هجرة
العقول العلمية من الولايات المتحدة بدأت بالفعل: تحليل حصري من Nature
02 June 2025
النجار: المومياء تُعرف من رائحتها
نشرت بتاريخ 1 يونيو 2025
درَّب عبد الرازق النجار العاملين معه على تحديد حالة حفظ المومياء من رائحتها.
حقوق الصورة: عبد الرازق النجار
من صحاري مصر بأسرارها القديمة التي لا تنتهي، إلى العاصمة الإنجليزية، لندن، حيث حصلتُ على درجة الدكتوراه، إلى سلوفينيا حيث أسعى إلى جَسر الهوّة بين علماء التراث الذين يعملون في جزر منعزلة في الشرق الأوسط وأوروبا: أستطيع القول إن عملي يتمحور حول استخدام التقنيات الحديثة في حل ألغاز الماضي.
في آخر مغامراتنا البحثية، اتجهنا — أنا وزملائي — إلى الاعتماد على حاسة الشم، فيما يُعد نهجًا غير مطروق إلى حدٍّ بعيد في دراسات الآثار التقليدية، إلا أنه معتاد لمن هم مثلي من علماء التراث.
على مدى عام، رُحنا نتشمَّم تسع مومياوات ونحلّل ما نخلُص إليه من بيانات، في مسعًى للوقوف على الأدوات المختلفة المستخدمة في التحنيط، والاقتراب من فهم أساليبه.
باستخدام جهاز يجمع بين تقنيات التخطيط اللوني الغازي (أو الكروماتوغرافيا الغازيّة)، وقياس الطيف الكتلي، وكشف الروائح (وهو الجهاز الذي يُشار إليه بالاسم المختصر: GC-MS-O)، أمكن عزل عينات الهواء وتحويلها إلى مواد كيميائية منفصلة. ثم كان أن وضعنا نتائج هذا التحليل التقني جنبًا إلى جنب مع البيانات التي وثَّقها الباحثون عبر توصيف وتصنيف الروائح التي أمكنهم تمييزها عبر حاسة الشم. لدينا فريق ممن أستطيع تسميتهم "أخصائيي الشم"، وهو يضم باحثين من كلية لندن الجامعية التي حصلتُ منها على درجة الدكتوراه، وآخرين من جامعة ليوبليانا التي أعمل بها حاليًا، إضافةً إلى عدد من العاملين بالمتحف المصري في القاهرة. كنا نتشمَّم الهواء فيما حول المومياء، ثم نستخدم في تصنيف الروائح مفردات من قبيل: "خشبية" (لنشير بها إلى رائحة كتلك التي نشمُّها لدى قطع الخشب الأخضر)، أو "توابل" (كرائحة القرفة أو القرنفل)، أو "حلوة" (كرائحة الفواكه المجففة).
استعنَّا بتحليل الروائح هذا في استحداث نهج جديد لدراسة البقايا القديمة دون الإضرار بها. مكَّننا هذا النهج من إدراك كيف أن أساليب التحنيط كانت تختلف باختلاف الحقبة الزمنية والطبقة الاجتماعية، وتقييم سلامة إجراءات حفظ المومياوات في المتاحف. سعينا إلى التمييز بين روائح عملية التحنيط نفسها، وروائح مواد الحفظ أو مبيدات الآفات التي أضيفت لاحقًا، وبين الروائح الدالة على تدهور حالة المومياء نظرًا لسوء حفظها. كما درَّبنا عددًا من العاملين بالمتحف المصري على التمييز بين هذه الروائح، على اعتبار أنهم المسؤولون عن التعامل مع هذه المومياوات بصفة يومية. وقد وثَّقنا النتائج التي توصَّلنا إليها في دراسة نُشرت بدورية «جورنال أوف ذي أميريكان كيميكال سوسايتي» Journal of the American Chemical Society1.
من خلال هذه الدراسة، إضافةً إلى الإطار الأخلاقي الذي نشرتُه مؤخرًا2 لدراسة التراث بأسلوب مستدام، نأمل أن نسهم في إرشاد المتاحف وغيرها من المؤسسات ذات الصلة إلى أفضل الممارسات في حفظ البقايا الأثرية، وميراث الإنسانية من الروائح.
عملي يتضمن تحليل الآثار والبقايا القديمة، سعيًا إلى فهم وحفظ الإرث المادي والثقافي وحتى الطبيعي لكل بلد. وأعمل الآن زميلًا بحثيًّا لدى مختبر علوم التراث بجامعة ليوبليانا في سلوفينيا، وأستاذًا بجامعة عين شمس في مصر. قبلها، عملتُ بجامعتين أُخريين في مصر: جامعة الفيوم، والجامعة المصرية اليابانية للعلوم والتكنولوجيا.
بقي أن أشير إلى أن الفريق الذي أنتسب إليه في مختبر علوم التراث يتَّسم بقدر كبير من التنوُّع: فهو يتألف من 18 باحثًا من جنسيات ومشارب ثقافية مختلفة، من بينها مصر؛ وهو الأمر الذي يتيح لنا مناقشة التراث من زوايا عدة.
عادةً ما أتعاون مع المؤسسات الدولية المعنية بحفظ التراث، التي أذكر منها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، والمجلس الدولي للمتاحف. كما أنني أحرص على دعوة الاتحاد الأوروبي والخبراء الدوليين لورش تدريبية في المتحف المصري الكبير، ومكتبة الإسكندرية، والمتحف القومي للحضارة المصرية، وغيرها. هذا كله يأتي في إطار المساعي التي أقوم بها لجسر الفجوة بين علماء التراث في العالم كله، ولاسيما في مصر وأوروبا، بحيث نمنع ازدواجية البحث، ونحشد إمكاناتنا التقنية والفكرية معًا.
* هذه ترجمة المقال الإنجليزي المنشور بموقع «نيتشر أفريكا» Nature Africa بتاريخ 27 مايو 2025.
doi:10.1038/nmiddleeast.2025.79
تواصل معنا: