مَنْ سوى الأفارقة يروي قصة نشأة
البشر!
13 May 2025
خاص لـNature: معاهد الصحة الأمريكية تقطع المنح البحثية المخصصة للمؤسسات الأجنبية
نشرت بتاريخ 11 مايو 2025
خطوة جديدة تهدد آلاف المشاريع في مجالات الأمراض المعدية والسرطان وغيرها.
حقوق الصورة: Philip Scalia/Alamy
أصدرت معاهد الصحة الوطنية الأمريكية (NIH) سياسة جديدة تهدف إلى وقف تمويل يبلغ مليارات من الدولارات المخصصة للمختبرات والمستشفيات الواقعة خارج الولايات المتحدة الأمريكية، الأمر الذي من المرجح أن يهدد استمرار آلاف من مشاريع الصحة العالمية والتجارب الإكلينيكية التي تتصدى لمواضيع مثل الأمراض المعدية الناشئة ومرض السرطان.
أعلنت معاهد الصحة، التي تعد أكبر جهة ممولة للأبحاث الطبية الحيوية في العالم، في الأول من مايو الجاري عن عزمها عدم تجديد "منح التمويل الفرعية المخصصة للأجانب" بحلول شهر أكتوبر القادم، إلى جانب عدم إصدار منح جديدة. وهذه المنح هي عبارة عن مخصصات مالية تخضع لسيطرة الهيئة المذكورة، ويُمكن لأية جهة بحثية أمريكية منحها لشركاء دوليين في إطار مشروع تعاون بحثي مشترك. وعادةً ما تنفق الوكالة نحو 500 مليون دولار أمريكي على هذه المنح سنويًا.
ذكر البيان الذي أصدرته الهيئة أنها بصدد وضع هيكل جديد للمنح المخصصة للباحثين الأجانب، إلا أنه لم يُعلن بعد عن ذلك الهيكل. وفي إطار هذا الهيكل الجديد، سيتعين على الباحثين الأجانب على الأرجح تقديم طلب للحصول على المنح والخضوع لعملية مراجعة مماثلة لتلك التي يخضع لها أي باحث آخر يطلب تمويلا من الوكالة. وأشار البيان إلى أن المبررات الرئيسة التي تقف وراء تلك التغييرات تتمثل في دواعي الأمن القومي وانعدام الشفافية.
يقول فرانسيس كولينز، وهو عالم وراثة تولى رئاسة معاهد الصحة الكائن مقرها في مدينة بيثيسدا بولاية مريلاند الأمريكية لمدة 12 عامًا، وعاصر ثلاثة رؤساء أمريكيين: "ستكون لهذه القرارات عواقب وخيمة". وكانت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في إطار الجهود التي تبذلها لخفض الإنفاق الحكومي، قد أغلقت فعليا الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، التي كانت مسؤولة عن تمويل الأبحاث وأمور الوقاية والرعاية المتعلقة بالأمراض في جميع أنحاء العالم. ويضيف كولينز أنه إلى جانب هذا الإجراء، فإن وقف منح التمويل الفرعية الممولة من جانب معاهد الصحة الوطنية إلى المؤسسات الأجنبية يعني "فقدان أعداد إضافية من الأطفال والبالغين في البلدان الفقيرة حياتهم نتيجة لأبحاث لم تكتمل حول أمراض مثل الملاريا والسل".
ووفقا لما أدلى به عدد من موظفي الوكالة الذين تحدثوا إلى دورية Nature، طالبين عدم الكشف عن هوياتهم لأنهم غير مخولين بالتحدث إلى الصحافة، فقد صدرت توجيهات لموظفي معاهد الصحة بتجميد التمويل الخاص بالمؤسسات الأجنبية التي تعد طرفا في منح بحثية جديدة أو منح قيد التجديد.
وفي تصريحات لدورية Nature، أكد متحدثون باسم معاهد الصحة ووزارة الصحة والخدمات الإنسانية الأمريكية، التي تعد المنظمة الأم للهيئة ويقع مقرها في العاصمة واشنطن، دخول السياسة الجديدة حيز النفاذ منذ الثلاثين من أبريل الفائت، إلا أن الدورية لم تتمكن من التواصل معهم للتعليق على ذلك في الأول من مايو الجاري.
تداعيات واسعة النطاق
تستهدف السياسة الجديدة جميع المنح التمويلية الفرعية المخصصة للمؤسسات البحثية الكائنة خارج الولايات المتحدة، بغض النظر عما إذا كانت تلك المؤسسات تقع في بلدان تصنفها الولايات المتحدة ضمن "الدول المثيرة للقلق" مثل الصين أو كوريا الشمالية، أو في بلدان حليفة مثل المملكة المتحدة. وتنص السياسة على أن يتم إنهاء المشاريع البحثية إذا لم تعد قابلة للاستمرار بدون منح التمويل الفرعية.
وبحسب ما أورده موظف كبير سابق في معاهد الصحة طلب عدم الكشف عن هويته خشية التعرض لإجراءات عقابية، فإنه إذا لم يحصل الباحثون الأجانب على تمويل مباشر من الهيئة بحلول أكتوبر القادم، وهو تحدٍ بالغ الصعوبة لأي باحث، فمن المرجح أن ينقطع التمويل عن التجارب الإكلينيكية الحالية التي تُجرى في مواقع خارجية وعن غيرها من الأبحاث. وإذا كان هدف إدارة الرئيس ترامب يتمثل في وقف تمويل الأبحاث خارج الولايات المتحدة، "ولكن لا يتوفر لدى المسؤولين الأداة القانونية لتفعيل هذه الخطوة، فسيتمكنون بهذه الطريقة من تنفيذ مبتغاهم"، أي، كما يقولون، "بزيادة تعقيد الإجراءات البيروقراطية والروتينية المطلوبة للحصول على المنح".
لا شك أن هذه السياسة ستكون لها آثار وتداعيات واسعة النطاق. فوفقًا للموقع الحكومي الأمريكي: USASpending.gov، قدمت الوكالة في عام 2024 نحو 3700 منحة فرعية لمؤسسات بحثية في الخارج، مقارنة بأقل من 900 منحة مباشرة لمؤسسات أجنبية.
جدير بالذكر أن كثيرا من الأبحاث الدولية المدعومة من قبل الولايات المتحدة والتي تُجرى في الخارج تتناول مواضيع تخص الصحة العالمية مثل السرطان وصحة الأم والطفل والأمراض المعدية مثل الإيدز والإيبولا والسل. يقول كولينز: "يمكن لفاشيات الأمراض التي تبدأ في أي مكان في العالم أن تصل إلى سواحلنا في غضون ساعات. إن سحب قابس التمويل عن تلك المشاريع البحثية ليس سوى دليل على قصر النظر وانهزام الذات". ووفقا للنماذج، إذا سحبت الولايات المتحدة التمويل الذي تمنحه للصحة العالمية بالكامل، والذي بلغ 12 مليار دولار أمريكي في عام 2024، فقد يلقى ما يقرب من 25 مليون شخص حتفهم في السنوات الخمس عشرة المقبلة.
تقول إيمي باي، وهي أخصائية الملاريا في كلية الصحة العامة بجامعة ييل في نيو هيفن بولاية كونيتيكت، والتي تتعاون مع باحثين في دولة السنغال: "لا يمكننا إجراء أبحاث متطورة بشأن الملاريا من موقعنا هنا في الولايات المتحدة"؛ لأن المرض ليس منتشرا في هذه البلاد. وتضيف باي: "إذا أردنا تحقيق تقدم ملحوظ في أكثر مشاكل الصحة العالمية إلحاحًا، فسيتطلب ذلك الاستعانة بأفضل العقول في هذا المجال" من شتى أنحاء العالم.
أما يو تشن، عالمة الأوبئة المتخصصة في الأمراض المزمنة بمركز «لانجون هيلث» الطبي التابع لجامعة نيويورك في مدينة نيويورك، والتي تشارك في قيادة ائتلاف ضخم من باحثي السرطان في عشرين دولة، فترى أن أبحاث السرطان أيضًا قد تتأثر تأثرا شديدا بمثل هذه الخطوة. وكما تقول تشن، فإن بعض الأنواع النادرة من السرطانات تتطلب بالضرورة تجميع البيانات من مجموعات من الأتراب من جميع أنحاء العالم. وتضيف تشن: "إذا توحدت جهودنا سويا، سيمكننا حينئذ الحصول على عينات أكبر حجما وإجراء أبحاث مفيدة للجميع".
وتضيف تشن أن جمع بيانات التجارب الإكلينيكية من دول أخرى يساعد أيضًا في ضمان قوة النتائج التي تتوصل إليها الأبحاث وقابليتها للتطبيق على أكبر عدد ممكن من الأشخاص. وعلى حد قول تشن، "لا شك أننا نجري بحوثنا لصالح الشعب الأمريكي، إلا أن ذلك لا يعني ضرورة إجراء تلك البحوث داخل الولايات المتحدة فحسب".
تشكيك في الإجراءات الرقابية
ليست هذه المرة الأولى التي تُغير فيها معاهد الصحة الوطنية النهج الذي تتبعه تجاه البحث العلمي في المؤسسات الأجنبية. ففي عام 2023، أعلنت الهيئة أنه سيتعين على المتعاونين من خارج الولايات المتحدة الحاصلين على منح تمويل فرعية تقديم نسخ من جميع دفاتر المختبرات والبيانات والوثائق ذات الصلة إلى المستفيد الأساسي من المنحة مرة واحدة على الأقل سنويًا.
جاء هذا التغيير في أعقاب الانتقادات التي تعرضت لها الهيئة من جانب مدققي الحسابات الفيدراليين نتيجة لأوجه القصور التي شابت أعمالها الإشرافية والرقابية على البحوث الخاصة بمسببات الأمراض الخطرة في معهد ووهان لعلم الفيروسات في الصين، والذي كان ضمن الجهات التي تلقت منحة تمويل فرعية. (أشار البعض، منهم جايانتا باتاتشاريا، المدير الحالي لمعاهد الصحة، إلى أن جائحة «كوفيد-19» ربما تكون قد نتجت عن الأبحاث التي كان يجريها معهد ووهان لعلم الفيروسات على فيروسات كورونا، وأن أحد تلك الفيروسات ربما يكون قد تسرب من المختبر).
من المحتمل أن تكون السياسة الجديدة مرتبطة بهذا النقاش الدائر حاليا؛ إذ تنص هذه السياسة على أنه "للحفاظ على تعاون بحثي قوي ومثمر وآمن مع الجهات الأجنبية دعما للرسالة التي تضطلع بها معاهد الصحة، يتعين على الهيئة ضمان قدرتها على الإبلاغ بشفافية وموثوقية عن كل دولار يتم إنفاقه في سياق عملها". ويذكر البيان أن الهيئة تخطط لتوسيع نطاق هذه السياسة بحيث تشمل منح التمويل الفرعية على الصعيد المحلي.
هذه السياسة يمكن أن تشكل أيضًا جزءا آخر من الاستراتيجية التي تتبعها إدارة الرئيس ترامب لخفض التكاليف وتطبيق سياسة: "أمريكا أولا". في وقت سابق من شهر أبريل، ظهرت تقارير تفيد بأن مشروع الميزانية الذي وضعته إدارة ترامب لعام 2026 يتضمن اقتراحا بخفض ميزانية معاهد الصحة الوطنية الأمريكية البالغة 47 مليار دولار بنحو 40% ودمج معاهدها ومراكزها البالغ عددها 27 في 8 معاهد ومراكز فقط.
كانت معاهد الصحة الوطنية قد أنهت في عهد ترامب نحو 800 منحة جارية تدرس مواضيع عدة، من بينها فيروس نقص المناعة البشرية، وصحة الأشخاص المتحولين جنسيا، وتردد الأفراد في تلقي اللقاحات، و«كوفيد-19».
يقول كولينز إن الولايات المتحدة ظلت "لسنوات طويلة المحفز الأبرز للمجتمع البحثي على النطاق الدولي"، إلا أن السياسة الجديدة يمكن أن تُفسَّر على أنها "إشارة دراماتيكية إلى أنها لم تعد مهتمة بهذه المسألة".
هذه ترجمة المقال الإنجليزي المنشور في مجلة Nature بتاريخ 30 من أبريل عام 2025 .
doi:10.1038/nmiddleeast.2025.57
تواصل معنا: