أخبار

أكثر من نصف الباحثين يستعينون بالذكاء الاصطناعي في مراجعة الأقران

نشرت بتاريخ 29 ديسمبر 2025

في استطلاع شمل 1600 باحث، تبيَّن أن أكثر من 50% منهم استخدموا أدوات الذكاء الاصطناعي في تحكيم الأبحاث ومراجعة الأقران.

ميريام ندّاف

تشير نتائج الاستطلاع إلى أن مراجعي الأقران يتجهون بشكل متزايد إلى استخدام الذكاء الاصطناعي. حقوق الصورة: Panther Media Global/Alamy
تشير نتائج الاستطلاع إلى أن مراجعي الأقران يتجهون بشكل متزايد إلى استخدام الذكاء الاصطناعي. حقوق الصورة: Panther Media Global/Alamy

أكثر من نصف الباحثين اعتمدوا على الذكاء الاصطناعي في مراجعة أبحاث علمية – هذا ما انتهى إليه استطلاع شمل نحو 1600 باحث أكاديمي في 111 دولة، أجرته دار نشر «فرونتيرز» Frontiers.

وأفاد ما يقرب من ربع المشاركين بأنهم زادوا من استخدامهم للذكاء الاصطناعي في مراجعة الأقران خلال العام المنصرم. تأتي هذه النتائج، المنشورة في الحادي عشر من ديسمبر من قِبَل دار النشر المذكورة، ومقرها في لوزان بسويسرا، لتؤكد حدس كثير من الباحثين، مع الانتشار الواسع للأدوات المعتمدة على النماذج اللغوية الكبيرة (LLMs) مثل «تشات جي بي تي» ChatGPT.

تقول إيلينا فيكاريو، مديرة نزاهة البحث في «فرونتيرز»: "علينا أن نواجه الحقيقة، والحقيقة أن الباحثين يستخدمون الذكاء الاصطناعي في مهام تحكيم الأبحاث ومراجعة الأقران". لكنها تستدرك قائلةً الاستطلاع يشير إلى أن الباحثين يعتمدون على الذكاء الاصطناعي في أداء هذه المهام "بالمخالفة للقواعد المعمول بها في كثير من الجهات، التي تحظر رفع المسوَّدات البحثية إلى أي أدوات أو تطبيقات تتبع جهات خارجية".

يسمح بعض الناشرين، ومنهم «فرونتيرز»، باستخدام أدوات الاصطناعي في مراجعة الأقران على نطاقٍ محدود، على أن يلتزم المراجعون بالإفصاح عن ذلك. وشأنها شأن أغلب دور النشر الأخرى، تحظر «فرونتيرز» على المراجعين رفع المسوَّدات البحثية غير المنشورة إلى مواقع روبوتات الدردشة، بسبب مخاوف تتعلق بالسرية والبيانات الحساسة والإضرار بالملكية الفكرية للمؤلفين.

يدعو تقرير الاستطلاع الناشرين إلى التجاوب مع الاستخدام المتزايد للذكاء الاصطناعي في مجال النشر العلمي، ووضع سياسات أكثر ملاءمة "للواقع الجديد". وقد أطلقت «فرونتيرز» نفسها منصة ذكاء اصطناعي داخلية لمحكِّمي الأبحاث الذين يتولَّون مراجعة الأقران في جميع مجلاتها. وتقول فيكاريو: "يجب التحلي بالمسؤولية لدى استخدام الذكاء الاصطناعي في مراجعة الأقران، مع ضرورة وضع إرشادات واضحة تمامًا، جنبًا إلى جنبٍ مع تفعيل مبدأ المساءلة البشرية، وإتاحة التدريب المناسب".

ويقول متحدث باسم دار النشر «وايلي» Wiley، ومقرها هوبوكن في ولاية نيوجيرسي الأمريكية: "نتفق على أن الناشرين يمكنهم، بل يتعيَّن عليهم، أن يفكروا بشكل استباقي وفعَّال في أفضل الممارسات، ولا سيما متطلبات الإفصاح التي تعزز الشفافية لدعم الاستخدام المسؤول للذكاء الاصطناعي". ويضيف أن «وايلي» توصَّلت، عبر استطلاع مماثل نُشر في وقت سابق من العام الجاري، إلى أن "الباحثين لا يثقون كثيرًا في استخدام الذكاء الاصطناعي في عملية مراجعة الأقران". ويقول: "لا نجد في مطبوعاتنا ما يتعارض مع ذلك".

التحقق والبحث والتلخيص

وجد استطلاع «فرونتيرز» أنه، من بين المشاركين الذين يستخدمون الذكاء الاصطناعي في مراجعة الأقران، يستخدمه 59% للمساعدة في كتابة تقارير المراجعة. وقال 29% إنهم يستخدمونه لتلخيص البحث، أو تحديد الثغرات، أو التحقق من المراجع، فيما يستعين به 28% من المشاركين لوضع أيديهم على الدلائل المحتمَلة على سوء السلوك البحثي، مثل السرقة العلمية وتكرار استخدام الصور.

وفي تعليقٍ أدلى به محمد حسيني، الذي يدرس أخلاقيات البحث ونزاهته في كلية فاينبرج للطب بجامعة نورثويسترن في شيكاغو بولاية إلينوي، ذكر أن الاستطلاع هو "محاولة جيدة لقياس مقبولية استخدام الذكاء الاصطناعي في مراجعة الأقران، ومدى انتشاره في سياقات مختلفة".

يجري بعض الباحثين اختباراتهم الخاصة للوقوف على حجم الانتفاع بنماذج الذكاء الاصطناعي في مراجعة الأقران. ففي نوفمبر الماضي، صمّم ميم رحيمي، باحث الهندسة في جامعة هيوستن بولاية تكساس، تجربة لاختبار قدرة النموذج «جي بي تي-5» على مراجعة ورقة بحثية في مجلة «نيتشر كوميونيكيشنز»Nature Communications  شارك هو في تأليفها.

استخدم رحيمي أربع إعدادات مختلفة: تراوحت من إدخال تعليمات (prompts) بسيطة تكتفي بطلب مراجعة للورقة دون سياق إضافي، إلى تزويده بمواد بحثية من الأدبيات العلمية لمساعدته على تقييم جدة ورقته ودقتها المنهجية. ثم قارن الباحث مخرجات الذكاء الاصطناعي بتقارير مراجعة الأقران الفعلية التي تلقاها من المجلة، وناقش نتائجه في مقطع فيديو على منصة «يوتيوب».

خلُص رحيمي من تجربته إلى أن «جي بي تي-5» يمكنه محاكاة بنية تقرير مراجعة الأقران، فضلًا عن استخدام لغة مصقولة، لكنه أخفق في تقديم ملاحظات بنّاءة، ووقع في أخطاء معلوماتية. وحتى التعليمات الأكثر تعقُّدًا وتفصيلًا لم تُحسّن أداء الذكاء الاصطناعي؛ بل إن الإعدادات الأكثر تعقيدًا أنتجت مراجعات أضعف. ووجدت دراسة أخرى أن المراجعات التي أنشأها الذكاء الاصطناعي لعشرين مسوَّدة بحثية كادت أن تضاهي مراجعات أجراها مراجعون، لولا أنها أخفقت في تقديم نقد تفصيلي.

يقول رحيمي إنه خرج من هذه التجربة بخلاصة مفادها أن أدوات الذكاء الاصطناعي "قد تتيح بعض المعلومات، لكن إذا اكتفى بها المرء، فسوف يكون الضرر فادحًا".

نظام مغلق

في وقت سابق من هذا العام، اختبرت «فرونتيرز» أداة ذكاء اصطناعي داخلية لمراجعي الأقران في عدد محدود من مجلاتها. إنها تعتمد على نموذج «جي بي تي» ضمن بيئة مغلقة تحمي سرية الأبحاث والملكية الفكرية للمؤلفين. وتوضح فيكاريو أن المنصة تقترح تعليمات سبق إدخالها من قبل دار النشر، ما يتيح لها تنفيذ مهام مثل تلخيص البحث أو التحقق مما إن كان موضوعه يندرج ضمن نطاق المجلة.

للمراجعين أن يستخدموا الأداة، لكن ليس لهم أن ينقلوا النصَّ الذي يولّده روبوت الدردشة نقلًا حرفيًّا في تقريرهم؛ ذلك أن هذه الأداة "لم تُصمَّم لاستبدال المراجعين أو توليد تقارير كاملة" نيابةً عنهم، كما تقول فيكاريو.

ويمكن لمحرري المجلات معرفة إن كان المراجِعون قد استخدموا النظام، والإفصاح عن استخدام الذكاء الاصطناعي لمؤلفي الورقة قيد المراجعة. وفي الأثناء، تتجه شركة «فرونتيرز» تعميم الأداة على جميع مجلاتها. يقول رحيمي: "قد تكون هذه استجابة لا بأس بها، [تسعى الشركة من خلالها إلى] مواكبة التطورات على هذا الصعيد"، مضيفًا: "أتطلع إلى أن أرى مستوى جودة أدائها".

وتقول فيكاريو: "لا تزال هذا الأداة في مراحلها الأولى، وسنعمل على تحسينها وتطويرها بشكل مستمر".

* هذه ترجمة المقال الإنجليزي المنشور بمجلة Nature بتاريخ 15 ديسمبر 2025.

doi:10.1038/nmiddleeast.2025.234


1.   Hassan, A., Afshari, M. & Rahimi, M. Nature Commun. 16, 6333 (2025).