Using AI to control energy for indoor agriculture
30 September 2024
Published online 11 يونيو 2023
بدأ باحثون في التعرف على تأثير مراحل انقطاع الطمث الأولى على صحة الدماغ، ومدلول ذلك فيما يخص جهود التوصُل إلى علاج مناسب لأعراضها.
عندما اتجهت ناعومي رانس، اختصاصية الباثولوجيا العصبية من جامعة أريزونا في مدينة توسان، لدراسة آليات انقطاع الطمث وعلاقته بالدماغ، بسطت سيطرتها على ذلك المجال، وهيمنت أطروحاتها على أوراقه البحثية. فما كان يتكشف لها من مفاجآت في أثناء سبر أغواره كان مذهلًا. إذ وقعت في دراسات تشريحية لعدد من الأدمغة على خلايا عصبية في منطقة دماغية تسمى تحت المهاد، تضاعف حجمها تقريبًا لدى النساء بعد انقطاع الطمث1 . وعن تجربتها تلك، تقول رانس: "حجم تلك الخلايا العصبية كان يتغير بدرجة كبيرة في النساء بعد انقطاع الطمث. فلم يكن ثمة شك بأن لهذا دلالة مهمة".
أعلنت رانس عن هذا الاكتشاف في تسعينيات القرن الماضي، لكن لم يلتفت إليه كثير من الباحثين الآخرين. ومن هنا، مضت بخطى حثيثة في أبحاثها، ساعية سعيًا جهيدًا للوقوف على دور تلك الخلايا العصبية، مبتكرة في إطار ذلك طرقًا بارعة لدراسة أعراض مراحل انقطاع الطمث لدى إناث الجرذان، من خلال تتبع تغيرات درجة الحرارة الطفيفة التي تطرأ على ذيولها كمقياس للهبات الساخنة، التي تُعد أحد الأعراض الشائعة لانقطاع الطمث، ويُعتقد أن منطقة تحت المهاد هي المُحفِّزة لها.
واليوم، بعد ثلاثين عامًا، تقيِّم هيئة إدارة الغذاء والدواء الأمريكية عقارًا يسمى «فيزولينيتانت» fezolinetant، بناءً على اكتشافات رانس، ومن المتوقع أن تبت الهيئة في اعتماده خلال النصف الأول من هذا العام. وحال اعتماده، قد يشكِّل هذه العقار علامة فارقة في أبحاث هذا المجال، نظرًا لأنه أول علاج غير هرموني لعلاج الهبات الساخنة، التي أصبحت تقريبًا مرادفة لانقطاع الطمث، ويعاني منها حوالي 80% من النساء اللاتي تمررن بتلك المرحلة الانتقالية. (يرد لفظ "النساء" في هذا المقال لوصف الأشخاص الذين يمرون بمرحلة انقطاع الطمث، بالأخذ في الاعتبار أن ليس كل من يشيرون إلى هويتهم الجنسية على أنهم نساء يمرون بمرحلة انقطاع الطمث، وليس كل من يمرون بتلك المرحلة يشيرون إلى هويتهم الجنسية على أنهم نساء).
وترى رانس وباحثون آخرون في هذا المجال أن وصول عقار «فيزولينيتانت» إلى هذه النقطة يدل على أن الأبحاث المتعلقة بأسباب أعراض مراحل انقطاع الطمث وآثارها باتت تؤخذ أخيرًا على محمل الجد. فمن المتوقع أن يتجاوز العدد العالمي للنساء اللاتي بلغن مراحل انقطاع الطمث مليار امرأة في غضون عدد قليل من السنوات. بيد أن العديد من النساء لا زلن يكافحن للحصول على الرعاية الصحية لمواجهة أعراض مراحل انقطاع الطمث، في ظل تأخر خطى الأبحاث المتعلقة بأفضل السبل للتعامل مع تلك الأعراض. وتجدر الإشارة هنا إلى أن هذا الوضع بدأ يتغير ببطء؛ فشيئًا فشيئًا، بدأ مزيد من الباحثين الاتجاه إلى دراسة ذلك المجال، مدعومين بوفرة النماذج الحيوانية المحسنة اللازمة لإجراء هذه الأبحاث، وتنامي عدد الأبحاث المنشورة حول آثار العلاجات الحالية لأعراض هذه المراحل، بهدف سد الثغرات المعرفية في هذا السياق.
وقد بدأ الباحثون بشكل متزايد يتنبهون إلى الآثار المحتملة لاحقًا لانقطاع الطمث والطور الذي يسبقه مباشرة، المعروف باسم الفترة المحيطة بانقطاع الطمث، فيما يتعلق بصحة العقل. وثمة دلائل على أن تلك المرحلة قد ترتبط بخطر الإصابة بأمراض تنكسية عصبية، مثل ألزهايمر.
جدير بالذكر أن عقار «فيزولينيتانت» والعقاقير المماثلة التي لا تزال قيد التطوير تمثل تحولًا فكريًا من النظر إلى انقطاع الطمث باعتباره حالة تنشأ في الأعضاء التناسلية الأنثوية، إلى التركيز على أسبابه وتأثيراته العصبية. فتقول هادين جوف، التي تدرس أمراض الصحة العقلية والشيخوخة بين النساء في كلية طب جامعة هارفارد في بوسطن بولاية ماساتشوستس الأمريكية: "نعتقد أن التغيرات التي تطرأ على المبيض تتسبب في انقطاع الطمث. وهذا مغاير لمفهوم أن الدماغ هو المسؤول عن انقطاع الطمث".
توقف تدريجي
يُعرف انقطاع الطمث بأنه توقف الحيض لمدة 12 شهرًا متتالية على الأقل، ويحدث هذا عادةً بين سن 45 و55 عامًا. بيد أن توقف وظائف المبيض المرتبط بانقطاع الطمث نادرًا ما يحدث بين ليلة وضحاها؛ إذ تعاني العديد من النساء لسنوات من اضطراب أداء المبيض خلال تدهوره، ويصحب ذلك عدم انتظام إنتاج الهرمونات الجنسية الرئيسية مثل الإستروجين والبروجسترون. وهو ما توضحه آيمي رافال، المتخصصة في الأمراض التناسلية والعصبية من جامعة ميامي بولاية فلوريدا الأمريكية قائلة: "هذا التغير لا يقع بين طرفة عين وانتباهتها. وإنما يستغرق وقتًا طويلًا؛ إذ يرسل المبيض على مدار فترات طويلة إشارات تبعث بالرسالة التالية: آن الوقت للتوقف".
قد يعني ذلك سنوات من تقلب مستويات الهرمونات التي لا ترتفع وتنخفض بالأنماط نفسها التي أمكن التنبؤ بها من قبل. وتشير روبرتا برينتون، اختصاصية علم الأعصاب من جامعة أريزونا في مدينة توسان الأمريكية، إلى أنه خلال الفترة المحيطة بانقطاع الطمث، يمكن أن يرتبك عمل دوائر الدماغ التي كانت تعتمد في السابق على إشارات الإستروجين.
جدير بالذكر أن هرمون الإستروجين يؤدي العديد من الوظائف في الدماغ؛ فهو يحفز امتصاص الجلوكوز وإنتاج الطاقة. وبمجرد الانتهاء إلى انقطاع الطمث، تكون الخلايا العصبية قد اعتادت غيابه. غير أنه خلال الفترة المحيطة بانقطاع الطمث، قد تنخفض مستويات الهرمون أسبوعًا واحدًا فقط لترتفع في الأسبوع التالي. وعلى حد قول برينتون، قد ينتج عن ذلك فترة من عدم تناغم عمل الخلايا العصبية؛ حيث يتم حرمان خلايا الدماغ على فترات دورية من هرمون الإستروجين لآماد لا تكفي لتشكيل المسارات العصبية اللازمة للتكيف مع الحياة من دونه.
كذلك يصاحب الفترة المحيطة بانقطاع الطمث العديد من الأعراض المميزة له مثل الهبات الساخنة التي تُعد السمة المميزة لانقطاع الطمث. وتشمل الأعراض الأخرى عدم انتظام الدورة الشهرية والقلق وارتفاع ضغط الدم ودرجة مقلقة من "ضبابية الوعي" تعيق التركيز. وتوضح جوفي ذلك قائلة: "ثمة فكرة مفادها أن النساء في الفترة المحيطة بانقطاع الطمث يُتوقع ألا يشكون أية أعراض حتى نهاية تلك المرحلة، لكنها حقيقة المرحلة التي تتجلى فيها بعض الأعراض بأوضح صورها".
ولعل هذه المرحلة هي الأنسب لاستخدام تدخلات علاجية تسهل الانتقال إلى انقطاع الطمث وتبطئ وتيرة الأمراض المرتبطة بتقدم العمر، والتي يبدو أنها تتسارع بعد انقطاع الطمث. ومن هنا، تعتقد رافال وباحثون آخرون أن الفترة الانتقالية المحيطة بانقطاع الطمث يمكن أن تمهد لتزايد خطر الإصابة ببعض أمراض ما بعد انقطاع الطمث، مثل ألزهايمر والسكتة الدماغية.
وجدير بالذكر أنه لا توجد بداية ونهاية واضحة لمرحلة الفترة المحيطة بانقطاع الطمث، وهو ما يُصعِّب دراستها. من هنا، تشير ستايسي ميسمر، اختصاصية علم الدراسات السكانية من جامعة ولاية ميشيجِن في مدينة جراند رابيدز الأمريكية، إلى أن التجارب الإكلينيكية واسعة النطاق لاختبار فاعلية العلاجات بالهرمونات المُعاوِضة، ركزت كثيرًا على النساء اللاتي بلغن انقطاع الطمث، أحيانًا بعد مرور عدة سنوات على انقطاعه. وتوضح ميسمر أن "بعض النساء تعاني لفترة قصيرة من أعراض الفترة المحيطة بانقطاع الطمث، بينما تستمر الأعراض لسنوات أو عقود لدى بعضهن الآخر، ولا نعي ما إذا كان لذلك علاقة بنمط حالاتهن الصحية لسائر حياتهن".
وفي الوقت ذاته، أدى شًح الخيارات العلاجية إلى سعي بعض النساء إلى تلقي علاجات غير مثبتة الفاعلية، مثل المكملات الغذائية العشبية. وهو ما تشير إليه سوزان ديفيس، اختصاصية الغدد الصماء من جامعة موناش في ملبورن، قائلة: "تشعر هؤلاء النساء بالإحباط لأنهن لا يجدن من يمكنه مساعدتهن في سعيهن لأداء مهامهم الحياتية".
اهتمام متزايد
يتنامى الزخم نحو تناوُل تلك القضايا. فترى كاثرين شوبرت، رئيسة جمعية أبحاث صحة المرأة من العاصمة الأمريكية واشنطن، أن الحجر الاجتماعي على مناقشة مسائل انقطاع الطمث، بما يدخل فيها من قضايا جرى تجاهل النظر فيها على مدار التاريخ، مثل الشيخوخة في النساء، والصحة الإنجابية للمرأة، لم يعد الخوض فيها محظورًا كالسابق. ونظرًا لأن المناقشات حول كلا الموضوعين صارت المجتمعات أكثر تقبلًا لها، أصبحت النساء أكثر صراحة بشأن الأعراض التي يتعرضن لها خلال الفترة المحيطة بانقطاع الطمث.
وفي الوقت الحالي، تعمل شركات الأدوية وحماية صحة المُستهلك على زيادة الوعي بهذه القضايا. فتقول فاسيليكي ميتشوبولوس، اختصاصية علم السلوك من جامعة إيموري في مدينة أتلانتا بولاية جورجيا الأمريكية، إنها وفريقها البحثي الذي يدرس انقطاع الطمث لدى الثدييات غير البشرية قد صُدموا لرؤية إعلان أمريكي عن الهبات الساخنة التي تميز مراحل انقطاع الطمث خلال مباراة سوبر بول هذا العام، وهي أكبر مباراة في موسم كرة القدم الأمريكية. وكان الإعلان برعاية شركة «أستيلاس فارما» Astellas Pharma، الشركة المُنتجة لعقار «فيزولينيتانت»، التي يقع مقرها في طوكيو. وحول ذلك، تقول ميتشوبولوس:"إن تطبيق الدردشة الذي يستخدمه فريقنا البحثي اشتعل آنذاك بالرسائل، وقد كتبتُ: هل حقًا ما رأيته للتو؟ وخلال مباراة سوبر بول؟".
ويأمل باحثون أن ينال هذا المجال التمويل اللازم بعد هذا الدعم الدعائي. فلطالما عانى نقصًا في برامج المنح البحثية طويلة الأجل به، وهو ما أدى إلى خلق بيئة تمويلية غير مستقرة، وأسفر عن عزوف الباحثين عن دراسة انقطاع الطمث. على سبيل المثال، عندما فاتحت جهة خيرية جينيفر جاريسون، اختصاصية علم الأعصاب من معهد باك لأبحاث الشيخوخة في نوفاتو بولاية كاليفورنيا الأمريكية، بشأن تمويل أبحاث حول الصحة الإنجابية مع تقدم العمر في عام 2018، وجدت جاريسون صعوبات كبيرة في إيجاد باحثين لمساندتها في العمل على تلك الأبحاث. وتعلل جاريسون لذلك قائلة: "لا يكمن السبب في عدم وجود مسائل مثيرة للاهتمام في هذا المجال، إذ ينطوي على الكثير من الألغاز التي تسلب العقل، لكنه يكمن في أنه لم توجد تمويلات".
وفي الوقت الذي بدأ فيه الاهتمام بهذا المجال يتزايد، بدأت الأساليب البحثية المستخدمة به أيضًا تحظى بنصيبها من الاهتمام. على سبيل المثال، لا يتعرض لانقطاع الطمث بصورة طبيعية سوى أنواع قليلة من الحيتان، بينما تبقى معظم أنواع هذه الحيوانات قادرة على التكاثر حتى موتها. وهو ما توضحه تيريزا ميلنر، اختصاصية علم الأعصاب من كلية وايل كورنيل للطب في مدينة نيويورك قائلة: "إن انقطاع الطمث من الجوانب التي يتميز بها التناسل البشري، لذا تصعب دراسته".
وللتغلُب على تلك الصعوبات، أجريت الدراسات على الحيوانات على مدار تاريخ هذا التخصص، بإزالة مبايضها جراحيًا. وبعدها، قد يعيد الباحثون إلى الحيوانات كميات محددة من الإستروجين والبروجستيرون، وهما الهرمونين الرئيسيين اللذين ينتجهما المبيض، وذلك سعيًا إلى محاكاة الانتقال إلى مرحلة انقطاع الطمث. بيد أن الباحثين، على حد قول جوفي، نادرًا ما يضيفون الهرمونات الأخرى الموجودة بصورة أقل في المبيضين، مثل هرمون التستوستيرون.
وفي السنوات الأخيرة، دفعت جهات تمويل الأبحاث بالباحثين في المجال إلى نبذ نموذج العمل البحثي ذاك، الذي يُعد الخيار البديل له استخدام إناث فئران متقدمة في العمر، في حين أن الخيار الأكثر دقة هو معالجة الفئران بـثاني الإيبوكسيد رباعي حلقات هكسين الفينيل، وهو مادة كيميائية تستخدم في تصنيع الإطارات المطاطية وعمليات صناعية أخرى. وتعمل هذه المادة على القضاء على جُريبات المبيض الأساسية وتحفيز تقلب مستويات هرمون الإستروجين على نحو يحاكي الفترة المُحيطة بانقطاع الطمث.
علاجات أفضل
تأمل ميلنر في استخدام هذه النماذج لابتكار علاجات أفضل لأعراض انقطاع الطمث. وفي الوقت الحالي، يُعد الخيار الرئيسي تعويض نقص هرمون الإستروجين، وفي بعض الأحيان هرمون البروجسترون، وكلا الهرمونين يبدآن في الانخفاض خلال الفترة المحيطة بانقطاع الطمث. بيد أن العلاج بالهرمونات المعاوِضة لا يصلح لجميع النساء، خاصة أولئك المعرضات لخطر الإصابة بجلطات الدم أو اللائي أُصبن بسرطان الثدي، كما توضح ديفيس.
وفيما يتعلق بالعلاج بالهرمونات المُعاوِضة، لا يزال أمام الباحثين طريق طويل للوصول إلى أفضل الجرعات والتوقيتات المناسبة لاستخدام ذلك العلاج بما يناسب كل امرأة. على سبيل المثال، في عام 2002، أوقفت دراسة أمريكية واسعة النطاق باسم «مبادرة صحة المرأة» Women’s Health Initiative تجربة للعلاج بالهرمونات المعاوِضة في مرحلة مبكرة، بعد أن وجدت أن النساء في مراحل انقطاع الطمث ممن يتلقين جرعات من الإستروجين والبروجسترون يغدون أكثر عرضة للإصابة بسرطان ثدي موغل في الانتشار، مقارنة بالنساء في مجموعة المقارنة بالدراسة. علاوة على ذلك، عُلقت التجارب في مجموعة فرعية أخرى بالدراسة في عام 2004، بعد اكتشاف زيادة معدلات الإصابة بالسكتة الدماغية بين النساء اللاتي يتلقين جرعات من هرمون الإستروجين وحده2. وقد تسبب الجدل الذي أعقب ذلك في توقف عديد من النساء عن تلقي علاج بهرمونات معاوِضة.
وقد لفت نقاد الدراسة إلى إشكاليات مثيرة للقلق شابت إجراءات هذا العمل البحثي3، إذ تلقت عديد من المشاركات بالدراسة مستويات عالية نسبيًا من الهرمونات الاصطناعية، كما أن عديدًا منهن تجاوزت أعمارهن 60 عامًا، ومر وقت طويل على بلوغهن مرحلة انقطاع الطمث. وبعد تحليل البيانات، تبين أن تزايُد خطر الإصابة بسرطان ثدي موغل الانتشار، كان مقصورًا على من تلقوا علاجًا بهرمونات معاوضة لأكثر من عشر سنوات. وتشير بعض البيانات إلى أنه يمكن تقليل خطر الإصابة بالسكتة الدماغية لدى هؤلاء النساء، من خلال تلقي جرعات الإستروجين موضعيًا، عبر أساليب مثل الرقع اللاصقة أو الهلام الدوائي، بدلا من تناولها في صورة أقراص عن طريق الفم4. وتقول ميسمير إن المناقشات التي تلت تلك الدراسة بشأن العلاج بالهرمونات المعاوِضة، استهلكت الباحثين والأطباء الإكلينيكيين، ولم تترك مجالًا كبيرًا للباحثين والأطباء لاستكشاف طرق أخرى لعلاج الأعراض.
وفي عام 2002، أشار عدد قليل من الدراسات الأصغر نطاقًا إلى أن العلاج بالهرمونات المُعاوِضة يمكن أن يكون مفيدًا إذا تم تلقيه في مرحلة مبكرة خلال الفترة الانتقالية المؤدية إلى انقطاع الطمث، لا لتخفيف الهبات الساخنة والوقاية من أمراض القلب والأوعية الدموية والحفاظ على صحة العظام فحسب. على سبيل المثال، توضح ميلنر أن النساء الأكبر سناً في «مبادرة صحة المرأة» كن قد تجاوزن بسنوات مرحلة الفترة المحيطة بانقطاع الطمث، وتكيفت أجسادهن مع الحياة دون الإستروجين. فتقول حول ذلك: "نحاول علاج الأعراض بالإستروجين في وقت لا تتذكر فيه معظم مستقبلات الإستروجين الدور المفترض أن يقوم به ذلك الهرمون، ونعتقد أن الإطار الزمني الذي يسمح بهذا العلاج يكون خلال الفترة المحيطة بانقطاع الطمث ".
بيد أن هذا الإطار الزمني لم تتضح حدوده بعد، وحتى البدء في تلقي علاج بهرمونات مُعاوِضة خلال الفترة المحيطة بانقطاع الطمث لا يخفف جميع أعراض انقطاع الطمث. وتشير جاريسون إلى ذلك بقولها: "العلاج بهرمونات مُعاوِضة ليس الحل الأمثل؛ وهو ما يدل على أن ثمة آليات أخرى تلعب دورًا في هذه المرحلة".
وقد كانت رانس من أوائل من طرقوا هذه الألغاز. وقد ساعدتها أجهزة قياس درجة الحرارة الصغيرة التي ابتكرتها في عام 2011 على إثبات أن تنشيط مستقبل جزيئي هرموني يسمى Neurokinin B لدى جرذان تسبب في حدوث تغيرات في درجة حرارة الجسم تشبه الهبات الساخنة5. وقد لفت هذا الكشف الذي أسفرت عنه تلك الورقة البحثية اهتمام اختصاصي الغدد الصماء والجيت ديلو، من كلية إمبريال كوليدج لندن، الذي درس هذا الجزيء الهرموني لأسباب أخرى. فعمد ديلو وفريقه البحثي إلى الانتقال بدراسات رانس إلى حقل التجارب الإكلينيكية، ووجدوا أن مركبًا يمنع هذا الجزيء الهرموني من الارتباط بمستقبلاته الخلوية أدى إلى انخفاض معدلات حدوث الهبات الساخنة بين النساء اللاتي كن يتعرضن لها سبعة مرات على الأقل يوميًا6.
ومنذ ذلك الحين، أثبت فريق بحثي لدى شركة «أستيلاس فارما» أن عقار «فيزولينيتانت»، القائم على مركب مشابه، يقلل أيضًا وتيرة حدوث أعراض انقطاع الطمث بين النساء اللاتي تعانين من هبات ساخنة معتدلة إلى شديدة ومرتبطة بانقطاع الطمث7. وتقول ستيفاني كوريا، اختصاصية علم الغدد الصماء العصبية من جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس، إن ذلك قد يعود بأثر إيجابي كبير على الحالة الصحية، بالنظر إلى مدى شيوع تلك الأعراض خلال الفترة المحيطة بانقطاع الطمث.
فضلًا عن ذلك، توضح كوريا أن انخفاض وتيرة حدوث الهبات الساخنة (بدلاً من وقفها تمامًا) يعني أن هناك متسع لتحسن الحالة الصحية، غير أن هذا يتطلب فهمًا أفضل لآليات الجسم في تنظيم درجة حرارته. وتشير إلى ذلك قائلة: "استند هذا العقار إلى أبحاث غير تطبيقية تعود إلى 30 عامًا مضت. وأشعر أن مسافة كبيرة تفصلنا عن الخطوة التالية". وعلى صعيد آخر، تعين على كوريا أن تتصدى لمعارضة من هيئات تمويلية ومن فريقها البحثي بسبب اختيارها تناوُل الهبات الساخنة بالدراسة، وهو ما أعربت عنه قائلة: "نظرًا إلى أن الهبات الساخنة لا تهدد الحياة، لا يُنظر إليها على أنها ذات أهمية".
كوكبة من الأعراض
قد لا تغدو الهبات الساخنة مبعثًا على الضيق فحسب. فبالإضافة إلى أنها مزعجة، ومعرقلة لأنشطة الحياة اليومية، فهي من أهم مسببات اضطرابات النوم التي تعاني منها عديدًا من النساء خلال الفترة المحيطة بانقطاع الطمث. وتوضح جوفي أن النوم المتقطع قد يعزز فرص ظهور أعراض أخرى غير مرغوب فيها تميز انقطاع الطمث، وتشمل ارتفاع ضغط الدم والتغيرات الأيضية والقلق. ومن ناحية أخرى تشير بعض الدراسات إلى أن المستويات المنخفضة من الإستروجين يمكن أن تؤدي أيضًا إلى الاستيقاظ ليلًا، بغض النظر عن الهبات الساخنة8 .
وتوضح برينتون أن هذا ليس إلا واحدًا من العديد من التأثيرات التي يمكن أن تنجم عن انخفاض مستويات الإستروجين في الدماغ. إذ وجدت مع فريقها البحثي أن انخفاض مستويات الهرمونات الجنسية له تأثيرات هائلة على الأيض والاستجابات المناعية الدماغية لدى القوارض9 والبشر10 ولعل السبب وراء ذلك يكمن في دور الإستروجين في تنظيم امتصاص الجلوكوز الذي يُعد مُغذي الدماغ الرئيس، إذ وجدت برينتون وفريقها البحثي أنه عندما تنخفض مستويات الإستروجين، فإن النشاط الأيضي في الدماغ ينخفض في البداية، "فيرسل الدماغ رسالة استغاثة قائلًا: أنا أتضور جوعًا؛ أحتاج إلى وقود آخر".
وتشرح برينتون أنه استجابة لتلك الرسالة، يبدأ الدماغ في التحوُل من الاعتماد على الجلوكوز إلى الدهون في أيضه الغذائي. وتعتقد أن هذا التحول يمكن أن يؤدي إلى حدوث التهابات قد تسهم بدورها في حدوث ضبابية الوعي التي تختبرها النساء في مراحل انقطاع الطمث، فضلًا عن زيادة خطر الإصابة بمرض ألزهايمر ومرض باركنسون اللذين تتعرض لهما النساء بعد انقطاع الطمث. كما تضيف أن "الفترة المحيطة بالطمث تمثل جزءًا مهمًا جدًا من هذا التحول"، فعلى حد قولها: "يعتمد هذا حقًا على المسار الذي تسلكه الفترة المحيطة بانقطاع الطمث، وما إذا كانت ستنتهي إلى مزيد من المخاطر بسبب الالتهابات، أم نجاة الجسم في نهاية المطاف". من هنا، تجري برينتون وفريقها البحثي دراسات تصوير شعاعي لأدمغة نساء في الفترة المحيطة بانقطاع الطمث، بحيث لا يقتصر نطاق نتائج الدراسة على النماذج الحيوانية. وحتى الآن، تشير النتائج التي توصل إليها الفريق البحثي إلى أنه بعد فترة من عدم الاستقرار العصبي البيولوجي، تتبدل عملية استهلاك الجلوكوز في الدماغ لتسلك "روتينًا جديدًا" بعد انقطاع الطمث، ويتحسن أداء النساء في اختبارات الذاكرة والإدراك10 .
من ناحية أخرى، فإن الدراسات الوبائية الجارية قد تدعم وجود علاقة بين الفترة المحيطة بانقطاع الطمث وصحة الدماغ. فعلى سبيل المثال، تسعى دراسة «صحة النساء عبر الأمة» في الولايات المتحدة الأمريكية إلى متابعة الحالة الصحية لنساء تتراوح أعمارهن بين 42 عامًا و52 عامًا من خلال زيارات إكلينيكية واختبارات دم، وفحوص لتصوير كثافة العظام، وذلك بهدف رصد بعض جوانب الفترة الانتقالية المحيطة بانقطاع الطمث.
أما رانس، فقد تقاعدت وأغلقت مختبرها العام الماضي، تاركة المجال، على حد قولها، مأهولًا بالباحثين على نحو أكثر قليلاً مما كان عليه عندما بدأت، و"لكن ليس بالقدر الكافي، فلا يزال هناك متسع لضم مزيد من الباحثين إلى أبحاث العلوم الأساسية هذه".
doi:10.1038/nmiddleeast.2023.82
Stay connected: