أخبار

الذكاء الاصطناعي يدخل ميدان البحث العلمي: الدليل الشامل لاختيار أداة الذكاء الاصطناعي المناسبة

نشرت بتاريخ 15 مايو 2025

باقة منوَّعة من أبرز أدوات الذكاء الاصطناعي التي لا غنى عنها لرفع جودة الأبحاث العلمية.

أماندا هايت

    تصميم: Pablo Caracol

عندما رأى محمد شافي أصدقاءه يجربون أدوات الذكاء الاصطناعي لأول مرة في أواخر عام 2022، لم ينجذب لها بادئ الأمر. بدا له، وهو طالب الدكتوراه في قسم الهندسة المدنية بالمعهد الهندي للتكنولوجيا في جواهاتي، أن الناس غالبًا ما يستخدمون منصات الذكاء الاصطناعي التوليدي، مثل «تشات جي بي تي» ChatGPT من شركة «أوبن إيه آي» OpenAI، بوصفها بديلًا لمحرك البحث «جوجل»، أو وسيلة مستحدثة لابتكار النوادر والفكاهات، أو لتسمية الحيوانات الأليفة. يقول: "تجربة هذه الأدوات كانت تحمل من المتعة الكثير حقًا، لكنني، بكل تأكيد، لم ألمس أي صلة لها بمقرراتي الدراسية أو أبحاثي".

سرعان ما تبدَّل رأي شافي عندما بدأ يلاحظ ظهور المزيد من أدوات الذكاء الاصطناعي المصممة خصيصًا لتلبية احتياجات الطلاب والعلماء. وأصبح الآن من مستخدمي الذكاء الاصطناعي بصفة يوميّة؛ إذ أنشأ سلسلةً متكاملة من المنصات المدعومة بالذكاء الاصطناعي، والتي تعمل معًا على نحو متناسق ومترابط بحيث تغذي إحداها الأخرى. بفضل هذه الأدوات، أصبح مطَّلعًا على أحدث الأبحاث أولًا بأول، بل وساعدَتْه على تبسيط الموضوعات المعقدة، وحل المشكلات التي تواجهه في تجاربه، وتنظيم كتابته وترتيب مراجعه العلمية، إضافةً إلى التعامل مع متطلبات الدراسة والبحث العلمي.

لذا، لا عجب أن تحوَّل رأي شافي في الذكاء الاصطناعي، إذ بات يرى أنه أحدث "ثورة في مجال البحث العلمي"؛ وهو شعور يبدو أن كثيرين يشاركونه إياه. تُظهر استطلاعات الرأي أن العديد من طلاب الجامعات والباحثين يستخدمون الذكاء الاصطناعي في أبحاثهم، وغالبًا ما يكون ذلك بصفة أسبوعية أو حتى يومية. وقد رأينا كيف أن الكثير من المؤسسات الأكاديمية والعاملين في مجال التدريس استقبلوا أدوات الذكاء الاصطناعي بادئ الأمر بشيء من الحيطة والتوجُّس، لكن يبدو أن البيئة الأكاديمية غدت أكثر استعدادًا للسماح للطلاب باستخدام الذكاء الاصطناعي، وإن كان ذلك بطرقٍ تخضع لضوابط رقابية. ومع أنه ليس ثمة ما يمنع شافي من العودة في أي وقت إلى الطريقة التي كان ينتهجها قبل ظهور الذكاء الاصطناعي، نجد أنه يقول: "من الصعب أن أتخيل أنني قد تساورني الرغبة يومًا في ذلك".

وفي هذا المقال، تتقصَّى دورية Nature كيف للأكاديميين والطلاب أن ينتفعوا بالذكاء الاصطناعي في تبسيط مختلف الجوانب المتعلقة بمسار البحث العلمي وتسريع وتيرته.

مراجعة الأدبيات واستعراض الدراسات السابقة

يقول دانيال ويلد، كبير الباحثين في محرك البحث الأكاديمي «سيمانتيك سكولار» Semantic Scholar، والمقيم في مدينة سياتل بولاية واشنطن الأمريكية، إن العديد من منصات الذكاء الاصطناعي الشهيرة قد "شهدت تطورًا مذهلًا" فيما يُعرف بالتعلُّم النشط؛ وهو أسلوب يحاكي طريقة تناول الإنسان للمسائل البحثية. وتقدم برامج مثل «جيميناي ديب ريسيرش» Gemini Deep Research من شركة «جوجل»، و«ديب ريسيرش» Deep Research من شركة «أوبن إيه آي» OpenAI، أقوى الأدوات في هذا الصدد، كما أن العديد من الشركات الأخرى قد بدأت في إطلاق منتجات مماثلة.

يستطيع الطلاب أن يُدخلوا الاستعلام، مدعومًا ببياناتهم أو مستنداتهم، ثم يتركوا الأمر لهذه النماذج المتقدمة لإجراء عمليات بحث متعمقة تستغرق ثلاثين دقيقة أو نحو ذلك. وقد يتضمن التقرير النهائي نصوصًا وأشكالًا توضيحية ورسومًا بيانية، مع الإشارة بدقَّة إلى جميع المصادر والمراجع المستخدَمة؛ فيما يُعدُّ تطورًا مذهلًا آخر مقارنةً بالإصدارات السابقة، على حد قول إيسا فولفورد، الباحثة الفنية في شركة «أوبن إيه آي» في سان فرانسيسكو بولاية كاليفورنيا، والتي ساهمت في تطوير أداة «ديب ريسيرش». وتضيف فولفورد: "ندرك تمامًا أن المصداقية أمر بالغ الأهمية، خصوصًا في مجال البحث العلمي، ونعتقد أن هذا النموذج هو الأفضل حتى الآن في تضمين الإشارات والإحالات المرجعية الصحيحة مقارنةً بأي نموذج آخر أصدرناه سابقًا".

وذكر تشاك داوننج، طالب الدكتوراه في قسم المحاسبة في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) في مدينة كامبريدج الأمريكية، أن أدوات البحث المتعمق هذه أفادته كثيرًا، لا سيما عند استكشاف موضوعات جديدة وغير مألوفة بالنسبة إليه. ففي أحد مشروعاته، استخدم داوننج أداة «ديب ريسيرش» المطورة لدى شركة «أوبن إيه آي» في إعداد تقرير يصنف فيه الأساليب المختلفة المستخدمة في تقليل الانبعاثات في المصانع. يقول: "لم أكن على دراية كبيرة بهذا الموضوع في البداية، لكنني تعلمت عنه الكثير حقًّا. ولذلك أصبحت الآن لا أنفك عن استخدام هذه الأدوات المتخصصة في البحث المتعمق. إنها أفضل من أي شيء استخدمته حتى الآن في البحث عن أوراق بحثية جيدة، وفي تقديم المعلومات بأسلوب يسهل عليَّ فهمه".

هناك برامج أخرى تتيح للطلاب التعمق بشكل أكبر في ورقة بحثية واحدة، أو في جملة من الأوراق. فعلى سبيل المثال، تقدم منصة الذكاء الاصطناعي «ساي-سبيس» SciSpace المخصصة للطلاب وظيفة «التحدث مع PDF» Chat with PDF. ويمكن للمستخدمين من خلالها رفع ورقة بحثية على المنصة وطرح أسئلة حول محتواها؛ وهي ميزة توفرها منصات أخرى مثل «كلود» Claude، و«نوتبوك إل إم» NotebookLM، و«بي دي إف دوت إيه آي» PDF.ai.

أما ديفيد تومكينز، طالب الدكتوراه في قسم التنمية البشرية بجامعة كورنيل في إيثاكا بولاية نيويورك، فقد ساعده هذا الأسلوب على مواكبة الكم المتزايد من الأدبيات العلمية. يذهب تومكينز غالبًا إلى اجتماعات نادي قراءة الأبحاث بعد أن يكون قد استعان بأداة «كلود» Claude لإنشاء ملخص لورقة بحثية مختارة، ثم يتابع ذلك بطرح أسئلة أكثر تحديدًا استنادًا إلى مناقشات المجموعة. يقول: "ما زلت مؤمنًا بأهمية قراءة الأبحاث بنفسي لاستيعابها تمامًا، إلا أن التحضير بات أسهل كثيرًا حين لا يكون لديَّ متسع من الوقت. أشعر أن تفاعلي مع المحتوى قد ازداد بطريقة ما من خلال هذه الأدوات وأصبح استيعابي له أكبر عن ذي قبل".

ماريا مرسيدس هينكابيه-أوتيرو
ماريا مرسيدس هينكابيه-أوتيرو
حقوق الصورة: Jayson J. Ricamara

وضع الفرضيات

يبدو كذلك أن الوقوف على ثغرات الأبحاث وربط الأفكار بعضها ببعض أصبحا أيسر بفضل قدرة الذكاء الاصطناعي على جمع خيوط المعلومات العديدة وربطها معًا؛ هذا على الرغم أن استطلاعًا حديثًا خلُص إلى أن الاعتماد المفرط على الذكاء الاصطناعي التوليدي قد يضعف مهارات التفكير النقدي لدى المرء. يقول ويلد، الذي يعمل أيضًا باحثًا في مجال الذكاء الاصطناعي في «معهد ألين للذكاء الاصطناعي» في سياتل، إن الطلب على الأدوات التي تساعد في توليد الأفكار كان كبيرًا لدرجة أنه هو وفريقه يعملون حاليًّا على تطوير منتجات لتوليد الفرضيات واكتشافها ومحاولة دمج الأفكار من أكثر من ورقة بحثية للخروج بشيء جديد. يقول: "اختبرنا تشغيل هذه المنتجات داخليًّا، لكننا نحاول التأكد من كفاءتها وفاعليتها"، مضيفًا أن فريق «معهد ألين» يأمل في إصدار هذه المنتجات وطرحها للجمهور خلال الأشهر القليلة المقبلة.

اتجه شافي إلى برامج مثل «ريسيرش رابيت» Research Rabbit أثناء إعداده رسالة الدكتوراه، التي تركز على كيفية انتقال جسيمات البلاستيك الدقيقة عبر التربة ومنها إلى المياه الجوفية. تأخذ أداة «ريسيرش رابيت» ورقة بحثية واحدة لتكون بمثابة «بذرة» أو «نواة» بحثية، ثم تولِّد شبكة مترابطة من الأبحاث ذات الصلة استنادًا إلى موضوع البحث أو مؤلِّفه أو منهجيته أو غير ذلك من سمات رئيسية. ويقول شافي إنه من خلال توجيه نتائجها إلى روبوت دردشة مثل «تشات جي بي تي»، "يمكن البحث في جميع الدراسات السابقة لاكتشاف أوجه الترابط الخفية أو التوصل إلى أفكار جديدة".

كما تثبت البرامج التي تعمل بالذكاء الاصطناعي قدرتها المتزايدة كأدوات تجريبية مساعدة. أنشأ تيتشو رين — عندما كان طالب دكتوراه في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا — برنامجًا يسمَّى اختصارًا «كريست» CRESt، وهو يجمع العديد من تقنيات الذكاء الاصطناعي في روبوت دردشة محسَّن (Z. Ren et al. Preprint at ChemRixiv https://doi.org/pdwv; 2023). يمكن للمستخدمين التحدث إلى «كريست» كما لو أنهم يتحدثون إلى زميل لهم، ويمكن للبرنامج مساعدتهم في تصميم التجارب وإجرائها من خلال استرجاع البيانات وتحليلها، وتشغيل الأجهزة وإيقافها باستخدام المفاتيح الرقمية، وتشغيل الأذرع الروبوتية، وتوثيق النتائج، وتنبيه العلماء عبر البريد الإلكتروني عند حدوث مشكلات أو عند انتهاء البروتوكولات. في ورقة عُرضت في مؤتمر أُقيم عام 2023، ساعد برنامج «كريست» الباحثين من خلال تحديد أولويات السبائك المرشحة لخلية وقود جديدة، واقتراح التجارب التي يمكن للفريق إجراؤها لاختبار هذه السبائك. يقول رين، الذي يعمل الآن في شركة ناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي تدعى «لابيج» Labig في مدينة كامبريدج بولاية ماساتشوستس الأمريكية: "أردت إنشاء أداة لا تتوقف عن مساعدتك حتى مع تغير احتياجاتك". وأضاف: "يمكن للذكاء الاصطناعي أن يحقق ذلك على نحوٍ لا يتيسَّر باستخدام الوثائق المكتوبة الثابتة".

لكن حتى في حالة الطلاب الذين لا تتوفر لديهم إمكانية الوصول إلى تطبيق متقدم مثل «كريست»، لا يزال في مقدور الذكاء الاصطناعي أن يكون بمثابة زميل مساعد. على سبيل المثال، يمكن لأداة «جيميناي ديب ريسيرش» إنشاء "خطة بحث مخصصة متعددة النقاط" ضمن ما توفره من مزايا أخرى، وذلك فضلًا عن موارد مثل «سايت» Scite و«إيليست» Elicit تعمل بمثابة أدوات بحثية مساعدة. يمكن للمستخدمين إعطاء هذه البرامج مجموعة من الأوراق البحثية أو فرضية عمل، على سبيل المثال، وطلب إعداد مجموعة من التجارب لاختبار النظرية.

يقول جوزيف فرنانديز، طالب دكتوراه في قسم الهندسة الطبية الحيوية في مركز «أنشوتس» Anschutz الطبي بجامعة كولورادو في مدينة أورورا الأمريكية، إنه لا يزال يستخدم «تشات جي بي تي» لمعظم الأغراض، بما في ذلك اكتشاف الأخطاء في تجاربه وإصلاحها. في السابق، ساعدَتْه هذه الأداة، وهي الأشهر من بين أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي، على محاولة إيجاد تفسيرات محتملة عندما كانت إحدى مقايساته تعطي قيمًا غير معتادة، وكذلك في حساب التخفيفات التسلسلية لتجنب هدر الكواشف باهظة الثمن. كما استخدم «تشات جي بي تي» ليكون بمثابة بديل للجنة مناقشة أطروحته البحثية، حيث وضع أسئلة محددة لاختبار أطروحته قبل خوض الامتحانات.

يقول فرنانديز: "أعتقد أن حدود الإبداع في هذا المجال هي حدود خيالك، وإن كانت بعض الاستخدامات أبسط من غيرها. الآن، إذا طرأت على ذهني فكرة أو مهمة ما، أتساءل عادةً عما إن كان في مقدور «تشات جي بي تي» أن يساعدني على أدائها."

تنظيم الإحصاءات البحثية بسهولة ويسر

تهدف برامج تحرير التعليمات البرمجية إلى تسهيل استخدام المبتدئين للتعليمات البرمجية في تنظيم البيانات، وإنشاء مسارات تحليل، وتشغيل الإحصاءات الوصفية، وإنشاء التصورات البيانية. ومن هذه البرامج، «كوبايلوت» Copilot على موقع «جِت-هَب» GitHub، و«أمازون كود-ويسبرر» Amazon CodeWhisperer (المعروف حاليًّا باسم «أمازون كيو ديفيلوبر» Amazon Q Developer)، و«كيرسور» Cursor على موقع «إنيسفير» Anysphere. يشير الباحثون إلى أن هذه الأدوات تفوقت أيضًا بدرجة كبيرة على مواقع إلكترونية مثل «جِت-هَب» و«ستاك إكستشينج» Stack Exchange بوصفهما المصدرين الرئيسيين اللذين يقصدهما المستخدمون لاستكشاف الأخطاء البرمجية وإصلاحها. فبدلًا من قضاء الساعات بحثًا عن إجابات، يمكن للمستخدمين ببساطة تحديد جزء من التعليمات البرمجية وإسناد مهمة إصلاحه إلى روبوت دردشة موجَّه، كما يقول داوننج.

يقول داوننج: "إذا فكرنا فيما يفعله طالب الدكتوراه في الأساس، سنجد أن كبرى المهام التي يؤديها تتمحور بشكل متزايد حول كتابة التعليمات البرمجية وتحليل البيانات، على الأقل فيما يتعلق بالمجالات الحاسوبية، ومن ثم فإن أي أداة تساعده في هذا الصدد يراها مفيدة مقارنةً بغيرها". ورغم أن داوننج كان يعتبر نفسه مبرمجًا جيدًا، فإنه يقول إن «كيرسور» — وهي أداة البرمجة المفضلة لديه — ساعدته في أن يصبح أفضل إذ أتاحت له أن يتخفَّف من الجوانب المملة في البرمجة، فسهَّلت عليه بذلك عملية استكشاف جوانب معينة في مجموعات البيانات. وبدلًا من قضاء جل وقته في إصلاح الأخطاء البرمجية (تنظيف الأكواد والنصوص البرمجية)، يقول: "أصبحت أوجِّه المزيد من الجهد إلى التعرف على البيانات الأساسية وفهمها على نحو أعمق، والتفاعل مع التعليمات البرمجية بطرق تساعدني في التعلم. وإذا تملكني الفضول تجاه شيء معين، فقد أصبح من السهل جدًّا إنشاء إحصاءات وصفية، أو حتى رسم بياني يوضح الفكرة."

وبالمثل، وجد تومكينز أن أدوات مثل «كلود» أصبحت ضرورية ولا غنى له عنها في كتابة التعليمات البرمجية اللازمة لإنشاء تصوراتٍ بيانية جذابة وتفاعلية. يقول تومكينز إن إنشاء رسم بياني جيد، ولا سيما إذا كان تفاعليًّا، قد يتطلب كتابة مئات الأسطر من الأكواد والتعليمات البرمجية، وهو ما كان يثنيه في الماضي عن الفكرة أو يجعله يتردد حيالها بسبب ما يتطلبه من جهد كبير. لكنه يقول: "بمجرد أن شرعت في استخدام «كلود»، أصبح في مقدوري أن أسند إليها كتابة تلك التعليمات البرمجية التي تصل إلى مئات الأسطر حرفيًّا". وقد ساعدته كثيرًا التصورات البيانية الناتجة في توصيل أفكاره للآخرين وفهم أبحاثه، حيث تصف هذه التصورات البيانية كيف يمكن لتغييرات بسيطة في طريقة عرض المعلومات أن تعزز من تفاعل الناس معها واستجابتهم لها.

ولكنه يضيف أنه لا يزال يكتب الأكواد والتعليمات البرمجية الخاصة بالتحليلات الإحصائية بنفسه، قائلًا: "أرغب في التأكد من فهمي التام لكل ما أضمِّنه تقاريري، وأنني أستطيع إثباته والدفاع عنه عند تقديم ورقة بحثية للنشر".

تركز برامج الذكاء الاصطناعي هذه على إنشاء أكواد وتعليمات برمجية جديدة، لكن جوراف راجتاه، مؤسس منصة «كاتالايز-إكس» CatalyzeX، رأى فرصة مختلفة تتمثل في إعادة استخدام الأكواد الموجودة. فعلى سبيل المثال، إذا كان الباحثون يكتبون مسار تحليل جديدًا لكل تجربة يجرونها، فقد يصعِّب ذلك على الآخرين إعادة إنتاج أبحاثهم، خصوصًا إذا كان توثيق البرامج ضعيفًا أو إذا توقف المبرمِج عن تحديث الأكواد. وبدلًا من ذلك، أراد راجتاه، المقيم في سان فرانسيسكو، أن يسهِّل على الباحثين تحديد موقع التعليمات البرمجية المنشورة من قِبل آخرين ومشاركتها. تستخدم «كاتالايز-إكس» منصة ويب وإضافات متصفح لتمييز التعليمات البرمجية مفتوحة المصدر التي يشاركها الباحثون في أوراق بحثية منشورة على مواقع إلكترونية مثل «جوجل سكولار» Google Scholar، و«بَب-مِد» PubMed، كما يمكن للباحثين البحث عن التعليمات البرمجية عبر المنصة باستخدام كلمات مفتاحية. على سبيل المثال، يمكن لشخص مهتم باستخدام تقنيات تعلم الآلة في المساعدة على اكتشاف السرطان أن يبحث من خلال المنصة عن مسار معالجة بيانات معدَّل يمكنه المساعدة في التعامل مع مشكلة صغر حجم العينات المتضمنة غالبًا في البيانات المتاحة للجمهور.

يقول راجتاه: "مع أن بعض برامج إنشاء التعليمات البرمجية هذه تتوفَّر على إمكانات مذهلة، فإننا غير ملزَمين بإعادة اختراع العجلة في كل مرة، عندما تكون لدينا أمثلة رائعة لما تحاول القيام به. البرامج مفتوحة المصدر تجعل الناس غير مضطرين إلى البدء من نقطة الصفر، وتوفر لهم أساسًا يمكنهم البناء عليه وتطويره، وفي الوقت نفسه تسهل من مقارنة الأبحاث ومراجعتها بين الباحثين."

أنشأ الباحث تيتشو رين نظامًا لإجراء التجارب يعتمد على الذكاء الاصطناعي وأسماه «كريست».
أنشأ الباحث تيتشو رين نظامًا لإجراء التجارب يعتمد على الذكاء الاصطناعي وأسماه «كريست».
حقوق الصورة: Jason Sparapani/MIT Department of Materials Science and Engineering

تحسين جودة الكتابة العلمية

كانت الاستخدامات الأولى والأبرز لروبوتات الدردشة تتمثل في كونها أدواتٍ للكتابة، ولا يزال إنشاء النصوص من أهم المهام التي تؤديها هذه البرامج. ومع ذلك، قد تواجه تقنيات الذكاء الاصطناعي العامة صعوبةً أحيانًا في التعامل مع تفاصيل الكتابة العلمية وتعقيداتها. ولهذا السبب يلجأ المطورون إلى إنشاء منصات تهدف بشكل مباشر إلى تلبية الاحتياجات الخاصة للباحثين والطلاب في التخصصات العلمية والتقنية والطبية.

هناك أدوات مثل «بيبربال» Paperpal، و«ثيسيفاي» Thesify تتحقق من مسوَّدات الأبحاث الأكاديمية في ضوء المبادئ التوجيهية المتعلقة بتقديم الأبحاث للنشر في المجلات العلمية، على سبيل المثال، وتقدم قوالب للمقترحات البحثية، ومراجعات الدراسات السابقة، والملخصات، والأطروحات والمقالات. كما تعلن «ساي-سبيس» — بالإضافة إلى منصاتٍ أخرى مثل «كورال إيه آي» Coral AI، و«كويلبوت» Quillbot، و«ويسبر» Whisper من شركة «أوبن إيه آي» — عن إمكانات ترجمة تشمل عشرات اللغات؛ وهي أداة مفيدة استعان بها باحثون مثل ماريا مرسيدس هينكابيه-أوتيرو، طالبة الدكتوراه في بيولوجيا الخلية بجامعة هلسِنكي في فنلندا، التي تتحدث الإسبانية بحكم نشأتها في كولومبيا.

تستخدم هينكابيه-أوتيرو الذكاء الاصطناعي كثيرًا للتحقق من صحة الكتابة وانسيابيتها وسلامة الأسلوب. وقد استخدمت «تشات جي بي تي» ضمن برامج أخرى، لصياغة رسائل بريد إلكتروني غير رسمية ولتقديم طلبات ناجحة للحصول على فرص عمل. تقول: "هناك عبء كبير بالفعل يقع على عاتق العلماء الذين يتحدثون الإنجليزية كلغة ثانية مقارنةً بغيرهم"، مضيفةً أنها شعرت في بعض الأحيان بعدم الثقة في قدرتها على شرح الموضوعات العلمية المعقدة عند الكتابة باللغة الإنجليزية. وتقول: "الذكاء الاصطناعي يُعد بديلًا رائعًا عندما أرغب في استعراض أفكاري أو أبحاثي المكتوبة مع شخص آخر، ولكن لا أجد أحدًا متاحًا، كما أنه يمنحني شعورًا عامًا براحة البال يجعلني أركز على أمور أخرى أهم".

فتح أبواب الوصول إلى المعارف التي تُنتجها المؤسسات يُعتبر أحد العوامل التي حَدَت بمارك-أوليفر جيفالتِج، وهو عالِم أعصاب سابق، إلى المشارَكة في تأسيس شركة «ثيسيفاي» السويسرية في عام 2024 لتكون منصة متعددة الاستخدامات للطلاب. يقول جيفالتِج: "من حسن حظي أنني تعاملتُ مع مُشرف يبدي اهتمامًا شديدًا بكل شيء، ويقرؤه بعناية ويزودنا بملاحظاته. ولكن ليس هذا هو الحال دائمًا، وقد أصبح لديَّ الآن منظور إضافيّ يجعلني أدرك حجم الصعوبة التي تواجه أعضاء هيئة التدريس في إيجاد الوقت الكافي لنقل كل معرفتهم إلى الطلاب. ولحسن الحظ، يمكننا تخفيف هذا العبء على كلا الطرفين باستخدام الذكاء الاصطناعي."

بالإضافة إلى ما تقدّمه «ثيسيفاي» من ملاحظات على الأوراق البحثية والأطروحات، فإنها تُعد واحدة من المنصات القليلة التي تركز على تدريب الطلاب في مجال أساسي آخر لا غنى لهم عنه، وهو كتابة أطروحات المِنَح الدراسية. يقول جيفالتِج إن هذه الأطروحات نادرًا ما تكون موجودة في بيانات تدريب الذكاء الاصطناعي، إلا أن تعلُّم كيفية كتابتها وتنظيمها يُعد مهارة ضرورية عادةً ما تستغرق سنوات لتنميتها. وبالمثل، تساعد خاصية «كونفرنس فايندر» conference finder، وخاصية «جورنال فايندر» journal finder في المنصة الطلاب على تحديد الاجتماعات والمنشورات التي يرجَّح قبول أبحاثهم فيها.

يقول جيفالتِج: "الهدف من هذه الأداة، الذي هو في واقع الأمر هدف العديد من هذه المنصات، هو زيادة الكفاءة والإنتاجية، ولكن قد تختلف دلالات ذلك في المجال العلمي". وهو يشير بذلك إلى أن جزءًا لا يُستهان به من النجاح في الأوساط الأكاديمية يعتمد على الخبرة والتوجيه الجيد. ويضيف: "لا يزال أمامنا طريق طويلة لنقطعها في سبيل إنشاء ما يشبه الذكاء العام بحقّ، وإن كانت لدينا الآن الإمكانات اللازمة لإتاحة المعلومات على نطاق أوسع للجميع".

أماندا هايت: صحفية ومحررة علمية حائزة على جوائز، تغطي موضوعات عدة في علوم الحياة وعلم البيئة والذكاء الاصطناعي والبيولوجيا الخلوية والبيولوجيا الجزيئية. كما تغطي قضايا تخص العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات وتاريخ العلوم.

عملت سابقًا محررةً مساعدة للمحتوى الرقمي والمطبوع في مجلة «ذا ساينتيست» The Scientist لعلوم الحياة. حصلت على درجة الماجستير في التوعية العلمية من جامعة كاليفورنيا في سانتا كروز عام 2020، وماجستير في العلوم البحرية من «مختبرات موس لاندرينج البحرية» Moss Landing Marine Laboratories عام 2019. وهي عضوة في مجلس إدارة «الرابطة الوطنية للكتاب العلميين» The National Association of Science Writers منذ عام 2022. وتقيم حاليًّا في مدينة موآب بولاية يوتا الأمريكية.

* هذه ترجمة المقال الإنجليزي المنشور بمجلة Nature بتاريخ 7 أبريل 2025.

 

doi:10.1038/nmiddleeast.2025.61