أخبار

علماء شقوا مسارات مهنية غير تقليدية

نشرت بتاريخ 14 مايو 2025

هؤلاء العلماء السبعة هربوا من حياة المدن الكبرى بعد حصولهم على الدكتوراه. إليكم قصة نجاحهم.

كاتي إل بيرك

آنا أورتيجا تتعقب صغار غزلان في غرب وايومنج في إطار أنشطة شركتها الاستشارية، التي من بين أسباب تأسيسها أن تكون قريبةً من أسرتها.
آنا أورتيجا تتعقب صغار غزلان في غرب وايومنج في إطار أنشطة شركتها الاستشارية، التي من بين أسباب تأسيسها أن تكون قريبةً من أسرتها.
حقوق نشر الصورة: Benjamin Kruahshar

في أرخبيل ريشِرشيه الوعر غير المأهول قبالة سواحل غرب أستراليا، تسنح لعالِمة البيئة البحرية جينيفر ليفرز فرصة حصرية ومباشرة لمراقبة الحياة البرية التي تدرسها؛ إذ تعيش في نقطة قريبة منها. وعلى بُعد مسيرة سبع ساعات بالسيارة من أقرب مدينة مجاورة، وهي مدينة بيرث، أسست عام 2022 في قرية «إسبرانس» الصغيرة، أو «كيبا كيرل»، على سواحل جنوب غرب أستراليا، فريقًا بحثيًا ناجحًا ومتخصصًا في إيكولوجيا الأحياء البحرية. وبصفتها باحثة تدرس تأثير التلوث بالمواد البلاستيكية في الطيور البحرية والشبكات الغذائية البحرية، تجد في هذا المكان المعزول وسيلة للتواصل عن كثب مع الطبيعة. وقد استغلت هذا القرب في تعاونها مع مجتمعاتِ السكان الأصليين المحلية. فتقول عن منزلها: "تغرِّد الطيور نهارًا، وتصدر الضفادع نقيقها ليلًا، بينما تتولى حيوانات الكنغر جزّ عشب حديقتنا بالنيابة عنا. يوفر لي هذا المكان الحياة الهادئة التي أسعى إليها دائمًا، كما يمنحني الفرصة للاندماج بقوة في مجتمعات السكان الأصليين."

سلكت ليفرز مسارًا مهنيًّا فريدًا وغير معتاد؛ إذ كان عليها التفكير بأسلوب مُبتكَر لبناء حياتها مع ممارسة العمل الذي تبتغيه. فعادةً ما ينتقل الأكاديميون إلى العمل في مؤسساتٍ بحثية في المدن مع ترقيهم في مسيرتهم المهنية (E. Yan et al. Quant. Sci. Stud.1, 1451-1476; 2020). ومعظم النصائح المهنية التي يتلقاها طلاب الدكتوراه تنزع إلى تفضيل العمل في المناطق الحضرية أو الضواحي؛ لأن معظم مرشديهم يكونون قد اختاروا لأنفسهم هذا المسار الوظيفي وسلكوه بالفعل. لكن بعض الحاصلين على الدكتوراه يرغبون في العيش في أماكن بعيدة عن مراكز الأبحاث أو المدن الجامعية.

وفي سوق العمل الأكاديمي الذي تتناقص فيه الوظائف المستقرة، يسلك المزيد من حاملي الدكتوراه في مجال العلوم مساراتهم الخاصة في الأماكن التي يرغبون في العيش فيها، سواء كان ذلك من خلال تأسيس شركة تجارية أو منظمة غير ربحية أو ممارسة العمل عن بُعد. لكن تحقيق ذلك ليس دائمًا بالسهل. فمن الممكن أن تعاني المدن الصغيرة والمناطق الريفية من قلة الموارد مقارنةً بالمدن، ما قد يجعل العلماء يعيشون في عزلة، يفتقرون فيها إلى التوجيه والإرشاد. ومع ذلك، فإن المزايا التي توفرها هذه المجتمعات من مرونة ومساندة مجتمعية واستقلالية تجعل الأمر يستحق العناء، وفقًا لرواد هذا الدرب وأوائل مَن سلكوا هذا المسار غير التقليدي.

وبين من التقى بهم فريقُ قسم «حديث المهن» في دورية Nature، كان السبب الأكثر شيوعًا لاختيار العيش في مثل هذه الأماكن هو الرغبة في الوجود بالقرب من العائلة؛ إذ يقع على عاتق الكثيرين مسؤولية رعاية أطفال أو أفراد أسرة. كذلك أولى الكثيرون ممن أجرت الدورية مقابلات معهم أهمية كبيرة للإحساس بالانتماء، والعيش بالقرب من الطبيعة، وللفوائد التي تعود على الصحة النفسية من الاستقلالية والمساندة المجتمعية. وأراد البعضُ أن يروا بأعينهم تأثير مهاراتهم وما تعود به من نفعٍ على المجتمع الذي نشأوا فيه، أو آثروا - كما في حال ليفرز- العيش لفترةٍ طويلة بالقرب من مواقع البحث الميداني.

فتقول كارين كيلسكي، وهي مدربة مهنية ومؤسِّسة شركة «ذا بروفيسور إز إن» الاستشارية The Professor Is In: "أنصح الحاصلين على الدكتوراه ممن تقيّدهم الحدود الجغرافية بالتحلي بأفق واسعٍ لدى التفكير فيما يمكنهم الإسهام به". وتضيف: "لقد أصبح عدم عمل المرء خارج الأوساط الأكاديمية أكثر شيوعًا في الوقت الحالي." وجدير بالذكر أن كيلسكي أسست شركتها الخاصة بعد أن تركت وظيفتها الأكاديمية الدائمة، إذ احتاجت للبقاء في يوجين بولاية أوريجون؛ لأنها كانت تتقاسم حضانة أطفالها مع زوجها السابق. وتقول عن ذلك: "أتمنى لو أن مزيدًا من الأكاديميين يتمتعون بروح ريادة الأعمال"، في إشارةٍ واضحة إلى أن هذه الخطوة كانت مُرضية جدًّا بالنسبة إليها.

رايلي ديبنر تعمل على مشروع رسوم متحركة في إستوديو «إيكوسيستم فيلمز» الخاص بها.
رايلي ديبنر تعمل على مشروع رسوم متحركة في إستوديو «إيكوسيستم فيلمز» الخاص بها.
حقوق نشر الصورة: Gregory Nickerson.

خوض غمار العمل الحر وتأسيس الشركات الناشئة

بالنسبة إلى العلماء الحاصلين على الدكتوراه ممن يعيشون خارج مراكز الأبحاث الرئيسية ويرغبون في مواصلة تقديم الإسهامات باستثمار خبراتهم، فإن أحد السبل المحتملة لذلك، والتي اتفق كثيرون على إمكان سلكها هي بدء مشروع خاص، سواءٌ من خلال تأسيس شركة استشارية أو العمل الحر. على سبيل المثال، أسَّست عالِمة البيئة رايلي ديبنر إستوديو للرسوم المتحركة العلمية والتعليق الصوتي أسمته «إيكوسيستم فيلمز» Ecosystem Films في مدينة لارامي بولاية وايومنج الأمريكية. وتقول في ذلك الصدد: "عندما أسَّستُ عملي الخاص، اكتشفتُ أن معرفتي عن ريادة الأعمال تفوق حدود تصوُّري، وذلك ببساطة لأنني كنت على دراية بالكيفية التي سأشق بها طريقي على الساحة الأكاديمية." وتضيف ديبنر أنها وجدت أن "الكثير من المهارات البحثية يمكن تطبيقها ]في ريادة الأعمال[". على سبيل المثال، يعرف الأكاديميون كيفية البحث عن التمويلات وإعداد طلبات الحصول عليها. كما أنهم على دراية بكيفية اختبار جدوى الأفكار، وتعلُّم مهاراتٍ جديدة بسرعة، وتنظيم مشاريع طموحة طويلة الأمد. وتتابع ديبنر قائلة: "أفهم معنى الشعور بعدم الراحة وأعرفُ كيف أتجاوز تحديات العمل. كما أن لديَّ المعرفة والموارد وشبكات علاقات بأشخاصٍ يمكنني الاستفادة من خبراتهم."

يُعَدُّ بناء العلاقات مهمًا لتأسيس المرء لعمله الخاص. يقول رواد أعمال إنَّ أول عملٍ حر أُوكل لهم جاء عادةً من جهة زملائهم. فيقول عالِم الاجتماع والكاتِب لويس ألكسيس رودريجيز-كروز، الذي يدير شركة للكتابة العلمية والبحث من مسقط رأسه في خوانا دياز في بورتوريكو: "وسَّعت شبكات التضامن والثقة والصداقة من نطاق الفرص التي أستثمرها لبناء حياةٍ ومنزل." وعلى الرغم من أن بعضًا ممن التقت بهم دورية Nature قد بدأوا العمل في مجال الاستشارات بدوامٍ جزئي قبل ترك العمل بدوام كامل، فإن الكثيرين اعتمدوا على دخل شريكهم أو عاشوا مع عائلاتهم أثناء إطلاق أعمالهم الخاصة.

ويُذكر هنا أن بعض أصحاب الأعمال لا ينزعون إلى العمل بمفردهم، بل يفضلون خوض تحالفات لبناء شركات أكبر. على سبيل المثال، أسَّست آنا أورتيجا، الشريكة المؤسِّسة والباحثة الرئيسية في «ويسترن وايلد لايف ريسيرش كوليكتيف» Western Wildlife Research Collective مشروعها الخاص لأنها لم تجد ما يناسبها في جميع المسارات التقليدية لحاملي الدكتوراه في علم الأحياء البرية. كما أنها أرادت العودة إلى موطنها في دورانجو بولاية كولورادو لتربية أطفالها وتنشئتهم بالقرب من أجدادهم. تقول أورتيجا: "لم أرغب في العمل لدى الحكومة الفيدرالية، ولا لدى وكالة حكومية، ولا في البيئة الأكاديمية". وأضافت: "في الوقت نفسه، كنت أرغب في الإسهام في تقدُّم العلم". والآن، تقدِّم هي واثنان من أعضاء فريقها أعمالًا استشارية في مجال تحليل بيانات الحياة البرية لصالح مختبرات أكاديمية ووكالات حكومية وفيدرالية، بالإضافة إلى منظمات غير ربحية مَعنية بالحفاظ على البيئة.

يتعيَّن على أصحاب الأعمال التجارية أمثال أورتيجا التعامل مع العبء الإداري واللوجستي المرتبط بتأسيس الشركات الصغيرة. ويمكن الاستعانة بمصادر خارجية للاضطلاع بهذه المهام بمجرد انطلاق النشاط، ولكن في البداية عادةً ما يتوجَّب على صاحب العمل التعامل مع الأوراق الرسمية ذات الصلة بالشؤون المالية وشؤون الموظفين. وقد اطلعت أورتيجا على قراءاتٍ واسعة حول إدارة الأعمال أثناء إنهائها لرسالة الدكتوراه وتأسيس شركتها الخاصة.

ويرى مارك كرين، الذي يقسِّم وقته بين بلدةٍ صغيرة على أطراف منطقة كوتسوولدز في المملكة المتحدة وبين جبال جنوب إسبانيا، أنَّ فرصة الاستعانة بمصادر خارجية لأداء هذا العمل تتيح ميزةٌ كبرى. عندما أسَّس شركته في مجال علم السموم الزراعية، «دبليو سي إيه إنفايرونمنت» WCA Environment، في فارينجدون بالمملكة المتحدة عام 2005، كان فريقه بالكامل يعمل عن بُعد، أي أنه استطاع توظيف من كان ينشدهم من أصحاب المهارات والكفاءات، لأنه كان قادرًا على دفع رواتب جيدة إلى اختصاصيين لمزاولة العمل من المنزل. يقول كرين: "كنا نفوز بالعطاءات لأننا نقدِّم أقل تكلفة. ولم نتكبد أيُّ نفقاتٍ عامة تقريبًا". ويتابع قائلًا: "كنا نستعين بمصادر خارجية حسب الحاجة في كل المهام التي لا تتطلب خبرة علمية." وأتاحت له هذه الاستراتيجية، التي تقوم على استقطاب أفضل الكفاءات وتقليل النفقات العامة، القدرة على المنافسة مع شركاتٍ أكبر كثيرًا. وفي عام 2012، باعَ كرين الشركة لموظفيه، مما وفَّر له التمويل اللازم لتطوير مشروعه التالي (مزرعة لوز مُستدامة في إسبانيا)، والفرصة لمساعدة زوجته في إدارة شركتها في مجال الاستشارات البيئية.

لكن يتعيَّن على العلماء الحاصلين على الدكتوراه والعاملين لحسابهم الخاص بمنأى عن مراكز الأبحاث أن يتجنبوا الانعزال عن المجتمع الأكاديمي. فتقول أورتيجا إن تأسيس عمل تجاري مع صديقة لها قد ساعدها على الشعور بالارتباط بهذا المجتمع، حيث يتواصلان أسبوعيًّا حول مشاريعهما المشتركة. كما أنها تواظب على حضور مؤتمرات للالتقاء بزملائها، ولدى شركتها اشتراكاتٌ في دوريات علمية بارزة للبقاء على اطلاعٍ دائم بأحدث الأدبيات البحثية.

تأسيس المنظمات غير الربحية

يمكن للعلماء الذين يجرون أبحاثًا ذات رسالة محددة وذات نفقاتٍ عامة منخفضة تأسيسُ منظمة غير ربحية. ومن هؤلاء، جينيفر ليفرز، التي قررت أن تبدأ مشروعها الخاص بعد أن وجدت نفسها في موقف صعب للغاية في مكان عملها بعد عشر سنواتٍ ناجحة من العمل في الدوائر الأكاديمية. وبالفعل أسَّست مجموعة «أدريفت لاب» Adrift Lab، وهي مجموعة بحثية تركِّز على دراسة الطيور البحرية والتلوث بالمواد البلاستيكية في البيئات البحرية، وتتعاون مع علماء آخرين في جميع أنحاء العالم. أسَّست ليفرز هذه المجموعة البحثية قبل أربع سنواتٍ من تركها وظيفتها في جامعة تسمانيا في مدينة هوبارت الأسترالية، ليتسنى لها الانتقال إلى قرية إسبرانس دون عرقلة عملية جمع البيانات التي كانت قد بدأتها منذ أمدٍ طويل.

وعن هذا، تقول: "العزلة في برج عاجي تجعلك تعتقد أن السبيل الوحيد لإجراء أبحاث حقيقية هو الانضمام إلى الأوساط الأكاديمية، لكن نموذجنا يبرهن بوضوح أن ذلك ليس بالضرورة شرطًا". فعلى مدى ست سنواتٍ أشرفت ليفرز واثنان من زملائها المشرفين على تخرج تسعة من طلاب الماجستير وأربعة من طلاب الدكتوراه بالتعاون مع جامعة تسمانيا، حيث يشغل أحد زملائها وظيفةً بدوام كامل. وتتجلى مزايا نموذجهم في إنجازات طلابهم، حيث تقول ليفرز: "معظم طلاب الدكتوراه لدينا يتخرجون وقد صدر لهم ما يتراوح بين خمسة وسبعة منشوراتٍ بحثية كمؤلِّفين رئيسيين". بالإضافة إلى ذلك، تشغل ليفرز عدة وظائف بدوامٍ جزئي تسمح لها بالاستمرار في الانخراط في الأنشطة الأكاديمية.

والتفكير خارج الصندوق للحصول على التمويل أساسي، كما تقول ليفرز. فقد وجدت هي وزملاؤها أن الحصول على التمويل بالطرق المعتادة، مثل المنح من جهات التمويل الوطنية، يكون أصعب في حال الباحث الرئيسي الذي لا ينتمي إلى مؤسسة أكاديمية تقليدية. فتقول: "لقد نجونا بفضل كرم وسخاء اثنَين من الجهات الخيرية". وتضيف: "لدينا اليوم مجموعاتُ بياناتٍ تمتد لعشرين عامًا، من بينها مجموعة البياناتٍ التي تغطي الفترة الأطول على الإطلاق عن ابتلاع المواد البلاستيكية في نصف الكرة الجنوبي. ومع ذلك، لم ننجح قط في الحصول على تمويلٍ من حكومة فيدرالية أو حكومة ولاية."

وترى ليفرز أنَّ علاقتها مع المتبرعين لصالح مختبرها كانت من المكاسب غير المتوقعة لهذا النموذج غير الربحي. فقد رافقها أصحابُ الجهات الخيرية في رحلات ميدانية، وتعرفوا على الطلاب، بل وشاركوا في جمع البيانات. وتشير إلى هذا التعاوُن قائلة: "تلك العلاقات أصبحت دائمة ووثيقة على نحو لن تجده أبدًا مع أي إدارة حكومية. إنها تؤسس لروح فريق مجتمعي داخل المختبر. والممولون يجنون فوائد من هذا النموذج بقدر ما نجني نحن". كما أن هذا النموذج التمويلي يوفر على ليفرز وقتًا ثمينًا. تقول ليفرز: "لا أقضي أسابيع كلَّ عام في كتابة تقارير مطوَّلة لإرسالها إلى الحكومة. بل أوجِّه هذه الطاقة بدلًا من ذلك إلى كتابة الأوراق البحثية ومساعدة طلابي والاضطلاع بكل الأمور المهمة حقًّا".

يشهد مجال دراسة تلوث البيئات البحرية تطورًا بخطى سريعة، وفي مقدور ليفرز مواكبته سريعًا لمتابعة القضايا الناشئة على نحو لا تتيحه المنظومات الحكومية والجامعية. كما أنها لا تضطر إلى مواءمة أبحاثها وفقًا لأولويات قسم أو مؤسسة بحثية، مما يمنحها الحرية لدراسة قضايا تندرج تحت تخصصات متعددة وفقًا لرؤيتها الخاصة.

وتشير ليفرز إلى أنه كان من الأسهل عليها تأسيسُ مختبرٍ مستقل؛ لأنها كانت على دراية مسبقة بآلية إدارة المختبرات التقليدية. كما أنها على إلمام بسير العمل في مجال اختصاصها والمطلوب لضمان استمرارية العمل الميداني وتشغيل المختبر. وتقر بأنه لولا هذه الخبرة لكان الأمر أصعب كثيرًا.

وجدير بالذكر أن البقعة المعزولة التي تعيش فيها ليفرز ليست مكانًا مناسبًا للجميع. فحسبما تقول: "أقرب مستشفى رئيسي يبعد سبع ساعاتٍ عنا. ولا يقع في هذه المنطقة إلا مطار صغير جدًّا. ولا توجد مراكز تسوق كبيرة أو متاجر ملابس أو أي شيءٍ من هذا القبيل". ولكنها ترى أن الميزة الكبرى أنها تعيش حياةً هادئة وآمنة بين أحضان الطبيعة.

وقد جدت ليفرز أن بناء مختبر «أدريفت لاب» ساعدها على التعافي من تجربة عملٍ عصيبة ومن الصدمة الناجمة عن ترك وظيفتها الأكاديمية. ما توضحه قائلة" جزء مما ساعد في شفائي هو أنني ظللت قادرة على المشاركة في الجوانب العلمية التي أحبها".

أسَّست جينيفر ليفرز وزملاؤها مجموعةً بحثية مستقلة باسم «أدريفت لاب» لدراسة تأثير التلوث بالمواد البلاستيكية في البيئة البحرية وطيورها.
أسَّست جينيفر ليفرز وزملاؤها مجموعةً بحثية مستقلة باسم «أدريفت لاب» لدراسة تأثير التلوث بالمواد البلاستيكية في البيئة البحرية وطيورها.
حقوق نشر الصورة: Blue The Film/Northern Pictures.

البحث عن عمل عن بُعد

بالنسبة إلى مَنْ لا يرغبون في تأسيس شركة أو بناء عمل مستقل، يمكنهم البحث عن عملٍ عن بُعد كخيارٍ آخر. تعيش ميجان رايدن في ستاركفيل بولاية مسيسيبي، وتعمل باحثةً في مجال دراسة إحصاءات تجارب المستخدمين للمواقع الإلكترونية والمنتجات الرقمية لدى شركة «فيجت» Viget؛ وهي شركة متخصصة في تصميم هذه المنتجات والمواقع، يقع مقرها الرئيسي في فولز تشيرش بولاية فيرجينيا الأمريكية. ويتضمن عملها اليومي مساعدة العملاء في جمع وتحليل بيانات استخدام المواقع الإلكترونية. إذ لم ترغب في نوع العمل الأكاديمي الذي ينتهي إليه المطاف بمعظم الحاصلين على درجة الدكتوراه في العلوم المعرفية. فمهام تحليل البيانات، التي كانت تستمتع بها وهي طالبة، لم تكن لتصبح جزءًا من عملها اليومي إنْ سلكت السلم الوظيفي الأكاديمي التقليدي.

ومن ثَمَّ، بحثت عن وظيفة في مجال تحليل البيانات بدلًا من ذلك. كانت دراسة تجارب المستخدمين للمواقع الإلكترونية والمنتجات الرقمية مجالًا متخصصًا يمكنها من خلاله استخدام خبرتها في أبحاث علوم البيانات وفي الأبحاث التي تتضمن مشاركين من الأشخاص. يتضمن تحليل ودراسة تجارب المستخدمين طرح أسئلة حول الطريقة المثلى لجمع البيانات التي يحتاجها العميل، بالإضافة إلى تحليل الأرقام الفعلية؛ وهي مهامٌ تستمتع رايدن بتأديتها.

أكبر تحدٍّ واجهته رايدن هو التعامل مع أشخاص لديهم تصوراتٌ نمطية خاطئة عن الحاصلين على درجة الدكتوراه. فكان عليها أن تظهر وتبرهن على قدراتها، التي من بينها على سبيل المثال التواصل الفعال للإبلاغ عن النتائج، والتكيُّف بسرعة مع أنماط العمل الجديدة، وحل المشكلات، وتقبّل الملاحظات والتعامل معها على نحو بنًّاء. فتقول حول ذلك: " في المجال الصناعي، هناك افتراضٌ عام بأن المرء لا يمكنه أداء عمله بالمستوى المطلوب إن كان يفتقر إلى الخبرة."

تعلَّمت رايدن كيفية عرض مهاراتها على الأشخاص العاملين في مجال الصناعة، مستفيدةً من نصائح غيرها من حاملي الدكتوراه الذين سلكوا مثلها مسارًا وظيفيًا مغايرًا، ما توضحه بقولها: "كان عليَّ أن أروج لنفسي كباحثةً لديها القدرة على حل المشكلات وتتمتع بمهاراتٍ في تحليل البيانات، وعندئذٍ بدأتُ ألاقي ردود أفعال واستجاباتٍ أفضل على طلبات التوظيف التي أرسلتها."

تُوصي رايدن طلاب الدكتوراه الذين يفكِّرون في تحقيق نقلة وظيفية مماثلة بالبحث عن تدريب خلال فترة الصيف أو تدريب قصير الأمد في مجال الصناعة حتى يتمكَّنوا من التعرف على ثقافة العمل الخاصة بالمجال. فهذا لن يساعدهم فقط على تعلُّم اللغة المناسبة التي يخاطبون بها جهات العمل عند التقدُّم بطلباتٍ لشغل هذه الوظائف، بل سيمكنهم أيضًا من بناء فهم أفضل للحكم على مدى ملاءمة هذا المجال لهم من عدمه.

إن لم تجد مقومات النجاح لأبحاثك اصنعها بنفسك

تشهد ظروف العمل في مؤسسات التعليم العالي في الولايات المتحدة وكندا وأستراليا والمملكة المتحدة والعديد من الأماكن الأخرى تدهورًا متزايدًا بسبب الضغوط المالية في الأغلب. وترى كيلسكي تداعياتِ ذلك يوميًّا في عملها. وتقول: "من الصعب جدًّا على الأشخاص الذين لم يكونوا في المؤسسات الأكاديمية أن يستوعبوا مدى التدهور والتردي الشديد الذي آلت إليه ظروف العمل هناك". تدير كيلسكي صفحة على فيسبوك تسمى «ذا بروفيسور إز أوت» The Professor Is Out مخصَّصة للأكاديميين الذين يرغبون في ترك العمل بالمؤسسات الأكاديمية. كانت تعتقد أول الأمر أن هذه الصفحة ستساعد الأكاديميين من غير ذوي المناصب الدائمة على مشاركة وإسداء نصائح مهنية. لكنها تفاجأت بوصول عدد الأعضاء إلى 35 ألف عضو، وتقول: "ما لم أتوقعه حقًّا هو أن العديد من الأعضاء هم من أصحاب المناصب الأكاديمية الدائمة. وهؤلاء يتركون العمل الأكاديمي بأعداد كبيرة."

الباحثون ممن اصطدموا في السابق بهذا التدهور في مؤسسات التعليم العالي يقدِّمون بالأخص تحذيراتٍ ودروسًا في التحلي بالمرونة لأولئك الذين يعيشون حاليًّا حالةً من التردد والتخبط في مشوارهم المهني. على سبيل المثال، تسبَّبت إجراءاتُ التقشف والكوارث الطبيعية والتحولات الديموجرافية في بورتوريكو في أزمة تمويل، مما جعل الوظائف الأكاديمية هناك غير مستقرة بدرجة كبيرة. وهناك، يتعاون رودريجيز-كروز مع زملاءٍ يشاركونه شغفه من أجل تعزيز البحث العلمي في المنطقة. ومن هؤلاء أنخيليكا فالديز فالديراما (عضوة زمالة في مجال العلوم المَدنية في منظمة «سينثيا بورتوريكو» Ciencia Puerto Rico غير الربحية، تقيم حاليًّا في سان خوان، لكنها ترغب في الانتقال في النهاية إلى مسقط رأسها في ماياجويز). وهي تقول عن هذه المشكلة: "أنا مدركةٌ تمامًا لماهية القيود التي تواجهها جامعة بورتوريكو".

تقول فالديز فالديراما: "تعرض تمويلنا للتخفيض بصورة ممنهجة خلال السنوات القليلة الماضية، وأدى غياب هذا التمويل إلى تجميد التوظيف والرواتب وزيادة متطلبات التدريس. ومن ثَمَّ، تعيَّن عليَّ عند الرغبة في إجراء أبحاثٍ معرفةُ المقومات الأساسية المطلوبة بنفسي". وقد وَجَدت الإلهام بتأمل قصص علماء آخرين من رواد الأعمال. فتقول: "إنني ممتنة حقًّا لرؤية أشخاصٍ ينجحون ويحققون إنجازاتٍ، أشخاص على غرار لويس ألكسيس [رودريجيز-كروز] مِمَنْ يقولون: "حسنًا، إن لم تتوفر بنية تحتية بحثية ، فسأبنيها بنفسي".

على الرغم من أن اختيار طريق قد ندر سالكيه يستتبعه تحديات، فإنه يحقق أيضًا مرونة واستقلالية وشعور بالارتباط بالعمل. تقول ديبنر: "أنا متحمسة للاستيقاظ كلَّ يوم والعمل على سرد القصص العلمية وإعداد الرسوم المتحركة". وتضيف: "أنا صاحبة القرار في تحديد الأمور المهمة، والمكان الذي سأقضي فيه وقتي، وفي تنظيم يومي". كما أن العيش بالقرب من العائلة له العديد من المزايا. تعيش أورتيجا على بُعد منزلَين فقط من جِدَّين لأبنائها وعلى بُعد خمس دقائق بالسيارة من الجِدَّين الآخرَين. والآن بعد أن أصبح لديها طفلًا رضيعًا، يمكنها تركه مع أفراد العائلة عندما تحتاج هي وزوجها إلى أخذ قسطٍ من الراحة. ونادرًا ما توفر الوظائف الأكاديمية التقليدية مثل هذه المزايا المعنوية، ولكنَّ الباحثين الذين يسلكون طرقًا غير تقليدية تمكَّنوا من جعل هذه المزايا جزءًا من حياتهم المهنية إلى الأبد، بفضل ما تمتعوا به من إبداع وروح مبادرة.

هذه ترجمة المقال الإنجليزي المنشور في مجلة Nature بتاريخ 25 من فبراير عام 2025 .

doi:10.1038/nmiddleeast.2025.60