أخبار

مما علّمتني التجربة: الطريق إلى أن تصبح المؤلف الأول

نشرت بتاريخ 17 ديسمبر 2025

انتظرتُ خمس سنوات حتى سنحت لي فرصة نشر مشروع الدكتوراه.. إليكم كيف تعاملتُ مع الأمر.

بوجاشري شتيار

إلى أن يظهر اسمك في خانة المؤلف الأول لورقة بحثية، أمامك طريق طويل ووعر. حقوق الصورة: Grant Ordelheide/Aurora Photos/Getty

إلى أن يظهر اسمك في خانة المؤلف الأول لورقة بحثية، أمامك طريق طويل ووعر. حقوق الصورة: Grant Ordelheide/Aurora Photos/Getty

لأنني طالبة دكتوراه في سنتي الخامسة، فلا عجب أنني أعاني من قلة النوم، لكنني أعاني أيضًا من شيء آخر: إدمان تصفُّح منصة «لينكد-إن». إن زرتَ صفحتي على الموقع، ستجد سيلًا لا ينقطع من إنجازات الآخرين ونجاحاتهم: ورقة بحثية هنا، ومنحة دراسية هناك، وزمالات يتهافت عليها الباحثون. وستجدني أيضًا – أنا الباحثة الغارقة حتى أذني في تحضير رسالة دكتوراه في مجال علم الأعصاب منذ خمس سنوات.

هذا لا يعني أنني لم أنشر شيئًا حتى الآن. لا، بل ظهر اسمي مرارًا على أوراق بحثية أفتخر بالمشاركة في تأليفها: شاركتُ بالبيانات أحيانًا، وبالتحليلات أحيانًا أخرى، وبالخبرة المتخصصة في أحيان ثالثة. أما مشروعي البحثي الخاص، فهو بحُكم بِنيته عملٌ واحد متكامل، نطاقُه آخذٌ في الاتساع شيئًا فشيئًا، لا سلسلةٌ من الأجزاء التي يجوز نشرها على حلقات، أو في أجزاء. هذا الاختيار يعني طريقًا أطول عليَّ أن أسلكه قبل أن يظهر اسمي في خانة الملف الأول، مقارنةً ببعض زملائي الذين كانوا ينتهون من مشاريعهم ويشهدون نشر أعمالهم في وقتٍ أبكر. ومع ذلك فما من طالبٍ من طلاب الدراسات العليا إلا ويدرك أن لظهور اسمك في صدر البحث بوصفك المؤلف الأول وقعًا مختلفًا. فإذا كان الاشتراك في التأليف يعني أنك "كنتَ جزءًا من القصة"، فأن تكون المؤلف الأول يعني أن "هذه قصتك الخاصة".

أن تكون الباحث الأول هو الهدف الأسمى في رحلة الدكتوراه، والمفتاح الذهبي لمرحلة ما بعد الدكتوراه، والمحطة الفارقة في طريق استقلال الباحث، وفي عديد من برامج الدكتوراه، الطريق إلى نَيل الدرجة. في مختبرٍ متوسط ​​الحجم كالمختبر الذي أنتسب إليه، بجامعة تكساس إيه آند إم في كوليدج ستيشن، وضع اسمك مؤلفًا أول لورقة بحثية عالية التأثير لا يُعد انتصارًا شخصيًّا فحسب، بل يمكن أن يحدد المصير المهني للطالب، ويُنظر إليه في المختبر على أنه حدثٌ كبير. لكن هذا ربما لا يتمُّ بين عشيةٍ وضحاها، فيكون عليك أن تنتظر وتصبر طويلًا.

بدأت فكرة رسالتي بسؤال بسيط وأنيق: كيف لبروتين لا نعرف عنه إلا القليل – وهو من المستقبِلات التي تساعد الخلايا العصبية على التواصل – أن ينظِّم مرونةَ الدوائر العصبية المسؤولة عن التعلّم في الدماغ؟ لكنَّ السؤال سرعان ما توسَّع نطاقه، مُتطلبًا تقنياتٍ جديدةً وتحليلاتٍ مُعقّدة. وجاءت النتائج على غير ما توقَّعنا، وبدلًا من أن تُقدّم إجاباتٍ، إذا بها تقودنا إلى مزيد من الأسئلة التي كان لا بدّ من التصدي لها والبحث لها عن أجوبة. ومع ظهور كلّ نتيجةٍ، كنا نجد أنفسنا أمام السؤال نفسه: هل ننشر بحثًا الآن، أم نُرجئ النشر في سبيل بناء قصة واحدة طموحةً؟ وتنازعتني رغبتان: رغبة الباحثة الأكاديمية في بناء سردية كبيرة متكاملة، ورغبة طالبة الدراسات العليا في الخروج بشيء يهوِّن عليها سنواتٍ من العمل المضني.

نعم، وجدتُ نفسي مشدودةً بين هذين الالتزامين: الالتزام بجعل عالي القيمة، ما استطعتُ إلى ذلك من سبيل، والالتزام بالنهوض بمسؤولياتي الأكاديمية. وتعلَّمتُ من ذلك واحدًا من أهم دروس الدكتوراه وأصعبها. وخلال مسيرتي المهنية، اكتشفت ثلاث حقائق جعلتني أنظر إلى فكرة الإنجاز نظرةً مغايرة.

سياسة النفَس الطويل

أصعب ما يمكن أن يواجهك أثناء السعي وراء إنجاز بحث مهم، ليس التجارب الفاشلة أو المعدات المعطوبة، بل الانتظار. فما دمتُ لم أنشر شيئًا، ولم يُقبَل لي شيء للنشر، فما أسهل أن تشعر بأن إنجازك كأن لم يكن.

ثم إذا بي أتفطَّن إلى أنني إن اقتصرتُ على قياس النجاح بورقة بحثية يظهر عليها اسمي في خانة المؤلف الأول، فسوف أتداعى تحت وطأة الانتظار الطويل. كان عليَّ أن أجد طرائق أخرى لتقييم حجم التقدُّم في إنجاز عملي.

بدأتُ ألتفت إلى المهارات التي كنتُ أكتسبها. أنشأتُ جدول بيانات بسيطًا: وكان كلُّ ما أسجِّله شاهدًا على تطوُّري في مهارةٍ ما، وفي غضون أشهر، تراكمت لديّ عشرات الأمثلة: من إتقان علم الفيزيولوجيا الكهربية لإجراء تحليل الرقعة، إلى تعلُّم إجراء تحليلات البروتينات، إلى حِذْق إجراء تحاليل كانت من قبلُ كفيلةً بإرباكي – لم تكن هذه مجرد مهامَّ روتينيةٍ في طريقي للنشر، بل كانت درجاتٍ أرتقيها وأُرَقِّي بها أسلوبي في البحث العلمي.

وجوه أخرى للإنجاز

تعلمتُ أيضًا أن أنظر إلى التأليف المشترك نظرة تقدير. شاركتُ حتى الآن في أربعة أبحاث منشورة، وأشاركُ في أربعة أخرى قيد الإعداد. غالبًا ما يتركَّز دوري حول إجراء تجارب فيزيولوجيا الكهربية، وتحليل البيانات، والمساعدة في تدوين النتائج. ولأنني كنتُ أُجري تجارب الفيزيولوجيا الكهربية يوميًا تقريبًا لمشروعي الخاص، أصبحتُ الخبيرة في إجراء هذه التحاليل في مختبرنا. ودفعتني هذه الثقةُ إلى المُساهمة بشكلٍ فعّال في أبحاث الآخرين، والاستعانة بأدوات جديدة. لم يكن أي من هذه المشاريع مما يمكن أن أطلق عليه "مشروع الأحلام"، لكنها كانت مشاريع قيّمةً بحق.

ووجدتُ في كل مؤتمر محطةً بارزة: بعرض ملصق، أو بالرد على التساؤلات، أو بتدوين الملاحظات. ذكَّرتني المؤتمرات بأن لموضوعي جمهورًا يهتمُّ به، حتى قبل النشر. ومن توجيه الطلاب الأصغر سنًا تعلمتُ درسًا لا يمكن أن أتعلمه من كتابٍ أو رسمٍ بياني: أن جزءًا أصيلًا من الإنجاز هو مساعدة الآخر على أن يرسخ قدميه في الميدان البحثي.

تعلَّم كيف تتحدَّث عن بحثك

وخارجَ المختبر، وجدتُ لي متنفَّسًا آخر: توصيل العلوم. خلافًا لما تجري عليه الأمور في البحث العلمي، حيث اليد العليا للمراجعين والمحررين، وجدتُ في توصيل العلوم، والتوعية العلمية عمومًا، مساحةً للكتابة والنشر تحت اسمٍ مستعار، دون انتظار سنواتٍ حتى يفرُغ المراجعون من تحكيم بحثي. في تلك المساحة، أعدتُ اكتشاف الإبداع الذي شغفني بالعلم ابتداءً، وذُكِّرت بمتعة الشرح وسبر أغوار المجهول.

وجدتُ في الكتابة دليلًا آخر على أن التقدم والإنجاز لا يُقاسان بالنشر الأكاديمي فحسب. وذكّرتني تلك المقالات بأهمية صوتي، حتى لو كانت "ورقتي البحثية" لا تزال عالقة في جحيم المسوَّدات. والآن، بعد أن وصل قطار رسالتي إلى محطة المراجعة التي طال انتظارها، أرى أن الإنجاز الحقيقي لم يكن في تسليمها، بل في خوض الرحلة نفسها، والإبقاء على جذوة الفضول، وتعلُّم الصبر.

* هذه ترجمة المقال الإنجليزي المنشور بمجلة Nature بتاريخ 11 نوفمبر 2025.

 

doi:10.1038/nmiddleeast.2025.212