الجامعات
الأمريكية تقلص أعداد المقبولين ببرامج الدكتوراه
03 June 2025
هجرة العقول العلمية من الولايات المتحدة بدأت بالفعل: تحليل حصري من Nature
نشرت بتاريخ 2 يونيو 2025
مسح شامل لمشاهدات الوظائف وطلبات التوظيف يشير إلى وجود توجُّه بين الباحثين للرحيل عن الولايات المتحدة مع تقليص إدارة ترامب المخصَّصات المالية للعلوم.
في مارس الماضي، تجمَّع علماء وحلفاؤهم للاحتجاج على تخفيضات التمويل في العاصمة الأمريكية، واشنطن.
يسعى الباحثون في الولايات المتحدة إلى الحصول على فرص عمل في الخارج مع تخفيض إدارة الرئيس دونالد ترامب المخصَّصات المالية للعلوم وتقليص أعداد العاملين في المجال البحثي، بحسب ما أشار تحليل أجرته مجلة Nature.
تُظهر البيانات المستمدة من منصة «نيتشر كاريرز» Nature Careers لوظائف العلوم العالمية أن طلبات التوظيف في الخارج التي تقدَّم بها علماء أمريكيون زادت بنسبة 32% خلال الفترة بين يناير ومارس 2025، مقارنةً بتلك التي قُدِّمت خلال الفترة نفسها من عام 2024. وفي الوقت نفسه، زاد عدد المستخدمين المقيمين في الولايات المتحدة الذين يتصفحون وظائف في الخارج بنسبة 35%.
في شهر مارس 2025 وحده، ومع تسارع وتيرة التخفيضات والاقتطاعات من المخصصات العلمية، ارتفعت مشاهدات الوظائف في الخارج بنسبة 68% مقارنةً بالشهر نفسه من العام الماضي.
وفي الأثناء، قررت الإدارة الأمريكية الشهر الماضي، ودون سابق إنذار، إلغاء أكثر من مئتي منحة فيدرالية لبحوث متعلقة بفيروس نقص المناعة البشرية والإيدز. كما أزيح النقاب عن تخفيضات في المنح المقدمة من معاهد الصحة الوطنية الأمريكية لبحوث «كوفيد-19»، وبدأت الحكومة خفضًا بقيمة 400 مليون دولار أمريكي في المنح البحثية بجامعة كولومبيا في مدينة نيويورك، على خلفية الاحتجاجات الجامعية الداعمة للفلسطينيين في الصراع الدائر مع إسرائيل.
يقول جيمس ريتشاردز، قائد فريق حلول المواهب العالمية في مجموعة «سبرينجر نيتشر» Springer Nature التي تضم «نيتشر كاريرز»، وهي منصة للوظائف العلمية متعددة التخصصات: "لم يسبق لنا أن رصدنا هذا الانخفاض الكبير في المشاهدات وطلبات التوظيف المقدمة إلى الولايات المتحدة في مقابل الارتفاع في نسبة الذين يتطلعون إلى المغادرة". وحتى وقت نشر هذا المقال، استضافت المنصة 983 وظيفة شاغرة مباشرة.
عرض الفريق البيانات على صحفيي Nature لإجراء التحليل اللازم، على أن يقتصر تحليلهم على التغيرات في النسب المئوية بدلًا من التركيز على الأرقام الفعلية، وذلك على أساس أن المعلومات ذات ملكية خاصة. وتجدر الإشارة إلى أن صحفيي Nature مستقلون تحريريًا عن مجموعة «سبرينجر نيتشر»، وهي دار النشر التي تَصدُر عنها المجلة.
حقوق نشر الصورة: Ben Curtis/AP/Alamy
ويأتي إصدار بيانات منصة «نيتشر كاريرز» بعد استطلاع منفصل لآراء الباحثين أجراه فريق أخبار Nature، وقد وجد الاستطلاع أن 75% من الباحثين في الولايات المتحدة الذين شاركوا فيه أعربوا عن رغبتهم في مغادرة البلاد.
وزادت طلبات التوظيف من علماء أمريكيين يسعون للحصول على فرص عمل في كندا المجاورة بنسبة 41% خلال الفترة بين يناير ومارس 2025 مقارنةً بالفترة نفسها من عام 2024. وعلى النقيض من ذلك، انخفضت طلبات التوظيف المقدمة من باحثين كنديين للحصول على وظائف في الولايات المتحدة بنسبة 13%.
فاليري نيمان، الباحثة المتخصصة في الهندسة الكيميائية، هي واحدة من الكثيرين الذين يتطلعون إلى الرحيل عن الولايات المتحدة لاستكمال حياتهم المهنية بالخارج. وقد انتقلت هذا الشهر من جامعة ستانفورد في ولاية كاليفورنيا لشغل وظيفة ما بعد الدكتوراه في جامعة برن السويسرية.
تقول نيمان إن الباحثين في الولايات المتحدة "لا يعرفون كم من الوقت سيستغرقون في مرحلة ما بعد الدكتوراه. لا يمكننا التقدم بطلب للحصول على زمالات بحثية لأننا لا نعرف إلى متى ستستمر هذه المرحلة".
وفي منشور بتاريخ الخامس والعشرين من مارس الماضي على منصة التواصل الاجتماعي «إكس» X، أعرب شياو وو، اختصاصي علم الإحصاء الحيوي في جامعة كولومبيا، عن أسفه قائلًا: "أُلغيت أول منحة لي من معاهد الصحة الوطنية الأمريكية على نحو مفاجئ بعد ثلاثة أشهر فقط من حصولي على التمويل". يُشار إلى أن شياو وو يركز في عمله على استخدام البيانات القائمة على الأدلة للتخفيف من الأضرار الصحية الناجمة عن تغير المناخ.
لا يبحث شياو وو في الوقت الحالي عن عمل في مكان آخر، لكنه يخشى ألا يجد من ذلك بدًّا في نهاية المطاف. يقول: "بدون هذه المنح، أصبح استقرار مسيرتي المهنية ومستقبلي الوظيفي على المحكّ. لذا فإن هذا الوضع ليس مجرد بحث عن فرص أخرى، بل هو بالأحرى وضع نُجبَر فيه فعليًا على مغادرة المؤسسات الأكاديمية الأمريكية". (انظر: خروجًا من أمريكا).
استقطاب العقول المهاجرة
تسعى بعض المؤسسات الأوروبية جاهدةً لاستقطاب المواهب العلمية النازحة من الولايات المتحدة.
في أوائل مارس، على سبيل المثال، أطلقت جامعة إيكس مرسيليا في فرنسا مبادرة بعنوان «مكان آمن للعلم». وخصصت 15 مليون يورو (نحو 17 مليون دولار أمريكي) من ميزانية الجامعة لرعاية 15 باحثًا يعملون في مجالات المناخ والصحة والبيئة والعلوم الاجتماعية.
تقول كلارا بوفي، المتحدثة باسم جامعة إيكس مرسيليا، إن الجامعة أغلقت نافذة التقديم بعد تلقي 298 طلبًا ونحو 400 طلب للحصول على معلومات، لكنها تضيف أن الجامعة ربما تعيد فتح النافذة بعد الانتهاء من التعامل مع الطلبات الحالية. يستهدف البرنامج الباحثين الأمريكيين الذين فُصلوا أو تعرَّضوا للتضييق أو مُنعوا من العمل بسبب إجراءات إدارة ترامب. وتقول بوفي إن 70% من المتقدمين هم باحثون من الولايات المتحدة ومتخصصون في مجالاتهم، ومن المفترض اختيار عشرين شخصًا هذا العام.
من جانبه، يقول إريك بيرتون، رئيس جامعة إيكس مرسيليا: "يواجه البحث العلمي الأمريكي في الوقت الراهن مشكلة حقيقية. وشعرنا أن من واجبنا أن نفعل ما بوسعنا كي نُظهر للعلماء أن ثمة بصيصًا من الأمل في جنوب فرنسا إذ بإمكانهم إجراء بحوثهم، والتمتع بمزيد من الحرية، والشعور بأهمية العمل الذي يؤدونه".
ويبدو أن رسالة بيرتون كانت مؤثرة وقوية، فقد زادت طلبات التوظيف من الولايات المتحدة لشغل وظائف شاغرة أوروبية على منصة «نيتشر كاريرز» بنسبة 32% في مارس مقارنةً بالشهر نفسه من العام السابق، كما زادت المشاهدات بنسبة 41%.
وفي الوقت نفسه، انخفضت طلبات التوظيف التي تقدم بها باحثون من أوروبا للعمل في مؤسسات أمريكية بنسبة 41%.
وتلقت معاهد ماكس بلانك في ألمانيا طلبات من بعض باحثيها القادمين من الولايات المتحدة الذين يرغبون في البقاء في ألمانيا لفترة أطول مما خططوا له.
تقول كريستينا بيك، المتحدثة باسم معاهد ماكس بلانك، إن المزيد من الطلبات تصل من دول آسيوية أيضًا، وتعزو هذه الزيادة إلى "احتمال إعادة توجيه العلماء لأنفسهم، وتفضيلهم أوروبا على الولايات المتحدة". وتضيف: "نحن نتابع الوضع في الولايات المتحدة عن كثب، ونشعر بقلق بالغ إزاء التعديات على الحرية الأكاديمية واستقلال المؤسسات هناك".
في السابع من أبريل، أعلن باتريك كرامر، رئيس جمعية ماكس بلانك في ميونيخ بألمانيا، عن تشكيل برنامج ماكس بلانك عبر الأطلسي. تتضمن هذه المبادرة خططًا لإنشاء مراكز بحثية تعاونية مع مؤسسات مقرها الولايات المتحدة، بالإضافة إلى إتاحة مزيد من فرص التدريب لما بعد الدكتوراه، وأماكن إضافية للباحثين المبتدئين في معاهد الجمعية البالغ عددها 84 معهدًا. كما ستوفر مناصب مديرين لبعض "الباحثين المتميزين" الذين لم يُعد بمقدورهم العمل في الولايات المتحدة.
وشهد سوق العمل الدولي بأكمله فورة في النشاط (انظر: وجهة الباحثين). فكانت المشاهدات والطلبات التي تقدَّم بها باحثون من خارج الولايات المتحدة على الوظائف غير الأمريكية المنشورة على موقع «نيتشر كاريرز» أعلى بنسبة 13% خلال الفترة من يناير إلى مارس 2025 مقارنةً بالفترة نفسها من العام الماضي.
لكن الباحثين الذين يخططون للفرار إلى أوروبا من الولايات المتحدة يجب ألا يتوقعوا وجود وظيفة شاغرة في انتظارهم.
ففي تحليل لاتجاهات تمويل البحوث نُشر في أبريل، حذرت رابطة الجامعات الأوروبية، وهي مجموعة تمثل الجامعات التي يقع معظمها في دول الاتحاد الأوروبي، قائلة: "الاقتطاعات الأخيرة من الإنفاق العام في العديد من الدول، فضلًا عن استمرار التوترات السياسية العالمية، تشير إلى تقلبات تهدد نمط النمو السائد الذي شهده قطاع الجامعات حتى وقتنا الحالي. ويعكس هذا الوضع ركودًا في النمو في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي: ففي العام الماضي، زاد إجمالي الناتج المحلي للاتحاد الأوروبي بنسبة 1% فقط، مقارنةً بمتوسط عالمي قدره 3.2%.
هذا الوضع أصاب بالإحباط أولئك الذين يأملون في أن تستفيد أوروبا من العلماء الأمريكيين الذين يتطلعون إلى الانتقال إلى أماكن أخرى. ففي بيان نُشر على موقع الجمعية الأورومتوسطية لخبراء الاقتصاد، حذرت ريم عيادي، رئيسة الجمعية، قائلة: "بدون تدفقات مالية يمكن توقعها، ورواتب تنافسية، ودعم مؤسسي، أوروبا معرضة لتحويل ميزة محتملة إلى انتكاسة وهدر للعقول".
وسجلت دول أخرى أيضًا اهتمامًا باستقطاب العلماء الأمريكيين. فعلى سبيل المثال، نشرت جهات توظيف صينية إعلانات على منصات التواصل الاجتماعي تستهدف العلماء الأمريكيين الذين فُصلوا من عملهم، وحثتهم على "متابعة التطور الوظيفي وريادة الأعمال في مدينة شنجن الصينية"، وفقًا لمقال نُشر في مارس على موقع «بوليتيكو» Politico المختص بأخبار السياسة والسياسات الأوروبية.
وفي الربع الأول من هذا العام، زادت المشاهدات في الولايات المتحدة لإعلانات الوظائف الصينية المنشورة على منصة «نيتشر كاريرز» بنسبة 30% مقارنةً بالفترة نفسها من العام الماضي، كما زادت الطلبات المقدمة لها بنسبة 20%.
وفي الوقت نفسه، زاد الاهتمام الأمريكي بالفرص الوظيفية في دول آسيوية أخرى بنسبة 34% (للمشاهدات) و39% (لطلبات التوظيف).
حزم الأمتعة
بالعودة إلى الولايات المتحدة، يقول مايكل فريدلاندر، اختصاصي علم الأعصاب الذي يدير معهد فرالين للبحوث الطبية الحيوية في جامعة فيرجينيا للتقنية في بلاكسبورج، إن التغييرات الأخيرة في السياسات والتخفيضات التي طالت تمويل الحكومة الفيدرالية للمجال البحثي قد زادت من قلق طلاب الدراسات العليا وما بعد الدكتوراه. ويوضح أنهم أصبحوا لا يسألون فقط عن اتجاه مسيرتهم المهنية العلمية، "بل إنهم يسألونني أيضًا: هل يجب أن أستمر أنا شخصيًا في هذا المسار بأي حال من الأحوال؟ وهل هناك مستقبل لي كباحث في الطب الحيوي؟"، وذلك على حد تعبيره.
في فبراير، وجد استطلاع للعضوية أجرته الرابطة الوطنية لما بعد الدكتوراه (NPA) أن 43% من المشاركين البالغ عددهم 293 وصفوا وضعهم بأنه مهدد؛ وقال 35% إن بحوثهم تأخرت أو معرضة للخطر فيما أفاد 9% بأنهم لا يستطيعون التحدث بحرية في العمل.
يقول توم كيمبيس، المدير التنفيذي للرابطة الوطنية لما بعد الدكتوراه، إن تخفيضات التمويل، والمخاطر التي تتهدد مبادرات التنوع والمساواة والشمول، والمخاوف بشأن الهجرة تضر بعمل باحثي ما بعد الدكتوراه وحياتهم.
في الأثناء، تحزم نيمان أمتعتها في الولايات المتحدة، وتخطط لبداية فصل جديد في سويسرا. تقول: "هذا وقت مناسب للرحيل، بالنظر إلى المناخ السياسي"، مضيفةً أنها في ذلك تتفق مع الكثيرين من أصدقائها وزملائها المقربين.
هذه ترجمة المقال الإنجليزي المنشور في دورية Nature بتاريخ 22 إبريل عام 2025.
doi:10.1038/nmiddleeast.2025.75
تواصل معنا: