أخبار

كيف نرصد العلماء الوهميين ونمنعهم من نشر الأبحاث العلمية

نشرت بتاريخ 10 ديسمبر 2025

الدوريات تدرس إدخال عمليات التحقق من الهوية لكشف المؤلفين المزيفين - لكن ثمة مساوئ لهذه العمليات.

ميريام ندّاف

Illustration by Adam Wójcicki

Illustration by Adam Wójcicki

بدت المسيرة المهنية لبياتريس يتشوسي في مجال الرياضيات واعدة للغاية. فهي التي تعمل في جامعة روسكيلدا بالدنمارك، وتنشر الأبحاث العلمية؛ حيث نشرتْ في عامَي 2015 و2016 وحدهما، خلال عملها هناك، أربع أوراق بحثية تناولت المعادلات الرياضية للجسيمات الكمية، والتدفق الحراري، والهندسة؛ كما تشارك في مراجعة عدد من المسوّدات البحثية لصالح دوريات علمية مرموقة.

وما لبثتْ بعدها بضع سنوات حتى نضب معينها من الأبحاث الواعدة. وببعض التحريات من قبل ناشر ثلاثٍ من هذه الأوراق، تبين أن الدراسات ليست معيبة فحسب، بل إن يتشوسي نفسها ليس لها وجود أصلًا.

وكان اسم يتشوسي واحدًا ضمن شبكة تضم 26 اسمًا وهميًّا ما بين مؤلف ومراجع، نجحوا في اختراق أربع دوريات متخصصة في الرياضيات تابعة لدور نشر «سبرنجر نيتشر»، التي تتخذ من لندن مقرًا لها.

وكان وراء هؤلاء الباحثين المزيفين ما يُعرف بمصانع الأوراق البحثية، وهي شركات تتلاعب بعمليات مراجعة الأقران وتبيع أوراقًا بحثية زائفة للباحثين الساعين إلى تعزيز سجلهم الأكاديمي. وهكذا، عبر اختراع شبكة مستقرة وثابتة من العلماء الوهميين، تستطيع مصانع الأوراق البحثية أن تنشئ مخزونًا جاهزًا من المنشورات العلمية وعمليات مراجعة أقران ميسرة تابعة لها؛ ما يزيد من فرص قبول الأوراق المقدمة ونشرها. حيلة امتلاك علماء مزيفين تتيح للمصانع زيادة ما تنتجه من أبحاث، وفي الوقت نفسه تُكسب عملاءها الذين يدفعون مقابل هذه الخدمات وهجًا من المصداقية.

اختلق هذا المصنع تحديدًا هويات لنحو 26 مؤلفًا ومراجعًا ليستخدمها في نشر 55 مقالًا - في واحدة من أكبر عمليات الاحتيال الموثقة في مجال النشر العلمي. وبعد تحريات مطولة، سحبت دار نشر «سبرنجر نيتشر» التي تصدر أيضًا دورية Nature الأوراق البحثية الثلاث. (فريق الأخبار بدورية Nature مستقلٌ تحريريًا عن دار النشر).

اكتشف ناشرون آخرون عمليات احتيال مماثلة، شاع فيها المراجعون الوهميون أكثر من المؤلفين المزيفين. ويعترف الباحثون أن هذا النوع من الاحتيال لا يبدو شائعًا على نحو هائل، لكن حجمه الحقيقي يظل مجهولًا. يقول ريز ريتشاردسون، المتخصص في منهجية البحث العلمي بجامعة نورث ويسترن في مدينة إيفانستون بولاية إلينوي: "نحن نسير هنا على غير هدى تمامًا".

كما يمكن لمصانع الأوراق البحثية أو حتى بعض الأفراد انتحال صفة باحثين حقيقيين، فيسرقون هوياتهم الشخصية لتبدو الأبحاث المقدمة للنشر شرعية، ولتعزيز فرص قبولها.

وبالفعل يتحقق معظم الناشرين من هوية المؤلف قبل قبول الأوراق البحثية. فيعول البعض على سبل التحري البسيطة، من ذلك مثلًا؛ هل يستخدم الباحث بريدًا إلكترونيًّا مقترنًا بمؤسسة معروفة. والبعض الآخر يعتمد اختبارات متعددة. تتحرى دوريات «فرونتيرز» Frontiers، على سبيل المثال، عن سجلات الباحثين وتقارنها بمعلومات أخرى، كما تفتش عن منشوراتهم السابقة للتأكد من مصداقيتهم. كما تطلب من المؤلفين التأكيد على إسهامات المؤلفين الآخرين المدرجين في الورقة البحثية.

غير أن عمليات التحقق من الهوية تبقى صعبة، ذلك أن محرري الدوريات ومراجعيها والمؤلفين عادةً ما يتواصلون عن بُعد عبر البريد الإلكتروني أو أنظمة تقديم الأبحاث. فعملية النشر العلمي تعتمد في المقام الأول على الثقة بين الباحثين والدوريات. تجري مناقشات مستمرة حول إمكانية تبني إجراءات أكثر صرامة - مثل: اشتراط استخدام بريد إلكتروني مقترن باسم المؤسسة البحثية، أو تسجيل الدخول عبر نظام يستخدم بيانات اعتماد الجامعة - وحتى طلب وثائق رسمية مثل جواز السفر أو رخصة القيادة.

لكن هذه النوعية من الإجراءات قد تخاطر باستبعاد الباحثين الذين لا ينتمون إلى مؤسسات معروفة، بالإضافة إلى الباحثين في مستهل مسيرتهم المهنية وأولئك الموجودين في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل الذين لا يمتلكون بريدًا إلكترونيًّا تابعًا لمؤسسة بحثية، بحسب أديا ميجرا، المديرة المشاركة لشؤون النزاهة البحثية بدار نشر «سيدج» Sage Publications في ليفربول بالمملكة المتحدة. كما قد لا يشعر محررو الدوريات بالارتياح للعب دور "ضابط شؤون الهجرة"، عبر تفقد الهويات مع كل بحث مُقدَّم. تقول ميجرا: "ما نفتقده في هذا القطاع هو وجود معايير واضحة تحدد من يعتبر باحثًا موثوقًا أو معترفًا به".

رياضياتيون منتحلون

في عام 2018 اكتشف أحد القراء زوجًا من الأوراق البحثية المشوبة بالأخطاء والمتطابقة تطابقًا شبه تام، كانتَا قد نُشرتَا في دوريتين متخصصتين في الرياضيات في العام السابق، وأبلغ فريقَ تحرير الدوريتين. اكتشف ناشر الدوريتين، «سبرنجر نيتشر»، أن كلَا المقالين استعان بمحكمين وهميين.

ولم تكن هذه سوى البداية. فقد تبين أن المحكمَين الوهميين كانَا قد ظهرَا بصفتهما مؤلفَين في أبحاث سابقة، مع العلم أن بعض الدوريات، بما فيها الدوريتان اللتان نشرتَا البحثَين المعيبَين، تسمح للمؤلفين بترشيح محكمين من اختيارهم. وهكذا بمجرد أن أمسى الاسمان المختلَقان مؤلفَين منشور لهما أعمال، توالى ترشيحهما على نحو متكرر للمراجعة.

بين عامَي 2013 و2020، نشر مصنع الأوراق البحثية 55 بحثًا بمساعدة 13 محكمًا وهميًّا و13 مؤلفًا مزيفًا، يُفترض أنهم مقيمين في أماكن مختلفة حول العالم.

ظهر معظم هؤلاء المؤلفين الوهميين في مقال واحد فقط بصفتهم مؤلفين، لكن رُشّحوا بصفتهم مراجعين 68 مرة. أما المحكمون الوهميون الـ13 فلم يكن لديهم أي تاريخ في النشر، ودُعوا إلى عمليات التحكيم 25 مرة. وعندما اتصلتْ «سبرنجر نيتشر» بالمؤسسات التي يُفترض أن هؤلاء الباحثين ينتمون إليها، أكدت هذه الجامعات أن هؤلاء الأشخاص لم يكونوا قط بين كوادرها.

يشير تيم كيرزيز، رئيس شؤون النزاهة البحثية بـ«سبرنجر نيتشر» في مدينة دوردريخت بهولندا، إلى أن حقيقة دعوة العلماء المزيفين للتحكيم، ممن يملكون سجلًا في النشر أكثر من أولئك الذين يفتقرون إليه، تفسر سر تكبد مصانع الأوراق البحثية عناء نشر أعمال تحت أسماء مزيفة من البداية.

استغرق الأمر من «سبرنجر نيتشر» عامين لتحري هذه الحلقة من العلماء المزيفين، لتكتشف في نهاية المطاف أنهم على الأرجح نتاج مصنع للأوراق البحثية مقرّه الصين، ولتسحب كافة الأوراق المتضررة بحلول مطلع عام 2021.

يقول كيرزيز: "لطالما قامت العلوم على الثقة، وحينها، لم تكن التوعية بانتحال الهوية في عمليات التحكيم منتشرة على نطاق واسع. فقلما كان يحدث هذا النوع من الاحتيال، وكان المحررون أقل انتباهًا إلى هذه المخاطر. أما اليوم، فنحن نعتمد ضوابط أكثر صرامة، ونقدم التدريب للمحررين، وننشر التوعية بهذه الممارسات". عرض كيرزيز نتائج تحقيقات فريقه في شهر سبتمبر الماضي في المؤتمر الدولي العاشر للتحكيم والنشر العلمي الذي عُقد في مدينة شيكاغو بولاية إلينوي الأمريكية.

وما الشخصيات الوهمية إلا وجه واحد للاحتيال المتعلق بالهوية. فالأفراد ومصانع الأوراق البحثية يمكنها أيضًا انتحال صفة العلماء الحقيقيين، متظاهرين بأنهم مؤلفون أو محكّمون أو محررون زائرون، لتمرير أبحاث واهية أو مزيفة إلى صفحات الدوريات العلمية (انظر "اكتشاف الأوراق المزيفة"). في دراسة نُشرت في وقت سابق من العام الجاري1، كشف مهندس البرمجة بجامعة أثينا للاقتصاد والأعمال، ديوميديس سبينليس، النقاب عن 48 بحثًا نُشرت في دورية واحدة، يشتبه في أنها من إنتاج الذكاء الاصطناعي (AI). أحد هذه الأبحاث أدرج اسمه بوصفه مؤلفًا بدون علمه. وأدرجت أبحاث أخرى أسماء باحثين من جامعات مرموقة بصفتهم مؤلفين مشاركين، غير أنها استخدمت عناوين بريد إلكتروني إما خاطئة أو غير مقترنة بالمؤسسات الجامعية، والأدهى من ذلك أن بعضًا من هؤلاء الباحثين كانوا قد فارقوا الحياة قبل صدور تلك المقالات بسنوات.

ولكن حتى عناوين البريد الإلكتروني السارية التي تحمل اسم الجامعة ليست وسيلة قاطعة يمكن الركون إليها للتحقق من هوية الباحث. فقد كشفتْ مسودة بحثية2 نُشرت في أغسطس الماضي عن 94 ملفًا شخصيًّا مزيفًا على منصة «أوبن ريفيو.نت» OpenReview.net - وهي منصة تتيح تنظيم وإدارة سير عملية التحكيم العلمي. وكان جميعهم، باستثناء اثنين، يستخدمون عناوين بريد إلكتروني مرتبطة بجامعات مرموقة، فيما كان البريدان المتبقيان يعودان إلى مؤسسات كانت قد أُغلقت بالفعل.

إلى أن خلص التحليل - الذي أجراه فريق بحثي ضم باحثين من «أوبن ريفيو» - إلى أن المحتالين أنشؤوا عناوين بريد إلكتروني مزيفة تحاكي عناوين المؤسسات الأكاديمية الأصلية. وكانت هذه العناوين المزيفة تعيد تلقائيًّا توجيه الرسائل الواردة إلى حسابات بريد يديرها المحتالون أنفسهم.

تحريات دقيقة

الغموض يكتنف مسألة ما إذا كان عدد حالات تزييف الهوية في مجال النشر الأكاديمي يشهد تزايدًا بالفعل. فمن جانبها تقول إلنا فيكاريو، رئيسة شؤون النزاهة البحثية بدار نشر «فرونتيرز» بلوزان السويسرية، إن مثل هذه الحالات نادرة في دوريات «فرونتيرز»، وعادة ما تنطوي على انتحال صفة باحثين حقيقيين.

وأما ريتشاردسون فيرى أن أشكالًا أخرى من سوء الممارسة، هي على الأرجح، أدعى إلى القلق وأعمق أثرًا. فيقول: "حدسي يخبرني أن من يمارسون سلوكًا لا أخلاقيًّا أو مجردًا من النزاهة بأسمائهم الحقيقية أشد خطرًا من أولئك الذين يستترون بأسماء غيرهم لارتكاب أفعال مشينة".

ومع ذلك، لا تزال تظهر بين الحين والآخر حالات لشخصيات وهمية أو منتحلة، ويخشى بعض الأفراد من أن يسهم الذكاء الاصطناعي في تفاقم هذه المشكلة. وهكذا يشتد الضغط على الناشرين لحملهم على تشديد ضوابطهم وإجراءاتهم الرقابية.

إحدى المنصات التي يزداد اعتماد الناشرين عليها هي «أوبن ريسيرتشر أند كونتريبيوتر آي دي» (أوركيد) (ORCID)، التي أُطلقت في عام 2012 لتقديم خدمة مجانية للتحقق من الهوية، تتيح للباحثين توثيق أبحاثهم الأكاديمية وسائر أنشطتهم البحثية. يستخدم نحو 10 ملايين باحث منصة «أوركيد» بما لا يقل عن مرة سنويًّا، ويشترط كبار الناشرين على المؤلفين المتقدمين لنشر الأبحاث تضمين رقم التعريف المميز الخاص بهم في المنصة، المكون من 16 رقمًا. يحمل الباحثون المسجلون رقم التعريف الخاص بهم طوال مسيرتهم المهنية، حتى وإن غيروا وظائفهم أو انتقلوا إلى مؤسسات بحثية أخرى.

غير أن منصة «أوركيد» لا تقدم ما يثبت هوية المستخدمين على نحو قاطع. فمسموح لأي شخص إنشاء حساب على المنصة، ولا توجد حتى الآن آلية منهجية تحول دون تكرار الحسابات أو تضمن حذفها.

ولكن المنصة تدعو منظماتها الأعضاء التي يقارب عددها 1500 منظمة - بما فيها من دور نشر وجهات ممولة - إلى الإسهام في إثراء سجلاتها؛ عبر توثيق بيانات الانتساب، أو الدراسات، أو التمويل، أو عمليات التحكيم العلمي. تَظهر هذه المدخلات الموثقة - المُشار إليها باسم مؤشرات الثقة - في هيئة علامات صح خضراء على ملفات الباحثين الشخصية.

"إنها شبكة ثقة تشيدها الجماعة"، هكذا يصفها توم ديمرنفيل مدير إدارة المنتج بمنصة «أوركيد» المقيم في المملكة المتحدة. أما المنصة نفسها فهي منظمة غير ربحية تتخذ من مدينة بيثيسدا بولاية ميريلاند الأمريكية مقرًا لها. ويضيف: "لو أن الجميع أسهموا في توثيق البيانات المدرجة على المنصة، لصار لدينا نظام نافع للجميع". فنحو 5.7 مليون حساب على المنصة يحتوي على مؤشر ثقة واحد على الأقل.

إلا أن بعض الناشرين يطلبون أرقام تعريف «أوركيد» من المؤلفين الرئيسين فحسب عند تقديم الأبحاث3، ما يحد من فاعلية النظام ويقوض قدرته على أداء دوره كما ينبغي.

ومن ثم، قد تؤتي منصة «أوركيد» ثمارها على نحو أفضل إذا ما جرى دمجها مع استراتيجيات أخرى مكملة. كانت هذه إحدى الاستنتاجات التي خلصت إليها فرقة عمل من الخبراء معنية بضوابط التحقق من الهوية، كانت قد أنشأتها في أواخر عام 2023 الجمعية الدولية للناشرين في مجالات العلوم والتقنية والطب («إس تي إم») (STM)، وهي منظمة تجارية مقرها مدينة لاهاي بهولندا.

وكان الهدف من تأسيسها، كما يقول يوك كورز، كبير مسؤولي المعلومات في «إس تي إم سولوشنز» STM Solutions - الذراع التنفيذية لمجموعة «إس تي إم» ومقرها مدينة أوتريخت بهولندا - هو "استكشاف سبل أخرى لتعزيز النزاهة البحثية"، تتجاوز مجرد فحص المسوّدات البحثية.

أصدرت فرقة الخبراء تقريرين تناولَا أبرز ما توصلت إليه من نتائج4،5. آخرها، الذي نُشر في مارس الماضي، يوصي بوضع إطار عمل يجمع بين مؤشرات الخطر - الدالة على احتمال تزوير الهوية - ومؤشرات الثقة التي تعزز مصداقية الهوية ليطبقها الناشرون في تقدير مقدار الثقة الممنوح لآليات التحقق من الهوية5. ولا بد لأي مقاربة أن تتسع لتعدد الحلول وإلا فإنها تخاطر باستبعاد باحثين ظلمًا، على حد قول كورز الذي شارك في إعداد التقريرين. يقول: "لا نؤمن بوجود حل واحد سحري يمكنه معالجة المشكلة برمتها".

إلى جانب مؤشرات الثقة التي تعتمدها منصة «أوركيد»، يلفت التقرير إلى ضرورة التدقيق في عناوين البريد الإلكتروني الجامعية، وتأكيد الانتساب عبر أنظمة تسجيل الدخول الرسمية للجهة البحثية. يقدم الإطار أيضًا حلولًا بديلة كإجراء مكالمات هاتفية أو عبر الفيديو مع الباحث أو الجامعة، أو طلب شهادات إثبات الهوية أو جوازات السفر.

يستدرك ريتشارد نورث أوفر، مدير المنتجات المسؤول عن الهوية والخصوصية في جمعية «إس تي إم» بلندن، وأحد المشاركين في إعداد التقريرين، قائلًا: "بطبيعة الحال، لا يعني هذا أن كل باحث مضطر إلى إبراز جواز سفره كي يتمكن من تقديم ورقة بحثية".

ويؤكد أن القرار في نهاية المطاف متروك للناشرين أنفسهم؛ فهم من يختارون إذا كانوا سيتبعون أيًّا من هذه التوصيات، وإن اختاروا ذلك، فهم من يحددون الكيفية التي سيدرجون بها هذه الخطوات في منظومة سير العمل.

من المبادرات الأخرى التي تتحرى مؤشرات الثقة في النشر الأكاديمي مبادرة «يونايتد2أكت» United2Act، وهي تعاون يضم الأطراف المعنية في قطاع النشر الأكاديمي، من باحثين ومدققين علميين وناشرين وجهات بحثية، منهم أعضاء في جمعية «إس تي إم». وتوصي المجموعة العاملة في هذه المبادرة المعنية بمؤشرات الثقة باستخدام قوائم مراقبة عند التحري عن المؤلفين والمراجعين والمحررين، وتضرب أمثلة على هذه القوائم بمدونة النزاهة البحثية «ريتراكشن ووتش» Retraction Watch و«بَبّ بير» PubPeer - وهي منصة إلكترونية للتحكيم العلمي بعد النشر، يمكن فيها الإشارة إلى الأخطاء البحثية والمحتوى المشكوك في صحته.

من أجل ضوابط عادلة

يساور بعض الباحثين القلق من أن تضع الضوابط الأكثر صرامة عبئًا غير عادل على الباحثين في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل، وعلى الباحثين المستقلين، وكذلك من ينتمون إلى مؤسسات بحثية أقل شهرة، أو على أولئك الذين يستهلون مسيرتهم المهنية، أو يتنقلون بين التخصصات. يعقب ريتشاردسون على ذلك قائلًا: لكن "لا توجد طريقة جيدة لإصلاح هذا".

كما أن إضافة المزيد من الضوابط تستغرق وقتًا. ويشير ريتشاردسون إلى أنه، رغم أن الأدوات التي تقدمها جمعية «إس تي إم» قد "تسهل التحقق من الهوية، تظل الحاجة قائمة في نهاية المطاف لإجراء تحرٍّ يدوي يجريه الإنسان". ويضيف أن تزايد عدد الأوراق المقدمة بلغ حدًا يجعل من "المستحيل" عمليًّا التحري يدويًّا عن هوية كل مؤلف أو مراجع يستدعي المتابعة.

يقول كورز ونورث أوفر إن جمعية «إس تي إم» تواصل تطوير إطار عملها وجمع آراء الباحثين حول العالم ومآخذهم بشأن مدى واقعية توصياتها وقابليتها للتطبيق. كما تختبر أدوات تقنية لتطبيق إطار العمل.

وبالفعل بدأت بعض الشركات الناشئة بتقديم هذه النوعية من الأدوات. ففي مطلع هذا العام، أطلقت لوريل هاك، المديرة التنفيذية المؤسسة السابقة لمنصة «أوركيد»، هي وزملاؤها منصة للتحقق من الهوية تحمل اسم «فريمي» VeriMe في دِنفر بولاية كولورادو، بتمويل للشركات الناشئة من شركة «ديجيتال ساينس» Digital Science، الكائنة بلندن (وهي إحدى شركات مجموعة «هولتسبرينك» Holtzbrinck للنشر، المساهم الأكبر في شركة «سبرينجر نيتشر»). تقول هاك: "نرى في هذه الشركة دعمًا وتعزيزًا لما تقدمه منصة «أوركيد»".

يمكن للمستخدمين التسجيل على منصة «فريمي» بعد استكمال عملية تحقق متعددة العوامل، وملء بيانات انتسابهم، والبريد الإلكتروني المرتبط بالمؤسسة، والملف الشخصي على «أوركيد»، إلى جانب معلومات أخرى. يوفر المستوى المدفوع من الخدمة إمكانية التحقق من جوازات السفر ووثائق إثبات الهوية الرسمية. ثم تعالج المنصة هذه المعلومات عبر سلسلة من الأسئلة ذات الإجابات بنعم أو لا، وتتيح النتائجَ لمستخدمي النظام دون الإفصاح عن البيانات الفعلية وراءها. ويمكن دمج هذه الأداة في الأنظمة التي تستخدمها دور النشر والمؤسسات والجهات الممولة، ويأمل الفريق القائم عليها أن تجعل من الصعب على المحتالين استغلال النظام أو التلاعب به.

بدأت بعض الدوريات في الاستعانة بالأدوات المؤتمتة لتحليل المعلومات المتعلقة بأنشطة المؤلفين بهدف كشف المسوّدات البحثية المشتبه بها. فمثلًا، تحلل أداة طورتها شركة «ديجيتال ساينس» العلاقات بين المؤلفين المدرجين في الورقة البحثية لرصد أية أنماط قد تشير إلى نشاط مشبوه لمصانع أوراق بحثية، كقوائم المؤلفين التي تضم مساهمين من تخصصات غير مترابطة أو من أماكن متفرقة جغرافيًّا.

غير أن التقنيات التي تقدمها جهات خارجية تكلف دور النشر مبالغ إضافية؛ ما قد يعرقل تنفيذها. وتحذر ميجرا من أن أي نقاش متعلق بالتحقق من الهوية لا بد أن يتناول المخاوف المتعلقة بأمن البيانات وخصوصيتها.

ويرى بعض الباحثين أن التحقق من الهوية وحده لا يكفي لحل الإشكالية. يقول ديمرنفيل: "تفقُّد جواز سفر أحدهم لا يكشف لك ما إذا كان لديه تاريخ حافل من الاجتهاد الأكاديمي، أم أنه سبق له التورط في ممارسات غير نزيهة".

ويتفق ريتشاردسون مع ذلك، محذرًا من أن هذه النوعية من الأنظمة قد تؤدي إلى ظهور أشكال جديدة من التزييف. فيقول: "إن استخدام مؤشرات ثقة كآلية للرقابة قد يجعل من هذه المؤشرات نفسها عرضة لسوء الاستخدام والاستغلال".

ويضيف، في عالم تواصل فيه الحوافز الأكاديمية مكافأة الكم على حساب الكيف، دائمًا ما ستجد مصانع الأوراق البحثية طرقًا جديدة للازدهار وباحثين جددًا لتبيع لهم. ويتابع قائلًا: "الحل ليس في انتهاج المزيد من الأساليب البوليسية؛ وإنما في خلق بيئة لا يُدرّ فيها سوء استخدام أنظمة الثقة أيَّ نفع. ذلك تحدٍّ شديد الصعوبة. وإذا استمررنا على هذا المنوال، فسنكون كمن يعالج مشكلة لتنبثق أخرى في الحال، إلى ما لا نهاية".

في 2016، نُشرت رابع وآخر دراسة ليتشوسي: ورقة بحثية محرفة ومشوشة تتناول رياضيات الفضاءات ذات الأشكال المخروطية. وفي عام 2020، سُحبت الدراسة، واختفت يتشوسي إلى الأبد.

غير أن مختلقوها أشخاص حقيقيون. وربما ابتكروا المزيد من الشخصيات الوهمية على غرار يتشوسي.

هذه ترجمة للمقال الإنجليزي المنشور بدورية Nature بتاريخ 22 أكتوبر 2025.

doi:10.1038/nmiddleeast.2025.206


  1. Spinellis, D. Res. Integr. Peer Rev. 10, 8 (2025).

  2. Shah, N. B., Bok, M., Liu, X. & McCallum, A. Preprint at arXiv https://doi.org/10.48550/arXiv.2508.04024 (2025).

  3. Digital Science, Porter, S., Draux, H., Wastl, J. & Campbell, A. Australian National Persistent Identifier (PID) Benchmarking Toolkit (Digital Science, 2025).

  4. Northover, R. et al. Trusted Identity in Academic Publishing: The central Role of Digital Identity in Research Integrity (STM, 2025).

  5. Northover, R. et al. Trusted Identity in Academic Publishing: The Researcher Identity Verification Framework (STM, 2025).