أخبار

ضربة لقطاع النشر العلمي: إدارة ترامب تفسخ بجرة قلم عقودًا حكومية مع ناشرة دورية Nature 

نشرت بتاريخ 6 يوليو 2025

تأتي هذه الخطوة على خلفية اتهام مسؤولين رفيعين في الإدارة الأمريكية لعدد من الدوريات الرفيعة بـ"الفساد" والـ"تقدمية". 

 

ماكس كوزلوف

ألغت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب هذا الشهر بعض اشتراكات عدد من الهيئات الحكومية الأمريكية في دوريات تابعة لشركة «سبرينجر نيتشر» Springer Nature، الجهة الناشرة لدورية Nature. وصرحت ثلاث هيئات حكومية على الأقل باعتزامها إلغاء جميع عقودها مع الشركة.  

جاءت هذه الخطوة وسط انتقادات وجهها مسؤولون رفيعون في إدارة الرئيس الأمريكي ترامب لدوريات أكاديمية مرموقة، وعلى آثار هذه الاتهامات لن يكون بإمكان طواقم عمل الهيئات الحكومية سالفة الذكر الوصول بسهولة لأكثر من 3 آلاف دورية تابعة لجهة النشر، ومن بينها دورية Nature البارزة. (جدير بالذكر أن فريق الأخبار بدورية Nature مستقل تحريريًا عن الجهة الناشرة للدورية؛ «سبرينجر نيتشر»). 

ورغم أن عدد العقود المزمع أن تفسخها إدارة الرئيس ترامب غير معروف بوضوح، تظهر قاعدة بيانات النفقات الحكومية الأمريكية «يو إس إيه سبيندينج دوت جوف» USASpending.gov أن وزارة الزراعة الأمريكية (USDA) ووزارة الطاقة الأمريكية (DOE) فسختا عقودًا بقيمة 3 ملايين دولار أمريكي في وقت مبكر من شهر يونيو الماضي. وفي تصريح أدلى به متحدث باسم وزارة الزراعة الأمريكية لفريق أخبار دورية Nature، أفاد المسؤول بأن الوزارة "ألغت جميع التعاقدات والاشتراكات مع جهة النشر «سبرينجر نيتشر» Springer Nature. وقال معللًا لهذه الخطوة: "الاشتراك في الدوريات [بتعبيره] يكلف مبالغ فادحة ولا يصب في مصلحة دافعي الضرائب". أما وزارة الطاقة الأمريكية، فصرحت بأنها بصدد إلغاء اشتراكها لدى «سبرينجر نيتشر» للمدة المتبقية من عقدها مع جهة النشر. كذلك أكدت وكالة «ناسا» اعتزامها إلغاء اشتراكاتها لدى جهة النشر. 

وعندما تواصل فريق الأخبار بدورية Nature مع هيئة معاهد الصحة الوطنية الأمريكية (NIH) —  أكبر جهة تمويل لأبحاث الطب الحيوي على مستوى العالم — لسؤال الهيئة عما إذا كانت اشتراكاتها لدى «سبرينجر نيتشر» ستبقى قائمة دون تغيير، أفاد متحدث باسم الهيئة بداية بأنها ستظل كذلك، وبأن الاستعانة بالموارد التي يتيحها الاشتراك لدى جهة النشر يساعد طاقم عمل الهيئة على "تعزيز شفافية البحث العلمي والقدرة على التحقق من صحة النتائج البحثية". 

لكن بعد ساعات من هذا التصريح، قال آندرو نيكسون، المتحدث الأبرز باسم وزارة الصحة والخدمات الإنسانية الأمريكية (HHS) وهي المؤسسة الأم لهيئة معاهد الصحة الوطنية الأمريكية: "جميع التعاقدات مع «سبرينجر نيتشر» فُسخت ولم تعد سارية. فأموال دافعي الضرائب الثمينة ينبغي [بتعبيره] ألا تُستخدم في اشتراكات غير نافعة للوصول إلى محتوى علمي رديء".  

ولم ترد وزارة الصحة والخدمات الإنسانية على طلب دورية Nature بالتعقيب على ما إذا كانت الوزارة تعتزم فسخ عقودها مع جهات نشر أكاديمي أخرى، وعلى ما إذا كانت هذه الخطوة ستمنع علماء عدد من الهيئات الحكومية من النشر في دوريات تتقاضى رسومًا لقاء النظر في المقالات البحثية، وعلى طلب بإعطاء أمثلة على "المحتوى العلمي الرديء" الذي تنشره «سبرينجر نيتشر». 

في هذا الإطار، أفاد متحدث باسم «سبرينجر نيتشر» بأن الشركة "لا تزال تجمعها علاقات طيبة مع الهيئات الفيدرالية الأمريكية"، وبأنها لا تدلي بتعقيب فيما يخص عقودها مع هيئات محددة. وأضاف: "على مستوى أنشطتنا في الولايات المتحدة الأمريكية، لم يطرأ تغيير ملموس على قاعدة عملائنا أو على نفقاتهم". وجدير بالذكر، أنه حتى الآن لم تظهر قاعدة بيانات النفقات الحكومية الأمريكية «يو إس إيه سبيندينج دوت جوف» فسخ أي عقود مبرمة بين «هيئة معاهد الصحة الوطنية الأمريكية» أو «وزارة الصحة والخدمات الإنسانية » أو وكالة « ناسا » مع شركة «سبرينجر نيتشر». وإجمالًا، تظهر قاعدة البيانات تعاقُدات لسبع هيئات حكومية مع شركة «سبرينجر نيتشر»، تسدد بموجبها هذه الهيئات 20 مليون دولار أمريكي هذا العام إلى الشركة. 

ويُذكر أن البيت الأبيض لم يجب على استفسارات دورية Nature في هذا الشأن. وفي تصريح لفريق أخبار دورية Nature، أفادت «مؤسسة العلوم الوطنية الأمريكية» وهي من كبرى جهات تمويل الأبحاث الأساسية على مستوى العالم، بأن اشتراكاتها في عدد من دوريات «سبرينجر نيتشر» لا تزال قائمة ورفضت التعقيب أكثر على هذا الشأن. 

حول ذلك، يقول إيفان أورانسكي، اختصاصي النشر الأكاديمي والمشارك في تأسيس منظمة «ريتراكشن ووتش» Retraction Watch الإعلامية: "عندما يُقال محتوى علمي رديء، ليس من الواضح المقصود بذلك". ومع غياب التفاصيل حول الأسباب التي دعت إلى هذه الخطوات وبالنظر إلى أن العديد من الدوريات التابعة لـ«سبرينجر نيتشر» تُعد من الدوريات المرموقة، يقول أورانسكي: "أجد صعوبة في الأخذ بظاهر الأمر وتصديق أن هذه الخطوة لم تكن مدفوعة بأسباب سياسية". وأضاف أن إقدام جهة اشتراك بارزة لدى الناشرة «سبرينجر نيتشر» على "خطوة كبيرة كتلك لأسباب سياسية" سيُعد سابقة. 

إدارة ترامب تفتح النار على الدوريات العلمية 

أواخر الشهر الماضي، اتهم وزير الصحة الأمريكي روبرت إف. كينيدي عددًا من أبرز الدوريات الطبية، مثل مجلة «نيو إنجلاند جورنال أوف مِديسين» New England Journal of Medecine بالفساد، لافتًا إلى علاقات للدورية بشركات دوائية، وهدد بمنع العلماء الحكوميين من نشر أبحاثهم في هذه الدوريات. (ولم يأت تحديدًا على ذكر أي من الدوريات التابعة لـ«سبرينجر نيتشر»). 

وقد تلقى عدد من الدوريات الطبية، مثل «دورية الجمعية الطبية الأمريكية» Journal of the American Medical Association، ودورية «تشيست» CHEST التي تغطي موضوعات مرتبطة بأمراض القلب والجهاز التنفسي وأمراضًا أخرى، خطابًا في إبريل الماضي من محام أمريكي، جاء في مضمونه أن الأبحاث التي تنشرها هذه الدوريات تتأثر بانحيازات سياسية، وطالب الخطاب بمعلومات حول عدد من القضايا، من بينها ما إذا كانت هذه الدوريات تقبل بنشر مقالات بحثية لمؤلفين ممن يتبنون "وجهات نظر مغايرة". وقد رفض متحدث باسم شركة «سبرينجر نيتشر» الرد على استفسار حول ما إذا كانت الشركة قد تلقت أحد هذه الخطابات، منوهًا إلى أن الشركة "لا تعلق على مراسلاتها الخاصة". 

ويُشار إلى أنه في إبريل الماضي، صدر لدونالد ترامب جونيور، نجل ترامب منشور على منصة التواصل الاجتماعي «إكس» صرح فيه بأنه "لن تُرصد أموال دافعي الضرائب بعد اليوم لجهات النشر التقدُمية"، مشيرًا إلى أن «سبرينجر نيتشر» تروج لما وصفه بـ"الفوضى الجندرية" بنشر مقالات تتناول، على سبيل المثال، أفضل المصطلحات لتوصيف الهوية الجندرية في الدراسات العلمية. (يُذكر أن دونالد ترامب في اليوم الأول من تقلده لمنصبه أصدر أمرًا تنفيذيًا ، صرح فيه بأن الولايات المتحدة لا تعترف إلا بنوعين اجتماعيين فقط هما الذكور والإناث، وبأن الهوية الجندرية لا تعد أساسًا واضحًا لتحديد هوية الأفراد). 

تداعيات الخطوة 

في تصريح لدورية Nature، أفاد عدد من العاملين في هيئة معاهد الصحة الوطنية الأمريكية، طلبوا عدم الإفصاح عن هويتهم لأنهم غير مخولين بالتحدث مع وسائل إعلام في هذا الشأن، بأن عملهم على تقييم المشروعات البحثية المقترحة لتحديد المناسب لتمويله منها سيغدو أصعب حال الحرمان من الوصول إلى محتوى هذه الدوريات. فجاء على لسان أحد المسؤولين عن برامج المنح البحثية: "نحتاج للوصول إلى ما يُنشر حاليًا من مواد في مجال الطب الحيوي لتقييم ما وصلت إليه الأبحاث، ومواكبة التطورات في مجالنا". وأفاد عالم بأحد البرامج الداخلية البحثية لهيئة معاهد الصحة الوطنية، بأن القرار "يقمع حرية البحث العلمي، أي حرية تتبُع المعلومات أينما وُجدت". كما انتقد الهيئة لعدم سعيها للحصول على مشورة المجتمع العلمي قبل إنفاذ هذه التغييرات. 

أما وزارة الصحة والخدمات الإنسانية، فلم تجب على استفسارات دورية Nature بشأن مخاوف طاقم عمل الوزارة. كذلك أكد عدد من العاملين لدى هيئة معاهد الصحة الوطنية في الثلاثين من يونيو الماضي أنهم لا يزالوا قادرين على الوصول إلى الدوريات التابعة لشركة «سبرينجر نيتشر» عبر اشتراك الهيئة في هذه الدوريات، أما وزارة الصحة والخدمات الإنسانية فلم تحدد موعدًا لسريان تلك الخطوة. 

لا تمثل دوريات «سبرينجر نيتشر» مصدر معلومات الطب الحيوي الوحيد الذي قد يخسره طاقم عمل هيئة معاهد الصحة الوطنية الأمريكية، فهذا الأسبوع، أُخطر طاقم عمل الهيئة بأن اشتراكها في مجلة «ستات» STAT وهي منفذ إعلامي لأخبار الصحة، سيُلغى في غرة يوليو من العام الجاري. 

doi: https://doi.org/10.1038/d41586-025-02080-1 

هذه ترجمة المقال الإنجليزي المنشور في دورية  Nature بتاريخ 30 يونيو عام 2025. 

 تحديثات وتصحيحات 

تحديث بتاريخ 30 يونيو عام 2025: حُدث هذا التحقيق الإخباري ليشمل تصريحًا من وكالة «ناسا» يؤكد إلغاءها لاشتراكاتها مع «سبرينجر نيتشر». 

تحديث بتاريخ 01 يوليو عام 2025: حُدث هذا التحقيق الإخباري ليشمل تصريحًا من «وزارة الطاقة الأمريكية» يؤكد.إلغاء اشتراكها لدى «سبرينجر نيتشر» للمدة المتبقية من عقدها مع جهة النشر. 

تحديث: في الثاني من يوليو: بدا أن وزارة الصحة والخدمات الإنسانية(HHS)، وهي هيئة حكومية أمريكية تُشرف على هيئة معاهد الصحة الوطنية الأمريكية (NIH) تتراجع عن تصريحاتها السابقة لفريق أخبار دورية Nature والتي أفادت فيها بأن الوزارة تعتزم إلغاء عقودها مع شركة «سبرينجر نيتشر».   وفي الوقت الحالي، تصرح الوزارة بالتالي: "الدوريات العلمية تحتال على الشعب الأمريكي بتقاضي رسوم  فادحة لقاء الوصول إليها، فضلًا عن تحصيلها لرسوم إضافية لقاء النشر المفتوح للأبحاث. من هنا، تسعى وزارة الصحة والخدمات الإنسانية إلى وضع سياسات تحمي أموال دافعي الضرائب وتحصل للأمريكيين على صفقات أفضل. وفي الوقت الحالي، يمكن لعلماء هيئة معاهد الصحة الوطنية الأمريكية الوصول إلى جميع الدوريات العلمية". 

doi:10.1038/nmiddleeast.2025.103