مبادرة مصرية لحماية الشعاب المرجانية في البحر الأحمر
06 October 2024
نشرت بتاريخ 7 يوليو 2011
تمثل مصر حالة خاصة بذاتها فيما يتعلق بالتهاب الكبد الوبائي. فعلى الصعيد العالمي هناك شخص واحد تقريبا من كل 50 شخص مصاب بفيروس التهاب الكبد الوبائي (سي). أما في مصر، فقد أشارت دراسة حديثة إلى أن اختبارات الأجسام المضادة لفيروس التهاب الكبد الوبائي جاءت إيجابية لحوالي شخص واحد من كل سبعة من سكان البلاد البالغ عددهم 83 مليون نسمة، وهذا يشير إلى أن هؤلاء الأشخاص أصيبوا بهذا الفيروس في مرحلة ما. ومع ذلك ، فإن شخص واحد تقريبا من بين كل عشرة مصابين يحمل المادة الوراثية للفيروس "RNA" (الحمض النووي الريبي)، وبالتالي تكون إصابته مزمنة.
ويمثل هذا مخزون فيروسي ضخم يغذي انتشار المرض بين المصريين، بشكل أساسي من خلال المستشفيات والعيادات(الطبية وطب الأسنان، الخاصة منها والعامة أيضا). كما يصعب الحصول على بيانات مؤكدة حول معدلات الإصابة.
ووفقا لدراسة أجريت عام 2010، فإن ما يقدر بأكثر من نصف مليون شخص يصابون بالفيروس للمرة الأولى كل عام. بينما تقديرات وزارة الصحة والسكان المصرية تشير إلى أن عدد حالات الإصابة بالفيروس سنويا هي 100 ألف شخص. ويقول ليث أبو رداد، خبيرعلم الأوبئة في كلية طب وايل كورنيل ومقرها الدوحة في قطر والذي شارك في إعداد الدراسة عام 2010، أن كلا الرقمين بالتأكيد أقل من العدد الحقيقي بكثير. وتساءل عن السبب في إصابة أعداد كبيرة كل عام بعدوى يمكن الوقاية منها.
لا تتعلق مشلكة الالتهاب الكبد الوبائي في مصر بحجم انتشار الفيروس فحسب، بل إن التركيب الوراثي للفيروس المنتشر لا يوجد بصورة شائعة في باقي دول العالم. وإذا لم يتم السيطرة عليه، فإنه لا يوجد ضمان بأنه سيقتصر على مصر فقط. السفر الرخيص والهجرة المرتفعة تشير إلى أن مشكلة مصر الخاصة بالالتهاب الكبدي الوبائي بدأت بالفعل في الانتشار في أوروبا وبقية العالم.
ظهرت مشكلة مصر الحالية مع التهاب الكبد الوبائي بعد حملة صحية ناجحة سابقاُ لمكافحة نوع مختلف من العدوى. البلهارسيا هي مرض تسببه دودة طفيلية يمكن أن تخترق الجلد وتختفي في المياه الملوثة، ثم تنتقل الدودة إلى الرئتين والكبد، حيث تنضج وتنتقل بعد ذلك إلى أعضاء أخرى. في أوائل القرن العشرين، كانت البلهارسيا واسعة الانتشار في مصر، لا سيما في المناطق الريفية وكانت سبباًرئيسياً في الإصابة بأمراض الكبد. وخلال الفترة من الخمسينات إلى أوائل الثمانينات من القرن الماضي، قادت وزارة الصحة والسكان ومنظمة الصحة العالمية (WHO) حملة واسعة النطاق للسيطرة على المرض. جرى علاج ملايين الأشخاص عن طريق الحقن في الوريد بطرطرات البوتاسيوم الأنتومنية (الدردي المقيء)، وذلك قبل أن يتم استخدام دواء عن طريق الفم بديلاً عن هذا النوع من العلاج في جميع أنحاء البلاد في الثمانينات من القرن الماضي.
بالرغم من أن هذه الحملة ساعدت في الحد من انتشار مرض البلهارسيا،لكن كان لها ثمنها. خلال هذه الفترة لم يكن يعرف الكثير عن التهاب الكبد أو عن الفيروسات المسببة له وانتقالها. تسببت إعادة استخدام المحاقن الزجاجية والتراخي في ممارسات التعقيم في انتشار عدوى فيروس التهاب الكبد الوبائي على نطاق واسع، وهو الفيروس الذي بحلول التسعينات حل محل البلهارسيا كسبب رئيسي لأمراض الكبد في مصر.
وكان الفيروس الذي انتشر عن طريق هذا البرنامج له تركيب وراثي مختلف عن التهاب الكبد الوبائي في معظم البلدان الأخرى. تعتبر مصر - والشرق الأوسط بصورة عامة - معقلا للنمط الجيني 4 (المرجع 3). وعلى النقيض من ذلك ، فإن حوالي 75٪ من حالات العدوى بالتهاب الكبد الوبائي في أوروبا والولايات المتحدة هي من النمط الجيني 1. وبالتالي ، فقد تركزت معظم الأبحاث التي أجريت في الغرب على السيطرة على هذا النمط الجيني وعلاجه؛ وكانت هناك دراسات أقل نسبيا حول كيفية تحسين علاج المرضى الذين يعانون من النمط الجيني 4.
يُصعب انتشارالنمط الجيني 4 في مصر من مهمة علاج هذا المرض. ويقول علاء إسماعيل، رئيس وحدة أبحاث الكبد في جامعة عين شمس في القاهرة "لا توجد أدوية مضادة للفيروسات يجري تطويرها محلياً لمكافحة النمط الجيني 4،" لذا فإن الأدوية المتوفرة للأشخاص الذين يعانون من التهاب الكبد الوبائي في مصر يتم استيرادها من الغرب، وتم اختبارها بشكل مكثف على النمط الجيني 1 فقط. ويضيف إسماعيل أن "كل الأدوية التي نحصل عليها من الخارج يجب أن تخضع لتجارب سريرية هنا مرة أخرى."
وفقاً لأفضل التقديرات الخاصة بالنمط الجيني 4 فإن 60% فقط من الحالات التي خضعت للعلاج تعافت من الفيروس تماماً. ورغم أن هذه النسبة أفضل من نسب التعافي للنمط الجيني 1 (التي تصل إلى نحو 50٪) ، فإنها لا تزال غير كافية وهناك حاجة لأدوية جديدة. ويعاني معظم المصريين من نفقات حتى الأدوية المتوافرة، حيث تبلغ تكلفة الدورة الكاملة لمدة 48 أسبوعا للعلاج من الالتهاب الكبدي الوبائي 3500 دولار أمريكي تقريباً، وهو أعلى بكثير من متوسط الدخل المصري الذي يصل إلى 2070 دولار أمريكي للفرد سنويا.
تطبق وزارة الصحة والسكان برنامجين لعلاج التهاب الكبد الوبائي، أحدهما يستهدف علاج المرضى الذين تظهر عليهم أعراض أمراض مزمنة، والآخر يستهدف الوقاية من الأساس.
من خلال برنامج العلاج، توفر وزارة الصحة والسكان العلاج مجاناً أو بأسعار مدعومة لملايين المصابين الذين لا يستطيعون تحمل تكاليف الأدوية. ويمثل هذا أحد أكبر الأعباء على نظام الرعاية الصحية في مصر. بالرغم من العدد الكبير من المرضى المصابين بالتهاب الكبد الوبائي والتكلفة العالية للنظام العلاجي، فإن وزارة الصحة والسكان تؤكد أنه أكثر فعالية من حيث التكلفة من علاج المرضى الذين يصابون بمضاعفات خطيرة مثل تليف الكبد أو سرطان الكبد.
يقول دي ولف ميلر وهو خبير في علم الأوبئة بجامعة هاواي في هونولولو وواحد من أوائل من اكتشفوا الوباء المصري في عام 1992 (المرجع : 4) ، : "هناك مراكز وطنية لعلاج التهاب الكبد الوبائي، لكن كانت هناك انتقادات بشأن الحصول على العقاقير المستخدمة وجودتها. أعتقد بأن هذه البرامج تصل إلى حوالي 30٪ من إجمالي عدد المصريين الذين هم في حاجة للعلاج." يرى ميلر أن تحويل بعض موارد وزارة الصحة والسكان من العلاج إلى الوقاية سيكون استخدام أفضل للأموال. ويضيف ميلر "ما يساء فهمه في كثيرمن الأحيان هو أن العلاج ، بغض النظر عن مدى أهميته، لا يقلل أو يمنع انتقال العدوى."
هذا مرض اجتماعي اقتصادي، ورغم أن 60% من العدوى تحدث في المستشفيات والعيادات، فإن النسبة الباقية تعود إلى ممارسات اجتماعية خاطئة.
هناك حملات توعية عامة تأتي في صلب برنامج الوقاية لوزارة الصحة والسكان تدار بشكل أساسي من خلال برامج تلفزيونية وملصقات بالمستشفيات. وحملات التوعية العامة هذه معمول بها منذ ما يقرب من عشر سنوات.
ويقول إسماعيل الذي كان يشغل أيضاً منصب مدير وزارة الصحة المسؤول عن برامج التهاب الكبد الوبائي في المعهد القومي للكبد القومي والطب الاستوائي (NHTMI) في القاهرة حتى عام 2006 ، أن المراكز الوطنية لعلاج التهاب الكبد الوبائي شهدت انخفاضا في عدد الإصابات الجديدة خلال السنوات القليلة الماضية. ويشير إسماعيل إلى أن هذا الانخفاض "يمكن أن يرجع الفضل فيه فقط إلى حملات التوعية." ويتابع القول: "هذا مرض اجتماعي اقتصادي، ورغم أن 60٪ من حالات العدوى تحدث في المستشفيات والعيادات، فإن النسبة الباقية بسبب الممارسات الإجتماعية السيئة، مثل تبادل شفرات الحلاقة في صالونات الحلاقة أو الاستخدام المشترك لجهاز اختبار السكري المنزلي."
ومع ذلك يشكك ميلر في فعالية جهود الوقاية. ويشير إلى أن الفيروس يواصل انتشاره في مصر. "إنها مسؤولية جميع العاملين في الرعاية الصحية أن يوفروا الرعاية الصحية الآمنة."
ويضيف أن العاملين بالرعاية الصحية يمكنهم بالفعل أن يتخذوا خطوة كبيرة إزاء تقليل معدل انتشار التهاب الكبد الوبائي في مصر ببساطة من خلال المحافظة على وسائل النظافة. ويؤكد إسماعيل أن "التهاب الكبد الوبائي هش للغاية، بحيث يمكن تطهيرهباستخدام الصابون والماء."
تتخذ وزارة الصحة والسكان إجراءات على هذا الصعيد. ففي عام 2008 ، بدأت الوزارة حملة جديدة تشمل عنصرين رئيسين. ويقول محمد عز العرب ، رئيس وحدة الأورام في المعهد القومي للكبد القومي و الطب الاستوائي (NHTMI)، أن العنصر الأول هو "التعليم، حيث نعلم بانتظام العاملين في المستشفى كيفية السيطرة على العدوى. ثانيا، يجب أن يكون لدى كل مستشفى الآن لجنة لمكافحة العدوى لديها صلاحيات واضحة لرصد ما يجري في المستشفى."
علاوة على ذلك، فإن دورة التثقيف الخاصة بالتهاب الكبد الوبائي ومكافحة العدوى هي دورة هامة تدرس في جميع الجامعات الطبية، خلافا للاهتمام البسيط الذي كانت تحظى به قبل عقود قليلة مضت. ومن المفترض أن يكون هناك أيضا عمليات تفتيش منتظمة للمستشفيات والعيادات الحكومية لضمان تلبيتها لمعاييرمكافحة العدوى التي وضعتها منظمة الصحة العالمية، وأنه يجري تطبيق قواعد سليمة للتخلص من النفايات.
ويقول منتقدون مثل ميلر أن العبرة بالأفعال وليس بالكلمات. لا يزال ميلر غير مقتنع بأهمية البرنامج أو طريقة تنفيذه. ويرى أنه كانت هناك حالات مسجلة لمستشفيات عامة تتخلص من نفاياتها "مباشرة ، دون معالجة ، في مجرى النفايات الصلبة،" في انتهاك لمعايير حددتها منظمة الصحة العالمية. ويضيف "هذه فضيحة."
وفي تشرين أول/ أكتوبر الماضي فقط، ذكرت مجلة روزاليوسف الأسبوعية المصرية أنه تم العثور على مرشحات غسيل الكلى في نفايات غير طبية أمام مستشفى جامعة، وكان جامعو القمامة يقومون بغسلها وإعادة بيعها مقابل قيمة بسيطة جداً من سعرها الأصلي. وفي عام 2008 كشفت صحيفة المصري اليوم اليومية أنه تم تسليم حمولات شاحنات من النفايات الطبية من بينها أكياس دم لجامعي القمامة لإعادة استخدامها.
التخلص من النفايات الطبية بهذه الطريقة ينطوي على مخاطر كبيرة ويهدد بنقل الفيروس. ويقول عز العرب إن عمليات التخلص من النفايات الطبية "يجري التحكم فيها بصورة أفضل في القاهرة حالياً. لكنه في الوقت الذي يمكننا فيه متابعة ما يحدث في القاهرة، فإن المشكلة تكمن في مناطق ريفية أبعد بكثير، حيث يكون من الصعب رصدها."
من الصعب قياس نجاح هذا البرامج الخاصة بعلاج التهاب الكبد الوبائي لعدم توافر بيانات موضوعية في هذا الشأن. يقول ميلر إن هؤلاء فقط المسؤولين في وزارة الصحة والسكان "لديهم أي معلومات عن وضع هذا البرنامج." وبدون توافر معطيات جيدة ، فإنه ليس من الممكن التحقق مما إذا كان معدل الإصابة الجديدة بعدوى هذا الفيروس في مصرفيلتناقص. وحتى لو كان هناك انخفاض في المعدل فإن المستوى العام للعدوى لا يزال أعلى بكثير من أي مكان آخر في العالم. ويمكن أن يستغرق الأمر ما بين 20 إلى 30 عاما من الإصابة بفيروس التهاب الكبد الوبائي قبل ان يعاني المرضى من مضاعفات خطيرة. لذلك فإن أسوأ الآثار الناجمة عن هذا الوباء ستظهر خلال السنوات القليلة المقبلة.
لايزال هناك بصيص من الأمل. وزارة الصحة والسكان هي جزء من الحكومة التي أسسها الرئيس السابق حسني مبارك. يقترح ميلر أنه وبعد الثورة الشعبية في أوائل عام 2011 التي أطاحت بمبارك ، قد يكون هناك فرصة لتنفيذ برامج وقاية أفضل حيث ستشهد العديد من الوزارات تغييرات، ويقول أنه من المفترض في "مرحلة ما بعد الثورة أن الوقاية من التهاب الكبد الوبائي ينبغي ويمكن تحقيقها من قبل منظمات غير حكومية ومنظمات غير هادفة للربح." ويضيف "يجب على وزارة الصحة والسكان أن تعترف صراحة بفشلها في منع أو الحد من انتقال فيروس التهاب الكبد الوبائي." وفي الوقت نفسه ومع تشكيل حكومة جديدة، فإن الثورة ربما توفر حلاً مصرياً فريداً لوباء الالتهاب الكبدي الوبائي."
doi:10.1038/nmiddleeast.2011.84
تواصل معنا: