رضيع يتلقى أول علاج جيني بتقنية «كريسبر» مصمم
خصيصًا له
29 May 2025
رضيع يتلقى أول علاج جيني بتقنية «كريسبر» مصمم خصيصًا له
نشرت بتاريخ 29 مايو 2025
يبدو أن العلاج أظهر فاعلية، لكن يبقى من غير الواضح ما إذا كان من الممكن أن يتسع نطاق تبني هذه النوعية من العلاجات المصممة حسب الحاجة.
حقوق الصورة: Children's Hospital of Philadelphia
تحسنت حالة الرضيع كيه جيه مولدون، الذي وُلد مصابًا بمرض وراثي فتاك، بعد تلقي علاج بتقنية «كريسبر» صُمم خصيصًا له، في سابقة علاجية يشهدها الطب لأول مرة. والعلاج مصمم لتصحيح الطفرة الجينية المسببة لمرضه1.
تلقى مولدون، الذي يقترب من إتمام شهره العاشر، ثلاث جرعات من علاج يعتمد على تقنية التحرير الجيني تلك، بهدف تصحيح طفرة جينية أخلت بقدرة جسمه على معالجة البروتينات. وهو الآن بحالة جيدة، حسبما أعلن والداه للصحافة في الأسبوع الثاني من شهر مايو الجاري. لكن من السابق لأوانه وصف العلاج بأنه "شافٍ"، على حد قول ريبيكا إيرنز-نيكلاس، اختصاصية طب الأطفال من مستشفى الأطفال في فيلادلفيا بولاية بنسلفانيا الأمريكية، وإحدى القائمين على علاج مولدون، والتي تردف قائلة: "ما زلنا في مستهل الطريق. ويقينًا سيحمل لنا هذا الطفل المزيد من الدروس".
كان فريق دولي يضم نخبة من الأطباء الإكلينيكيين والباحثين من القطاعين الصناعي والأكاديمي، وتدعمه جهات تمويل حكومية وهيئات رقابية، قد انبرى في - سباق محموم مع الزمن - لتطوير علاج الرضيع مولدون، في غضون ستة أشهر فقط. مع ذلك، فإن هذا العلاج، الذي جاء وصفه في دورية «نيو إنجلاند جورنال أوف ميديسن» New England Journal of Medicine في الخامس عشر من مايو الجاري، مصمم خصيصًا لتصحيح التسلسل الجيني للطفل مولدون، وغالبًا لن يصلح أبدًا لأي شخص آخر، كما تشير إيرنز-نيكلاس.
وتعد هذه مقاربة طموحة وواعدة، يأمل باحثون منها أن تلهم آخرين للاستفادة من تقنية «كريسبر» لعلاج الأمراض الوراثية فائقة الندرة. فمن جانبه يقول آركاسوبرا غوش، الباحث في مجال العلاج الجيني بـ«مستشفى نارايانا نيثرالايا لطب العيون» Narayana Nethralaya Eye Hospital في مدينة بنجالور بالهند، والذي لم يكن بين المشاركين في الدراسة: "حقًا، هذا هو مستقبل كافة العلاجات الجينية والخلوية"، واصفًا هذا الإنجاز بأنه: "مثير للحماس".
مرض وراثي
تلقى عشرات الأشخاص علاجات تعتمد على تقنية «كريسبر» لأمراض وراثية مثل فقر الدم المنجلية، على أن هذه العلاجات صُممت لتناسب عددًا كبيرًا من المرضى الذين يعانون من المرض نفسه، بصرف النظر عن الطفرات الجينية المسببة له. وعلى النقيض، صمم الباحثون علاج مولدون خصيصًا لتصحيح تسلسل جيني بعينه في جينومه.
كان مولدون قد ورث طفرتين جينيتين، واحدة من كل والد، ما حال دون إنتاجه الشكل الطبيعي لإنزيم حيوي يُعرف باسم مُخَلِّقَةُ فُوسْفاتِ الكَرْبامُويل 1 carbamoyl phosphate synthetase 1. وأثر هذا على قدرته على معالجة المركبات المحتوية على النيتروجين، التي تنتج عند تحلل البروتينات في الجسم. ما نتج عنه ارتفاع نسب الأمونيا في مجرى دمه، وهي مركب يعد شديد السمية للدماغ.
والعلاج الأنسب لنقص إنزيم مُخَلِّقَةُ فُوسْفاتِ الكَرْبامُويل1 هو زراعة الكبد، لكن هذا قد يستغرق عدة أشهر قبل أن يصبح مولدون مؤهلًا لإجرائه. وفي الوقت نفسه، كان كل يوم يمر يحمل معه خطرًا مضاعفًا لتلف الدماغ أو الوفاة: إذ لا يصمد سوى نصف الرضع المصابين بنقص هذا الإنزيم على قيد الحياة إلى حين الخضوع لزراعة الكبد.
عزمت إيرنز-نيكلاس على أن تقدم حلًا مختلفًا لأسرة الطفل. فقد عملت مع فريقها البحثي على تطوير تقنية تعتمد على «كريسبر» تُعرف بالتحرير الجيني للقواعد النيوكليوتيدية، قادرة على إدخال تعديلات في أحرف معينة من تسلسل الحمض النووي. وعكف الفريق على تطوير أساليب تمكنه من تصميم العلاج - الذي يستند إلى هذه التقنية والذي يهدف إلى تصحيح طفرات بعينها لدى الأشخاص - على وجه السرعة وعلى نحو أمن. ورأت أنه ربما آن أوان تجربة هذه المقاربة على البشر.
وبعد موافقة والدي مولدون، شرع الباحثون في ضم عدد كبير من المعاونين والخبراء إلى فريق العمل. وعلى جناح السرعة، فتش الفريق عن أنسب مقاربة للتحرير الجيني للقواعد النيوكليوتيدية، واختبرها على الفئران والقردة وأسهمت بعض الشركات بخبراتها وأجهزتها المشمولة بحقوق ملكية. ومن جانبها، عجلت هيئة الدواء والغذاء الأمريكية النظر في إجراءات تقييم ومراجعة العلاج، بما يضمن خروجه إلى النور في أسرع وقت ممكن.
استخدام العلاج على وجه السرعة
في غضون ستة أشهر فقط، تلقى مولدون جرعته الأولى، فيما يعد إنجازًا "مذهلًا"، على حد وصف وسيم قاسم، اختصاصي طب الأطفال بمعهد جريت أورموند ستريت لصحة الأطفال، التابع لكلية لندن الجامعية، والذي يستعين بدوره بتقنية تحرير القواعد النيوكليوتيدية لتعديل الخلايا المناعية بغرض محاربة السرطان.
بعد تلقي الجرعة الأولى، أصبح بإمكان مولدون تناول كمية البروتين الموصى بها لسنه بأمان، غير أنه لا يزال بحاجة إلى الأدوية للحفاظ على نسب الأمونيا لديه ضمن الحدود الطبيعية. ومع الجرعة الثانية، تمكن الباحثون من تقليل كمية الأدوية التي يتلقاها، على أنه لم يمكن الاستغناء عنها تمامًا.
ثم تلقى مولدون جرعة ثالثة وأخيرة. وبحرص شديد، يقلل الأطباء الإكلينيكون جرعات أدويته بالتدريج، بحسب ما أفادت إيرنز-نيكلاس.
ولم يتضح بعد ما إذا كان بالإمكان التوسع في استخدام هذه المقاربة لعلاج آخرين ممن يعانون من أمراض وراثية شديدة الندرة، فحتى عندما تُصمم العلاجات الجينية وتلك المعتمدة على تقنية التحرير الجيني ليستفيد منها مئات الأشخاص، تظل تكلفتها الباهظة عائقًا كبيرًا. وعلى حد تعبير قاسم، "لا يوجد حل شامل لهذه المعضلة بعد".
وفي الوقت الراهن، كل خطوة يخطوها مولدون هي بمثابة معجزة صغيرة في ناظري والديه. فما أشد فرحة والدته نيكول وهي تخطو في الأيام الماضية إلى داخل غرفته بالمستشفى لتجده جالسًا في سريره وحده بدون مساعدة. تقول نيكول: "لم نتخيل قط أن شيئًا كهذا سيحدث".
هذه ترجمة المقال الإنجليزي المنشور في مجلة Nature بتاريخ الخامس عشر من مايو عام 2015.
doi:10.1038/nmiddleeast.2025.73
تواصل معنا: