أخبار

إلى الباحثين الراغبين في الرحيل عن الولايات المتحدة: استمعوا إلى نصائح مَن سبقكم

نشرت بتاريخ 23 أكتوبر 2025

تحدَّثت دورية Nature إلى عدد من الباحثين عن تجربة الخروج من الولايات المتحدة، والأسباب التي دفعتهم إلى ذلك، وكيف نجحوا في الانتقال إلى وجهتهم الجديدة.

ينصح آلان أسبورو-جوزيك، باحث الكيمياء النظرية، بالالتزام بالثقافة المحلية عند الانتقال للحصول على وظيفة علمية في بلد أجنبي. حقوق الصورة: Carlos Osorio

ينصح آلان أسبورو-جوزيك، باحث الكيمياء النظرية، بالالتزام بالثقافة المحلية عند الانتقال للحصول على وظيفة علمية في بلد أجنبي. حقوق الصورة: Carlos Osorio

يتلقى آلان أسبورو-جوزيك هذه الأيام عددًا كبيرًا من الاتصالات من باحثين يفكرون في أن يحذوا حذوه، ويخرجوا من الولايات المتحدة. رحل أسبورو-جوزيك، الباحث المتخصص في الكيمياء النظرية، عن جامعة هارفارد، الواقع مقرها في مدينة كامبريدج بولاية ماساتشوستس الأمريكية، خلال الولاية الأولى للرئيس الأمريكي دونالد ترامب (بين عامي 2017 و2021)، ليلتحق بجامعة تورونتو في كندا. وهو القرار الذي لم يندم عليه قط؛ يقول: "أنا أسعد الناس هنا".

شدَّ أسبورو-جوزيك الرحال إلى كندا لأنه لم يكن يتفق مع سياسات ترامب ومواقفه. والآن، بعد مُضي أكثر من عشرة أشهر على اعتلاء الرئيس سُدة الحُكم في ولايته الثانية، ومع تجميد البيت الأبيض مليارات الدولارات من المنح البحثية الفيدرالية، والتضييق على الباحثين والطلاب الأجانب الراغبين في العمل والدراسة في الولايات المتحدة، بدأت فكرة الخروج تراود كثيرًا من الباحثين المقيمين. يقول ستيفن جونز، باحث الكيمياء الحيوية الذي انتقل عام 2021 من جامعة تكساس في أوستن إلى جامعة فيلنيوس في ليتوانيا: "اللافت أن ثمة أشخاصًا لم تكن [فكرة الانتقال] تراودهم سابقًا، فإذا بها تراودهم الآن".

وفي هذا التقرير، تتحدث Nature إلى جونز وأسبورو-جوزيك وآخرين تركوا الولايات المتحدة خلال الولاية الأولى لترامب، لسؤالهم عن تجربة الانتقال، وكيف أعاد ذلك تشكيل مسيرتهم المهنية.

الاندماج في الثقافة المحلية

رغم قلة البيانات الكمية، ثمة تحليلان نُشرا في مجلة Nature في وقت سابق من العام الجاري أشارا إلى أن نسبة كبيرة من العلماء المقيمين في الولايات المتحدة يعتزمون التقدّم لوظائف في أماكن أخرى — ولا سيما في أوروبا أو كندا — بسبب الاضطرابات التي حلَّت بمنظومة العلوم في الولايات المتحدة.

بدأ أسبورو-جوزيك، الذي يحمل الجنسيتين الأمريكية والمكسيكية (ويُوشك أن يحمل الكندية أيضًا)، بالتفكير في الرحيل عن هارفارد فور انتخاب ترامب رئيسًا عام 2016. فقد دأب ترامب، خلال حملته الانتخابية، على مهاجمة المهاجرين ومنظومة البحث العلمي، مع التلويح بإلغاء الدعم المقدَّم للمؤسسات الأكاديمية. وذكر الباحث أن "كل شيء يحدث الآن تقريبًا" هو ما كان يخشى حدوثه خلال الولاية الأولى لترامب".

ينصح الباحث، عند البحث عن مكان مناسب للانتقال من أجل تطوير المسيرة المهنية، بالالتزام الكامل بالثقافة المحلية وبيئة العمل الجديدة. عندما كان يُفكر في كندا، على سبيل المثال، راح يقرأ الصحف المحلية. يقول: "إذا كنت بصدد الانتقال إلى مكان ما، فعليك أن تفهم الأجواء السائدة في ذلك المكان".

ومن الأخطاء الشائعة التي يلمسها في بعض المغتربين هو عدم تقبّل التغيير، رغم أن الرغبة في التغيير هي الدافع وراء خروجهم من الولايات المتحدة. ولذا فإنه ينصح الباحثين بأن يتحلَّوا بشيءٍ من التواضع، وأن يتخففوا من افتراض “النظام الأمريكي هو الأفضل بغير جدال". ويضيف: عليك أن تحترم ما بين البلدين من فوارق ثقافية، بغض النظر عن مدى غرابتها أو ألفتها في نظرك. يقول: "كندا بلد آخر مختلف، وليست الولاية الحادية والخمسين [للولايات المتحدة]".

تركت عالمة النُّظم الإيكولوجية كاميل بارميزان الولايات المتحدة خلال الولاية الأولى لترامب، وقصدت فرنسا حيث انضمَّت إلى برنامج يركز على علوم المناخ. حقوق الصورة: BBVA Foundation

تركت عالمة النُّظم الإيكولوجية كاميل بارميزان الولايات المتحدة خلال الولاية الأولى لترامب، وقصدت فرنسا حيث انضمَّت إلى برنامج يركز على علوم المناخ. حقوق الصورة: BBVA Foundation

التكيُّف مع الواقع الجديد

تتفق مع أسبورو-جوزيك باحثة الأنظمة الإيكولوجية كاميل بارميزان، وهي من أصول أمريكية كانت تعمل في المملكة المتحدة لدى انتخاب ترامب لأول مرة، فقررت البقاء في الخارج، وانتقلت إلى فرنسا ضمن برنامج «لنجعل كوكبنا عظيمًا من جديد» الذي أطلقته الحكومة الفرنسية إبان الولاية الأولى لترامب، وهو برنامج يركز على علوم المناخ. تقول: "التكيُّف واجبٌ عليك أنت.. أوروبا لن تتكيّف معك".

وتضيف بارميزان، التي تعمل في محطة علم النُّظم الإيكولوجية النظرية والتجريبية التابعة للمركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي في مدينة موليس الفرنسية، أنه إما أن تتعلَّم اللغة المحلية، أو سيتم التواصل عبر وسيط (مترجم). صحيح أن الأحاديث المهنية قد تجري بالإنجليزية، ولكن في كثير من البلدان، حسبما تقول، "إذا أردت شراء منزل، أو الانضمام إلى نظام الرعاية الصحية، أو الحصول على تأشيرة عمل — قد لا تجد أحدًا يتحدث الإنجليزية في هذه المساحات".

وهكذا فإن الاندماج الكامل في المكان الجديد يستلزم تعلّم كيفية العمل في إطار النظام المعمول به. يشدد جونز على ضرورة الاستعداد لذلك عبر التحدث سلفًا مع عدد ممَّن ستربطك بهم علاقة زمالة في المؤسسة التي تطمح إلى الانضمام إليها، لفهم كيف تجري الأمور هناك. وبالنسبة إلى الباحثين العاملين في المختبرات، أضاف أن هناك اعتباراتٍ أساسية ينبغي أخذها في الحسبان، ومنها ما إذا كانت المعدات التي تعتزم أخذها معك ستعمل على مصدر طاقة مختلف في بلد آخر، فضلًا عن كيفية الحصول على لوازم المختبر في وجهتك الجديدة.

لكن هذه اعتبارات هامشية إذا قورنت بما هو أهم: جودة الحياة الأفضل في أوروبا، كما يقول جونز. وكان قد قرر هو وزوجته الانتقال إلى ليتوانيا في أواخر الولاية الأولى لترامب، بعدما تدبَّرا مليًّا في مدى توافق قيمهما الشخصية — من عدمه — مع قيم المجتمع المحيط بهما.

انتقل باحث الكيمياء الحيوية ستيفن جونز بصحبة زوجته إلى ليتوانيا خلال الولاية الأولى لترامب. حقوق الصورة: Stephen Knox Jones Jr

انتقل باحث الكيمياء الحيوية ستيفن جونز بصحبة زوجته إلى ليتوانيا خلال الولاية الأولى لترامب. حقوق الصورة: Stephen Knox Jones Jr

الأوراق والتصاريح

أيًّا ما كان البلد الذي ينتوي باحثو الولايات المتحدة الانتقال إليه، ثمة مرحلة سيكون الجميع مطالَبًا بخوضها: الإجراءات البيروقراطية. و"البيروقراطية واحدة من المسائل التي تشترك فيها جميع البلدان"، على حد قول أندرو ليبهوولد، وهو عالم الحشرات الذي ترك هيئة الغابات الأمريكية في ديسمبر الماضي ليلتحق بالجامعة التشيكية لعلوم الحياة في براج. فلتكُن مستعدًا لتعلُّم قواعد جديدة. يشرف ليبهوولد حاليًّا على منحة قدرها 2.5 مليون يورو (ما يعادل 2.9 مليون دولار أمريكي) مقدَّمة من الاتحاد الأوروبي لدراسة غزو الحشرات وغيرها من الكائنات البيولوجية للغابات، ويقول إنه لا يزال يتعلَّم كيف يلبي المتطلبات الصارمة لإعداد تقارير الإنجاز البحثي.

ومن التحديات الإدارية الأخرى، كما يشير جونز، التعامل مع الإجراءات الورقية المعقدة، من قبيل استخراج تأشيرات الدخول وتصاريح الإقامة، والتي قد تُصعِّب عملية استقدام الباحثين إلى مختبر جديد. أما نصيحته الأهم لكل مَن يرغب في الانتقال إلى مكانٍ آخر، فهي زيارة ذلك المكان وقضاء بعض الوقت فيه، بحيث لا يُتخَذ القرار بناءً على التوصيات أو نتائج البحث عبر الإنترنت فقط.

وأمرٌ آخرُ لا يقلُّ أهمية، هو ظروف المعيشة، كما يقول لويس ديري، الباحث المتخصص في الكيمياء الجيولوجية في جامعة كورنيل بمدينة إيثاكا بولاية نيويورك. استشعر ديري القلق من نقص الدعم لأبحاث المناخ خلال إدارة ترامب الأولى، فما كان منه إلا أن التحق ببرنامج «لنجعل كوكبنا عظيمًا من جديد»، التابع لمعهد فيزياء الأرض بباريس، عام 2017. لم تكن هذه تجربته الأولى في فرنسا، فقد سبق له العمل فيها مرَّات، كان أوَّلها في عام 1990، حين حصل فيها على فرصة للعمل باحثًا في مرحلة ما بعد الدكتوراه. وهكذا، فلم يكن صعبًا عليه الانتقال للعمل فيها بدوامٍ جزئي، ولم يكن صعبًا كذلك الحصول لزوجته على تأشيرة تسمح لها أيضًا بالعمل في البلاد. وإذا كانت رواتب الباحثين أقل في بعض الدول منها في الولايات المتحدة، كما يقول، فإن تكاليف المعيشة غالبًا ما تكون أقل أيضًا. ولذا، ينصح ديري عند النظر في الراتب المعروض بأن يضع الباحث في اعتباره أن نفقات الرعاية الصحية أو التعليم قد تكون ضئيلة بالمقارنة بالولايات المتحدة.

يعتقد أسبورو-جوزيك أن الاستعداد الجيد وانفتاح الذهن عنصران أساسيان لتحقيق انتقال ناجح. وهو ينصح الباحثين المقيمين في الولايات المتحدة بالنظر إلى ما هو أبعد من كندا وأوروبا، والسعي إلى الفرص السانحة في الدول الآسيوية التي ضخَّت استثمارات هائلة في مجالي العلم والتكنولوجيا في السنوات الأخيرة، ومن هذه الدول، الصين وكوريا الجنوبية. يقول: "لقد تغيَّر العالم".

 

* هذه ترجمة المقال الإنجليزي المنشور بمجلة Nature بتاريخ 10 سبتمبر 2025.

doi:10.1038/nmiddleeast.2025.187