أخبار

الجامعات الأمريكية تقلص أعداد المقبولين ببرامج الدكتوراه

نشرت بتاريخ 10 يونيو 2025

وسط القيود التمويلية التي تفرضها إدارة ترامب على النشاط البحثي والأكاديمي، لجأت الجامعات الأمريكية إلى تخفيض عدد المقبولين لديها في برامج الدكتوراه. وقد تحدثت مجلة Nature إلى عدد من الطلاب المتقدمين إلى هذه البرامج، الذين أصبح مصيرهم في مهبّ الريح مع اتجاه عدد من المؤسسات الأكاديمية إلى سحب خطابات القبول، أو تجميد طلبات الالتحاق بها.

دان جاريستو

 أقدمت جامعة بنسلفانيا بمدينة فيلادلفيا (التي تظهر مكتبتها بالصورة) على سحب موافقتها غير الرسمية على انضمام طلاب دكتوراه جدد، بسبب حالة الغموض التي تحيط بالتمويل الفيدرالي للجامعة.

 
أقدمت جامعة بنسلفانيا بمدينة فيلادلفيا (التي تظهر مكتبتها بالصورة) على سحب موافقتها غير الرسمية على انضمام طلاب دكتوراه جدد، بسبب حالة الغموض التي تحيط بالتمويل الفيدرالي للجامعة.
حقوق الصورة: Jim Feng/Getty

بدأت بعض الجامعات الأمريكية في تقليل أو تعليق طلبات الالتحاق ببرامج الدكتوراه لديها بسبب الغموض الذي يكتنف الموقف التمويلي للجامعات على المستوى الفيدرالي. يأتي ذلك على خلفية حزمة الإجراءات التي اتخذتها إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب. ومع ذلك فلم تُصدر الجامعات – إلا قليلًا منها – بيانات رسمية توضح موقفها، تاركةً الطلاب الراغبين في التقديم يتخبَّطون في الظلام. وقد تحدَّثت Nature إلى عديد من شباب الباحثين الذين يسيطر عليهم الشك والارتباك. منهم من قال إنه تلقَّى رسالةً عبر البريد الإلكتروني من الجامعة تفيد بأنه كان سيُقبَل لولا حالة الضبابية التي تلفُّ الموقف التمويلي. ومنهم من جاءه الرد بأن البرامج قد تم تعليقها تمامًا.

وفي جامعة بنسلفانيا، الكائن مقرها بمدينة فيلادلفيا، كان بعض الطلاب الراغبين في الالتحاق بالجامعة قد تلقَّوا إفادات غير رسمية تفيد بقبولهم في برنامج الدراسات العليا، ثم إذا بهذه الموافقة تُسحب في وقتٍ لاحق، حسبما ورد في صحيفة الجامعة «ذا ديلي بنسلفانيان» The Daily Pennsylvanian.

"الأمر برمَّته مروِّع"، على حد قول أستاذ بالجامعة طلب عدم الإفصاح عن هويته لكونه منخرطًا في عملية اختيار الطلاب. يقول: "إنهم يجردون الجامعة من قلب رسالتها الفكرية". وقد طلبت Nature تعليقًا من الجامعة، لكن الأخيرة لم تعلق.

وفي القلب من هذه الأزمة، أو الجزء الأكبر منها، تقع معاهد الصحة الوطنية الأمريكية (NIH)، التي تُعد أكبر جهة حكومية مموِّلة للأبحاث الطبية الحيوية في العالم، بميزانيتها السنوية التي تبلغ 47 مليار دولار أمريكي. كانت أغلب الأموال المخصَّصة لمِنَح الهيئة قد جُمِّدت خلال الشهر الماضي، على أثر الإجراءات التي اتخذتها إدارة ترامب بُغية خفض الإنفاق الفيدرالي. واستمر التجميد على الرغم من صدور أمر قضائي يقضي بالإفراج عن الأموال المجمَّدة. وفي خطوة مستقلة، سعت معاهد الصحة في عهد ترامب إلى تقليص مخصَّصات المؤسسات البحثية الأمريكية الموجَّهة للإنفاق على المصروفات غير المباشرة، أو ما يُعرف بالنفقات التشغيلية العامة (من قبيل استهلاك الكهرباء، وإيجارات مقارّ عمل الباحثين). طرحت الهيئة خفض هذه المخصصات من نسبةٍ تتراوح بين 40% و70% إلى نسبةٍ ثابتة من مخصصات المِنَح البحثية تبلغ 15%؛ وهو ما قد يعني خسارة الجامعات لمبالغ هائلة من مخصصاتها، تقدَّر بمليارات الدولارات. إلا أن تحالفًا يضم عددًا من الجامعات، مدعومًا بالمدَّعين العموم في 22 ولاية، رفع دعوى قضائيةً لوقف هذه السياسة، دافعًا بعدم قانونيتها. وقد أوقف قاضٍ فيدرالي العمل بهذه السياسة مؤقتًا، فحال بذلك دون دخولها حيز التنفيذ.

وبالنظر إلى شح المعلومات الواردة من الجامعات التي تقلص أعداد القبول لديها، لجأ الباحثون إلى جمع المعلومات عن المؤسسات الأكاديمية التي طالتها تداعيات قرارات الإدارة الأمريكية، وشاركوها فيما بينهم على منصات التواصل الاجتماعي. وقد تواصلت Nature مع نحو ثلاثين جامعة مدرجة على إحدى القوائم التي أعدها الباحثون للبرامج المتضررة، ونشروها على منصة «بلو سكاي» Bluesky، للتحقق من صحة المعلومات. أقرَّت بعض الجامعات، ومنها جامعة بتسبرج بولاية بنسلفانيا، بتعليق طلبات الالتحاق ببرامجها. فيما ذكرت جامعات أخرى، ومنها جامعة هوبكنز، ومقرها مدينة بالتيمور بولاية ميريلاند، أن خفض أعداد القبول لديها ليس مرتبطًا بالوضع الراهن الذي يخص التمويل الفيدرالي. ولم تتلقَّ Nature ردًا من بقية الجامعات التي تواصلت معها (أكثر من 60% منها).

مستقبل غائم

رغم أن كثيرًا من البرامج التي طالتها هذه الإجراءات تتخصص في علوم الطب الحيوي، كما جاء في تحقيق مفصَّل نشره موقع «استات» STAT، فإن حالة الغموض بشأن التمويل الفيدرالي تمتد إلى عدد كبير من التخصصات. من ذلك، مثلًا، أن طالبًا تقدَّم للالتحاق ببرنامج الدكتوراه في الفيزياء بجامعة أريزونا، الكائنة بمدينة توسان الأمريكية، تلقى رسالة إلكترونية تفيد برفض طلبه مؤقتًا. وقد شارك الطالب هذه الرسالة مع Nature، وجاء فيها: "رغم أن سجلك الأكاديمي المميَّز مثير للإعجاب حقًا، فإن الغموض الذي يكتنف سياسات التمويل الفيدرالي حاليًا أثرت تأثيرًا بليغًا في عملية القبول لدينا. لذا، لا نستطيع أن نتقدَّم إليك بعرض في الوقت الراهن، رغم ترتيبك المتقدم في قائمة المتقدمين لدينا". ولم تستجب جامعة أريزونا لطلب التعليق.

"إنه أمر محبط إلى أقصى حد"، هكذا يصفه طالب تقدَّم للالتحاق بأحد البرامج الأكاديمية، وغيره من الطلاب الذين أجرى معهم Nature مقابلات صحفية في معرض الإعداد لكتابة هذا التقرير، وطلبوا إخفاء هوياتهم خوفًا على فرصهم في القبول. ويضيف الطالب نفسه: "يغمرني الأسف كذلك على الأقسام الجامعية، التي أنفق أساتذتها من وقتهم الكثير في قراءة طلبات الالتحاق وانتقاء الطلاب الجدد، ليكتشفوا في النهاية أنه لا يوجد تمويل لهم. أعتقد أن البساط قد سُحب تمامًا من تحت أقدام الجميع". ويذكر الطالب، رغم ذلك، أنه يشعر بالامتنان لقبوله في برامج أخرى.

على أن الحظ لم يواتِ جميع الطلاب بمثل ما واتى ذلك الطالب. أحد هؤلاء تقدَّم لبرنامج العلوم الاجتماعية في جامعة فاندربلت، ومقرها مدينة ناشفيل بولاية تينيسي الأمريكية، وتلقَّى بالفعل موافقة غير رسمية في يناير الماضي. وما هي إلا أسابيع قليلة حتى تلقَّى خطابًا من الكلية يخطره بأن القبول بالبرنامج قد أُوقف لمدة عام. يقول: "لا أملك أية عروض حاليًّا، ولستُ متأكدًا من رغبتي في البقاء في المضمار البحثي من الأصل". وكذلك لم تستجب جامعة أريزونا لطلب التعليق.

وثمة جامعات أوقفت إجراءات التقديم، قبل أن تستأنفها خلال الأسابيع السابقة على نشر هذا المقال في نسخته الإنجليزية؛ وهو ما زاد الأمر تعقيدًا وإرباكًا. على سبيل المثال، تقدَّم طالب بأحد برامج ما بعد التخرج في معاهد الصحة الوطنية الأمريكية (NIH) لإكمال دراساته العليا بجامعة بتسبرج. وتلقَّى من الجامعة خطابًا في الرابع والعشرين من فبراير الماضي، تخطره فيه بوقف التقديم لجميع طلاب الدراسات العليا. ثم إذا بالجامعة تصرِّح لـNature، بعد يومٍ واحد، برفع ذلك الإيقاف. وجاء في في رد المتحدث باسم الجامعة: "هدفنا هو تقديم الدعم اللازم للطلاب الحاليين، مع التحلي بالمسؤولية لدى إضافة طلاب جدد".

بالنسبة إلى المؤسسات البحثية التي تتلقى النصيب الأكبر من منح معاهد الصحة الوطنية، ومنها جامعة بتسبرج، فهي معرضة لخسارة أكثر من 100 مليون دولار أمريكي إذا مُرر قرار خفض النفقات التشغيلية العامة، حسب تقديرات صحيفة «ذا نيويورك تايمز» The New York Times. وحتى الجامعات التي تتلقى دعمًا خيريًّا كبيرًا — يتمثل في أموال التبرعات التي توجَّه إلى دعم عمليات التشغيل — سيكون عليها أن تواجه التحدي الناجم عن هذه الاقتطاعات التمويلية، وفقًا لما صرحت به إليزابيث بوب بيرمان، باحثة علم الاجتماع العلوم بجامعة ميشيجان في آن آربور. وذكرت في رسالةٍ إلكترونية بعثت بها إلى Nature: قسمٌ كبير من أموال التبرعات التي تتلقاها الجامعة مرصود حصرًا لغرض واحد دون غيره، وفكرة الدعم الخيري أو الوقف الواحد فكرة غير صائبة. وقالت في رسالتها: "الجزء الأكبر من «الوقف» لا يمكن تكييفه بحيث يلائم استخدامات أخرى".

خسائر المختبرات

حتى برامج التدريب التابعة لمعاهد الصحة الوطنية تم تجميدها مع اتجاه إدارة ترامب إلى خفض ميزانية الحكومة وأعداد العاملين بها.

على أثر أمر تنفيذي قرر ترامب بموجبه إيقاف التعيينات الفيدرالية، أُلغي برنامج تدريب صيفي، وتُرك الطلاب المقبولون غارقين في حيرة، وفقًا لما جاء في الصحيفة الطلابية التابعة لجامعة ميريلاند. أضف إلى ذلك أن برنامج تدريب ما بعد التخرج التابع لمعاهد الصحة الوطنية (الذي يستوعب نحو 1600 باحث ويدعمهم ببرامج زمالة مدتها عام أو عامان بعد التخرج) قد جرى تجميده هو الآخر، بانتظار التوجيهات من وزارة الصحة والخدمات الإنسانية الأمريكية، التي تتبعها معاهد الصحة. هؤلاء الباحثون المتدربون يمثلون "عصب المنظومة العلمية هنا"، على حد قول باحث رئيس بمعاهد الصحة، طلب عدم الإفصاح عن هويته لأنه غير مصرَّح له بالتحدث إلى الصحافة. وأضاف: "أكثر من نصف العاملين في مختبري هم من [المتدربين] في برامج ما بعد التخرج".

وعلِمَت Nature من مصادر عدة أن قرار إيقاف التعيينات لا ينبغي أن يسري على المتدربين، سواء في برامج التدريب الصيفي أو زمالات ما بعد التخرج، لأنهم ليسوا موظفين فيدراليين، وإنما يعملون بعقود مؤقتة. إلا أن الدورية لم تتلقَّ ردًّا حول هذا الشأن من معاهد الصحة أو وزارة الصحة والخدمات الإنسانية.

وفي تعليقٍ أدلت به روزا ليفر-سوسا، الحاصلة على زمالة ما بعد الدكتوراه من المعهد الوطني للصحة النفسية التابع لمعاهد الصحة، ومقره مدينة بيثيسدا بولاية ميريلاند الأمريكية، قالت: "إذا لم يُرفع وقف التعيينات هذا، فسوف تكون العواقب وخيمة على المنظومة البحثية بأكملها". وسوف تنعكس هذه التداعيات على الشعب الأمريكي، حسب قولها، الذي سيعاني من تأخُّر ظهور الأدوية والعلاجات لأمراضٍ مثل السرطان، والسكري، وأمراض القلب.

doi:10.1038/nmiddleeast.2025.76