أخبار

من أجل ثورات علمية، أشركوا الباحثين المبتدئين

نشرت بتاريخ 22 أكتوبر 2025

دراسة تظهر أن الأوراق البحثية التي تقوم عليها فرق بحثية تضم عددًا كبيرًا من المبتدئين تُنتج علومًا أكثر ثورية وابتكارًا.

كاتي كافانو

التعاونات البحثية التي تضم عددًا أكبر من الباحثين الذين لم يسبق لهم نشر أبحاث، قادرةٌ على إنتاج أوراق بحثية تنضح أفكارًا ثورية.

التعاونات البحثية التي تضم عددًا أكبر من الباحثين الذين لم يسبق لهم نشر أبحاث، قادرةٌ على إنتاج أوراق بحثية تنضح أفكارًا ثورية.
Credit: Stígur Már Karlsson/Heimsmyndir via Getty

ما مقومات تحقيق الاكتشافات العلمية؟ كثيرون يرون أن السر في الخبرة؛ إذ يأتي النجاح ثمرة سنوات طويلة من تراكم المعرفة والعمل التعاوني. ولنا مثال في معظم الحائزين جائزة نوبل؛ إذ يبلغ متوسط أعمارهم 58 عامًا.

ومع ذلك، فقد خرجت دراسة، نُشرت على خادم المسوّدات البحثية «أركايف» arXiv في الثاني عشر من سبتمبر الماضي1، بأن الفرق البحثية التي تضم نسبة عالية من المبتدئين - أي المؤلفين الذين ليس لديهم باع في النشر العلمي - عادة ما تكون أكثر ثورية وابتكارًا.

وهكذا فإن الزج عن قصد بالمبتدئين في الفرق البحثية، وتقليل عدد الباحثين المثقلين بالمعرفة، من شأنه أن يعزز السمات الثورية والابتكارية في العمل البحثي، حسبما يشير مؤلفو الدراسة. فيقول ريان عبد الباطن، عالِم الاجتماع الحوسبي بجامعة جنوب فلوريدا بمدينة تامبا الأمريكية والمشارك في تأليف الدراسة: "العلماء المبتدئون أقل تمسكًا بالافتراضات السائدة، ما يمنحهم براحًا للحرية الفكرية".

سحر المبتدئين

رُصد هذا النمط لأول مرة أثناء إجراء دراسة تناولت قدرة الذكاء الاصطناعي على التنبؤ بما ستكون عليه ورقة بحثية ما من ثورية وابتكار في مجالها العلمي2. وأما في الدراسة الجديدة التي نحن بصددها، فقد حلل الفريق أكثر من 28 مليون ورقة بحثية من قاعدة بيانات «ساي ساي نت-في2» SciSciNet-v2، وهي عبارة عن مستودع للبيانات الخام (ما يُعرف ببحيرة البيانات) يختص بدراسة علم البحوث العلمية، الذي يبحث في كيفية إنتاج المعرفة العلمية وتطورها. غطت هذه الأوراق البحثية 146 تخصصًا علميًّا، ونُشرت في الفترة بين عامَي 1971 و2021.

وحُسبت درجة ثورية الورقة أو تأثيرها في المجال عن طريق مقارنة عدد الاستشهادات التي حصلت عليها مقابل معدلات الاستشهاد بالأوراق البحثية التي استندت إليها. وعُدّت الورقة ثورية إذا تجاوز عدد الاستشهادات بها عدد الاستشهادات التي استندت إليها، وكانت أميل إلى أن تكون من نوعية الأوراق التي تدحض نظرية راسخة وتطرح فرضية بديلة.

وإذ بعبد الباطن وزملائه يلاحظون أثناء التحليل علاقةً بين مدى ابتكارية الورقة البحثية وعدد المؤلفين المبتدئين، ما حدا بهم إلى تصنيف البيانات بحسب "العمر المهني" للمؤلف، أي عدد السنوات التي مرت منذ نشر أول ورقة بحثية له. ويُعرف الباحثون المبتدئون بأنهم مَن لم يسبق لهم نشر أي ورقة بحثية.

وزادت دهشتهم عندما اكتشفوا أن الأوراق البحثية التي تضم نسبة أكبر من المؤلفين المبتدئين عادة ما تكون أكثر ثورية وابتكارًا من تلك التي يقوم عليها مؤلفون كبار أو مؤلفون في مستهل حياتهم المهنية. وشهدت تقييمات الابتكارية أعلى نسبة لها عندما تألّف الفريق بأكمله من المبتدئين، ولكنها كانت مرتفعة أيضًا حين تعاون المبتدئون مع مؤلفين لهم سجل حافل في إنتاج البحوث الثورية. وفي كل الأحوال، أظهرت الأوراق البحثية ذات أعلى نسب من المبتدئين علاقة إيجابية مطردة بين الابتكارية وعدد الاستشهادات.

يقول عبد الباطن: "كلما ارتفعت نسبة المبتدئين في الفرق، ازدادت معها الابتكارية والثورية". ويضيف: "عبر الفرق البحثية بمختلف أحجامها، وعلى مر عقود متعددة، وفي شتى التخصصات، وجدنا هذه النتائج راسخة لا تتغير".

التنوع يعزز التقدم العلمي

لماذا يثمر عادة التعاون مع عدد أكبر من المبتدئين أبحاثًا وأفكارًا أكثر ثورية؟ يرجح الباحثون أن أولئك العلماء يطرحون رؤى ووجهات نظر جديدة؛ لما كانوا أقل تمسكًا بالنظريات والمعارف السابقة مقارنة بزملائهم الأكثر خبرة. يقول عبد الباطن: "في بعض الأحيان، يكون من العسير التخلي عن الافتراضات السائدة ثم احتضان رؤى جديدة بالمرة". ويسترسل قائلًا إن هذا قد يجعل العلماء في مستهل حياتهم المهنية أكثر انفتاحًا على الأفكار الجديدة، وأكثر استعدادًا لتبني المخاطر عبر الخوض في المقاربات التجريبية.

ووفقًا لما خلص إليه التحليل، يميل المبتدئون أيضًا إلى الاستشهاد بأوراق بحثية غير تقليدية، ما يوعز بأنهم، مقارنةً بالعلماء الأكثر خبرة، ينجذبون نحو البحوث الأقل تداولًا واستشهادًا بها.

من جانبه يقول دانيل ديفيس، اختصاصي المناعة في كلية إمبريال كوليدج لندن: "قطعًا يتفق هذا مع الفكرة القائلة بأن الأفراد [الجدد] قد يطرحون الكثير من الأسئلة المثيرة لأنهم لا يحملون عبء الالتزام بإطار العمل الذي يقيد الآخرين. وقد يكون هذا في غاية الأهمية".

ويضيف قائلًا: "و[مع ذلك]، لا شك أنك بحاجة إلى الخبرة القادرة على تحويل فكرة غير مألوفة إلى مجموعة من التجارب المحددة التي تقود على نحو محكم إلى استنتاج واضح بشأن تلك الفكرة".

أما هانتر شون، وهو باحث في مقتبل حياته المهنية متخصص في علم الأعصاب بجامعة بيتسبرج بولاية بنسلفانيا، فيتفق على أن المتدربين يُضيفون وجهات نظر جديدة إلى المشاريع البحثية. وفي شهر أغسطس الماضي، نشر شون ورقة بحثية أحدثتْ ثورة في مجال علم الأعصاب من خلال الطعن في النظريات السابقة المتعلقة بما يحدث في الدماغ في أعقاب عمليات البتر3. ولم ينسب تأثير الورقة البحثية الثوري إلى المرحلة المهنية التي هو فيها، وإنما إلى اجتهاد الفريق الذي يضم علماء في مقتبل حياتهم المهنية وآخرين من ذوي الخبرة. ومع ذلك، يشير إلى أن ضم المزيد من كبار المؤلفين إلى المشروع قد يعرقل إبداع المؤلفين في مقتبل حياتهم المهنية. فيقول: "عليك أن تقدم الكثير من التنازلات بشأن كيفية إنجاز العمل".

ويأمل المؤلفون أن تشجع دراستهم كبار الباحثين على ضم المزيد من المبتدئين إلى الفرق البحثية، بغية إنتاج المزيد من البحوث القادرة على إحداث تأثير ثوري وابتكاري. يقول عبد الباطن: "المبتدئون ليسوا مجرد صفحات بيضاء أو مساهمين سلبيين. فثمة ارتباط لافت ومنهجي بين الأبحاث الابتكارية والثورية وبين الفرق التي يغلب عليها حضور المبتدئين".

ويؤكد ديفيس على ضرورة مراعاة التنوع على نطاق أوسع. فيقول: "أعتقد أن العلم في حاجه إلى أشخاص من خلفيات متنوعة حتى يكلَّل بالنجاح. فتنوع الأشخاص يسهم في دفع العلم قدمًا على كافة المستويات".

هذه ترجمة المقال الإنجليزي المنشور في مجلة Nature بتاريخ 29 سبتمبر 2025.

doi:10.1038/nmiddleeast.2025.185


1- Kamal, M. M. & Baten, R. A. Preprint at arXiv https://doi.org/10.48550/arXiv.2509.10389 (2025).

2- Lin, Z., Yin, Y., Liu, L. & Wang, D. Sci. Data 10, 315 (2023).

3- Schone, H. R. et al. Nature Neurosci. https://doi.org/10.1038/s41593-025-02037-7 (2025).