الخاتمة أولًا: طريقة فعالة لكتابة أطروحة الدكتوراة
05 June 2025
نشرت بتاريخ 5 يونيو 2025
توصي تولي تويفونين بتأمل الفكرة المحورية التي تشكل جوهر أطروحة الدكتوراة بأكملها؛ لتكون هي البوصلة التي توجه كتابة الرسالة بأكملها.
مع أن هذا قد يبدو مخالفًا للتصور السائد، فإن البدء بكتابة الجزء الأوسط من الأطروحة وخاتمتها، قد يجعل عملية الكتابة أكثر يسرًا، كما تنصح تولي تويفونين.
ثمة شكلان معروفان لأطروحات الدكتوراة: الأول هو الأطروحة التقليدية (المونوجرافيا)، وهي رسالة شاملة يكتبها مؤلف واحد، ولا تزال مستخدمة؛ أما الثاني فهو الأطروحة التي قوامها مجموعة من الأبحاث المنشورة والتي أصبحت هي الخيار السائد في العلوم الطبيعية.
والرسائل التي تتبنى أسلوب المونوجرافيا، عادة ما تتسم عملية البحث فيها بقدر نسبي من الانتظام؛ إذ تبدأ بقراءة موسعة، يعقبها حصر الأفكار لتقتصر على ما هو مهم وجذاب، تليها صياغة سؤال بحثي أو فرضية محددة استنادًا إلى المؤلفات العلمية المنشورة، لتبدأ بعد ذلك مرحلة جمع البيانات، وتحليلها، وصولًا إلى كتابة الرسالة.
وفي حال الرسائل المعتمدة على الأبحاث المنشورة، فهي مزيج من مقالات نُشرت في دوريات علمية، يكتبها الطالب في خلال فترة دراسته في برنامج الدكتوراة، إضافة إلى فصل تمهيدي يربط هذه المقالات. وقد يكون مسار هذه النوعية من الرسائل متعرجًا وشاقًا؛ إذ كل مقال يحمل سرديته الخاصة، متأثرًا بالدورية المنشور فيها وبالمؤلفين المشاركين. ويولف الفصل التمهيدي، أو الملخص، بين المقالات الفردية، ليقدم سردية أوسع تربط المؤلفات المنشورة بنتائج الأطروحة الجديدة. بعبارة مبسطة، يهدف الملخص إلى توضيح كيف تُسهم إنجازات المؤلف في تقدم العلم. من مناحٍ عدة، قد يكون من الأنسب اعتبار الملخص بمثابة مراجعة للمؤلفات المنشورة ممزوجة بالنتائج الجديدة التي توصل إليها الطالب خلال دراسته للدكتوراة.
وفي مجالِي البحثي، الجغرافيا الكمية، تعتبر الرسائل المعتمِدة على الأبحاث المنشورة هي الشكل الأكثر شيوعًا لأطروحات الدكتوراة. في جامعة هلسنكي، حيث أُدَرِس، عادةً ما ينهي طالب الدكتوراة ثلاثة أو أربعة مقالات كمؤلف أول، لا يُقبَل منها أو يُنشر سوى نصفها على أقل تقدير.
ما برهانك؟
فما السبيل إذن إلى صياغة ملخص عالي الجودة بكفاءة وفاعلية؟ ههنا يتجلى نفع المقاربة التي أعتمدها.
في اللغة الفنلندية، يُطلق على مناقشة رسالة الدكتوراة "väitös" التي ترجمتها المباشرة "برهان" claim أو "حجة" argument. عُرف المشرف السابق على رسالتي للدكتوراة، اختصاصي علم تضاريس الأرض الراحل ماتي سيبّلا، بذكائه المتقد، ونظرته الثاقبة. كان سيبّلا كثيرًا ما يطرح سؤالًا مُرهبًا على طلبة الدكتوراة الذين هم بصدد مناقشة رسائلهم: "إذن، ما برهانك؟"، في إشارة إلى الخلاصة التي يُفترض أن يخرج بها القارئ من هذه السنوات من العمل المضني في الدكتوراة.
عندما كنت أواجه صعوبة في كتابة ملخص رسالتي للدكتوراة في عام 2006، ظل هذا السؤال يطاردني. وأخيرًا، عندما بدأت أفكر في كيفية الإجابة عنه، ساعدني هذا في بلورة ملخصي، ووجَّه خطاي عبر العملية برمتها. ومنذ ذلك الحين، شرُفتُ بالإشراف على ما ينيف عن عشرة طلاب في مرحلة الدكتوراة وهم يكتبون أطروحاتهم المعتمدة على أبحاث منشورة، وكثيرًا ما كنتُ أشجعهم على الإجابة عن سؤال سيبّلا ليوجه طريقة تفكيرهم وكتابتهم عندما يحين وقت إنهاء الأطروحة.
وقد اكتشفتُ من خلال هذه التجربة أن هذه المقاربة تُعين الطلاب على تحديد المحتوى الأكثر أهمية والإلمام بالصورة الكاملة الضرورية لكتابة الملخص. واستنادًا إلى تعليقات المُمتحنين المبدئيين والمُراجعين، يتسنى للطلاب الوصول إلى صياغة محكمة للملخص تتسم بالوضوح والعقلانية وسهولة القراءة.
بل وقد تكون هذه المقاربة مفيدة أيضًا لعلماء العلوم الطبيعية الذين يكتبون أوراقًا بحثية. فالتركيز على الأفكار الرئيسية في قسم المناقشة، ثم نسج بقية أجزاء الورقة البحثية انطلاقًا منها، من أنجح الأساليب في كتابة الأوراق العلمية.
وصفة تحريرية من أجل ملخص واضح
حددْ برهانك (براهينك). أنعم النظر في أوراقك البحثية وكل ما اكتسبته من معرفة خلال مرحلة الدكتوراة: ما أبرز الدروس المستفادة من كافة النتائج التي توصلت إليها ومن العملية البحثية برمتها؟ بعد كل ما مررت به، ما الذي تود أن تقوله؟ أوجز حججك فيما بين 4 إلى 7 براهين أساسية. يمكنك أن تورد الحجج والأفكار المتعلقة بالنتائج أو المنهجيات المتبعة، كالعناوين التالية المأخوذة من رسائل دكتوراة حقيقة صيغت بهذا الأسلوب: "فصل الأشخاص في أماكن الأنشطة"، أو "الاتصال الإيكولوجي يتجاوز كونه مجرد خطوط على خريطة"، أو "أهمية الدقة العالية للبيانات للوصول إلى التأويل الصحيح".
انسج الفصل التمهيدي حول البراهين الأساسية. استخدم البراهين كعناوين للأقسام في الملخص. افرد صفحة أو اثنتين لمناقشة كل برهان، ويُفضل الاستعانة بعدة أوراق بحثية لتعزيز النقاش. نظم النص بطريقة تسهل عملية الكتابة. كأن يبدو تخطيط الفصل على النحو التالي: "أظهرت النتائج التي توصل إليها هذان البحثان أن..."، "يتوافق هذا مع (أو يتعارض مع) البحث السابق..."، "من جهة أخرى، توعز نتائج دراسة أخرى بأن..."؛ "عند تحليل النتائج، ينبغي أن نأخذ في الاعتبار..."؛ "وفي الأبحاث المستقبلية، من المهم..."؛ "وفي الختام، يمكننا أن نستنتج..."
اكتب مقدمة البحث، والخلفية العلمية، وقسْم البيانات والمنهجيات المتبعة في النهاية. لا تشرع في صياغة تلك الأقسام قبل أن تكوّن فكرة واضحة عن النتيجة الرئيسية. تسهم هذه المقاربة في وضع بحثك في الإطار الأنسب له، والتفاعل مع الأبحاث المنشورة لدعم نتائجك.
قد تبدو كتابة ملخصك بهذا الترتيب خروجًا عن المألوف في الوسط الأكاديمي: إذ تبدأ بكتابة الجزء الأوسط والخاتمة أولًا، ثم تستكمل بقية الأجزاء لاحقًا. وأما إن كانت رحلتك طويلة وشاقة، تستلزم دمج العديد من الأبحاث، فقد يكون البدء بطرحك المحوري بمثابة البوصلة التي تهديك وتعينك على بلورة أفكارك العميقة الرئيسية وصياغة رؤاك بوضوح.
على أقل تقدير، تضمن لك هذه المقاربة أنك حين يرمقك أستاذٌ فخري بنظرة ثاقبة ويسألك، "ما برهانك؟"، ستكون واثقًا من إجابتك، ثابتًا في طرحك. ربما في المرة القادمة التي تشرع فيها في كتابة ورقة بحثية مستقلة، ستجد هذه المقاربة نافعة في هذا النوع من البحوث أيضًا.
هذه ترجمة المقال الإنجليزي المنشور في مجلة Nature بتاريخ 7 مايو 2025.
doi:10.1038/nmiddleeast.2025.78
تواصل معنا: