مقالات

مورتن ميلدال: حصد التقنيات الحوسبية وتطبيقات الذكاء الاصطناعي لجوائز نوبل موفق للغاية

Published online 16 أكتوبر 2024

يؤكد "ميلدال" أن هذه الأبحاث تحسِّن فهمنا لكيفية تفاعُل الجزيئات وتفتح آفاقًا جديدة للعلوم الكيميائية والكيمياء الحيوية

حوار أجرته: سمر أشرف

العالِم الدنماركي مورتن ميلدال 

العالِم الدنماركي مورتن ميلدال 


© Nobel Prize Outreach. Photo: Nanaka Adachi Enlarge image

في صباح الخامس من أكتوبر عام 2022، تلقَّى العالِم الدنماركي مورتن ميلدال مكالمة غيّرت مجرى حياته، كان الاتصال من لجنة جائزة نوبل للكيمياء، لتهنئته بفوزه بالجائزة إلى جانب العالِمين الأمريكيين باري شاربلس وكارولين آر بيرتوزي، لدورهم الرائد في تطوير الكيمياء النقرية والكيمياء الحيوية المتعامدة.

كانت الكيمياء النقرية مجرد أحلام تراود الكيميائيين حول تبسيط التصنيع الكيميائي؛ إذ تعتمد على ضم الوحدات البنائية الجزيئية للمواد وربطها معًا بإحكام وسرعة وكفاءة، الأمر الذي يتيح تصنيع العديد من المركبات الكيميائية في وقت أسرع وبتكلفة أقل.

التقت "نيتشر ميدل إيست" العالِم مورتن ميلدال للحديث عن أفكاره حول التقدم العلمي، والاستماع إلى نصائحه القيمة للباحثين الشباب، لا سيما من الشرق الأوسط.

بعد مرور 25 عامًا على حصول أحمد زويل على جائزة نوبل في الكيمياء عن اكتشافاته في كيمياء الفيمتو، كيف تقيِّم تأثير هذه الاكتشافات على علم الكيمياء بشكل عام؟ وهل كانت لها صلة أو تأثير على أبحاثك في مجال الكيمياء النقرية؟

لا شك في أن إسهامات "زويل" أحدثت نقلةً نوعيةً في العديد من المجالات، لا سيما في علم النانو، فقد مكَّنت ابتكاراته في الفيمتو ثانية من تطوير أدوات مجهرية وتحليلية مثل التحليل الطيفي بالليزر، الذي أتاح لنا مراقبة الحركات الديناميكية للجزيئات في زمن الفيمتو ثانية، ومن دون هذا الإنجاز، لم يكن ممكنًا إنجاز العديد من الأبحاث الجزيئية المتقدمة التي نعتمد عليها اليوم، ورغم أن كيمياء الفيمتو تركز على دراسة الجزيئات وسلوكها الديناميكي بشكل فردي، فإن الكيمياء النقرية، التي أعمل عليها، تعتمد أكثر على الربط الفعال للجزيئات لإنشاء مواد جديدة، وبالتالي لم تؤثر تأثيرًا مباشرًا على عملي.

كيف ترى مستقبل الكيمياء النقرية وتأثيرها في المجالات المختلفة مثل الطب وعلوم المواد؟

الكيمياء النقرية هي كيمياء نظيفة وفعّالة وخضراء يمكن إجراؤها في الماء، وهذه الخصائص تمنحها قيمةً كبيرةً من حيث التأثيرات البيئية وخفض التكاليف، ففي مجال الطب، يمكن استخدام الكيمياء النقرية لاستبدال العديد من الأجزاء البنيوية للأدوية الحالية، وهي تقنية مستخدمة حاليًّا في بعض المركبات التي تخضع للتجارب السريرية، وفي علم المواد والبوليمرات تُعد الكيمياء النقرية أداةً قيمةً للغاية في التوليد الدقيق للهياكل الجزيئية.

أثارت جائزة نوبل في الفيزياء والكيمياء لهذا العام الكثير من الجدل لأنها ذهبت إلى الأبحاث المتعلقة بالتقنيات الحوسبية وتطبيقات الذكاء الاصطناعي، ما دفع البعض إلى القول بأن هذه ليست مجالات تقليدية للعلوم الأساسية، ما رأيك في ذلك؟

أرى أن هذا كان اختيارًا موفقًا للغاية من قِبل لجنة نوبل، في الواقع، تلك التقنيات سيكون لها تأثيرٌ هائل على مجالات متنوعة مثل الكيمياء الحيوية وتطوير الأدوية، وهذه الأبحاث تفتح آفاقًا جديدةً للعلوم الكيميائية والكيمياء الحيوية، من خلال تحسين فهمنا لكيفية تفاعُل الجزيئات.  

ما الذي نحتاجه في الشرق الأوسط لتطوير البحث العلمي حتى يكون لدينا آخرون مثل زويل، ونتمكن من حصد المزيد من جوائز نوبل؟

الاكتشافات العلمية الأساسية تحدث في الغالب على نحو غير متوقع ومُربِك، فهي ليست شيئًا يمكنك التخطيط له بدقة، بل تحدث عندما تلاحظ شيئًا يبدو خارجًا عن المألوف أو غير منطقي بناءً على معرفتك الحالية، في هذه اللحظات غير المتوقعة، يجب على الباحثين اغتنام الفرصة للتحقيق بعمق في هذه الظواهر، وغالبًا ما تشير هذه النتائج غير المتوقعة إلى وجود فجوة في فهمنا، ودراستها قد تؤدي إلى رؤى جديدة بالكامل، وتلك هي الرؤى التي تقود إلى الاكتشافات الكبيرة والجوائز مثل نوبل.

لكن تحقيق هذا النوع من النجاح في الشرق الأوسط يحتاج إلى بيئة بحثية قوية تدعم التجارب والاكتشافات غير التقليدية، ما يستوجب توافر البنية الأساسية للبحث العلمي، مثل المختبرات المجهزة والأدوات المتقدمة، لذا أوصي قادة الدول في الشرق الأوسط بدعم البحث العلمي بشكل أكبر، حتى وإن لم تكن النتائج النهائية واضحةً وضوحًا كاملًا.

ما هي نصيحتك للباحثين الشباب في الشرق الأوسط ليكونوا باحثين جيدين؟

النصيحة الأهم هي أن يكون لديهم فضول دائم، وأن يركزوا على ما يثير اهتمامهم بعمق، البحث العلمي الجيد يتم من خلال الملاحظة والحدس وربط الملحوظات بالخيال، بدلًا من الاعتماد على الأفكار التي تستند إلى المعرفة الموجودة بالفعل فقط، وأعتقد أن الباحثين الشباب يجب أن يركزوا على فعل ما يجدونه مثيرًا للاهتمام، لأنه من المرجح أن يمثل الأساس للبحث الجيد، كما يجب عليهم البحث عن المؤسسات التي تتمتع بالبنية الأساسية اللازمة التي يمكن أن توفر لهم المزايا التجريبية التي ستتيح لهم دراسة ما يثير اهتمامهم، وهذا أمر صعب في الشرق الأوسط بطبيعة الحال، ولكن من الممكن الذهاب إلى مكان آخر للدراسة حيث توجد هذه البنية الأساسية، وفيما بعد يمكن إحضار هذه التكنولوجيا المتقدمة إلى الوطن.

في أثناء اختيارك لفريقك البحثي، ما هي الصفات التي تبحث عنها في الطلاب الجدد؟ 

الصفات التي أبحث عنها هي القدرة على الملاحظة والمعرفة التجريبية بدلًا من المعرفة النظرية فقط، من السهل اكتساب المعرفة النظرية بسرعة في الوقت الحاضر بسبب الإنترنت والمصادر المتعددة التي يمكن الوصول إليها بسهولة، والمهم هو الحدس، والخيال، والإبداع والشجاعة، الشجاعة لتحدي الوضع الراهن والسباحة عكس التيار هي صفة مهمة للغاية.

مورتن
ميلدال والزميلة سمر أشرف 

مورتن ميلدال والزميلة سمر أشرف 


Summer Ashraf Abounar Enlarge image

هل ندمت على أي شيء في حياتك المهنية؟

لا، الحياة المهنية عبارة عن رحلة صعود وهبوط، النجاح لا يأتي بسهولة أو بسرعة، بل يتطلب العمل الجاد والمثابرة، قد تواجه أحيانًا انتكاسات، مثل عدم الحصول على التمويل الذي تحتاجه لمشروعك البحثي، أو أن الأمور لا تسير كما خططت لها، ولكن عليك دائمًا المثابرة والمضي قدمًا، ستجد أن الحياة المهنية مليئة بالتحديات، هناك فترات صعود حيث تسير الأمور على ما يرام، ثم هناك فترات من النضال، ثم صعود مجددًا، وهكذا، لكن المفتاح هو الثبات والاستمرار في المحاولة.

في نهاية حوارنا، ما هي رسالتك لقرائنا؟

يجب الرجوع إلى العلم دائمًا حتى يتمكن الساسة والمنظمات من اتخاذ قرارات مستنيرة نيابة عنا جميعًا، العلم هو في الأساس حقائق، ولا يخضع لسيطرة المعتقدات غير المستنيرة، والتي يبدو للأسف أنها المحرك الأساسي للعديد من قادتنا على مستوى العالم اليوم، ونتيجةً لذلك، لدينا تغير المناخ والمزيد من الصراعات المحلية والعالمية التي لا معنى لها أكثر من أي وقت مضى، هذا مجرد جنون، والمعتقدات التي لا أساس لها من الصحة تمثل خطورةً واضحةً على البشرية، لذا يُرجى الاستماع إلى العلم، وفعل ذلك في الوقت المناسب.

سواء كنت طالبًا أم لا، استمر في التعلم طوال حياتك، وتعلم كيف تميز الحقيقة من المعلومات المضللة، هناك دائمًا المزيد لنتعلمه، والعالم يتغير على نحوٍ متسارع، للأسف في اتجاهات خطأ، دعونا جميعًا نعمل معًا من أجل تحقيق التغيير الصحيح وبناء عالم يقوم على المبادئ العلمية السليمة.

doi:10.1038/nmiddleeast.2024.318