كيف يمكن للعلماء تبني استخدام الذكاء الاصطناعي؟
12 May 2025
نشرت بتاريخ 12 مايو 2025
6 نصائح للباحثين لاستخدام وتبني الذكاء الاصطناعي التوليدي في البحث العلمي
ربما يظن البعض أن استخدام "الذكاء الاصطناعي التوليدي" في مجال البحث العلمي يقتصر فقط على المساعدة في النشر العلمي. فبعد إطلاق النموذج الأول من تشات جي بي تي بنهاية عام 2022، بدأ الباحثون في استكشاف قدرات هذا "النموذج اللغوي الكبير" في عمليات التحرير والمراجعة اللغوية لمسودات أوراقهم البحثية قُبيل تقديمها للنشر، وذلك بهدف إنتاج أوراق بحثية عالية الجودة.
لكن الأمر تطور بسرعة ليصبح الذكاء الاصطناعي التوليدي مشاركًا في عملية الكتابة بحد ذاتها، فقد تم نشر أول ورقة بحثية علمية حملت قائمة مؤلفيها اسم تشات جي بي تي مطلع عام 2023. الأمر الذي أحدث جدلًا علميًا وأخلاقيًا في أوساط مجتمع البحث العلمي استمر إلي يومنا هذا. وبرغم التطور المتسارع لقدرات نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي، وتوفر أكثر من أداة، ركز العلماء على عملية النشر العلمي بشكل أساسي، متغافلين بذلك عن قدرات تلك النماذج الفائقة التي يمكن توظيفها في عملية البحث العلمي ذاته.
الذكاء الاصطناعي التوليدي في خدمة البحث العلمي
معظم نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي الشائعة -مثل تشات جي بي تي، جيميناي، كو-بايلوت، كلود، وغيرها- هي بشكل رئيسي للاستخدام العام لأغراض غير متخصصة. إلا أنه مؤخرًا تم تطوير نماذج أخرى أكثر تخصصًا يمكنها القيام بمهام تتعلق بالبحث العلمي بشكل مباشر، بالإضافة إلى تطوير نسخ من نماذج الاستخدام العام تمتلك القدرة على طرح الأسئلة والتحليل والاستنتاج في إطار البحث العلمي.
فقد طورت شركة جوجل نظام "وكيل الذكاء الاصطناعي" يدعى "العالِم المُساعِد" (co-scientist)، يمكنه مساعدة العلماء في تطوير فرضيات علمية ومقترحات بحثية جديدة والمساعدة في تسريع البحث العلمي عبر تخصصات متعددة. وقد قام فريق بحثي من "إمبريال كولدج لندن" (Imperial College London)، باختبار قدرات هذا النموذج، الذي تمكن من الوصول إلى نتائج بحثية في مشكلة علمية تتعلق بمقاومة المضادات الحيوية في غضون 48 ساعة فقط، الأمر الذي استغرق الفريق البحثي قرابة عقد من الزمن للوصول للنتائج ذاتها.
كما يمكن للنماذج المتقدمة من الذكاء الاصطناعي التوليدي للاستخدام العام -مثل OpenAI o1- أن تساعد العلماء في مهام أكثر تعقيدًا عبر اتباع منهجيات التفكير العلمي، لتتجاوز بذلك الأدوار التقليدية المتعلقة فقط بالكتابة والنشر.
"يمكن للذكاء الاصطناعي التوليدي تعزيز البحث العلمي من خلال تسريع وإثراء توليد الأفكار -خاصة بين التخصصات وعبر المجالات المتعددة التي قد لا تكون واضحة في مجال معين- وأتمتة تحليل البيانات، وتقليل الوقت والتكلفة للعديد من المهام المهمة لكنها رتيبة ومرهقة لإعداد البيانات ومعالجتها." كما يوضح نزار حبش، أستاذ علوم الحاسوب بجامعة نيويورك أبوظبي.
خلاصة الأمر أن أدوات الذكاء الاصطناعي الحالية يمكنها دعم دورة البحث العلمي بأكملها؛ بدءًا من توليد الأفكار وصياغة الفرضيات وتصميم المنهجيات، مرورًا بالتنفيذ من جمع للبيانات وترميزها وتحليلها، وانتهاءً بكتابة الأوراق البحثية ومراجعتها ونشرها بدوريات علمية محكمة. وللوصول لذلك، تضمن النصائح التالية استخدام تلك التكنولوجيا بشكل ناجح وأخلاقي في الوقت ذاته.
1- تعلم الذكاء الاصطناعي التوليدي
ربما يبدو ذلك بديهيًا، لكن تدريب العلماء على أدوات الذكاء الاصطناعي يجب أن يتجاوز مجرد استخدام تلك الأدوات إلى فهم كيفية عملها وماهية قدراتها وحدود إمكانياتها، مما يساعد في تحديد أفضل طريقة لتبنى تلك التقنية، ومن ثم بناء قدرات قاعدة عريضة من الباحثين الذين يمكنهم استخدام الذكاء الاصطناعي بشكل فعال.
يوضح هايرو لوغو-اوكاندو، عميد كلية الاتصال بجامعة الشارقة، "يرى العديد من الباحثين أنه (الذكاء الاصطناعي التوليدي) شيء يمكن تعلمه لاحقًا، ولا يركزون بما فيه الكفاية على فهم فائدته. نعم، لقد كان هناك الكثير من الضجة حوله، لكن الذكاء الاصطناعي التوليدي ليس شيئًا ثانويًا في البحث العلمي. بل هو محوري. ويقع على عاتق الباحثين فهم كيف يمكن استخدامه وأين يجب استخدامه."
2- وضع استراتيجية للذكاء الاصطناعي التوليدي
بالتوازي مع بناء قدرات العلماء، ينبغي تطوير استراتيجيات تبني استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي داخل الجامعات والمؤسسات البحثية. يتضمن ذلك بناء رؤية واضحة حول الدور الذي يمكن أن تلعبه تلك التقنية في البحث العلمي، مع الأخذ بعين الاعتبار سياسات الأطراف الفاعلة الأخرى من الجهات الحكومية وجهات التمويل ومؤسسات النشر العلمي، وهو النهج الذي اتبعه عدد من مؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي في دولة الإمارات العربية المتحدة، كما يوضح لوغو-اوكاندو.
فقد استحدثت جامعة أبو ظبي منصبًا قياديًا جديدًا مطلع العام الجاري يدعى "نائب مدير الجامعة للذكاء الاصطناعي والتميز التشغيلي"، والذي يختص بتطوير وتنفيذ استراتيجيات استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي التوليدي فيما يتعلق بالبحث العلمي وطرق التدريس.
3- التعامل مع الذكاء الاصطناعي التوليدي كشريك وليس كبديل
دائمًا ما يكون السؤال حول كيفية التعامل مع الذكاء الاصطناعي التوليدي مطروحًا، خاصةً مع التخوف من قدرة الذكاء الاصطناعي التوليدي على إنتاج معلومات تبدو مقنعة لكنها غير دقيقة أو مختلقة- وهو ما يُدعى "الهلوسة" (Hallucination). لذا تعد معاملة الذكاء الاصطناعي كشريك وليس كبديل هي الطريقة المُثلى لاستخدامه في البحث العلمي. حيث يظل الباحث البشري هو المسؤول عن التفكير واتخاذ القرارات والتحقق من مخرجات الذكاء الاصطناعي، بينما يعمل الذكاء الاصطناعي كمساعد ذي قدرات فائقة على أداء بعض المهام في وقت أقصر وبتكلفة أقل.
يؤكد ذلك حبش قائلًا: "الذكاء الاصطناعي هو أداة تعزز الخبرة البشرية ولا تستبدلها. وتبقى المسؤولية النهائية في ما يخص الدقة العلمية على عاتق العلماء والباحثين... فيجب أن يكون (الباحثون) مدرَّبين بشكل جيد ومتخصصين بعمق في مجالاتهم الخاصة حتى لا ينخدعوا بهلوسة الذكاء الاصطناعي."
4- إدراك تحيزات الذكاء الاصطناعي التوليدي
"تم تدريب جميع نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي إلى حد كبير على بيانات من مصادر ’غربية’ في أغلبها، وبالتالي فهي غير متنوعة ولذا فهي متحيزة. حتى طريقة تصميمها تضم تحيّزًا، الأمر الذي قد لا نفهمه الآن وقد لا يظهر إلا لاحقًا حتى من دون أن ندركه .. لذلك فالمخرجات دائمًا ما ستكون ذات تحيّز متأصل، ويجب أن نكون منتبهين لذلك." كما تبين رنا دجاني، أستاذ علم الأحياء الخلوي الجزيئي بالجامعة الهاشمية.
يُعد إدراك ذاك التحيز المتجذر بنماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي أمرًا بالغ الأهمية بالنسبة للعلماء. حيث يجب دائمًا أخذه في الحسبان عند استخدامه لأغراض البحث العلمي. وبناءًا على ذلك، فإن دور الباحثين يتمثل في المزيد من التحقق درءًا للتحيز، والتقييم النقدي المستمر لنتائج المهام الموكلة إلى الذكاء الاصطناعي، وبذلك يمكن التأكد من استخدام أكثر تنوعًا وشمولًا وتوازنًا دون الوقوع في فخ تلك التحيزات.
5- استخدام وتطوير ذكاء اصطناعي متخصص في البحث العلمي
بالرغم من انتشار نماذج الذكاء الاصطناعي ذات الاستخدام العام، إلا أن هناك بعض النماذج المتخصصة التي يُنصح باستخدامها، والتي تتميز بنتائج أفضل في المهام المتعلقة بالبحث العلمي. وذلك مثل نموذج AlphaFold المصمم لتوقع البنية الهيكلية لجزيئات البروتين، ونموذج Elicit المتخصص في تلخيص الأدبيات العلمية، ونموذج GENTRL الذي يمكن استخدامه في عمليات تصميم المركبات الدوائية؛ فتلك النماذج مدرَّبة على مجموعات بيانات ذات صلة، كما أنها مُعدَّلة بدقة لتناسب عملية البحث العلمي.
بجانب ذلك يمكن للعلماء -في مجال بعينه أو عبر تخصصات متعددة- التعاون لتطوير نماذج ذات تخصص دقيق بغرض القيام بمهام علمية محددة للغاية. على سبيل المثال، قام فريق بحثي متعدد التخصصات بتطوير نموذج يدعى ECgMPL يمكنه تشخيص سرطان بطانة الرحم بدقة تبلغ 99.26%، وفقًا للدراسة المنشورة مطلع العام الجاري.
6- الاستخدام الأخلاقي للذكاء الاصطناعي
أثارت تقنية الذكاء الاصطناعي التوليدي العديد من المسائل الأخلاقية حول كيفية تطويرها واستخدامها، خاصةً فيما يتعلق بالبحث العلمي. حيث توجد العديد من القضايا -الخلافية في كثير من الأحيان- المرتبطة بحقوق الملكية الفكرية، أو بالتأثير البيئي، أو بتوسيع الفجوة بين المجتمعات، أو بالعواقب الاقتصادية لاستخدام تلك التقنية. إذ يتشابك كل ذلك مع البحث العلمي، وهو الأمر الذي لا يجب إغفاله على الإطلاق.
فرغم فوائد أدوات الذكاء الاصطناعي، إلا أنها قد تُستخدم في تزييف البيانات، وإنشاء مراجع وهمية، وإنتاج أبحاث كاملة دون إشراف بشري. كذلك قد تُستخدم نماذج الذكاء الاصطناعي في تضخيم التحيز ضد الفئات المهمشة. وقد أظهرت دراسة أن أحد نماذج الذكاء الاصطناعي قام بشكل انتقائي، بتصنيف المرضى من النساء وذوي البشرة الداكنة وأصحاب الدخل المنخفض على أنهم أصحاء، ما قد يؤدي إلى إغفال تشخيص الحالات الطبية والحرمان من العلاج المناسب.
لذا، من المهم صياغة البوصلة الأخلاقية لاستخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي في البحث العلمي، مع التأكيد على تبني نهج الإفصاح والشفافية.
doi:10.1038/nmiddleeast.2025.58
تواصل معنا: