أخبار

كيف يمكن تحقيق المساواة بين الجنسين في الميدان العلمي في إفريقيا؟

نشرت بتاريخ 7 يوليو 2025

أخذ صلاح عُبيَّة على عاتقه دعم المسيرة العلمية للنساء في مجال بحوث الفوتونيات في مصر.

شهاب جمال

لتضييق الفوارق بين الجنسين في مجال دراسات الفوتونيات، يتيح صلاح عُبية للنساء في فريقه البحثي ممن تسعين للموازنة بين البحث العلمي والواجبات الأسرية مواعيد مرنة لإنجاز الأبحاث، وعملًا بدوام جزئي، بل وخدمة نقل ممثلة في حافلات لإقلالهن. 

لتضييق الفوارق بين الجنسين في مجال دراسات الفوتونيات، يتيح صلاح عُبية للنساء في فريقه البحثي ممن تسعين للموازنة بين البحث العلمي والواجبات الأسرية مواعيد مرنة لإنجاز الأبحاث، وعملًا بدوام جزئي، بل وخدمة نقل ممثلة في حافلات لإقلالهن. 
حقوق نشر الصورة: صلاح عُبيًّة

رواد صنعوا تحولًا في مسيرة العلم

تحتفي سلسلة رواد صنعوا تحولًا في مسيرة العلم بمناهضي العنصرية ومؤيدي التنوع الطيفي في المجتمعات العلمية. وكثيرًا ما تسلط السلسلة الضوء على المبادرات التي يمكن تبنيها في أوساط علمية جديدة.

عام 2012، أقدم صلاح عُبيَّة على مجازفة بترك منصبه في جامعة جلامورجان (التي تُعد اليوم جزءًا من جامعة ساوث ويلز) في مدينة بونتيبريد بالمملكة المتحدة، ليتولى بعدها قيادة مشروع جديد في مدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا، وهي منطقة بحثية وتكنولوجية في محافظة الجيزة المصرية. آنذاك، عُين لتأسيس مركز الفوتونيات والمواد الذكية (CPSM)، حيث كُلف بإجراء أبحاث متقدمة في مجال بصريات النانو. فخاض هذا التحدي أملًا في أن يحظى بفرصة للعب دور في رسم مستقبل مؤسسات التعليم العالي الإفريقية.

عام 2015، أصبح المدير العام للمعاهد البحثية في مدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا، وهو منصب سمح له ببناء شراكات بين المراكز البحثية والجامعات في دول شمال إفريقيا ودول إفريقيا جنوب الصحراء. واليوم، بصفته مديرًا لمركز الفوتونيات والمواد الذكية، يرأس فريقًا من الباحثين من جامعات مصرية شتى، وينظَّم دورات تدريبية في مجال أبحاث الفوتونيات (دراسة موجات الضوء) على الإنترنت ووجهًا لوجه.  كما يعمل محاضرًا في جامعة زويل للعلوم والتكنولوجيا.

عام 2019، عيَّنته منظمة اليونسكو للعلوم التابعة للأمم المتحدة رئيسًا لمجلس التقنيات المبتكرة للتنمية المستدامة في إفريقيا. وفي عام 2023، منحته جمعية «أوبتيكا» Optica العلمية، للنهوض بعلم البصريات والفوتونيات في شتى أنحاء العالم، ومقرها العاصمة الأمريكية واشنطن، جائزتها لمناصري التنوع الطيفي، تكريمًا لجهوده الداعمة للمساواه وتمثيل واستيعاب الأطياف المختلفة في مجال أبحاث الفوتونيات، ولمساعيه لتمكين الباحثين، لا سيما النساء، من شتى الخلفيات الإفريقية في مسيرتهم العلمية في المجال.

تركز أبحاث عُبية على تطوير أجهزة بصريات النانو، وعلى ابتكار تقنيات نمذجة حوسبية باستخدام الذكاء الاصطناعي.  وتستهدف أبحاثه بالدرجة الأولى تطوير تقنيات بصريات النانو الصديقة للبيئة، لتعزيز كفاءة الخلايا الشمسية، التي تُعد من ركائز الجهود في مجال التحوُل إلى الطاقة المستدامة. وعبر «البرنامج التدريبي المتقدم للخريجين الإفريقيين في مجال الفوتونيات» Advanced Training Programme in Photonics for African Graduate Students، درّب باحثات، غالبيتهن من إفريقيا جنوب الصحراء، وساعدهن على بناء مهاراتهن البحثية في هذا الحقل العلمي. ومنذ عام 2019، قدم دورات تدريبية مجانية وورش عمل لطلاب من شتى الخلفيات الإفريقية.

وفي لقائه مع دورية Nature، يوضح عُبية كيف أن شغفه بدعم العلوم في إفريقيا قاده بشكل مباشر إلى دعم المساواة بين الجنسين في مجال الفوتونيات، وكيف أن جهود التنمية لا يمكنها المضي قدمًا إلا إذا ذُللت العقبات التي تواجهها النساء في مسيرتهن المهنية.

 

في رأيك، ما الذي يكسِب جهود دعم التنوع الطيفي في مجال العلوم أهميتها؟

خلال فترة عملي في المملكة المتحدة، حيث انخرطت في تفاعلات مع زملاء من أطياف وخلفيات متنوعة، أبهرتني الكيفية التي تدعم بها بيئة العمل هناك الأداء الجيد. فأدركت قيمة التنوع الطيفي، وفطنت إلى أن بلدي الأم مصر يفوت فرصة الاستفادة من هذا التنوع بكل ما يتيحه من إمكانات. ونقص النساء ممن على مستوى عال من التدريب في مجال بحوث تقنيات النانو في إفريقيا يعني بالتبعية ضعف الابتكار والخبرة البحثية بنسبة 50% عنهما في حال تحقق هذا التنوع.

وتحتاج إفريقيا إلى نهضة علمية لا تتيح فقط فرصًا ومناصب للباحثين على اختلاف خلفياتهم العرقية ونوعهم الاجتماعي، وإنما توحد أيضًا هذه الجهود من خلال تقديم الإرشاد والدعم المستمر لهؤلاء الباحثين.  بعد عودتي إلى بلدي الأم، وضعت نصب عيني دعم التنوع الطيفي بين طلابي وبين فريق عملي لضم الأفارقة على اختلاف نوعهم الاجتماعي وأعراقهم.

وقد أدرت مع فريقي الذي تموله هيئة «اليونسكو» برنامجًا تدريبيًا إفريقيًا لمنح خريجي الجامعات الأفارقة، لا سيما من النساء، الفرصة لتلقي تدريب مجاني على استخدام التطبيقات التكنولوجية المتقدمة ولتطوير مهاراتهم وقدراتهم البحثية ليمكنهم خوض برامج الماجستير والدكتوراه والدراسات العليا وسوق العمل الدولية.

ما الذي ولّد فيك الرغبة لتحسين التنوع الطيفي والمساواة في العلوم؟

عُدت إلى بلدي الأم والحماس يملؤني لدفع عجلة تقدم دراسات الفوتونيات في إفريقيا. وبصفتي مديرًا لمركز الفوتونيات والمواد الذكية، صُعقت عندما تبين لي أن الغالبية العظمى من طلبات الالتحاق ببرامج الماجستير كانت لنساء، في حين وُجد عجز كبير في نسبة العلماء منهن في مرحلتي الدكتوراه والدراسات العليا.

فأخذت على عاتقي الإسهام في تحقيق المساواة بين الجنسين في مجال الدراسات الفوتونية، من خلال تقديم الإرشاد للنساء الإفريقيات، وإتاحة مجموعة من خيارات التدريب العملية لهن. واليوم، ترأس نهال فايز ونيس إحدى الطالبات اللاتي أشرفت عليهن سابقًا في دراساتهن لنيل درجة الماجستير والدكتوراه قسم هندسة الإلكترونيات والاتصالات في جامعة المنصورة المصرية. كذلك شجعتُ شيماء عزام إحدى طالبات درجة الماجستير لدي سابقًا على خوض دراسات الدكتوراة في جامعة بيردو في مدينة لافاييت الغربية بولاية إنديانا الأمريكية، واليوم هي عضو في زمالة ما بعد الدكتوراة في مجال أبحاث الفوتونيات الكمية بجامعة كاليفورنيا بمدينة سان دييجو الأمريكية.

كيف يمكننا مساعدة النساء على مواصلة مسيرتهن المهنية في مجال العلوم؟

 يتوقف المشوار المهني للعديد من الباحثات بعد حصولهن على درجة الماجستير بسبب مسؤوليات الحياة الزوجية وواجبهن في رعاية أطفالهن. وهذا يفاقم العجز الشديد في نسبة النساء في مجال البحث العلمي في إفريقيا. لذا، أسعى لمساعدة النساء على المضي في مسيرتهن العلمية البحثية وأعمل على تخفيف الضغوط التي تواجهنها إن كان لديهن أطفالًا صغارًا أو إن كن يتحملن التزامات وواجبات أسرية. ومما يتطلبه التكيُف مع هذه الأعباء، تقليص ساعات العمل (إلى ما يصل إلى ساعتين يوميًا) بما يسمح للنساء باختيار ساعات العمل المناسبة لهن أو بالعمل عن بعد، فضلًا عن توفير خدمة نقل ممثلة في حافلات لتسهيل انتقالاتهن وإفساح مزيد من الوقت لمن تواجهن صعوبة في إنجاز أبحاثهن في الموعد.  وفوق كل شيء، يُمكن للنساء تأجيل العمل على أبحاثهن أو استقطاعها بإجازة مؤقتة لمواصلة العمل عليها لاحقًا عندما تسمح ظروفهن بذلك. ونتواصل مع من واجهن عراقيل أو ظروفًا استثنائية، ونشجعهن على مواصلة أبحاثهن في الموعد الذي يلائمهن، وعلى تعويض ما فاتهن.

في إطار عملي كمرشد للطلاب، أسلط الضوء على أهمية السماح للنساء بمواصلة بحوثهن، حتى لو واجهن تحديات، وأركز على توعيتهن هن وشركائهن بأن الزواج والحياة الأسرية لا يتعارضان مع بناء مسيرة مهنية في مجال العلوم. كما أغرس فيهن الوعي بقيمة مسيرتهن العلمية لأسرهن ولمجتمعاتهن.

ما أسوأ مفهوم خاطئ أو صورة نمطية عنصرية ترغب في التخلص منها والقضاء عليها؟

رغم أن علماء الدول الأعلى دخلًا ينعمون بوفرة أكبر في الموارد والإمكانات والمرافق، تنطوي الفكرة السائدة بأن الأبحاث الجيدة لا يُمكن أن تصدر إلا عن الفرق والمراكز البحثية في هذه الدول على انحياز، وغالبًا ما تقوم على صور نمطية عنصرية.  وينبغي أن تحظى الأبحاث التي تنتجها الفرق البحثية في الدول الأقل دخلًا بالفرص نفسها في عمليات مراجعة الأقران، وألا يتأثر سيرها بالصور والأفكار النمطية المسبقة.

أين تجد متنفسًا للهروب من ضغوط العملية البحثية؟

أنا عاشق للموسيقى، وأمضي أغلب وقت فراغي في الاستماع للموسيقى العربية الكلاسيكية، التي يميزها نمط في لحن الأنغام وبناء شكل المقطوعة الموسيقية يُعرف بالمقامات، والتي تُستخدم فيها آلات موسيقية على غرار العود والقانون والرباب والناي والكمان. وأغاني أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي من إبداع محمد عبد الوهاب، وهو مُلحن ومطرب مصري، وفريد الأطرش وأم كلثوم، تلمس شغاف قلبي كلما استمعت إليها.

حُررت هذه المقابلة مراعاةً للطول والوضوح.

هذه ترجمة المقال الإنجليزي المنشور في دورية Nature بتاريخ 12 يونيو عام 2025.

doi:10.1038/nmiddleeast.2025.99