ضربة لقطاع النشر العلمي: إدارة ترامب تفسخ بجرة قلم عقودًا حكومية مع ناشرة دورية Nature
06 July 2025
نشرت بتاريخ 6 يوليو 2025
بعد مرور 40 عامًا على أول محاولة لاستخلاص حمض نووي من مومياء، تمكَّن فريق بحثي أخيرًا من الوقوف على التسلسل الجينومي الكامل لأحد المصريين القدماء.
حقوق نشر الصورة: Azoor Photo/Alamy
نجح فريق من الباحثين في تحديد تسلسل أول جينوم بشري كامل من مصر القديمة باستخدام أسنان رجل مُسنّ عاش تقريبًا في حقبة بناء أقدم الأهرامات.
فبحسب الدراسة التي أجراها الفريق البحثي، يتراوح عمر رفات الرجل بين 4800 و4500 عام، ومن ثم فإن حياته تزامنت مع فترة في التاريخ المصري تُعرف باسم عصر الدولة القديمة أو عصر بناة الأهرام. ويحمل الرفات علامات على أصول مشابهة لأصول غيره من سكان شمال إفريقيا القدامى وأشخاص من منطقة الشرق الأوسط، وفقًا لما أفاد به الفريق البحثي في دورية Nature1.
يقول ديفيد رايك، عالم الوراثة السكانية في كلية الطب بجامعة هارفارد في بوسطن بولاية ماساتشوستس، والذي لم يشارك في الدراسة: "هذا اكتشاف مثير ومهم للغاية. فلطالما تطلعنا إلى الحصول على أول حمض نووي قديم من المومياوات".
يُذكر أن العديد من المختبرات حاولت استخلاص الحمض النووي من رفات المصريين القدماء. ففي عام 1985، أفاد عالم الوراثة التطورية سفانتي بابو بتسلسلات أقدم حمض نووي بشري، ويتشكل من آلاف أحرف الحمض النووي من مومياء مصرية لطفل عمره 2400 عام2. لكن بابو، الحائز جائزة نوبل عام 2022 عن أعمال أخرى، أدرك لاحقًا أن التسلسلات ملوثة بحمض نووي حديث؛ ربما الحمض النووي لسفانتي نفسه. وقد أسفرت دراسة أُجريت عام 2017 عن بيانات جينومية محدودة من ثلاث مومياوات مصرية عاشت قبل فترة تتراوح بين 3600 و2000 عام³.
في بيان صحفي موجز، قال بونتوس سكوجلوند، عالم الوراثة القديمة من معهد فرانسيس كريك، والذي شارك في الإشراف على الدراسة محل النظر، والتي نشرتها مؤخرًا دورية Nature، إن مناخ شمال إفريقيا الحار وربما عملية التحنيط أيضًا يزيدان من سرعة تحلل الحمض النووي، وأضاف: "ربما لا تُعد المومياوات المُحنّطة طريقةً رائعةً لحفظ الحمض النووي".
وتجدر الإشارة إلى أن الرفات الذي حدد فريق سكوجلوند تسلسله الجينومي يعود إلى تاريخ سابق على انتشار التحنيط: فقد دُفن صاحب الرفات في وعاء خزفي، وهو ما يُشير إلى تمتعه بمكانة عالية وإن لم يكن من أهل الصفوة. وقد عُثر على الرفات في موقع أثري يُسمى النويرات، على بُعد 265 كيلومترًا جنوب القاهرة على ضفاف نهر النيل. واكتُشفت الأسنان والعظام عام 1902 في عهد الاحتلال البريطاني لمصر، وتقرَّر التبرع بهما لمؤسسات في ليفربول بالمملكة المتحدة، حيث ظلا هناك منذ ذلك الحين، حتى أنهما نجيا من القصف الألماني إبَّان الحرب العالمية الثانية.
حقوق نشر الصورة: A. Morez et al./Nature
توقعات متواضعة
يقول سكوجلوند إن سقف توقعاته كان منخفضًا عندما استخلص فريقه الحمض النووي من عدد من أسنان الشخص الذي اكتُشف رفاته في النويرات. لكن عينتين بالرفات احتوتا على كمية حمض نووي قديم أصلي كافية لتوليد تسلسل جينوم كامل. وأشارت تسلسلات الكروموسوم Y إلى أن الرفات كان لذكر.
ويشبه معظم الحمض النووي للرجل الحمض النووي لدى المزارعين الأوائل الذين عاشوا خلال العصر الحجري الحديث في شمال إفريقيا قبل نحو 6000 عام. أما بقية الحمض فتتطابق بشكل وثيق مع سكان بلاد الرافدين، وهي منطقة تاريخية في الشرق الأوسط كانت موطنًا للحضارة السومرية القديمة، حيث ظهرت بعض أنظمة الكتابة الأولى. ومن غير الواضح ما إذا كان هذا يعني وجود صلة جينية مباشرة بين أفراد ثقافات بلاد الرافدين وسكان مصر القديمة — وهو ما تُلمح إليه أيضًا أوجه تشابه بين سكان المجموعتين في بعض القطع الأثرية الثقافية — أو ما إذا كان أصل الرجل المنحدر من بلاد الرافدين قد وصل إلينا عبر مجموعات سكانية أخرى لم تؤخذ عينات منها، على حد قول الباحثين.
وكشفت بقية عظام المصري القديم صاحب الرفات عن مزيد من التفاصيل حول حياته. فأدلة التهاب المفاصل وهشاشة العظام ترجح أنه تُوفي في سن متقدمة في ذلك الوقت، ربما في الستينيات من عمره. كما تدل علامات الإرهاق الأخرى على حياة كانت مليئة بالكدح البدني، حيث كان يجلس منحنيًا على أسطح صلبة. وبناءً على هذه الأدلة فضلًا عن الصور المستمدة من مقابر أخرى تعود إلى تلك الفترة، ربما كان الرجل خزَّافًا، بحسب ما أفاد به في المؤتمر الصحفي أحد الباحثين المشاركين في الدراسة وهو جويل آيريش، عالم الآثار الحيوية بجامعة ليفربول جون موريس.
من جانبه قال يحيى جاد، عالم الوراثة في المركز القومي للبحوث في القاهرة، والذي أشاد بالباحثين لتوثيقهم مصدر الرفات بوضوح: "إن نشر مجموعة بيانات كاملة لجينوم مصري قديم يمثل إنجازًا كبيرًا في مجال علم المصريات الجزيئي". لكنه أشار إلى أن الجينوم يخص فردًا واحدًا وربما لا يعبر بدقة عن التركيبة الجينية الكاملة لمصر القديمة التي كانت على الأرجح بوتقة انصهرت فيها أعراق مختلفة.
ولهذا السبب، يتوق الباحثون إلى مزيد من بيانات الجينوم المصري القديم؛ ربما حتى من مومياء. ومن المأمول ألا يستغرق هذا 40 عامًا أخرى، بفضل التطورات التي تشهدها تقنيات الوقوف على تسلسل الجينوم القديم والقدرات المحلية (يُشار إلى أن جاد يُشرف على مختبر للحمض النووي القديم في المتحف الوطني للحضارة المصرية في القاهرة).
هذه ترجمة المقال الإنجليزي المنشور في دورية Nature بتاريخ 2 يوليو عام 2025.
doi:10.1038/nmiddleeast.2025.102
1. Morez Jacobs, A. et al. Nature http://doi.org/10.1038/s41586-025-09195-5 (2025).
2. Pääbo, S. Nature 314, 644–645 (1985).
3. Schuenemann, V. J. et al. Nature Commun. 8, 15694 (2017).
تواصل معنا: