شخصيات العام من نيتشر: عشرة أسماء رسمت ملامح المشهد العلمي في 2025
29 December 2025
نشرت بتاريخ 29 ديسمبر 2025
خففت مؤسسة العلوم الوطنية الأمريكية صرامة قواعد عملية مراجعة طلبات المنح البحثية المقدمة إليها، ما يراه العاملون بالمؤسسة خطوة منطقية، وإن أبدوا مخاوف متعلقة بالتبعات المحتملة لذلك على تحكيم جودة الأبحاث.
بدأت مؤسسة العلوم الوطنية الأمريكية في تخفيف بعض اشتراطاتها المتعلقة بتحكيم طلبات المنح البحثية المقدمة إليها، سعيًا لمواكبة عدد طلبات هذه المنح في ظل انخفاض عدد العاملين بها. ويرى مسؤولون بالمؤسسة، التي تُعد من كبرى هيئات تمويل أبحاث العلوم الأساسية على مستوى العالم، أن هذه الاستراتيجية الجديدة قد تحمل عدة فوائد، لكنها تعزز احتمالية عدم خضوع طلبات المنح البحثية لمراجعة كافية ووافية.
في السابق، كانت المؤسسة تشترط بوجه عام خضوع طلبات المنح البحثية المقدمة إليها لما لا يقل عن ثلاث مراجعات تحكيم خارجية؛ يجريها علماء مستقلون من خارج المؤسسة. أما اليوم، فصارت مراجعتان كافيتين. وقد تُجرى إحداهما داخليًا (أي بواسطة علماء على قوة عمل المؤسسة).
وقد أوضح تحديث في «دليل المؤسسة لإجراءات وسياسات التقدُم بطلبات المنح واعتمادها» هذا التغيير في سياساتها عندما نُشر في الثامن من ديسمبر الماضي. كذلك حصلت دورية Nature على الإرشادات الداخلية المقدمة للمسؤولين المنوطين بالإشراف على عملية مراجعة المنح البحثية في برامج المنح بالمؤسسة، والتي قدمت مزيدًا من التفاصيل في هذا الإطار. وللوصول إلى فهم أعمق لطبيعة هذه التغييرات، أجرت دورية Nature مقابلة صحفية مع خمسة من أعضاء فريق عمل المؤسسة. وجميعهم طلبوا عدم الإفصاح عن هويتهم خوفًا من تعرضهم لإجراءات جزائية عقابًا.
جدير بالذكر أن الاستعاضة عن المراجعة الخارجية المستقلة بأخرى داخلية قد يوفر وقتًا، حسبما ذكر بعض المشرفين على برامج المنح البحثية في المؤسسة. وهو ما أكده أحدهم قائلًا: "يسرني إضفاء مزيد من المرونة على عملية المراجعة"، ما ينطبق بالأخص - حسبما أفاد - عند مراجعة فريق العمل لطلبات منح بحثية لا تستوفي المعايير الأساسية للحصول على تمويل. إلا أنه استدرك قائلًا: "أكره أن تصبح مراجعتان هما الإجراء المعتاد عند النظر في طلبات المنح المؤهلة للحصول على تمويل". وأفاد المشرفون على برامج المنح البحثية في المؤسسة بأنهم يؤمنون بأهمية أن يدلي العديد من الخبراء المستقلين بمنظورهم في عملية تحكيم الأبحاث.
تعدُد وجهات النظر أفضل
شأنها شأن هيئات علمية أخرى، تعتمد مؤسسة العلوم الوطنية الأمريكية اعتمادًا كثيفًا على خبرات المراجعين المستقلين لتقييم ما يُقدم إليها من طلبات للحصول على منح بحثية. تُرسل طلبات هذه المنح إلى لجان تحكيم يتراوح عدد أعضائها ما بين ثلاثة إلى عشرة متخصصين مستقلين، كل منهم يجري مراجعات لتقييم عدد من طلبات المنح البحثية. ولدعم أعضاء اللجان في عملية التقييم هذه، يَطلب المشرفون على برامج المنح البحثية بالمؤسسة مساعدة خبراء مستقلين لإجراء مراجعات متخصصة لطلبات المنح.
ومن خلال جلسات نقاش مستفيضة تمتد ليوم كامل، تنظر اللجان في مراجعات كل من أعضائها والخبراء المستقلين لطلبات المنح، لتصدر بعد ذلك تقييمات لهذه المقترحات البحثية. ويستعين المسؤولون المشرفون على برامج المنح البحثية بالمؤسسة بهذه التقييمات لتقديم توصيات لرؤساء أقسام الهيئة المعنيين بتحديد أي طلبات المنح البحثية يجري تمويلها.
كما يكتب المسؤولون المشرفون على برامج المنح البحثية ملخصات بنتائج عملية التقييم تلك، لإفادة الباحث المتقدم بالطلب بالرأي. وحتى وقت قريب، كانت هذه الملخصات تمتد لعدة فقرات وتتسم بتفصيلها الشديد. غير أن الإرشادات الداخلية الجديدة للمؤسسة قلصت عدد الجمل فيها ليتراوح ما بين ثلاث إلى خمس جمل. تعقيبًا على هذه الأحكام، تقول لوريل يوهي، الباحثة المتخصصة في نظم المعلومات البيولوجية من جامعة كارولينا الشمالية في مدينة تشارلوت الأمريكية إنه من المؤسف الحد من طول هذه الملخصات التي "تُعد "الوثائق الأكثر إفادة بين الوثائق التي تستعرض نتائج التقييم".
وفي النظام المحدَّث لمراجعة طلبات المنح، يمكن، في حالات نادرة، الاستعانة بمراجعة داخلية يجريها أعضاء بفريق عمل المؤسسة ممن يتمتعون "بخبرة كافية" في المجال المطلوب، إن لم يستطع المشرفون على برامج المنح ضمان خضوع طلبات المنح لمراجعتين مستقلتين، ما يتيح كتابة التقييمات بواسطة أعضاء لجان المؤسسة أو المراجعين المُكلفين من خارجها. غير أن فكرة المراجعة الداخلية قوبلت بالرفض من جانب بعض أعضاء فريق عمل المؤسسة، لأنها تتعارض مع الهدف الذي قامت من أجله هذه الهيئة. ففي هذا السياق، قال أحد المسؤولين عن برامج المنح البحثية: "يُفترض بنا أن نخدم المجتمع البحثي، لا أن نفرض عليه الإملاءات".
وتنص الإرشادات الداخلية للمؤسسة على أن هذه الإجراءات تهدف إلى "تقليص أعباء العمل على مسؤولي برامج المنح البحثية وعلى المراجعين المستقلين، فضلًا عن الحد من التأخيرات" في عملية المراجعة.
انكماش في قوة عمل المؤسسة
يرى مسؤولون بالمؤسسة أن تبسيط إجراءات تحكيم طلبات المنح البحثية بها يُعد خطوة منطقية في ضوء الأعباء الجسام التي تنوء بها. فقد نفذت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حركة تسريح هائلة بالمؤسسة وشجعت العمالة الفيدرالية بها على الاستقالة، ما كلف المؤسسة نحو خُمس قوة العمل بها. واليوم، يضم فريق عمل المؤسسة نحو 1400 شخص، بعد أن تراجع من حوالي 1700 شخص في مطلع عام 2025. وخلال إغلاق حكومي استمر 43 يومًا شهده شهرا أكتوبر ونوفمبر الماضيين، اضطُرت المؤسسة لإلغاء أكثر من 300 لجنة للنظر في طلبات المنح البحثية المقدمة إليها. وقد تقرر تحديد موعد جديد لانعقاد هذه اللجان. مع ذلك، تخلفت مؤسسة العلوم الوطنية الأمريكية حتى هذه اللحظة عن الموعد الذي حددته للبت في طلبات المنح المقدمة إليها.
ولم يوضح المتحدث باسم المؤسسة ما إذا كانت التغييرات الجديدة دائمة أم أنها تعديلات مؤقتة فقط لمواجهة الأزمة الحالية، إلا أنه صرح بأن السياسة الجديدة من شأنها أن "تسرع وتيرة علاج التأخير الناجم عن الإغلاق الحكومي مع الحفاظ على دقة عملية المراجعة الخارجية للطلبات المستحقة للمنح".
على أن المؤسسة تواجه في الوقت الحالي اضطرابات أخرى بخلاف تقليص عمالتها. فهذا الأسبوع، لإفساح مقرها لوزارة الإسكان والتنمية الحضرية، من المزمع أن تنهي المؤسسة إجراءات الانتقال إلى مقر جديد. ومقرها الجديد، الذي يقع على مبعدة كيلومتر من مقرها الحالي، لا يزال غير مؤثث وغير مزود بشبكة حواسيب. ولا يعرف طاقم المؤسسة على وجه التحديد متى سيعاودون العمل من مقرها.
هذه ترجمة المقال الإنجليزي المنشور في دورية Nature بتاريخ 15 ديسمبر عام 2025.
doi:10.1038/nmiddleeast.2025.233
تواصل معنا: