أخبار

هل تعود إلى وطنك بعد الحصول على الدكتوراه من جامعة أجنبية؟

نشرت بتاريخ 18 مايو 2025

طالبة دراسات عليا من إحدى دول جنوب شرق آسيا، ومقيمة الآن في دولة أوروبية، تعبر عن حنينها لوطنها، ومخاوفها إزاء تبعات العودة له على مستقبلها المهني.

دينا روكميانينسي

أين تكمن المشكلة؟

السادة الأعزاء القائمون على دورية Nature،

Illustration: David Parkins

أنا طالبة دكتوراه أدرس في السنة الأخيرة بدولة فنلندا وأحظى بالدعم والمساندة من الأستاذ المشرف على رسالتي؛ كما أنني أجري تجاربي وأبحاثي في مختبر يتمتع بوفرة جيدة من الموارد. وأفكر في التقدم لشغل وظيفة أكاديمية هنا في هذا البلد. إلا أنني في كثير من الأحيان تغلبني مشاعر الحنين إلى وطني الأم؛ إذ أفتقد عائلتي في جنوب شرق آسيا وكثيرًا ما أتوق لمذاق الطعام الذي كانت تطهوه أمي. أشعر أن مستقبلي الوظيفي سيكون أكثر نفعًا وجدوى إذا عدت إلى بلدي لتطبيق ما تعلمته في مجتمعي الذي نشأت فيه؛ إذ أن بلادي تعاني من مشكلات عديدة يمكن للعلم أن يساعد في حلها. لكنني أتساءل هل ستتمكن جامعتي التي أنتمي إليها في وطني الأم من توفير بيئة عمل أفضل لي من تلك التي أنعم بها الآن في هذه الدولة الأوروبية؛ وهل ستمنحني راتبًا لائقًا وتتيح لي التمويل المناسب لإجراء أبحاثي؟

إنني في حيرة مردها أنه يتعين عليّ الاختيار ما بين العمل في وظيفة في هذا البلد الأوروبي الغني بالموارد في شمال الكرة الأرضية وبين العمل في بلدي الذي تربطني به جذور قوية، على ما يفتقر إليه من موارد. فكيف يمكنني اتخاذ القرار المناسب؟

التوقيع: طالبة دكتوراه تشعر بالحنين إلى وطنها.

الحل الذي ننصح به!

أولا، لستِ وحدك من يعتمل فيه أتون هذه الحيرة. ولا شك أن قصتكِ هذه ستلقى صدى في نفوس آلاف العلماء ممن ينتمون إلى دول ذات دخل منخفض أو متوسط ويدرسون في نصف الكرة الشمالي. من الطبيعي أن تشعري أنتِ وأقرانكِ من العلماء بهذا الصراع؛ لكن في نهاية المطاف سيتعين على كل منكم أن يختار مساره الوظيفي.

تواصَل فريق العمل بقسم «حديث المهن» بدورية Nature مع ثلاثة باحثين اتخذوا هذا القرار الصعب بالفعل. واتفق الثلاثة جميعًا على أنه، بغض النظر عن المكان الذي ستختار الاستقرار فيه في نهاية المطاف، سيظل بإمكانك العمل على بناء القدرات وتعزيز البنية التحتية للبحث العلمي وتوجيه العلماء الذين يستهلون مشوارهم المهني في بلدك الأم. وفي الوقت ذاته، يمكنك توسعة شبكة اتصالاتك العلمية على الصعيد الدولي من أجل تعزيز مستقبلك الوظيفي في أي بلد من البلدان.

العودة إلى الجذور

ديماس دوي لاكسمانا، وهو كيميائي تحوَّل إلى التخصص في علم الاجتماع وينتسب إلى جامعة إندونيسيا في جاكرتا، قرر العودة إلى وطنه عام 2021 بعد حصوله على درجة الدكتوراه في علم الاجتماع من جامعة ألمانية. رأى لاكسمانا أثناء دراسته في بلاد الغرب ما يصفه بأنه نوع من "اختلال ميزان القوى"؛ إذ وجد أن العلماء الذين ينتمون إلى دول غنية يزورون دولا منخفضة الدخل بهدف إجراء مشاريع بحثية قصيرة الأجل ونشر نتائجهم على أمل أن تتحول بحوثهم المنشورة تلك إلى توصيات سياسية لدول النصف الجنوبي من العالم. غير أنه، على حد قول لاكسمانا، فإن "الواقع ليس بهذه البساطة". فحتى مع ضخ استثمارات كبيرة في بعض الأحيان، لا يكون لهذا النوع من البحوث الاستعمارية الجديدة تأثير دائم في المجتمعات المحلية؛ ويرجع ذلك في الغالب إلى الفجوة الثقافية الشاسعة التي تفصل هؤلاء الباحثين عن تلك المجتمعات. ويضيف الباحث أنه بالنظر إلى أن مشروعه البحثي للحصول على درجة الدكتوراه تناول الزراعة العضوية في المناطق الريفية بمدينة يوجياكارتا في بلده إندونيسيا فقد أسهم ذلك في إقناعه بالعودة إلى وطنه بشكل دائم.

يقول لاكسمانا إنه عاد إلى وطنه لكي يصبح جزءًا من الحركة الرامية إلى إنهاء الممارسات الاستعمارية في مجال العلوم؛ بمعنى أنه سيسعى مع غيره من الباحثين الوطنيين إلى القضاء على التهميش والإقصاء للثقافات المحلية والعلوم المتوارثة، اللذين أطلقتهما يد الاستعمار والعنصرية وممارسات الاستغلال في البحث العلمي على الصعيد العالمي. ويختم لاكسمانا كلامه بقوله: "أعتقد أن بإمكاني تقديم إسهامات أفضل من خلال عملي محاضرًا جامعيًا في بلدي الأم".

في ورقة بحثية نشرتها دورية «نيتشر إيكولوجي آند إيفولوشن» Nature Ecology & Evolution (T. Rivera-Núñez et al. Nature Ecol. Evol. 8, 1559–1560; 2024)، سلّطت مجموعة من الباحثين المكسيكيين في بداية مشوارهم الوظيفي الضوء على الفوائد التي يمكن أن تجنيها دول الجنوب من مشروعات التعاون العلمي فيما بين الباحثين المحليين ومجتمعاتهم. إلا أن هؤلاء الباحثين تطرقوا أيضًا إلى بعض المساوئ والسلبيات المحتملة التي من بينها ندرة الوظائف الأكاديمية والأعباء الإدارية ووطأة الضغوط الشديدة من الجامعات المحلية لنشر أكبر عدد ممكن من الأوراق البحثية. وأضافوا أن تلك السلبيات والعوائق ربما تكون سببًا في عرقلة الجهود المبذولة لإنتاج أبحاث عالية الجودة في أوطانهم.

جدير بالذكر أن لاكسمانا قد توقع حدوث مثل هذه الجوانب السلبية؛ ومن ثم لم يكتفِ بدراسة الوظائف الأكاديمية في إندونيسيا ونطاق الرواتب التي يتقاضاها الباحثون الذين يشغلون تلك الوظائف، وإنما بحث أيضًا في مستويات البيروقراطية الإدارية التي ستكون لها يد ضالعة في تلك العراقيل. وينصح لاكسمانا الباحثين بدراسة خطوة العودة إلى أوطانهم كما ينبغي ويُفضَّل أن يتم ذلك في السنة الأخيرة قبل الحصول على الدكتوراه. فلا شك أن ذلك سيساعدهم في عدم وضع تصورات بعيدة عن الواقع لمستقبلهم الوظيفي؛ كما سيجعلهم مستعدين لما سيواجهونه بالضرورة عند عودتهم إلى بلدهم الأم من اختلاف في ثقافة البحث العلمي.

المحافظة على العلاقات الراهنة

يقول دانيال زيجيلا، عالم النبات من جامعة ولاية جومبي في نيجيريا، إن العودة إلى الوطن ربما تمثل تحديًا للعلماء الذين ينتمون إلى دول محدودة الموارد، لا سيما إذا كان هؤلاء العلماء قد أمضوا عدة سنوات في دول تتمتع بتقنيات متقدمة وكانوا يتقاضون رواتب أعلى. على سبيل المثال، يُعادل الراتب الأساسي للمدرس الجامعي في إندونيسيا ما بين 170 و380 دولارًا أمريكيًا شهريًا؛ في حين يتراوح الراتب ذاته في فيتنام ما بين 120 و580 دولارًا أمريكيًا وفي نيجيريا ما بين 160 و460 دولارًا أمريكيًا. وربما يصل هذا الراتب في إندونيسيا إلى 800 دولار أمريكي شهريًا عندما تضاف إليه أشكال أخرى من الأجور مثل مكافآت التدريس والإدارة.

وجدير بالإشارة أن تمويل البحوث الجامعية في البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط غالبًا ما يكون محدودًا للغاية. على سبيل المثال، خصصت حكومة إندونيسيا في عام 2024 مبلغًا قيمته 72 مليون دولار فقط لتمويل أبحاث أساتذة الجامعات البالغ عددهم 303,000 أستاذ. كذلك يتيح نظام سنوي لتمويل المحاضرين في بداية مشوارهم الوظيفي الحصول على منح صغيرة تصل إلى 3000 دولار لمشروع بحثي تصل مدته إلى سبعة أشهر. ويرى كثير من الباحثين أن هذه القيود المالية تمنعهم من إجراء أبحاث عالية الجودة. ولا يختلف الوضع كثيرًا في نيجيريا؛ فقد وافقت الحكومة الفيدرالية هناك على تخصيص مبلغ يصل إلى 3.3 مليون دولار فقط للبحث العلمي في البلاد في عام 2025. علاوة على ذلك، وكما يقول زيجيلا، فإن البيروقراطية والإجراءات الروتينية تحول دون حصول الباحثين على ذلك التمويل.

غير أن زيجيلا يؤكد أن محدودية التمويل لا ينبغي أن تدفع هؤلاء الباحثين إلى رفض العودة إلى الوطن دون تفكير. يقول زيجيلا إن إحدى طرق التخفيف من آثار هذه المشكلات أن يظل هؤلاء الباحثون على اتصال مع العلماء في دول نصف الكرة الشمالي المعروفة بوفرة مواردها وأن يتمكنوا بشكل استباقي من بناء شبكة علاقات لضمان تحقق فرص تعاون مشترك. ولا شك أن مثل هذه الشبكات ستساعد العلماء على مواصلة العمل في مشاريعهم البحثية وعلى بناء محفظة استثمار بحثي دولية يعولون عليها. فيقول زيجيلا: "لقد بدأ العالم يتحول إلى قرية صغيرة". على سبيل المثال، في عام 2024، حصل زيجيلا على زمالة مشتل أرنولد بجامعة هارفارد في بوسطن بولاية ماساتشوستس الأمريكية، وذلك عن جهوده لإجراء تحليل جينومي لعينات من النباتات الأفريقية. وقد حظي بهذه الفرصة عن طريق شبكة الإنترنت. وجد الباحث أن عمله في ذلك المكان سيمنح الثقافة والمعارف الأفريقية موطأ قدم في مجال علم النبات الذي يهيمن عليه الغرب. من هذا المنطلق يمكن أن نقول إن هذه المشاريع التعاونية لا تدعم فحسب المسيرة المهنية الفردية للعلماء، وإنما تسهم أيضًا في تعزيز أواصر العلاقات بين المؤسسات عبر الحدود.

ينصح زيجيلا طلاب الدكتوراه الذين يفكرون في العودة إلى أوطانهم بأن يتحلوا بسعة الحيلة وبأن يبحثوا عن فرص التعاون البحثي أينما وُجدت. وقد عاد زيجيلا بعد انتهاء فترة الزمالة المذكورة إلى وطنه نيجيريا؛ وهناك التقى بباحث ألماني يُجري بحثًا ميدانيًا. وأتاحت له المناقشات التي خاضها مع ذلك الباحث فرصة أخرى ترتب عليها أن قضى زيجيلا ثلاثة أشهر هذا العام في جامعة هومبولت في برلين يدرُس الكيفية التي تؤثر بها التغيرات المناخية في توزيع النباتات في القارة الأفريقية، وذلك بدعم من الأكاديمية العالمية للعلوم، وهي منظمة عالمية يقع مقرها في ترييستي بإيطاليا.

في الورقة البحثية المنشورة في دورية «نيتشر إيكولوجي آند إيفولوشن» المشار إليها آنفًا، حذّر الباحثون المكسيكيون من أنه حتى في الحالات التي تشبه تجربة زيجيلا، والتي يحظى فيها باحث تعود جذوره إلى نصف الكرة الأرضية الجنوبي بالدعم من جانب ممول ينتمي إلى الشمال العالمي، ربما يؤدي ذلك إلى اختلالات في موازين القوى. من هذا المنطلق، يرى زيجيلا أنه لكي يضمن العلماء الذين ينتمون إلى الدول والمناطق ذات الدخل المنخفض أن يكون لهم دور بارز في تصميم الأبحاث ونصيب عادل في مشروع التعاون، يتعين عليهم أن ينقلوا ملاحظاتهم وتحليلاتهم إلى زملائهم من البلدان الغنية بطريقة لا تخلو من الحزم والاعتداد بالنفس. فعلى سبيل المثال، ينبغي أن "تنبع الدراسات والمنهجيات البحثية في دول الجنوب العالمي من باحثي تلك الدول أنفسهم"؛ وذلك ببساطة لأنهم الأكثر دراية بالأوضاع في بلادهم.

إذا قررت عدم العودة فإياك والشعور بالذنب!

يحث ديدن روكمانا الباحثة صاحبة المشكلة على ألا تشعر بالذنب إذا قررت البقاء في فنلندا. خاض روكمانا، الذي يبحث في شئون المُشردين والفوارق الصحية والأمن الغذائي والعدالة البيئية ويعمل بالتدريس بجامعة تكساس في أرلينجتون، تجربة مشابهة؛ إذ غادر إندونيسيا قبل 18 عامًا. ويقول إنه من الطبيعي أن يرغب العلماء الذين ينتمون إلى دول النصف الجنوبي من العالم في العمل في دول النصف الشمالي، بيد أنه يُقر بأن كثيرًا من الباحثين الذين يخوضون نفس التجربة التي مرت بها الباحثة المذكورة يرغبون في العودة إلى أوطانهم في مرحلةٍ ما "بعد أن يكونوا قد بنوا عددًا كبيرًا من شبكات العلاقات والاتصالات وضمنوا قدرا كبيرا من الموارد". ويضيف روكمانا أن عودة هؤلاء الباحثين بأقدام راسخة من شأنها أن تتيح فرصًا طيبة للأجيال الشابة في أوطانهم.

إلا أن بناء حياة مهنية في دولة أخرى لا يعني بالضرورة إهمال الوطن وتجاهله. يدرس روكمانا مشكلة التشرد في ميامي بولاية فلوريدا؛ لكنه يقول إن جاكرتا لم تغب قط عن ذهنه. وقد نشر الباحث 40 مقالًا وفصلًا في كتاب تناول في أجزاء منه تخطيط المدن الكبرى في البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط والتحديات التي تواجه عملية التخطيط الحضري في المدن الإندونيسية. كذلك فإن روكمانا أحد العناصر النشطة والفعالة في رابطة العلماء الإندونيسيين الدوليين؛ ويضطلع بين الحين والآخر بجهود تنسيقية مع وزارة البحث والتقنية الإندونيسية لإيجاد مشروعات تعاون محتمل بين الباحثين الإندونيسيين في الخارج وأقرانهم في وطنه الأم. وأخيرًا، يقول روكمانا: "هذا هو مكمن روعة الدور الذي ينهض به العلماء من أصحاب الجذور في دول الجنوب العالمي: إنهم يقومون بدور حلقة الوصل بين العالمين".

وأخيرًا وليس آخرا، يقول لاكسمانا إن افتقاد الباحثة صاحبة المشكلة لمذاق الطعام الذي تطهوه أمها في بيت العائلة أمر بالغ الأهمية؛ "فمشاعر الدفء العائلي هي الأهم بلا شك".

كلمة أخيرة ننصح بها الباحثين: عليكم أن تقرروا أي الخيارين يروق لكم بدرجة أكبر: هل تفضلون العودة إلى الوطن لقضاء الوقت مع عائلاتكم، كما فعل لاكسمانا وزيجيلا، أم تحبذون البقاء في الخارج واصطحاب أحبائكم معكم وخلق ذكريات جديدة في بلد جديد، كما فعل روكمانا، الذي يقول عن تجربته: "أشعر بامتنان بالغ لأنني قررت اصطحابهم معي".

هذه ترجمة المقال الإنجليزي المنشور بمجلة Nature بتاريخ 15 أبريل 2025.

doi:10.1038/nmiddleeast.2025.62