (في الصورة) والخلايا التائية.
الذكاء الاصطناعي يُحلل التسلسلات الجينية المرتبطة بمستقبلات على أسطح الخلايا البائية (في الصورة) والخلايا التائية.
Credit: Eye Of Science/Science Photo Library

ابتكر الباحثون أداة قائمة على الذكاء الاصطناعي (AI) قادرة على تشخيص مجموعة من حالات العدوى والأمراض باختبار واحد، عَبْر فحص التسلسلات الجينية للخلايا المناعية في عينات الدم.

في دراسة شملتْ ما يقرب من 600 شخص، ونُشرتْ في دورية «ساينس» Science في العشرين من فبراير الماضي1، تمكنت الأداة من تحديد ما إذا كان المشاركون أصحاء، أم يعانون مرض «كوفيد-19»، أو داء السكري من النوع الأول، أو مرض الإيدز، أو داء الذئبة المناعي، فضلًا عما إذا كانوا قد تلقوا لقاح الإنفلونزا مؤخرًا.

تقول سارة تيكمان، اختصاصية البيولوجيا الجزيئية بجامعة كامبريدج بالمملكة المتحدة: "هذه مقاربة متكاملة لتعيين التسلسل الجيني، ترصد في اختبار واحد جميع ما تعرض له جهازك المناعي".

والأداة ليست جاهزة بعد للاستخدام في التطبيقات الإكلينيكية، ولكن بمزيد من التهذيب والتطوير، قد يتسنى لها في المستقبل أن تُعين الأطباء على التعامل مع "أمراض لا توجد لها اختبارات حاسمة في الوقت الحالي"، بحسب مكسيم زسلافسكي، اختصاصي علم الحاسوب بجامعة ستانفورد في كاليفورنيا، والمشارك في تأليف الدراسة.

وتقول تيكمان: "من منظور عملي، يكمن الهدف في تطوير نموذجِ أساسٍ شامل وموحد يمثل تفاعلات الجهاز المناعي، يمكن من خلاله استعراض كل ما مر به المرء، ثم ربطه ببرنامج الرعاية الصحية الخاص به. وصحيح أن الطريق وعر ومليء بالتحديات حتى بلوغ هذا الهدف في المستقبل؛ إلا أن هذه ليست سوى خطوة واحدة في هذه الرحلة".

أداة تشخيص طبيعية

يحتفظ الجهاز المناعي - بنوعيه الرئيسيين من الخلايا: البائية والتائية - بسجل شامل للعلل، الماضية منها والحاضرة. تتولى الخلايا البائية إنتاج أجسام مضادة تلتصق بالفيروسات والجزيئات الضارة، فيما تباشر الخلايا التائية تفعيل أنواع أخرى من الاستجابات أو القضاء على الخلايا المصابة.

عندما يُصاب الفرد بعدوى أو بأحد أمراض المناعة الذاتية، التي فيها يهاجم الجسم أنسجتَه عن طريق الخطأ، ترتفع أعداد الخلايا البائية والخلايا التائية، ثم تبدأ في إنتاج مستقبلات معينة على أسطحها. وتؤدي التسلسلات الجينية التي تشفر هذه المستقبلات إلى الكشف عن السجل الفريد للأمراض والعدوى الخاص بالفرد.

عن هذا يقول فيكتور جريف، اختصاصي المناعة الحوسبية بجامعة أوسلو: "يقوم الجهاز المناعي بدور أداة تشخيص طبيعية، وإذا تسنى لنا معرفة كيف يفعل ذلك، فسيمكننا محاكاته أيضًا".

ومن جهته يقول زسلافسكي: إن أدوات التشخيص الحالية "تحقق أقل استفادة من سجل التعرض للأمراض الذي يوثقه الجهاز المناعي"، مشيرًا إلى أن معظم المحاولات السابقة للاستفادة منه إما أنها كانت تركز على تسلسل الخلايا البائية وحده، أو على تسلسل الخلايا التائية فحسب. ويستطرد قائلًا: "إن مزج كلا التسلسلَين للوصول إلى الصورة الأكثر اكتمالًا للنشاط المناعي يمنحنا فهمًا أفضل وأوضح لما يمكن أن يحدث الآن في الجسم".

أما عن عمل زسلافسكي وزملائه، فقد تمثل في تطوير أداة تعمل بالذكاء الاصطناعي تجمع بين ستة نماذج لتعلم الآلة؛ بهدف تحليل التسلسلات الجينية التي تشفر مناطق رئيسية في مستقبلات الخلايا البائية والخلايا التائية، والتعرف على الأنماط المرتبطة بأمراض معينة.

واستخدم الفريق أداتهم في فحص 16.2 مليون مستقبل للخلايا البائية، و23.5 مليون مستقبل للخلايا التائية في عينات الدم المأخوذة من 593 شخصًا. انقسم المشاركون بين 63 شخصًا سبقتْ لهم الإصابة بمرض «كوفيد-19»، و95 آخرين ثبتت إصابتهم حاليًّا بفيروس نقص المناعة البشرية، و86 أُصيبوا بداء الذئبة، و92 كان لديهم داء السكري من النوع الأول، بالإضافة إلى 37 فردًا كانوا قد تلقوا تطعيم الإنفلونزا مؤخرًا، و220 شخصًا سليمًا في المجموعة الضابطة.

وفي تحليل للعينات المأخوذة من 542 مشاركًا ممن توافرت بيانات عن كل من خلاياهم البائية والتائية، أحرزتْ أداة الذكاء الاصطناعي 0.986 درجة على مقياس يقيس مدى دقة تطابق حالة المشاركين الصحية مع المرض الذي يعانون منه، حيث يشير الرقم 1 إلى أداء مثالي.

ولدى مضاهاة مدى كفاءة أداة الذكاء الاصطناعي في تصنيف الأمراض بالاستعانة بمستقبلات الخلايا البائية وحدها، وبمستقبلات الخلايا التائية على حدة، أو كلاهما معًا، وجد الباحثون أن دمج البيانات الخاصة بنوعَي الخلايا كان الأكثر دقة في التشخيص. وكانت بصمات داء السكري من النوع الأول والذئبة أوضح في مستقبلات الخلايا التائية، في حين كان من الممكن تمييز مرض «كوفيد-19» وفيروس نقص المناعة البشرية والإنفلونزا بسهولة أكبر في مستقبلات الخلايا البائية.

فحص مفصل

أداة الذكاء الاصطناعي التي نحن بصددها قابلة للضبط والتخصيص، بحيث يمكنها فحص إما حالة مرضية واحدة أو مجموعة من الحالات في آن واحد. ومع ذلك لا تخلو تنبؤاتها من الأخطاء، ولا يزال الطريق أمام استخدامها في التجارب الإكلينيكية طويلًا، فهذا النهج "بحاجة إلى مزيد من التهذيب والتطوير ليصير أدق من أدوات التشخيص الحديثة المستخدمة في الوقت الراهن".

في تعليق له، يقول سكوت بويد، اختصاصي المناعة بكلية طب ستانفورد، والمشارك في تأليف الدراسة، إنه بالفحص الدقيق للحالات التي أخطأ الذكاء الاصطناعي في تشخيصها، قد يتسنى للباحثين أيضًا اكتشاف الفروق الدقيقة بين الأشخاص، التي تغفلها الاختبارات التقليدية. ويضيف بويد قائلًا: "لدينا اعتقاد بأن هذه الأداة ربما تستطيع إماطة اللثام عن الفئات الفرعية من بعض الأمراض المناعية المعروفة حاليًّا، ما قد يسهم في البحث عن علاج يناسب كل حالة على حدة".

ويقول جريف إن الأبحاث المستقبلية من المفترض أن تختبر أيضًا ما إذا كانت الأداة يمكنها "تشخيص مختلف مراحل المرض". ويتابع قائلًا: "وفي عالم تحليل التسلسل الجيني للخلايا المناعية، أرى أن المستقبل لاكتشاف العوامل المسببة للأمراض". 

هذه ترجمة المقال الإنجليزي المنشور بمجلة Nature بتاريخ 20 فبراير 2025.

doi:10.1038/nmiddleeast.2025.42


References

1.    Petrone, M. E. et al. Science 387, eadp2407 (2025).