كيف حطمت باحثة الصورة النمطية عن ذوي الاحتياجات الخاصة في مقابلات العمل؟
25 May 2025
نشرت بتاريخ 25 مايو 2025
بتعلُم ترك انطباع إيجابي في كل مكان تدلفه، عززت إيميليا كروك، متحدية الإعاقة، ثقتها بنفسها في مقابلات العمل.
حقوق نشر الصورة: Michał Lesiński/Poznan University of Technology
عندما كنت في الثالثة من عمري، صنف الأطباء خطأً ورم لدي على أنه ورم سرطاني خبيث. وبسبب طول أمد العلاج الكيميائي الموهن الذي خضعت له، ومع تأخر استئصال هذا الورم، الذي تبين في نهاية المطاف أنه حميد، تعرضت لتلف جسماني شديد، أقعدني عن المشي وصرت أعتمد على كرسي مدولب.
منذ نعومة أظافري، ساورني الفضول إزاء طرق عمل الأشياء؛ فكنت على الدوام أتعمق في سبر الآليات التي تقف وراء كل ما نتعلمه في الصف من ظواهر. وقد أتاح لي طول إقامتي بالمستشفى الذي كنت أُعالج به، وامتداد فترة تماثلي للشفاء بالمنزل، فرصة رائعة للقراءة والبحث. حينئذ، أدركت أن العلوم والهندسة هما المجالين الأقوى تأثيرًا في حيواتنا، وأردت أن أسهم في صناعة التغيير الذي يجلبانه. إلا أنني أدركت منذ سن مبكرة أن الطريق إلى ذلك سيكون محفوفًا بالتحديات، وليس بالضرورة بسبب حالتي الصحية، بل لأنني على الأرجح سأُضطر لبذل جهود جسام لأثبت أن إعاقتي لا تحسم قدراتي المهنية.
ما زلت أتساءل من يحسبني الأشخاص عندما يرونني في المختبر: هل يرونني كخبيرة في إعداد العينات، أم باحثة تتمتع بمهارات تنظيمية جيدة، أم معلمة رائعة، أم مجرد امرأة مُقعدة. عندما ألتقي شخصًا للمرة الأولى، يُحتمل أن الانطباع الأخير هو ما يخطر بباله. ورغم أنني لا أستطيع تغيير الكيفية التي أتنقل بها، أو حقيقة أنني بحاجة لتجهيزات معينة في بيئة العمل، يمكنني تغيير نظرة الأشخاص لي، في الدقائق الأولى من محادثتي معهم.
استراتيجيات للتقدُم للوظائف
في السنة الثالثة من دراستي الجامعية في مجال هندسة الطب الحيوي، أعددت أول سيرة ذاتية عن مشواري العلمي لدى التقدم لبرامج تدريبية قصيرة الأجل، كانت جزءًا إلزاميًا في دراستي بجامعة بوزنان للتقنية في بولندا، والتي كانت قريبة من مكان نشأتي. ولأنني كنت طالبة من متحديِّ الإعاقة تبدأ للتو مسيرتها المهنية العلمية، أمضيت ساعات لا حصر لها في مراجعة كل طلب تقدمت من خلاله لبرنامج تدريبي قبل إرساله، مزعزعة ما بين ذكر إعاقتي وعدم ذكرها. كنت أدرك أن سيرتي الذاتية قوية، وأن علاماتي الدراسية وخبرتي الأكاديمية ممتازة، وأردت تقييمي على هذا الأساس. إلا أنني تخوفت أيضًا من إخفاء أمر إعاقتي تمامًا. خشيت أن يُقال لي أن مكان العمل لا يسهل لذوي الإعاقة الحركية استخدامه أو أن الشركة لم تتوقع تلبية احتياجات شخص من ذوي الاحتياجات الخاصة. لكنني آثرت أن أتعرض لرفض طلبي على الفور بعد الإفصاح عن إعاقتي في سيرتي الذاتية، على تجشُم عناء خوض مقابلة عمل، ليخطرني القائمون عليها آخر الأمر بأن طلبي للتقدم للتدريب كان مثيرًا للإعجاب إلى حد استدعى مقابلة العمل، لكن إعاقتي جعلتني في نهاية المطاف غير جديرة بالاعتبار كمتدربة.
وكحل وسط، ألمحت بصورة عابرة في كل طلب تقديم للتدريبات إلى إعاقتي بعبارات مثل: "كنت سبَّاحة في اتحاد الطلاب ذوي الاحتياجات الخاصة"، وحطمت رقمين قياسيين في السباحة لذوي الاحتياجات الخاصة"، أو "شغلت منصب نائب مجلس اتحاد الطلاب ذوي الاحتياجات الخاصة". ومن خلال هذا النهج، تلقيت عرضًا للعمل محللة بيانات في معهد لأبحاث الأمراض المعدية. وكانت تلك تجربة رائعة، لكنني شعرت بأن معالجة البيانات، لا تمثل إلا جانبًا واحدًا من المسار المهني الذي أطمح أن أسلكه. كما افتقدت إلى خبرة إجراء التجارب بنفسي، لكن ساورتني مخاوف بثت في نفسي الشك في مقدرتي على إجراء أبحاث مختبرية مستقلة.
في دراساتي لنيل درجة الماجستير، تخصصت في الهندسة الحيوية الجزيئية في جامعة دريسدِن التقنية في ألمانيا، حيث سنحت لي فرصة اكتساب خبرة عملية في مشروعات في حقل دراسة البروتيوميات والجينومات، وهندسة الخلايا الجذعية. وجدت بيئة داعمة في هذا المشروع، حظِيَت فيها أخطائي بالقبول باعتبارها جزءًا أصيلًا من عملية التعلم، وأرشدني فيها زملائي ومعلميَّ في كل خطوة من الطريق. ورغم امتناني لما أُتيح لي من عون من زملائي في المختبر عندما كنت أواجه صعوبة ما (كالعمل على منضدة مختبر مرتفعة)، لم أملك أدنى فكرة كيف سأجري أبحاثي بصورة مستقلة.
لكن خلال دراساتي، سنحت لي الفرصة لبحث أساليب ونُهج مختلفة، ما أمدني بفكرة واضحة عن ماهية التحديات التي قد أواجهها. فصرت قبل لقائي مع المشرفين المحتملين على أطروحتي لنيل درجة الماجستير (والتي كنت أكتبها في الأشهر الستة الأخيرة من برنامجي لنيل هذه الدرجة)، أعد قائمة ذهنية بالمصاعب التي قد أصطدم بها، وبالحلول المحتملة لها. على سبيل المثال، لن أتمكن من استخدام عدسة المجهر، لكنني صرت أتمتع بالبراعة في استخدام البرامج الحاسوبية لفحص العينات، ومع أنني لا أستطيع حمل الأغراض الثقيلة، يمكنني في كرسيَّ المدولب التحكم في عربة جر بيد واحدة، وإذا كانت مستلزمات ما على أرفف مرتفعة، فبإمكان كلَّابات حل تلك المشكلة". ورغم أن قائمة تلك المشكلات تطول، سرعان ما أدركت أن بإمكاني التغلُب على السواد الأعظم مما يبرز منها. فكنت أصل إلى مقابلات العمل وأنا على أهبة الاستعداد، لا لمناقشة تفاصيل المشروعات وحسب، وإنما لأواجه كذلك أية مخاوف لدى أرباب العمل فيما يخص قدرتي على العمل باستقلالية. وكنت جاهزة بالردود لإقناع أي كان بأن إعاقتي لا تشكل عائقًا أمام مؤهلاتي وقدرتي على إجراء الأبحاث.
طريق محفوف بالتقلبات
تطور أسلوبي في إعداد طلبات التقدُم للوظائف والتعامُل مع مقابلات العمل بدرجة كبيرة عندما شرعت في التقدُم لبرامج دراسية لنيل درجة الدكتوراة. أخذت أبحث عن مناصب كباحثة قبل ستة أشهر من التخرج من برنامج نيل درجة الماجستير. ولبناء ثقتي بنفسي، وصقل قدراتي على الإقناع بمهاراتي، حضرت ثلاث مقابلات عمل للتقدُم لمناصب في مجال الصناعة، على سبيل التدرُب بالدرجة الأولى، متحررة من الشعور بالضغط الذي يساورني لدى السعي للمنصب الذي أحلُم به. بحلول ذلك الوقت، كنت قد أمضيت ثلاثة أعوام في الدراسة خارج بلدي، كما كنت بصدد الانتهاء من إصدار أولى دراساتي، وشعرت بالثقة في قدرتي على إجراء الأبحاث. وللمرة الأولى، خالجني شعور بأن ما يفترض به تحديد قدراتي كعالمة هو إنجازاتي وليس أي شيء آخر. ولم أعد أدرج في طلبات التقديم أي ما قد يشير إلى إعاقتي. إذ لم أرغب في اختياري لأي وظيفة بسبب إعاقتي، كما لم أرد غض الطرف عن فكرة توظيفي على أساس أنها مجازفة. كان تقييمي بإنصاف هو أكثر ما يهمني.
ومما أذكره في هذا الإطار، أن الفيزيائي لوكاز بياتكاوسكي من جامعة بوزنان للتقنية، والذي سيصبح عما قريب المشرف على دراساتي لنيل درجة الدكتوراه قد أخبرني ذات مرة أنه بعد تلقي سيرتي الذاتية، أجرى بحثًا عني على الإنترنت، ما جعله على علم مسبق بأنني أستخدم كرسيًا مدولبًا. وهذا لأن الملفات التعريفية الخاصة بي على وسائط التواصل الاجتماعي متاحة للعموم، وهي تظهر أنني برغم إعاقتي، أسافر كثيرًا، ولدي أسرة رائعة وكلب مساعد، وأنني أعشق الروايات البوليسية. كما أنني من نواح عدة أتمتع بحياة حافلة أكثر من بعض من لا يعانون إعاقة.
وللمرة الأولى، وجدت نفسي أناقش احتياجاتي، وليس فقط ما قد أُضيفه إلى الفريق البحثي الذي أنضم إليه. واليوم أُصدم عندما أعود بذاكرتي إلى مناصبي السابقة، لأتذكر أنني اخترت القبول بتناوُل المسكنات لاحتمال آلام ظهري التي كانت تصيبني من جراء كرسيّ المدولب عوضًا عن طلب مكان للاستلقاء، وهو ما كان من أعراض حاجتي الماسة لإثبات أنني قادرة على كل شيء، وأن إعاقتي لن تقف عائقًا أمامي.
أدرك المشرف على دراساتي لنيل درجة الدكتوراة من البداية أنني قد أحتاج أحيانًا لأن أريح ظهري، أو أن الحل الأمثل لي هو أن أحظى بكرسي قابل لضبط ارتفاعه ليتناسب مع هيئتي الجسمية. كنت قبل ذاك، قد واجهت أيامًا، قررت فيها العودة إلى المنزل بعد بضع ساعات من العمل لتحليل البيانات من فراشي. كان قائد فريقي البحثي يدعم حينذاك تمامًا قراري هذا، متفهمًا أن بإمكاني أداء عملي بصورة أسرع إن لم أتألم. لقد قطعت شوطًا طويلًا لأتوصل أخيرًا إلى أنه علي ألا أخجل من طلب المساعدة أو طلب بعض التجهيزات لتلبية احتياجاتي. وأتمنى لو أنني تحليت بالصراحة في هذا الشأن من البداية.
نصائح لمقابلات العمل
من الضرورة بمكان الثقة في قدراتك في مقابلات العمل، لكن الأهم من ذلك، فيما يخص العلماء من ذوي الاحتياجات الخاصة، هو البرهنة على أن بمقدورك اتخاذ إجراءات استباقية للتغلب على أية مشكلات غير معتادة. أعي أن خوض محادثات في أمور كهذه صعب لمن يجري المقابلة معك. لذا، في مواقف كهذه، أميل إلى إلقاء دعابات طريفة حول طريقتي في التنقل، كأن أقول: "لن تحتاج إلى إنفاق مزيد من الأموال لجلب كرسي إضافي للمختبر حال تعييني". فلا يزال الباحثون من ذوي الاحتياجات الخاصة نادرون، وأعتقد أن من أجرى المقابلة معي لم تسبق له على الأرجح مصادفة أحد منهم في مثل هذا اللقاء قبلي. لذا، كان من الضروري تبديد توتر الأجواء في موقف كذلك، برفع القيود عن مناقشة إعاقتي.
أخيرًا، أوصي بالتحلي بروح المبادرة ومناقشة أي متطلبات تمويلية خاصة بك مع قائد فريقك البحثي. فكثير من الهيئات يقدم منحًا لذوي الاحتياجات الخاصة، وهو ما قد يساعد في تغطية نفقات بعض تجهيزات المختبر التي يحتاجونها، وتكاليف بعض التقنيات التي قد تساعدهم، وبعض نفقات السفر اللازمة لحضور المؤتمرات بمعية كلب مساعد. واليوم، تكرس الجامعات والمعاهد البحثية عادةً بعضًا من مكاتبها لمساعدة الطلاب والباحثين من ذوي الاحتياجات الخاصة، كما تقدم خدمات إرشاد لدعم أماكن العمل بالموارد التي تحتاجها هذه الفئة. ورغم أن إدخال تغييرات على البنية التحتية للمؤسسات الأكاديمية قد يستغرق وقتًا ويتطلب جهودًا ومثابرة، فهذا الدعم لن يفيدك وحسب، بل سيخلق أيضًا فرصًا أفضل للأجيال التالية من العلماء.
وحتى إن كانت إعاقتك جلية، كما هو الوضع في حالتي، فأنت غير ملزم بمناقشتها خلال مقابلة العمل. مع ذلك، فالتحلي بالصراحة، ليس فقط فيما يخص قدراتك ومهاراتك، وإنما فيما يتعلق أيضًا باحتياجاتك الإضافية، قد يوفر عليك الكثير من الوقت ويجنبك الكثير من الإحباط. ففي نهاية المطاف، تتشارك أنت والمشرف على دراساتك الهدف نفسه، وهو الإسهام في نفع العلم. وأمثل طريقة لتحقيق ذلك هي ببناء بيئة داعمة ومناسبة تتيح لك التطور والازدهار.
هذا المقال مأخوذٌ من «مجتمع حديث المهن» Nature Careers Community، وهو مساحة مخصَّصة لقراء Nature بهدف مشاركة آرائهم وتجاربهم المهنية. نشجع أيضًا مشاركة ضيوفنا لتجاربهم.
هذه ترجمة المقال الإنجليزي المنشور في دورية Nature بتاريخ 27 مارس عام 2025.
doi:10.1038/nmiddleeast.2025.70
تواصل معنا: