حصريًّا: معاهد الصحة الوطنية الأمريكية تعتزم قطع مِنح بحوث
مرض «كوفيد»
21 May 2025
حصريًّا: معاهد الصحة الوطنية الأمريكية تعتزم قطع مِنح بحوث مرض «كوفيد»
نشرت بتاريخ 21 مايو 2025
وفقًا لوثائق مُحدّثة حصلت عليها Nature، من بين الدراسات التي تضمها القائمة الأخيرة للمنح المقرر قطعها دراساتٌ تبحث في التغير المناخي وأخرى متعلقة بجنوب إفريقيا.
Credit: Steve
Gschmeissner/Science Photo Library
بدأت معاهد الصحة الوطنية الأمريكية (NIH)، والمراكز الأمريكيّة لمكافحة الأمراض والوقاية منها (CDC) في إلغاء تمويلات البحوث المرتبطة بجائحة «كوفيد-19»، والتي تقدر بمليارات الدولارات.
فأما تمويلات أبحاث مرض «كوفيد-19» "فقد كانت مخصصة لغرض محدد؛ ألا وهو التخفيف من حدة آثار الجائحة. والآن وقد ولّت الجائحة، ولم يعد هناك ما يبرر استمرار تلك المنح"، بحسب ما ورد في مذكرة توجيهية داخلية صادرة عن معاهد الصحة وُزعتْ على موظفي الهيئة، وتحتوي على توجيهات محدثة بشأن كيفية إنهاء هذه المنح، وقد وقعتْ هذه المذكرة بين يدي دورية Nature. ولا يتضح عدد منح بحوث «كوفيد-19» المزمع إلغاؤها.
يأتي هذا التضييق على بحوث «كوفيد-19» على خلفية وقف الهيئة، في ظل تولي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مقاليد الحكم، ما يقرب من 400 منحة في شهر فبراير الماضي. وعنيتْ نسخة سابقة من الوثائق، التي حصلت عليها دورية Nature في الخامس من مارس الماضي، بتوجيه الموظفين نحو تحديد المنح التي تموّل طيفًا عريضًا من المشاريع البحثية، ربما تمهيدًا لتجميدها. خصتْ هذه التوجيهات الأبحاث التي تدرس أحوال العابرين جنسيًّا، والهوية الجنسانية أو الجندرية وبرامج «التنوُّع والمساواة والشمول الاجتماعي» (التي يُشار إليها ببرامج DEI) بين العاملين في الحقل العلمي، وكذلك الدراسات التي تتناول العدالة البيئية.
وكانت معاهد الصحة، التي تعد أكبر جهة مموِّلة للأبحاث الطبية الحيوية في العالم، قد منحتْ تمويلات لما يقرب من 600 مشروع بحثي قائم تتضمن مصطلح "كوفيد" في عنوانها، وتُقدر بنحو 850 مليون دولار أمريكي. تشكل هذه المشاريع مجتمعة نحو 2% من ميزانية معاهد الصحة التي تبلغ 47 مليار دولار أمريكي. وفي السياق ذاته، تعتزم المراكز الأمريكيّة لمكافحة الأمراض والوقاية منها تجميد تمويلات مخصصة لمكافحة الجائحة، قيمتها 11.4 مليار دولار أمريكي، بحسب ما أفادت شبكة أخبار «إن بي سي نيوز».
يُذكر أن فيروس «سارس-كوف-2»، المسبب لمرض «كوفيد-19» قد أسفر عن وفاة ما يزيد على 7 ملايين نفس حول العالم، منهم أكثر من 1.2 مليون شخص في الولايات المتحدة وحدها، ولا ينفك يصيب الناس ويزهق الأرواح. ومن الأهمية بمكان أيضًا دراسة الفيروس، وكيفية إصابته للأشخاص، وسبل تصدي الحكومة له، في سبيل الوقاية من الجائحة المقبلة، كما ينوه العلماء.
ومن بين المنح الملغاة من قبل الهيئة برنامج رُصدتْ له ميزانية قدرها 577 مليون دولار أمريكي، ويُعنى باكتشاف وتطوير عقاقير مضادة لفيروس كورونا «سارس-كوف-2»، وستة أنواع أخرى من الفيروسات قد تتحول إلى جوائح.
في ذلك الصدد يقول جيسون ماكليلان، عالم الفيروسات البنيوية من جامعة تكساس في مدينة أوستن الأمريكية، الذي عمل على تطوير علاجات واسعة الطيف تستهدف أنواعًا متعددة من الفيروسات، وكان مشروعه يمثل جزءًا من البرنامج الذي أُوقف في الرابع والعشرين من مارس الماضي: "إن هذه الإلغاءات تنمّ عن قصر نظر وضيق أفق واضح، فنحن في أمسّ الحاجة إلى اكتشاف علاجات جديدة لمكافحة الفيروسات". ويتابع ماكليلان قائلًا: "أن تلغي المنحة بأكملها لمجرد أن جزءًا محدودًا منها معني بفيروس «سارس-كوف-2» لهو أمر ينطوي على مخاطر جمة، خاصة فيما يتعلق بالاستعداد لمواجهة الجوائح المستقبلية".
وتوجهت Nature إلى معاهد الصحة والمؤسسة الأم لها، وهي وزارة الصحة والخدمات الإنسانية الأمريكية (HHS)، باستفسارات تخص قرارات قطع المنح ومخاوف العلماء حيال ذلك، لكنها لم تتلقَ من أي منهما ردًا.
توجيهات محدثة
يُذكر أن وثيقة التوجيهات المحدّثة التي حصلت عليها Nature (انظر المعلومات التكميلية أدناه) كانت قد أُرسلت، يوم الخامس والعشرين من مارس الماضي، إلى موظفي الهيئة المكلَّفين بالإشراف على الجانب الإداري من منح التمويلات، والمعروفين بـ"اختصاصي إدارة المنح". تشمل الوثيقة مرض «كوفيد-19» في قائمة "أنشطة بحثية تعتزم الهيئة قطع الدعم عنها"، بالإضافة إلى المشاريع البحثية الجارية في الصين، وتلك المتعلقة ببرامج التنوع والمساواة والشمول، و"قضايا العابرين جنسيًّا"، والتردد في الإقبال على تلقي اللقاحات. تنص التوجيهات الأخيرة أيضًا على ضرورة إنهاء المنح الممولة للمشروعات البحثية المتعلقة بجنوب إفريقيا والتغير المناخي.
وإضافة إلى هذه المواضيع البحثية، تحدد الوثيقة فئة جديدة من البحوث التي يجب إنهاؤها: أي مشروع بحثي مدرج ضمن القائمة التي أرسلها مدير معاهد الصحة، أو وزارة الصحة والخدمات الإنسانية الأمريكية التي يترأسها حاليًّا روبرت إف. كينيدي الابن، المعروف بمناهضته للتطعيمات.
ولم يسبق للهيئة أن شهدت عمليات إنهاء للمنح بهذا الحجم؛ إذ إنها في العادة لا تقدم على إيقاف سوى عدد محدود من المشاريع البحثية سنويًّا، وذلك على إثر مخاوف جسيمة تتعلق بسوء السلوك البحثي أو الاحتيال، ولا تلجأ إلى الإلغاء إلا كخيار أخير، بعد استنفاد إجراءات أخرى كالتعليق.
ولسوف تُسند مهمة تحديد المشاريع وإنهائها إلى اختصاصي إدارة المنح؛ إذ ترى القيادة الحالية للهيئة أن الطاقم العلمي لديها متحيز بدرجة لا تمكنه من اتخاذ مثل هذه القرارات، على حد قول موظف بمعاهد الصحة، طلب عدم الإفصاح عن هويته؛ لأنه غير مصرَّح له بالحديث إلى وسائل الإعلام.
ويساور بعض العلماء القلق من أن التعليمات الموجهة إلى موظفي الهيئة يشوبها غموض كبير، بحيث يغدو أي مشروع بحثي يتضمن كلمات مفتاحية بعينها في مرمى القصف دون النظر إلى قيمته العلمية أو البحثية. من جانبها تقول أنجيلا راسموسن، باحثة الفيروسات المتخصصة في دراسة فيروس «سارس-كوف-2»، بجامعة ساسكاتشوان، ومقرها مدينة ساسكاتون الكندية: "إنهم يتعاملون مع المنح البحثية وكأنهم يمسكون منشارًا كهربائيًّا لا مشرطًا جراحيًّا".
«كوفيد الممتد»
في ظل التوجيهات الجديدة، لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت الهيئة تعتزم إيقاف بحوث «كوفيد الممتد»، بما في ذلك مبادرة «ريكفر» RECOVER المرصود لها ميزانية 1.6 مليار دولار أمريكي، والتي تهدف إلى الكشف عن جذور المرض وإيجاد علاجات له. ويبدو أن إدارة الرئيس الأمريكي ترامب قد بدأت تهمش مرض «كوفيد الممتد» على سلم أولوياتها؛ إذ كشفت مراسلات إلكترونية حصلت عليها دورية Nature، عن عزم وزارة الصحة والخدمات الإنسانية إغلاق «مكتب بحوث وممارسات كوفيد الممتد» التابع لها، والمسؤول عن تنسيق جهود الحكومة الأمريكية في التصدي للمرض، وذلك في الأسبوع الأخير من شهر مارس الماضي.
إن إلغاء بحوث مرض «كوفيد-19» بمثابة "صفعة قاسية على وجه الكثير من المرضى الذين لا يزالون يكابدون الآثار الصحية الممتدة لعدوى مرض كوفيد"، بحسب ما جاء عن جنيفر نوزو، اختصاصية علم الأوبئة ومديرة مركز الجوائح بجامعة براون الواقعة في بروفيدنس بولاية رود آيلاند الأمريكية.
وكان كينيدي قد أقسم "أن يجعل أمريكا بلدًا موفور الصحة من جديد"، عبر الشروع في إصلاح شامل لوكالات الصحة الأمريكية بتوجيه بوصلتها نحو مكافحة الأمراض المزمنة. تقول نوزو إن "التضييق الشامل" على بحوث «كوفيد» لا ينسجم وروح الحملة ولا يعكس رسالتها. وتتابع قائلة: "حري بنا دراسة كيف تسهم حالات العدوى في الإصابة ببعض من أسوأ الأمراض التي يكابدها المجتمع"، مضيفةً أن البحوث ربطتْ بين العدوى بأحد فيروسات الهربس الشائعة المعروف باسم «إبشتاين-بار» والإصابة بمرض التصلب المتعدد.
من جانبها تقول أكيكو إيواساكي، اختصاصية علم المناعة من كلية ييل للطب في مدينة نيو هايفن بولاية كونيتيكت الأمريكية، والتي تدرس الاستجابات المناعية لدى مصابي مرض «كوفيد الممتد»، وغيره من حالات ما بعد الإصابة الفيروسية: "إذا لم نتعلم الآن من هذه الجائحة ونستخلص منها الدروس والعبر، أخشى أننا سنكون أقل جاهزية لمواجهة الجوائح القادمة".
هذه ترجمة المقال الإنجليزي المنشور في مجلة Nature بتاريخ 26 مارس.
doi:10.1038/nmiddleeast.2025.68
تواصل معنا: