الأثر فوق الجيني
للصدمة النفسية قد يمتد لأجيال
24 June 2025
نشرت بتاريخ 22 يونيو 2025
عندما شنت طائرات عسكرية إسرائيلية هجمتها على مجمع لتخصيب اليورانيوم في إيران مؤخرًا، يُحتمل أن إيران كانت تفصلها أيام قليلة على "الوصول إلى القدرة النووية العسكرية"، أي القدرة على تحويل ما يُسمى بـ"يورانيوم الكعكة الصفراء" إلى يورانيوم القنابل النووية عالي التخصيب من خلال أجهزة الطرد المركزي عالية السرعة لديها.
حقوق نشر الصورة: Getty Images
تحت جنح ظلام آخر الليل يوم الجمعة بالتوقيت المحلي لإيران، شنت طائرات عسكرية إسرائيلية هجومًا على إحدى مجمعات تخصيب اليورانيوم بالقرب من مدينة نطنز الإيرانية. ووفقًا لتقارير إخبارية، لم تقتصر مهمة الرؤوس الحربية التي أطلقتها هذه الطائرات على إلحاق الدمار بالمبنى، بل قصدت أيضًا شراء الوقت. فمنذ عدة أشهر، بدا أن إيران تقترب بخطى مطردة من "الوصول إلى القدرة النووية العسكرية"، وهي نقطة قد يتحول فيها مخزونها المتنامي من اليورانيوم المخصب جزئيًا إلى وقود لقنبلة نووية. (يُذكر أن إيران نفت سعيها إلى تطوير أسلحة نووية).
فما الذي حرك الهجمة الآن؟ مما يؤخذ في الاعتبار هنا الطريقة التي يجري بها العمل في مجمعات تخصيب اليورانيوم. يتكون اليورانيوم الموجود في الطبيعة بشكل صرف تقريبًا من «اليورانيوم-238» (U-238)، وهو نظير يتسم بأنه "ثقيل" نسبيًا (مما يعني أن نواته أغنى بالنيوترونات منها في النظائر الأخرى). ويشكل النظير المعروف باسم «اليورانيوم -235» نسبة ضئيلة من هذا اليورانيوم الطبيعي، لا تتجاوز تقريبًا 0.7% منه. وهذا النظير الأخف وزنًا أقدر على تحفيز تفاعل نووي متسلسل ومستمر. بعبارة أخرى، في اليورانيوم الموجود في الطبيعة، يشكل «اليورانيوم-235» الأخف وزنًا سهل الانشطار سبع ذرات فقط من كل ألف ذرة من هذا العنصر، ويعني "التخصيب" ببساطة رفع نسبة هذا النظير.
ولسهولة انشطار نواته، يمكن أن يُستخدم «اليورانيوم-235» في الرؤوس الحربية النووية. من هنا، حددت الوكالة الدولية للطاقة الذرية حيازة 25 كيلوجرامًا من هذا النظير على أنها النسبة المعيارية الكافية لإنتاج قنبلة انشطارية انضغاطية من الجيل الأول. وفي سلاح كهذا، تحيط مواد متفجرة تقليدية بـ«اليورانيوم-235»، وتؤدي عند انفجارها إلى انضغاط هذا النظير. ليُطلق بعدها جزء منفصل بالسلاح دفقة من النيوترونات. (النيوترونات هي جُسيمات دون ذرية محايدة الشحنة في نواة الذرة ترفع من كتلتها). وفي كل مرة يصطدم فيها نيوترون بذرة من «اليورانيوم-235»، تنشطر نواة الذرة، وتنقسم لتفرز في المتوسط من اثنين إلى ثلاثة نيوترونات، فضلًا عن دفقة من الطاقة في صورة حرارة وأشعة جاما. وبالتبعية، تصطدم النيوترونات المنبعثة بنويات أخرى لهذا النظير، لتولد تفاعلًا متسلسلًا مستمرًا بين ذرات النظير المكدسة معًا في كتلة حرجة. والنتيجة: انفجار نووي. أما النظير الأكثر شيوعًا «اليورانيوم-238»، فعلى النقيض، يمتص عادة النيوترونات البطيئة دون الانشطار، ولا يمكنه توليد هذا التفاعل المتسلسل المدمر.
ولتخصيب اليورانيوم بحيث يحتوي على قدر كاف من «اليورانيوم-235»، يتعين أن يخضع مسحوق اليورانيوم المُستخرج من المناجم، ويسمى "يورانيوم الكعكة الصفراء" إلى سلسلة مطولة من التغيرات لتحويله من مادة صلبة إلى غاز سداسي فلوريد اليورانيوم. فأولًا، تعمل سلسلة من العمليات الكيميائية على تكرير اليورانيوم، لترتبط كل ذرة به بعد تعرضها لحرارة مرتفعة بست ذرات فلورين. ينجم عن هذا التفاعل مركب سداسي فلوريد اليورانيوم فريد الخواص، ففي درجة حرارة تقل عن 56 درجة مئوية (132.8 فهرنهايت) يتسم بقوام صلب وملمس شبيه بالشمع، لكنه يتسامى متحولًا إلى غاز غير مرئي بمجرد ارتفاع درجة الحرارة.
وعند تخصيب اليورانيوم، يُحمَّل هذا المركّب إلى داخل جهاز طرد مركزي، يتمثل في أسطوانة معدنية تدور عشرات آلاف المرات في الدقيقة، بسرعة تربو على سرعة شفرات محرك نفاث. وفي الوقت الذي تندفع فيه جزيئات «اليورانيوم-238» الثقيل نحو جدران الأسطوانة، تبقى جزيئات «اليورانيوم -235» قريبة من المركز، ويتم فصلها تدريجيًا عن الخليط. بعد ذلك، يُنقل هذا الغاز الأغنى بـ«اليورانيوم-235» إلى جهاز الطرد المركزي التالي. وتتكرر هذه العملية من 10 مرات إلى 20 مرة، يمرر في كل منها المزيد من الغاز المخصب عبر سلسلة من أجهزة الطرد المركزي.
يُذكر هنا أن تخصيب اليورانيوم يتطلب وقتًا طويلًا، لكن الحكومة الإيرانية تعمل منذ سنوات على تخصيبه، وقد تمكنت بالفعل من حيازة حوالي 400 كيلوجرام من اليورانيوم المخصب بحيث يحتوي في 60% منه على «يورانيوم-235». وصحيح أن هذه النسبة تقل عن نسبة «اليورانيوم-235» المطلوبة لإنتاج سلاح نووي، وقدرها 90%، لكن في الوقت الذي تبلغ فيه سرعة أجهزة الطرد المركزي الإيرانية من الجيل الأول، المعروفة باسم «آي آر-1» (IR-1)، حوالي 63 ألف دورة في الدقيقة، فإن نماذج أجهزة الطرد المركزي الجديدة لديها، المُشيَّدة من ألياف الكربون عالي القوة، ويُطلق عليها «آي آر-6»، قادرة على الدوران وإنتاج اليورانيوم المُخصب بسرعة أكبر.
وتعمل إيران على تركيب وإنشاء الآلاف من وحدات الطرد المركزي تلك، لا سيما في منشأة فوردو لتخصيب اليورانيوم القابعة تحت الأرض أسفل 80 إلى 90 مترًا من الصخور. ووفقًا لتقرير أصدره معهد العلوم والأمن الدولي الإثنين الماضي، يمكن لأجهزة الطرد المركزي الجديدة أن تنتج «اليورانيوم-235» بدرجة نقاء تبلغ 90% وبكمية كافية لإنتاج رؤوس نووية في مدة تتراوح بين يومين إلى ثلاثة أيام، فقط، وإنتاج تسعة أسلحة نووية في غضون ثلاثة أسابيع، أو 19 رأسًا نوويًا بنهاية الشهر الثالث.
ديني إليس بيتشارد هو مراسل أول في الشؤون التقنية لدى دورية سانتيفيك أميريكان. وقد ألف 10 كتب وتلقى جائزة «كتاب الكومنولث» Commonwealth Writers، وجائزة «ميدويست للكتاب» وجائزة «نوتيلوس للكتاب» تكريمًا لإنجازاته في الصحافة الاستقصائية. ويحمل درجتي ماجستير في الأدب، فضلًا عن درجة الماجستير في البيولوجيا من جامعة هارفارد. وتستكشف روايته الأخيرة We Are Dreams in the Eternal Machine، الطرق التي قد يغير بها الذكاء الاصطناعي مستقبل البشرية. ويمكنكم متابعته على منصة «إكس» X، ومنصة «إنستاجرام» ومنصة «بلوسكاي» Bluesky @denibechard.
مقالات أخرى بقلم ديني إليس بيتشارد
هذه ترجمة المقال الإنجليزي المنشور في دورية «ساينتيفيك أميريكان» Scientific American بتاريخ 13 يونيو عام 2025.
doi:10.1038/nmiddleeast.2025.90
تواصل معنا: