أخبار

الذكاء الاصطناعي في الأبحاث: نظرة على العيوب والمزايا

نشرت بتاريخ 7 مايو 2025

رغم الزخم الذي يشهده الاهتمام باستخدام الذكاء الاصطناعي لإسراع وتيرة الأبحاث، وتذليل المزيد من صعوباتها وإتاحتها على نطاق أكبر، يرى باحثون أنهم بحاجة إلى المزيد من الدعم لاستكشاف إمكانات هذه التقنية.

يرى باحثون أن أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي تتفوق بالفعل على البشر في القدرة على أداء بعض المهام.
يرى باحثون أن أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي تتفوق بالفعل على البشر في القدرة على أداء بعض المهام.
حقوق نشر الصورة: Getty

أظهر استطلاع رأي أجرته شركة النشر «وايلي» Wiley وشمل نحو 5 آلاف باحث في أكثر من 70 دولة، أن استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي في مهام مثل إعداد المسودات البحثية، وكتابة طلبات المنح البحثية ومراجعات الأقران من المتوقع أن يحظى بقبول واسع في غضون العامين المقبلين.

توجَّه الاستطلاع بسؤال للباحثين عن كيفية استخدامهم حاليًا لأدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي — ومنها روبوتات الدردشة مثل «تشات جي بي تي» ChatGPT و«ديبسيك»DeepSeek ، كما تقصى آراءهم فيما يخص العديد من التطبيقات المحتملة لهذه الأدوات. وتشير نتائج الاستطلاع إلى أن غالبية الباحثين رأوا أن الذكاء الاصطناعي سيلعب دورًا محوريًا في البحث والنشر العلمي (انظر الشكل "الاستخدامات المقبولة"). إذ أعرب أكثر من نصفهم عن اعتقاده بأن الذكاء الاصطناعي يتفوق حاليًا بالفعل على البشر في أكثر من 20 مهمة، أوردها الاستطلاع كمثال على استخدامات التقنية. وشملت قائمة هذه المهام مراجعة مجموعات ضخمة من الأوراق البحثية وتلخيص نتائج الأبحاث، ورصد الأخطاء في كتابتها والتحقق من ارتكاب السرقات العلمية ونَظْم الاستشهادات البحثية. كذلك توقعت نسبة تربو على نصف عدد المشاركين في الاستطلاع أن يسود خلال العامين المقبلين استخدام الذكاء الاصطناعي في 34 من أصل 43 من أمثلة استخدامات الذكاء الاصطناعي التي طرحها الاستطلاع.

تعقيبًا على هذه النتائج، يقول سيباستيان بورسدام مان، وهو باحث من جامعة كوبنهاجن يُعنى بدراسة الجوانب العملية والأخلاقية لاستخدام الذكاء الاصطناعي في الأبحاث: "اللافت حقًا هو أن وضع كهذا وشيك.  ومن سيطالهم هذا التأثير - وأعني بذلك الجميع لكن بدرجات متفاوتة - عليهم البدء في التحرك" لمواجهة هذا الموقف.

 نتائج الاستطلاع، التي صدرت على الإنترنت في الرابع من فبراير الماضي، أعلنتها شركة «وايلي» الكائن مقرها في مدينة هوبوكين بولاية نيوجيرسي الأمريكية. وعنها، يقول جوش جاريت، النائب الأول لرئيس فريق تنمية الذكاء الاصطناعي بالشركة والمدير العام للفريق أنه يأمل أن تخدم في رسم خريطة طريق ترشد جهود المبتكرين والشركات الناشئة في سعيهما إلى فرص لتطوير أدوات ذكاء اصطناعي.  وأضاف: "ثمة قبول واسع لفكرة نهوض الذكاء الاصطناعي مستقبلًا بإعادة تشكيل ملامح عالم الأبحاث".

استخدام محدود

تقصى الاستطلاع آراء 4946 باحثًا في مختلف أنحاء العالم، شكل الباحثون ممن في مقتبل سيرتهم المهنية 27% منهم. وأظهرت نتائجه، ربما على غير المتوقع، بحسب ما يشير جاريت "أن هذه الأدوات لا تُستخدم حقيقةً كثيرًا في المهام اليومية". فبين الدفعة الأولى من المشاركين في الاستطلاع، بلغت نسبة من أفادوا بأنه سبق لهم فعليًا الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في أداء المهام البحثية 45% فقط (1043 باحثًا). وكانت الترجمة والتدقيق اللغوي وتحرير المسوَّدات البحثية هي الاستخدامات الأكثر ورودًا في إجاباتهم (انظر الشكل "استخدامات الذكاء الاصطناعي").

ورغم أن نسبةً من هؤلاء (81%) قد صرحوا بأنهم استخدموا في السابق لأغراض شخصية أو مهنية نظام الذكاء الاصطناعي «تشات جي بي تي» - الذي ابتكرته شركة «أوبن إيه آي» Open AI الأمريكية - لم يفد إلا ثلث هذه المجموعة بأنه سمع بأدوات ذكاء اصطناعي توليدي أخرى مثل  نظام «جيميناي» Gemini، الذي أنتجته شركة «جوجل»، أو نظام «كوبايلوت» Copilot الذي طرحته شركة «مايكروسوفت». غير أنه ظهر تفاوت واضح بين الدول والمجالات العلمية المختلفة في استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي. على سبيل المثال، كان الباحثون في الصين وألمانيا هم الأكثر استخدامًا لهذه الأدوات، في حين نزع علماء الحاسوب أكثر من غيرهم لاستخدامها في مهامهم.

بيد أن غالبية المشاركين أعربوا عن استعدادهم للتوسُّع في استخدام الذكاء الاصطناعي. فأبدت نسبة قوامها 72% منهم باعتزامها خلال العامين المقبلين  استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي لإعداد المسودات البحثية، وذلك في مهام مثل رصد أخطاء كتابة الأبحاث والتحقق من ارتكاب السرقات البحثية ونَظم الاستشهادات البحثية. ورأى 62% منهم أن الذكاء الاصطناعي يتفوق بالفعل على البشر في هذه المهام (انظر الشكل "من الأبرع في هذه المهام؟ البشر أم الذكاء الاصطناعي؟").

كذلك أعرب 67% من المشاركين في الاستطلاع عن تشوقه لاستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي في معالجة كميات كبيرة من المعلومات، على سبيل المثال، في إطار المساعدة في مراجعة الأدبيات العلمية وتلخيص الأوراق البحثية ومعالجة البيانات.  وأبدى الباحثون ممن في مقتبل مسيرتهم المهنية استعدادًا أكبر من زملائهم الأقدم خبرة لاستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي في كتابة طلبات المنح البحثية والعثور على جهات يمكنهم إبرام تعاوُن بحثي معها. تعقيبًا على هذا الكشف الأخير، يقول بورسدام مان: "كلا هاتين المهمتين تُغدوان أسهل مع الخبرة والأقدمية. واستخدام الذكاء الاصطناعي سبدد الفوارق هنا بعض الشيء".

غير أن الباحثين أظهروا اقتناعًا وإيمانًا أضعف بقدرات الذكاء الاصطناعي في المهام الأكثر تعقيدًا مثل الوقوف على مواطن القصور في المؤلفات البحثية واختيار الدوريات التي يمكن التقدم إليها بطلب نشر المسودات البحثية والتوصية بمراجعي الأقران أو اقتراح استشهادات بحثية ذات صلة. ورغم أن 64% من المشاركين في الاستطلاع أعربوا عن ترحيبهم بفكرة استخدام الذكاء الاصطناعي في هذه المهام خلال العامين المقبلين، رأت غالبية المشاركين في الاستطلاع أن البشر ما زالوا يتمتعون بالأفضلية في هذه المناطق

من الأبرع في هذه المهام؟ البشر أم الذكاء الاصطناعي؟

عقبات وفرص

رغم تعاظم الاهتمام باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي، يشير الاستطلاع إلى أن الباحثين يحتاجون إلى المزيد من الدعم للتحلي بالثقة لدى التعويل على هذه الأدوات. فرأى ثلثا الباحثين المشاركين في الاستطلاع أن غياب التوجيهات والتدريب اللازم في هذا السياق يحول دون استخدامهم لأدوات الذكاء الاصطناعي بالقدر الذي ينشدونه (انظر الشكل "مخاوف") كذلك ساورت باحثون مخاوف بشأن مدى أمان استخدام هذه الأدوات: على سبيل المثال، أفاد 81% من المشاركين في الاستطلاع بأن لديهم مخاوف إزاء دقة أدوات الذكاء الاصطناعي، واحتمالية ارتكابها لانحيازات بحثية ، واختراقها لخصوصيتهم فضلًا عن غياب الشفافية فيما يتعلق بالكيفية التي تدربت بها هذه الأدوات.

في هذا الإطار، يقول جاريت: "نرى أن جهات نشر الأبحاث وغيرها من الجهات المنوطة تقع عليها مسؤولية كبيرة في المساعدة على توعية الباحثين". إذ أفاد 70% من المشاركين في الاستطلاع برغبتهم في أن توفر جهات النشر توجيهات واضحة فيما يخص الاستخدامات المقبولة للذكاء الاصطناعي في كتابة الأبحاث، ورأى 69% منهم أن على الناشرين مساعدتهم في تلافي الأخطاء والانحيازات البحثية.

تعقيبًا على ذلك، تقول تيجاسويني أروناتشالا مورثي، إحدى المشاركات في الاستطلاع، وهي اختصاصية تغذية لحالات الرعاية المركزة في جامعة أديليد في أستراليا: "لابد من عقد تدريب موحد، وأن يكون إلزاميًا، شأنه في ذلك شأن التدريبات التي تنعقد في كافة أنحاء العالم للتدريب على الممارسات الإكلينيكية الجيدة. ونحن على استعداد لتخصيص الوقت لذلك. ولدينا الاستعداد والرغبة في اكتساب المعارف في هذا الإطار. وعلى كل الباحثين في مجال الذكاء الاصطناعي...تدريبنا على كيفية استخدامه على الوجه الملائم".

من هنا، تجري شركة «وايلي» المزيد من المقابلات مع الباحثين وتجمع آراءهم لتحديث توجيهاتها الخاصة باستخدام الذكاء الاصطناعي، والتي تعتزم نشرها في غضون الأشهر المقبلة. وهذه التوجيهات من شأنها أن تساعد الباحثين في الوصول إلى فهم أفضل لكيفية استخدام الذكاء الاصطناعي على نحو آمن في الأبحاث، ويدخل في ذلك فهم الحالات التي يكون فيها المنظور البشري ضروريًا، والمعلومات التي ينبغي الإفصاح عنها عندئذ. وهنا، يقول جاريت: "لا أحسب أن أيًا منا على استعداد للتوصية بتفضيل أداة على أخرى". ويضيف أن هدف الشركة هو "تقديم توجيهات عامة حول كيفية توخي الأمان والبدء في نشر الممارسات المثلى".

doi: https://doi.org/10.1038/d41586-025-00343-5

هذه ترجمة المقال الإنجليزي المنشور في مجلة Nature بتاريخ الرابع من فبراير عام 2025

doi:10.1038/nmiddleeast.2025.54