أخبار

أدوية السِّمنة الجديدة.. هل تنجح في علاج الإدمان أيضًا؟

نشرت بتاريخ 29 ديسمبر 2025

الباحثون على اختبار الأدوية القائمة على هرمون GLP-1، التي ثبت أنها تقلل النهم إلى الطعام، للنظر فيما إن كان بإمكانها المساعدة أيضًا على تقليل الرغبة في تدخين السجائر أو تعاطي الكحوليات والمواد الأفيونية.

إيلي دولجين

الصورة من تصميم: كارول برانش
الصورة من تصميم: كارول برانش

تلقَّت عالِمة الأعصاب سو جريجسون في شهر أبريل الماضي رسالةً إلكترونيةً من رجلٍ يَسرد فيها معاناته على مدى سنوات للتخلّص من الإدمان: على المواد الأفيونية أولًا، ثم على الدواء الذي كان يُفترض أن يساعده على الإقلاع.

كان الرجل قد اطّلع بالصدفة على دراسة لجريجسون تُشير إلى أن بعض الأدوية المضادّة للسمنة أسهمت في تقليل إدمان الجرذان لمواد مخدرة، مثل الهيروين والفنتانيل. فقرّر أن يبذل محاولة أخرى للإقلاع، هذه المرة بتناول «أوزيمبك» Ozempic، ذلك الدواء الذي أحدث ثورة في علاج السمنة وداء السكري، واسمه العلمي «سيماجلوتايد» semaglutide، وهو أحد الأدوية التي تقوم على الببتيد الشبيه بالجلوكاجون 1 (أو ما يُعرف بهرمون GLP-1). تقول جريجسون، الباحثة بكلية طب جامعة ولاية بنسلفانيا في هيرشي: "حينها كتب إليَّ… ليخبرني إن جسمه خالٍ من المخدرات والكحول لأول مرة في حياته البالغة".

وسرعان ما انتشرت قصص كهذه خلال الأعوام القليلة الماضية، عبر المنتديات الإلكترونية وعيادات إنقاص الوزن وفي عناوين الأخبار. قصصٌ عن أشخاص يتناولون أدوية السكري وإنقاص الوزن مثل «السيماجلوتايد» (المطروح باسم تجاري آخر، هو «ويجوفي» Wegovy) و«التيـرزِباتـايد» (الذي يُباع بِاسْمَين تجاريَّيْن: «مونجارو» Mounjaro و«زيباوند» Zepbound)، وإذا بهم يكتشفون أنهم صاروا قادرين على التخلُّص من الإدمان المزمن: على السجائر والكحول، وعلى غير ذلك من العقاقير. وها هي البيانات الإكلينيكية تؤيد هذه الروايات.

ففي وقت سابق من هذا العام، أفاد فريق بقيادة عالم النفس كريستيان هيندرشوت — الذي يعمل حاليًا في جامعة جنوب كاليفورنيا في لوس أنجلوس — في تجربة عشوائية (أو معشَّاة) هامة بأنَّ إعطاء حقنة «السيماجلوتايد» أسبوعيًا أسهم في تقليل تناوُل الكحول¹، فيما يُعد دليلًا قويًا على أن أدوية GLP-1 يمكن أن تغيّر السلوك الإدماني. ويجري حاليًا تنفيذ أكثر من اثنتي عشرة دراسة إكلينيكية عشوائية حول العالم لاختبار أدوية GLP-1 في علاج الإدمان، ومن المتوقع صدور بعض نتائجها خلال الأشهر القليلة المقبلة.

وفي الأثناء، يعكف علماء الأعصاب على دراسة الكيفية التي تكبح بها أدوية إنقاص الوزن الإدمان من خلال تأثيرها في مستقبلات الهرمونات داخل مناطق دماغية تتحكّم في الرغبة والمكافأة والدافعية. وقد تبيّن لهم أن علاجات GLP-1 تساعد على تخفيف تدفُّق الكحول والمواد الأفيونية والنيكوتين والكوكايين عبر بعض المسارات العصبية التي تكبح إشارات الجوع وفرط الأكل. يقول روجر ماكنتاير، وهو مختص في علم الأدوية النفسية في جامعة تورنتو بكندا: "جوهر الأمر أن النظام العصبي البيولوجي الذي تُنشّطه مواد المكافأة — سواءٌ أكانت مرتبطةً بتناول الطعام أو ممارسة الجنس أو تعاطي المخدرات أو سماع موسيقى الروك آند رول — هو النظام نفسه". ومن هنا ذهب بعض الباحثين إلى التحقق مما إذا كان من الممكن، بتأثير هذه الأدوية في دوائر دماغية مرتبطة بالمكافأة، أن تُسهم أيضًا في علاج الخرف والاكتئاب.

غير أن العلماء يستدركون بالقول إن هذا البحث لا يزال في مراحله الأولى. يقول دبليو. كايل سيمونز، خبير التصوير العصبي بجامعة ولاية أوكلاهوما في تولسا الذي يقود تجربةً لأدوية GLP-1 لخفض تناول الكحول: "علينا أن نتحقق أولًا من فعالية هذه الأدوية وأمانها".

لكن الحماس والتفاؤل يملآن الكثيرين من الباحثين والأطباء. تقول إليزابيت ييرلهاج هولم، وهي عالمة أحياء متخصصة في دراسة الإدمان بجامعة جوتنبرج في السويد، إنه لم تحظَ فئة دوائية جديدة لعلاج الإدمان على الموافقة منذ عقود، وإذا ثبتت فعالية أدوية GLP-1 في تجارب أوسع نطاقًا، فسوف تكون – على حد وصفها – "حدثًا ثوريًّا".

التي يؤكد فيها أشخاص أن أدوية GLP-1 ساعدتهم على الإقلاع عن إدمان النيكوتين المزمن. حقوق الصورة: Tolga Akmen/AFP/Getty
التي يؤكد فيها أشخاص أن أدوية GLP-1 ساعدتهم على الإقلاع عن إدمان النيكوتين المزمن. حقوق الصورة: Tolga Akmen/AFP/Getty

من المختبر إلى دائرة الضوء

الضجة المثارة حاليًا حول أدوية GLP-1 وأثرها في علاج الإدمان ليست وليدة اليوم، وإنما تشكَّلت على مدى سنوات. طُوِّرت هذه الأدوية في الأصل للسيطرة على سكر الدم لدى المصابين بداء السكري من النوع الثاني من خلال محاكاة هرمون GLP-1. وسرعان ما تبيَّن أن هذه الأدوية يمكن أن تكبح الشهية وتعزّز إنقاص الوزن أيضًا؛ ذلك أنها تؤثّر في مستقبلات هرمونية موجودة في البنكرياس والأمعاء — حيث تُسهم في تنظيم سكر الدم وإرسال إشارات الشبع — إضافةً إلى أن لها مفعولًا في مناطق رئيسية من الدماغ تتحكّم في المكافأة والدافعية، فتخفف بذلك النهم إلى الأطعمة اللذيذة عالية السعرات.

وفي أوائل العقد الثاني من الألفية، بدأت هولم تتساءل عمّا إذا كان بالإمكان الاستعانة بهذه الأدوية في تخفيف النهم إلى أشياء أخرى. فكان أن نشرت سلسلة من ثلاثة أبحاث تُظهر قدرة هذه العقاقير على إخماد الرغبة لدى جرذان وفئران مدمنة على الكحول² والنيكوتين³ ومنبّهات مثل الأمفيتامين والكوكايين⁴. وأثبت فريقها⁵ كذلك أن علاج GLP-1 يمكن أن يقلّل من سلوكيات شبيهة بالانتكاس لدى الحيوانات؛ وهي الحالة التي يعود فيها الأشخاص إلى إدمان المخدرات بعد فترة إقلاع.

على أن هذه النتائج، حسبما ذكرت الباحثة، لم تُثِر اهتمامًا يُذكر بين باحثي الإدمان، كما لم تُبدِ شركات الأدوية أي اهتمام بدورها. تقول: "كنتُ أغرِّد وحدي لفترة طويلة".

لكن لورينتسو ليدجو، الطبيب والباحث في المعاهد الوطنية للصحة في بالتيمور بولاية ميريلاند، التفت إلى عملها. فقد كان هو أيضًا يراقب دلائل تُشير إلى أن هرمون GLP-1 قد يؤثر في السلوك الإدماني. وفي عام 2015، وضع يده في يد هولم للكشف عن أول دليل على وجود صلة بين الهرمون وإدمان الإنسان على الكحول؛ فقد وقف الفريق على متغيّر شائع في جين مستقبل GLP-1 يرتبط بارتفاع معدلات الشرب6.

بالاستعانة بأنسجة دماغ بشرية مأخوذة بعد الوفاة، أظهر مختبر ليدجو لاحقًا أن المصابين باضطراب تعاطي الكحول لديهم مستويات مرتفعة من مستقبلات GLP-1 في مناطق رئيسية من الدماغ مرتبطة بالمكافأة⁷. وهذا، فيما يرجِّح ليدجو، يعكس استجابةً تكيُّفية: فالكحول يُضعِف إنتاج الجسم لهرمون GLP-1، فيعمد الدماغ إلى رفع التعبير عن مستقبلات الهرمون للحفاظ على حساسيته ضمن الدوائر العصبية التي تنظّم المكافأة والدافعية.

هذه النتائج، إلى جانب العدد المتزايد من الدراسات الحيوانية، تؤيد وجود صلة بين GLP-1 والسلوك الإدماني. ومع ذلك، لم يطفُ هذا الموضوع على السطح إلّا في مايو 2023، حين نشرت مجلة «ذي أتلانتيك» The Atlantic مقالًا بعنوان: «هل ابتكر العلماء علاجًا للإدمان بمحض الصدفة؟»Did Scientists Accidentally Invent an Anti-addiction Drug?، يحكي عن أشخاص يتناولون «السيماجلوتايد» ويقولون إن رغبتهم في التدخين أو الشرب قد تلاشت. كانت تلك نقطة تحوُّل بلا شك، حسبما يقول ليدجو، الذي انهالت عليه آنذاك اتصالات من الصحفيين.

غير أن أولى التجارب المحكَّمة جاءت بنتائج مخيّبة للآمال إلى حدٍّ بعيد. فقد توصّلت دراسة نُشرت عام 2022 في الدنمارك، بقيادة عالم طب النفس أندرس فينك-ينسن من جامعة كوبنهاجن، إلى أن العلاج الأسبوعي بـ«الإكسيناتايد» (exenatide) — وهو أحد مركَّبات «الجيل الأول» من أدوية GLP-1، استُخدم منذ عام 2005 لعلاج داء السكري ولم يُجَز قطّ لعلاج السمنة — لم يؤدِّ إلى انخفاض معتبر في عدد أيام الشرب المفرط لدى مدمني الكحول⁸. وخلُصت تجربة أُجريت عام 2023 في سويسرا إلى أن «الدولاجلوتايد» (dulaglutide)، وهو دواء آخر قديم من أدوية GLP-1، لم يُساعِد الأشخاص على الإقلاع عن التدخين⁹.

لكن نتائج أخرى أوحت بأن لهذه الأدوية أثرًا محتملًا. ففي تجربة¹⁰ قادها جريجسون وعالِم النفس سكوت بونس من جامعة ولاية بنسلفانيا أيضًا، شملت عشرين شخصًا مصابين يعانون الإدمان على المواد الأفيونية، أظهر العلاج بالـ«ليراجلوتايد» (liraglutide) — وهو دواء آخر من أدوية «الجيل الأول» منGLP-1 — فعالية في خفض الرغبة في تعاطي المواد الأفيونية بنحو 40%. وعندما استعان فريق فينك-ينسن بتقنية التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI) لدراسة أدمغة الأشخاص الذين تناولوا «الإكسيناتايد» في تجربتهم الإكلينيكية، لاحظوا خمود النشاط في مناطق مرتبطة بالمكافأة عندما شاهد المشاركون صورًا لمشروبات كحولية⁸.

ومع ذلك فمن الملاحَظ أن أدوية «الجيل الأول» المستخدمة في هذه الدراسات الأولية أقلّ فاعلية بكثير من عقاقير مثل «السيماجلوتايد» أو «التيرزباتايد». فمركّبات الجيل الثاني هذه ترتبط بقوة أكبر بمستقبل GLP-1، وتظلّ فعّالة في الجسم لمدة أطول، وظهرت لها آثار إيجابية أكثر في علاج مجموعة من الأمراض والاضطرابات الصحية. فهل يمكن لهذه الأدوية الحديثة أن تُغيّر سلوك الأشخاص الذين يعانون من الإدمان؟

تثبيط النشوة

بحثًا إن إجابةٍ لهذا السؤال، يجري الباحثون حاليًا عددًا كبيرًا من التجارب الإكلينيكية التي تُنتظر نتائجها على أحرِّ من الجمر. اختبر فينك-ينسن وزملاؤه بالفعل ما إذا كانت الجرعة العالية من «السيماجلوتايد» المعتمدة لإنقاص الوزن يمكن أن تقلّل من تعاطي الكحول لدى 108 أشخاص مصابين يعانون من السمنة وإدمان المواد الكحولية، في تجربة إكلينيكية اختُتِمت أوائل هذا العام، ويقول إن يُنتظر نشر النتائج في أوائل عام 2026.

وفي الولايات المتحدة، يقود ليدجو وسيمونز، كلًّا على حدة، تجارب عشوائية مستقلة لكنها منسقة لاختبار «السيماجلوتايد» المحقون لدى أشخاص يشربون الكحول بكميات معتدلة إلى عالية، وتنطبق عليهم مواصفات الإدمان على الكحول. تضم تجربة ليدجو 52 شخصًا لاختبار جرعة عالية من دواء «ويجوفي»، في حين تختبر تجربة سيمونز، التي تضم 80 شخصًا، جرعةً منخفضة من «أوزيمبك» الذي يوصف عادةً لعلاج السكري. ويُجري عالم النفس جوزيف شاخت في جامعة كولورادو، تجربةً أخرى على متعاطي الكحول معتمدًا على أقراص «السيماجلوتايد» الفموية المطروحة في الأسواق بالاسم التجاري: «رايبلسوس» Rybelsus. ويأمل الباحثون الثلاثة، بالتنسيق فيما بينهم، في الوقوف على آلية تأثير الاختلافات في الجرعة وطريقة أخذ العلاج على النتائج.

يقول شاخت إن الأقراص، رغم أنها أقل فاعلية من الحقن، قد تكون أكثر جاذبية للأشخاص المصابين بإدمان الكحول، بالنظر إلى أن لدى الكثيرين منهم تجارب سابقة مع تعاطي عقاقير تُؤخذ عبر الحُقَن، مثل الفنتانيل. يقول: "قد يتحفَّظون على الإبر، لأنها تذكّرهم بحقن المخدرات".

في جميع هذه التجارب التي تقوم على الاستعانة بعقار «السيماجلوتايد» في علاج معاقرة الخمر، يعتمد الباحثون أيضًا على تقنية التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي لأخذ لقطات للدماغ قبل العلاج وبعده، لتوضيح كيف تتغير الاستجابات لمحفزات مرتبطة بالكحول، مثل المشروبات أو الصور. وهذا من شأنه أن يُظهر ما إن كان الدواء يعطّل الدافع الدماغي للكحول، أي الإحساس بالمكافأة وشعور النهم الذي يؤدي إلى الإدمان. كما قد تكشف نتائج التصوير عن أنماط نشاط دماغي أكثر شيوعًا لدى الأشخاص الذين يستفيدون من علاجات GLP-1 مقارنةً بمن لا يستفيدون منها. يقول سيمونز: "قد يجعلنا ذلك أقدر على تحديد الأشخاص الذين يُحتمل أن يكون للدواء معهم فعالية أعلى".

تشريح شعور المكافأة

يسعى الباحثون إلى الوقوف على آلية تأثير أدوية GLP-1 في نظام المكافأة في الدماغ. فقد أظهرت النماذج الحيوانية أن المواد المحفزة لشعور المكافأة — مثل الكحول والنيكوتين والمواد الأفيونية والطعام — تنشّط دوائر عصبية مشابهة. وتربط هذه الدوائر بين هياكل دماغية عميقة مثل المنطقة السقيفية البطنية (ventral tegmental area) التي تخرج منها الخلايا العصبية المكوِّنة للناقل العصبي (الدوبامين)، وبين النواة المتكئة (nucleus accumbens) حيث تصل إشارات الدوبامين وتُسجَّل على أنها متعة. وعادةً ما ترسل كل رشفة أو نفخة أو جرعة دفعةً من الدوبامين عبر هذه الدائرة، ما يُعلّم الدماغ الرغبة بالمزيد ويُعزّز السلوك الإدماني.

توجد مستقبلات GLP-1 على أسطح الخلايا العصبية في جميع أنحاء هذه الشبكة، وعند تفعيلها يُعتقد أنها تُقلّل تدفّق الدوبامين والرسائل الكيميائية الأخرى، لتصبح المواد المحفزة للمكافأة أقل جاذبية. وعندما تُحاكي أدوية مثل «السيماجلوتايد» مستقبلات GLP-1، تخفّ استجابة الدوبامين ويتلاشى الإلحاح على تكرار السلوك الإدماني.

كما تُشير الدراسات الحيوانية إلى أن التأثير في استجابات التوتر يلعب دورًا في فعالية هذه الأدوية؛ فعندما تُنشط الأدوية مستقبلات GLP-1 في مناطق دماغية مثل اللوزة الدماغية، تُساعد على الحد من تدفُّق هرمونات التوتر المصاحب للقلق والانسحاب والنهم. وهذا التأثير المزدوج — تهدئة الانزعاج من ناحية، والانزعاج من ناحيةٍ أخرى — قد يفسر قدرة هذه العلاجات على تقليل النهم والانتكاس، على الأقل لدى القوارض.

وفي حالة الكحول، من المحتمل أن تُقلّل الأدوية من الرغبة في الشرب أيضًا من خلال تأثيرها في الأمعاء والمسارات التي تتحكّم في الشهية والشبع. أما في الدماغ، فتشير الدراسات إلى أن الأدوية تعمل بطرق متشابهة إلى حدٍّ بعيد. يقول سيمونز: "قد يختلف الأمر قليلًا حسب نوع الإدمان، أما الآلية العامة فأكبر الظن أنها واحدة".

وهذا بالضبط ما يثير حماس باحثي الإدمان؛ فالعلاجات الدوائية المطروحة حاليًّا عادةً ما تعالج شكلًا واحدًا من أشكال الإدمان، لأنها تستهدف نفس المستقبلات أو الناقلات العصبية للمواد المُدمَن عليها. وحتى أفضل العلاجات لا تحقق سوى نجاح محدود ومؤقت.

ويقول هيث شميدت، عالم الأدوية العصبية في كلية التمريض بجامعة بنسلفانيا في فيلادلفيا: "من خلال استهداف الدوائر المشتركة المتحكِّمة في شعور المكافأة والدافعية، قد تتمكن علاجات GLP-1 نظريًا من معالجة الإدمان أيًّا كان شكله أو مصدره، بل وتسهم في علاج الأشخاص الذين يدمنون على أكثر من مادة في الوقت نفسه. وهذا شيءٌ غيرُ معهود".

روابط إدراكية

هذا الربط بين مستقبلات GLP-1 وشعور المكافأة هو ما أثار الاهتمام بعلاج اضطرابات تتجاوز الإدمان. والسبب في ذلك يرجع إلى أن الدوائر الدماغية المسؤولة عن شعور المكافأة هي نفس الدوائر التي تدعم أيضًا التعلم والذاكرة والدافعية واتخاذ القرار؛ وجميعها عناصر أساسية للإدراك البشري.

وقد ألهمت هذه العلاقة بعض باحثي طب النفس والأعصاب لاستكشاف أدوية GLP-1 كعلاجات محتملة لمجموعة من الاضطرابات المعرفية والنفسية العصبية، ومنها مرض «ألزهايمر» واضطرابات الحالة المزاجية مثل الاكتئاب، والتي غالبًا ما تُحدث مشاكل مستمرة في التركيز والذاكرة يصعب على مضادات الاكتئاب الحالية معالجتها.

ومع ذلك، جاءت نتائج التجارب الإكلينيكية حتى الآن مخيّبة بعض الشيء. ففي الشهر الماضي، أفادت شركة «نوفو نورديسك» Novo Nordisk الدنماركية، المنتجة لعقار «سيماجلوتايد»، أن النسخة الفموية من الدواء لم تُبطئ التراجع الإدراكي لدى المصابين بمرض «ألزهايمر» في تجربتين إكلينيكيتين كبيرتين في المرحلة الثالثة من التنفيذ. جاءت هذه الانتكاسة بعد أسابيع قليلة من نشر ماكنتاير ورودريجو مانسور، عالم الطب النفسي في مستشفى تورونتو ويسترن بكندا، بيانات تجربة عشوائية للسيماجلوتايد شملت 72 شخصًا مصابًا بالاكتئاب. وبعد مُضي 16 أسبوعًا، لم يؤدِّ العلاج إلى تحسن ملحوظ في الأداء الإدراكي العام، لكن الفريق لاحظ تحسنًا في جوانب الانتباه والذاكرة¹¹.

ورغم ذلك، أعرب مانسور عن تفاؤله بأن تظل استراتيجية الدواء واعدةً في علاج اضطرابات الحالة المزاجية، قائلًا: "إنها تملأ الثغرات من خلال المساعدة في أمور لا تكون مضادات الاكتئاب عادةً بارعة فيها".

شهادات متواترة

أما فيما يتعلق بعلاج الإدمان، فيقول الباحثون إنهم ما زالوا بعيدين عن نيل الموافقة التنظيمية لأي من هذه الأدوية. فهم بحاجة أولًا إلى دليل واضح وقابل للتكرار من تجارب عشوائية كبيرة تُظهر تراجعًا ملحوظًا في تعاطي هذه المواد على نحوٍ ينعكس بالإيجاب على حياة الناس؛ فالتغيّرات في نشاط الدماغ أو الرغبة وحدها غير كافية.

ويشير المتخصصون إلى عقبة أخرى، تتمثل في التأكد من أن تأثيرات الأدوية في الوزن والشهية لا تجعل علاج الإدمان أكثر تعقيدًا. فكثيرٌ ممَّن يتعاطون المواد المخدرة يعانون اضطرابًا في أنماط تناول الغذاء، بسبب أسلوب حياتهم أو تغيّرات الشهية الناتجة عن تعاطي المخدرات، وهناك مخاوف من أن يؤدي علاج GLP-1 إلى فقدان وزن غير مرغوب فيه، أو سوء تغذية أو هزال. ولتقليل هذه المخاطر، تتطلب التجارب الإكلينيكية لأدوية GLP-1 لعلاج الإدمان عادةً أن يكون المشاركون يعانون من زيادة الوزن أو السمنة. كما يحتاج الباحثون إلى تقييم ما إذا كان الأشخاص يعودون إلى السلوكيات الإدمانية عند التوقف عن تناول الدواء.

لكن شركات الأدوية الكبرى بدأت الآن تدخل على الخط: فشركة «نوفو نورديسك» تختبر ما إذا كان يمكن لعقار «السيماجلوتايد»، بمفرده أو بالاشتراك مع علاجات أخرى، أن يقلل تلف الكبد وشرب الكحول لدى المصابين بأمراض الكبد المرتبطة بالكحول. كما أطلقت شركة «إيلي ليلي» Eli Lilly ، وهي المصنعة لعقار «التيرزباتايد» ومقرها ولاية إنديانا الأمريكية، تجربة تشمل 300 شخص يعانون من إدمان الكحول، لاختبار أحد عقاقيرها التجريبية لإنقاص الوزن، والذي يستهدف – مثله مثل «التيرزباتايد» – مسارًا هرمونيًّا إضافيًّا إلى جانب GLP-1.

وفي الأثناء، تتواتر قصص النجاح الشخصية. فوسائل التواصل الاجتماعي تمتلئ بشهادات من أشخاص يقولون إن الأدوية ساعدتهم على الإقلاع، لا عن النيكوتين والمواد الأفيونية فحسب، بل أيضًا عن سلوكيات قهرية مثل التسوّق والمقامرة وحتى قضم الأظافر.

ويشدد الباحثون على ضرورة توخِّي الحذر في التعامل مع مثل هذه القصص، فقد يكون تغيير العادات ناتجًا عن فقدان الوزن، مثلًا، لا نتيجةً للأدوية نفسها. لكن بالنسبة لعالمة الأعصاب جريجسون، التي تأثرت بشدة برسالة الرجل الذي انعتق من الإدمان، تساعد هذه القصص على إشعارها بأهمية أبحاثها. ففي وقت سابق من هذا العام، أطلقت هي وبونس تجربة شملت 200 شخص لعلاج إدمان المواد الأفيونية باستخدام عقار «سيماجلوتايد»، فيما يُعد أكبر دراسة أكاديمية من نوعها في مجال الإدمان.

تقول جريجسون: "الناس متفائلون، وهذا أمر إيجابي".

 

* هذه ترجمة المقال المنشور بمجلة Nature بتاريخ 2 ديسمبر 2025.

doi:10.1038/nmiddleeast.2025.231


1.   Hendershot, C. S. et al. JAMA Psychiatry 82, 395–405 (2025).

2.   Egecioglu, E. et al. Psychoneuroendocrinology 38, 1259–1270 (2013).

3.   Egecioglu, E., Engel, J. A. & Jerlhag, E. PLoS ONE 8, e77284 (2013).

4.   Egecioglu, E., Engel, J. A. & Jerlhag, E. PLoS ONE 8, e69010 (2013).

5.   Vallöf, D. et al. Addict. Biol. 21, 422–437 (2015).

6.   Suchankova, P. et al. Transl. Psych. 5, e583 (2015).

7.   Farokhnia, M. et al. Addict. Biol. 27, e13211 (2022).

8.   Klausen, M. K. et al. JCI Insight 7, e159863 (2022).

9.   Lengsfeld, S. et al. EClinicalMedicine 57, 101865 (2023).

10.  Freet, C. S. et al. Addict. Sci. Clin. Pract. 20, 89 (2025).

11.  Badulescu, S. et al. Med https://doi.org/10.1016/j.medj.2025.100916 (2025).