دواء للسِّمنة يَصرف الدماغ عن الانشغال بالطعام
15 December 2025
نشرت بتاريخ 15 ديسمبر 2025
حدد باحثون مؤشرًا حيويًا عصبيًا يرتبط بما يُعرف بالأكل القهري، وأثبتوا أن أحد أدوية إنقاص الوزن، ويُسمَّى «مونجارو»، يُثبِّط هذا المؤشر.
الصورة: Oliver Berg/dpa via Alamy
تشير دراسة حديثة إلى أن عقار علاج السمنة «تيرزيباتايد» tirzepatide المستخدَم في علاج السِّمنة، ويحمل الاسم التجاري «مونجارو» Mounjaro أو «زيباوند» Zepbound، قادر على كبح أنماط نشاط الدماغ المرتبطة بالنَّهَم في تناول الطعام. أتى الباحثون بشخص يعاني سِمنةً مفرطة، وكان شديد الانشغال بالأكل طيلة الوقت – أي تُلحُّ عليه أفكار حول تناوُل الطعام بلا انقطاع – وعمدوا إلى قياس الإشارات الكهربية المتغيرة في دماغه بعد وقت قصير من بدء تناوله الدواء.
تُعد هذه الدراسة الأولى التي تعتمد على الأقطاب الكهربية في قياس مدى تأثير أدوية السمنة الرائجة التي تحاكي هرمون GLP-1 في نشاط الدماغ البشري، لتخلُص منها إلى طريقة لكبح الشرَه.
تقول آمبر الهادف، باحثة علم الأعصاب في مركز مونيل للحواس الكيميائية في مدينة فيلادلفيا بولاية بنسلفانيا الأمريكية: "السعي إلى اكتشاف بصمة عصبية للانشغال بالطعام، ثم محاولة فهم كيفية تأثير الأدوية عليها يمثل نهجًا موفقًا جدًا". وقد نُشرت نتائج الدراسة في نوفمبر الماضي بدورية «نيتشر ميديسن» Nature Medicine1.
بحثًا عن المكافأة
لم يكن في نية كيسي هالبرن، جراح الأعصاب والباحث في جامعة بنسلفانيا في فيلادلفيا، وفريقه دراسة آثار أدوية السمنة على الدماغ. كان هدفهم هو التحقق مما إن كان أحد أنواع التحفيز العميق للدماغ – وهو علاج يتضمن توصيل تيار كهربي ضعيف إلى الدماغ مباشرةً – يمكن أن يسهم في الحد من النهم إلى الطعام، أو ما يُعرف بالأكل القهري (compulsive eating)، لدى الأشخاص الذين يعانون من السمنة، ولم تُجدِ معهم علاجات مثل جراحة السمنة نفعًا.
أقدم العلماء على زراعة قطب كهربي في أدمغة المشاركين في الدراسة، فيما يُعرف بالنواة المتكئة (NAc) ، وهي منطقة دماغية مسؤولة عن الشعور بالمكافأة. كما يُعبِّر هذا القطب عن مستقبِل الهرمون GLP-1، كما يُشير كريستيان هولشر، باحث علم الأعصاب في أكاديمية خنان للابتكارات في العلوم الطبية في مدينة تشنجتشو الصينية الصين. يقول: "من هنا يتضح أن للمستقبِل GLP-1 دورًا في تنظيم الشعور بالمكافأة". هذا النوع من الأقطاب الكهربية، الذي يُمكنه تسجيل النشاط الكهربي وتوصيل تيار كهربي عند الحاجة، يُستخدم بالفعل لعلاج بعض أنواع الصرع.
في حالة المشاركَيْن الأوَّلَيْن في الدراسة، وجد الباحثون أن نوبات الانشغال الشديد بالطعام كانت مصحوبة بارتفاع في نشاط الدماغ منخفض التردد، وفي ذلك إشارة إلى أن هذه التغيرات قد تكون بمثابة مؤشر على مستوى النهم، وهو قابل للقياس.
أما المشارِكة الثالثة، وهي امرأة تبلغ من العمر ستين عامًا، فكانت قد بدأت لتوها في تناول جرعة عالية من عقار «تيرزيباتايد» – بناءً على توصية من طبيبها لعلاج داء السكري من النوع الثاني – عندما خضعت لزراعة القطب الكهربي. يقول هالبرن: "وجدنا في ذلك فرصةً سانحة لاختبار هذه الأدوية التي ثارت حولها ضجة كبيرة".
إخماد النهم
خلال الأشهر التالية، ومع استمرار هذه المريضة في تناوُل الدواء، اختفى لديها شعور الشرَه. يقول هالبرن: "كان من اللافت أن نرى هذا الغياب التام للانشغال بالطعام لدى شخص طالما عانى من النهم إلى الطعام والانشغال به. وكان لافتًا أيضًا أن يُسبق هذا الغياب بصمتٍ مطبِق في النواة المتكئة، إذ لم يُرصد أي نشاط كهربي في تلك المنطقة الدماغية".
ومع ذلك، فبعد مرور خمسة إلى سبعة أشهر على زرع الأقطاب الكهربية، لاحظ الباحثون أن نوع النشاط الدماغي المرتبط بالأكل القهري لدى المشاركين الآخرين قد بدأ يتزايد في دماغ المشارِكة الثالثة. وتساءلوا عما إن كانت تلك إشارة تُنذِر بعودة الانشغال بالطعام. وكان حدسهم في محلِّه، فقد عاد بالفعل. يقول هالبرن: "فجأة، ظهرت الإشارة التي سبق رصدها، وسرعان ما عاد الانشغال بالطعام، وفقدان السيطرة على النهم".
ترى الهادف أن رصد المؤشر الحيوي العصبي قُبيل عودة الانشغال بالطعام يُعد "برهانًا قويًّا" على صحة الربط بين الاثنين، وإن لم تظهر النتيجة إلا لدى شخصٍ واحد. وتقول: "يجب التحقق من صحة هذه النتيجة لدى مزيدٍ من الأشخاص".
لم تكن المريضة قد انقطعت عن تناول «تيرزيباتايد» عندما عاودها النهم، مما يشير إلى أن جسمها ربما أصبح أكثر مقاومةً لتأثير الدواء. بينما يقول هولشر إن السبب وراء ذلك قد يكمُن أيضًا في أيضًا في أن مستقبلات GLP-1 في تلك المنطقة من الدماغ أصبحت أقلَّ حساسيةً للدواء.
يأمل هالبرن أن تحثَّ هذه النتائج الشركات على تصميم أدوية تستهدف مشكلة انشغال الدماغ بالطعام على وجه التحديد. يقول: "ثَبَتَ الآن أن هذه الأدوية تساعد على إنقاص الوزن. ويبدو أن هذا يُفيد بوجهٍ خاص الأشخاص الذين يعانون من الانشغال بالطعام، ولو مؤقتًا، ولكنه قد لا يكون علاجًا فعالًا على المدى البعيد".
* هذه ترجمة المقال الإنجليزي المنشور بمجلة Nature بتاريخ 17 نوفمبر 2025.
doi:10.1038/nmiddleeast.2025.207
1. Choi, W. et al. Nature Med. https://doi.org/10.1038/s41591-025-04035-5 (2025).
تواصل معنا: