دليلك إلى عالم البنوك الحيوية: كيف تعزز بها أبحاثك؟
20 October 2025
نشرت بتاريخ 20 أكتوبر 2025
البنوك الحيوية، من قواعد البيانات الوطنية الضخمة، وصولًا إلى عينات المشاريع البحثية المواءمة حسب الطلب، تفتح آفاقًا جديدة للبحث العلمي.
كانت رافاييللا روجاتو دي فاريا قد شارفت على إنهاء دراساتها لنيل درجة الدكتوراه، عندما اقترحت عليها المشرفة على أطروحتها مشروعًا بحثيًا جديدًا. قامت فكرة هذا المشروع على تحليل نتائج فحوص جينية وشعاعية وجراحية لاكتشاف مؤشرات حيوية يمكن أن تساعد في تحديد من قد يحققون أقصى استفادة من جراحات إبدال مفصل الركبة بين المصابين بداء التهاب المفصل التنكُسي. وقد وعت دي فاريا - وهي رياضية ومتخصصة في هندسة الطب الحيوي، من جامعة ساو باولو في البرازيل - كيف أن إصابات المفاصل والغضاريف قد يكون لها أثر بالغ في حياة الأشخاص. من ثم، استمرت في العمل بالمشروع بعد أن ناقشت أطروحتها لنيل درجة الدكتوراة في يوليو من عام 2024.
وفي البداية، عمدت مع أفراد فريقها البحثي إلى جمع بيانات من الأشخاص الذين خضعوا في الجامعة لعلاج لالتهاب المفاصل التنكُسي. ويدرس الفريق حاليًا مجموعة بلغ عدد أفرادها مائتي شخص حتى الآن، جمُعت بياناتهم على مدار العامين الماضيين. حول ذلك، تقول دي فاريا: "نحن في الحقيقة نؤسس البنك الحيوي الخاص بنا؛ إذ لم يتوفر لدينا مثل هذا البنك هنا بعد".
بيد أن الفريق البحثي أراد التحقق من صحة نتائجه بمقارنتها بمجموعة بيانات أكبر. ومن هنا، اقترح زملاء لدي فاريا اللجوء إلى «البنك الحيوي البريطاني»، بما يضمه من صور فحوص شعاعية وبيانات إكلينيكية وجينية وعينات بيولوجية من 500 ألف شخص في المملكة المتحدة، بعضهم قيد الدراسة منذ عام 2006. وفي غضون أشهر قليلة من تقديم طلب الوصول إلى بيانات هذا البنك، أمكن لدي فاريا الاطلاع على بيانات من 40 ألف مصاب بالتهاب المفاصل التنكسي، نصفهم خضع لجراحات إبدال تام لمفصل الركبة. وهذا عدد يربو بمائتي ضعف على تعداد الأشخاص في مجموعة الدراسة الأصلية الخاصة بها. تعقيبًا على ذلك، تقول دي فاريا: "هذه البيانات هي بالضبط ما كنا نحتاجه".
غير أن نهم دي فاريا للبيانات يشاركها فيه آخرون. فحول العالم، كثيرًا ما يجد الباحثون الذين يدرسون الصحة البشرية أنفسهم في حاجة إلى طيف أوسع نطاقًا من العينات. وقد يسعون إلى جمعها بأنفسهم أو يبحثون عن العينات المتوفرة؛ بالتواصل مع باحثين في مجال الدراسة نفسه. وكبديل، قد يتواصلون مع البنوك الحيوية، وهي مؤسسات أنشئت خصيصًا لمشاركة هذه الموارد.
وتتفاوت أحجام البنوك الحيوية، وتتراوح ما بين حجم مختبر صغير، كذلك الذي أسسته دي فاريا والمشرفة على أطروحتها، وصولًا إلى حجم «البنك الحيوي البريطاني»، أحد أكبر البنوك الحيوية على مستوى العالم. وأغلب هذه البنوك الحيوية تضم بيانات وعينات بيولوجية يمكن للباحثين طلبها من أجل دراساتهم. وفي الوقت الذي تستهدف فيه بعض البنوك الحيوية الصغيرة خدمة الباحثين في مؤسسات بحثية معينة، انطلقت أيضًا مبادرات واسعة النطاق بهدف تلبية احتياجات المجتمع البحثي بأسره، مثل «البنك الحيوي البريطاني»، وبنك «دراسة مكسيكو سيتي التوقعية» Mexico City Prospective study، ومبادرة «أول أوف أس» All of US (كلنا) التي أطلقتها معاهد الصحة الوطنية الأمريكية.
ويرى كثير من الباحثين أن البنوك الحيوية قد تصنع الفارق بين نجاح المشروع البحثي وفشله بسبب نقص البيانات الضرورية. رغم ذلك، تلفت أماندا راش الباحثة المتخصصة في سياسات الصحة من جامعة سيدني الأسترالية إلى أن غالبية البنوك الحيوية تبقى غير مستغلة بالدرجة الكافية؛ إذ تفيد استطلاعات إلى أن نسبة ما يُستخدم من ما تحفظه هذه البنوك من عينات تقل عن 10%.
وعند التخطيط لإنشاء مشروع بحثي تدعمه البنوك الحيوية، يجب أن يحسب الباحثون مزايا ومساوئ جمع البيانات والعينات بأنفسهم من جانب في مقابل الدعم الذي قد توفره البنوك الحيوية الضخمة من جانب آخر. كذلك يتعين عليهم، على حد قول راش، أن يضعوا في الحسبان اعتبارات عملية، مثل تكلفة استخدام هذه البنوك، وأمن البيانات، والمسائل القانونية المرتبطة بشحن العينات البيولوجية.
بعد ذلك، تأتي اعتبارات استراتيجية بدرجة أكبر. فوفقًا لراش، بعض المشروعات البحثية قد يحقق استفادة أكبر من زيادة عدد العينات التي يتناولها، في حين أن بعضها الآخر قد يستفيد من الوصول إلى مجموعات عينات ذات خصائص محددة، تقدم بيانات وصفية أكثر ثراء لكل عينة. وثمة سيناريوهات مختلفة يختلف بموجبها البنك الذي تكون له "الأفضلية".
أصول البنوك الحيوية
مشروعات حفظ العينات البيولوجية في البنوك الحيوية جاءت من رحم تطورات تقنية بدأت في أواخر ثمانينيات القرن الماضي، حسبما يفيد بيتر واتسون، مدير خدمات البنوك الحيوية في «معهد كولومبيا البريطانية لأبحاث السرطان» BC Cancer Research، في مدينة فانكوفر الكندية. إذ أدت القدرة على تعيين تسلسل الحمض النووي وإجراء عمليات الحوسبة بصورة أسرع وتوفر قواعد بيانات أكبر وأكثر كفاءة إلى إفساح المجال أمام جمع البيانات البيولوجية وإعادة استخدامها لمرات لا عد لها ولا حصر. غير أن جهود إنشاء مستودعات البيانات والعينات البيولوجية، كانت في الغالب تبذل دون إطار من التعاوُن وتوجّه لتلبية حاجة جهات بعينها. وهو ما يؤكده واتسون قائلًا: "كانت نوعًا ما جهودًا فردية تُبذل في مؤسسات متفرقة".
على سبيل المثال، في مطلع التسعينيات من القرن الماضي، اعتمدت جينيفر بايرن والمشرفة العلمية على دراساتها العليا للأورام التي تصيب الأطفال اعتمادًا كثيفًا على الأنسجة المستأصلة جراحيًا. كانت هذه العينات في كثير من الأحيان كبيرة الحجم؛ فتذكر بايرن أنها هرعت ذات مرة إلى مستشفى لتسلُّم عينات بحجم ثمرة جريب فروت، كان المرضى يتبرعون بها أملاً في أن تعود بالفائدة على آخرين يعانون المرض ذاته. وتضيف بايرن التي تعمل اليوم متخصصة في علم الأورام الجزيئي لدى جامعة سيدني: "لم تتوفر لدينا خطوط خلوية يمكن استنباتها لدراسة هذا النوع من الأورام السرطانية، لذا تعين علينا دراسة عينات بشرية مباشرة". وفي المحصلة، على حد قول بايرن، "دون أن يتعمد أفراد الفريق ذلك"، صار لديهم ما يشبه البنك الحيوي!
ورغم أن العينات التي تُجمع بهذه الطريقة لا تتاح بالمجان، لمسائل متعلقة بالحصول على موافقة المتبرعين بها، يُمكن للباحثين ممن يبرهنون على قدرتهم على تمويل الأبحاث واستصدر الموافقة الأخلاقية عليها مفاتحة القيِّمين على هذه العينات بفرصة للتعاوُن.
وبحسب بايرن، ما يميز البنوك الحيوية عن غيرها من الأماكن التي تحفظ العينات داخل مجمد مختبر هو أنها تتيح للباحثين التابعين لمؤسسات أخرى هذه الفرصة للاستفادة من عيناتها. وهو ما توضحه بقولها: "البنوك الحيوية صُممت ليستخدمها أشخاص شتى لأغراض شتى مرارًا وتكرارًا".
وتضيف أن الإلمام المبكر بسياسات الوصول لهذه البنوك يُعد عاملًا حاسمًا لنجاح المشروع البحثي. في هذا السياق، ترى بايرن أنه ينبغي طرح بعض الأسئلة، منها، على حد قولها، "هل توفر هذه البنوك العينات لأي باحث، أم أنها مخصصة أساسًا لخدمة شبكة معينة من الباحثين؟". والوصول إلى البنوك الحيوية الصغيرة التي تتيح بصورة محدودة عيناتها وبياناتها قد يغدو من الصعوبة بمكان، لأنها عادة ما لا تحظى بدعاية كافية. من هنا، في عام 2016، أنشأت بايرن وفريقها البحثي سجلًا بالبنوك الحيوية في ولاية نيو ساوث ويلز الأسترالية، وهذا سمح للباحثين بالعثور على معلومات حول موارد العينات البيولوجية المتاحة في هذه المنطقة، وأتاح لهم تسجيل البنوك الحيوية الخاصة بهم (https://nsw.biobanking.org).
وقد سلكت «كلية الجراحين الملكية في أيرلندا» (RCSI) مقاربة مشابهة، بتوفير مجموعات عينات بيولوجية مرتبطة بأمراض محددة، أنشأها باحثون بالكلية، ضمن خدمة بنوك حيوية مؤسسية تدار من مقرها الرئيسي في دبلِن. وهذه الخدمة تسهِّل عملية استصدار موافقة المتبرعين بالعينات البيولوجية المستخدمة في الأبحاث. ومن جانب آخر، يمكن للباحثين الراغبين في الإسهام بعينات بيولوجية في البنك طلب إدراج عيناتهم البحثية فيه، كما يُمكن للساعين إلى التعاوُن مع البنك التقدم بطلب لاستخدام العينات أو البيانات المدرجة بالفعل به. لكن الأطباء الإكلينيكيين الذين يجمعون العينات يحتفظون بدور قوي في تحديد استخداماتها.
ومما لا شك فيه، حسبما يوضح جانبييرو كافاليري اختصاصي علم الوراثة من «كلية الجراحين الملكية في أيرلندا»، أن على الباحثين الراغبين في الوصول إلى العينات أو البيانات التخطيط لتعاونات بحثية، عوضًا عن الاكتفاء باعتبار البنك الحيوي مستودعًا تُستخرج منه المعلومات. وهو ما يؤكده كافاليري بقوله: "نرغب أن يُستخدم البنك الحيوي بأقصى قدر ممكن. غير أن النموذج الذي يتيح الوصول إلى موارده عادة هو التعاوُن البحثي"
تعظيم الاستفادة
تقول راش، إنه برغم وجود نية لنشر الانتفاع بموارد البنوك الحيوية، يُمكن أن يشكل الوصول إلى البنوك الحيوية المتاحة بشروط تحديًا للعديد من الباحثين. على سبيل المثال، قد يكلف شحن عينة واحدة من البنك الحيوي ما يصل إلى 50 دولارًا، ما يعني أن استجلاب عدد كاف من العينات لدراسة كبيرة قد يكبّد الآلاف من الدولارات. فضلًا عن ذلك، فإن الاتفاقات القانونية وغيرها من الترتيبات المعقدة اللازمة لشحن العينات البيولوجية أو مشاركة البيانات بأمان، يمكن أن تقف عائقًا أمام الباحثين ممن في مقتبل مسيرتهم المهنية أو ممن لم يحصلوا على تمويلات بحثية ضخمة. إلا أن اللجوء إلى البنوك الحيوية الكبيرة قد يساعد في تجاوُز هذه العقبات، بالنظر إلى أن هذه المؤسسات قد تتوفر بها أنظمة لتقديم يد العون في هذه التحديات اللوجيستية.
ومن الاعتبارات التي ينبغي وضعها في الحسبان، بحسب ما يفيد أليكس تشيتوف، الباحث الإكلينيكي من جامعة ميشيجن في آن آربور، مدى تنوع العينات. على سبيل المثال، يستخدم تشيتوف في عمله قواعد بيانات ضخمة مثل البنك الحيوي لمبادرة «أول أوف أس» التابع لهيئة معاهد الصحة الوطنية، وبنك «الدراسة المسحية الوطنية للصحة والتغذية» National Health and Nutrition Examination Survey (اختصارًا NHANES) التابع لهيئة المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها. والأخيرة هي قاعدة البيانات الصحية الوطنية الأمريكية الوحيدة التي تضم معلومات صحية وغذائية جُمعت عن أشخاص من مختلف الفئات العمرية، وتدرج سنويًا معلومات عن حوالي 5 آلاف مشارك جديد. ويقول تشيتوف إن مصادر بيانات كتلك "يرجح بدرجة أكبر كثيرًا أن تكون ممثلة للتنوع السكاني على مستوى البلاد". ويضيف أن البنك الحيوي التابع لمبادرة «أول أوف أس» يُعد بالأخص موردًا ثمينًا، لأنه شاركت فيه مجموعات سكانية أُقصيت على مر التاريخ من الإسهام في الأبحاث العلمية مثل مجتمعات سكان أمريكا الأصليين (انظر: The All of Us Research Program Genomics Investigators. Nature 627, 340–346; 2024). وهو ما يوضحه تشيتوف قائلًا "يركز هذا البنك بشكل خاص على جمع عينات المجموعات السكانية التي لم تحظ عادة بتمثيل كاف في الأبحاث"
كيف يمكن الوصول إلى هذه الموارد الثمينة؟
بعد عثور الباحثين على البنك الحيوي الذي يضم البيانات التي يحتاجونها، يتعين عليهم التعامُل مع عدد من القضايا المرتبطة بالوصول إلى هذه البنوك والدفع لقاء استخدامها.
كان دانييل ديلجادو كاستيللو، اختصاصي هندسة الطب الحيوي من الجامعة الوطنية المستقلة في المكسيك بمدينة مكسيكو سيتي يُنقب في الأدبيات البحثية عن معلومات حول التغيرات الفعلية التي تطرأ على أدمغة المصابين بكوفيد الممتد، عندما وقع على كنز من صور الفحوص الدماغية التي كان في أمس الحاجة إليها. قبل ذلك، كان قد حاول بالفعل التواصل مع العديد من واضعي الدراسات لطلب الحصول على صور الفحوص الدماغية التي جمعتها، إلا أن جهوده لم تكلل بنجاح يُذكر. بالمقارنة، كان المورد الذي اكتشفه بعد ذلك مدرجًا ضمن قاعدة بيانات «البنك الحيوي البريطاني»، كما كان أكبر وأسهل في الوصول إليه، وبدا أنه يحتوي بالضبط على المعلومات التي يحتاجها كاستيللو.
من هنا، في مطلع عام 2024، تقدم بطلب بالوصول إليه. ورغم أن نموذج التقديم الأولي أوضح أن الوصول إلى هذا المورد لمدة ثلاث سنوات قد يتطلب دفع رسوم تتراوح قيمتها ما بين 3 آلاف و9 آلاف جنيه إسترليني (ما يعادل ما بين 4 آلاف إلى 12 ألف دولار أمريكي)، عرض البنك الحيوي منحة لتغطية هذه النفقات. وفي غضون بضعة أشهر، أمكن لكاستيللو دراسة صور فحوص التصوير بالرنين المغناطيسي لألف مشارك في قاعدة بيانات البنك، نصفهم كان مصابًا بـ«كوفيد» الممتد. أما النصف الآخر، فمثّل مجموعة المقارنة المناظرة. حول ذلك، يقول كاستيللو: "لو لم أملك هذه الصور، لكان من المستحيل أن أمضي في أبحاثي".
كذلك لا يمكن أن تُستخدم بيانات «البنك الحيوي البريطاني» إلا من خلال «منصة تحليل الأبحاث» Research Analysis Platform، وهي خدمة الحوسبة السحابية الآمنة الخاصة بالبنك. وتضم هذه المنصة أدوات تعمل على تحليل البيانات الجينومية والبيانات حول عمليات النسخ الجيني، فضلًا عن إجرائها تحليلات إحصائية للصور وغيرها من أشكال البيانات. كما توفر المنصة أدوات تعلم آلة يمكن الوصول إليها عبر نظام «جوبيتر لاب» JupyterLab، وهو نظام مفتوح المصدر لعلوم البيانات.
والتدرب على استخدام الفضاء الحوسبي الآمن الخاص بالبنك اتسم بسهولته، بحسب ما تفيد دي فاريا وكاستيللو، الذي أضاف أن محاولة إعادة إنتاج هذا الفضاء على أجهزة مؤسساتهم كانت من المحتمل أن تغدو شاقة ومكلفة. وهو ما يؤكده قائلًا: "شعرت بالارتياح لأن أمن البيانات كان خاصية مدمجة في منصة تحليل الأبحاث، وليس علي أن أقلق حياله".
وحسبما توضح لورين كارسون التي تقود في لندن جهود تطوير أبحاث «البنك الحيوي البريطاني»، قبل إبريل من عام 2024، كان الباحثون من الدول ذات الدخل المتوسط والمنخفض يدفعون رسومًا أقل نظير الانتفاع بالبنك. مع ذلك، ظلت هذه الرسوم عائقًا أمام كثير منهم. من هنا، أطلق البنك «صندوق الوصول العالمي للباحثين» Global Researcher Access Fund، والذي يعفي الباحثين في العديد من الدول ذات الدخل المتوسط والمنخفض من جميع الرسوم.
وفي الوقت الحالي، يمكن للباحثين الذين تشملهم سياسة الصندوق الوصول فقط إلى بيانات البنك، ولكن ليس إلى مستودعه الهائل من عينات الدم والبول واللعاب. فهذه العينات متاحة فقط للباحثين غير المشمولين في سياسة الصندوق، وهؤلاء لا يمكنهم اختيار أو طلب مجموعة فرعية من العينات التي تستوفي معايير محددة، وإنما يمكنهم دراسة مجموعة العينات بالكامل أو مجموعة عشوائية منها (بتكلفة يتراوح قدرها ما بين 5 إلى 10 جنيهات إسترلينية لقاء العينة). وهو ما تعلل له كارسون قائلة: "نحث بقوة على الابتعاد عن الانتقائية. وإلا قد ينتهي المطاف بالباحث إلى جمع عينات عديدة من مشاركين بعينهم بعكس الحال مع مشاركين آخرين".
وتشجع كارسون الباحثين الراغبين في الحصول على عينات مادية على مراجعة الإرشادات الخاصة بذلك على الموقع أولًا (www.ukbiobank.ac.uk). ويلفت تشيتوف إلى وجود ندوات عبر الإنترنت وإرشادات حول استخدام موقع مبادرة «أول أوف أس» التابعة لهيئة معاهد الصحة الوطنية الأمريكية، وينصح حال فشل كل هذه الخطوات بالتواصل مع البنك الحيوي مباشرة. فيقول: "وجدت سهولة كبيرة في التواصل مع المشرفين على الموقع وطرح الأسئلة عليهم".
ونظرًا إلى محدودية عدد وكمية العينات، يشدد «البنك الحيوي البريطاني» على ضرورة أن تستهدف الدراسات البحثية الخروج ببيانات يمكن إعادة استخدامها من العينات، ما يجعل هذا المورد المحدود يعود بمنافع لا حصر لها.
كما يمكن للباحثين إعادة العينات التي لا يستخدمونها. وبعد تسعة شهور من التمتع بحق حصري باستخدام أي بيانات جديدة تُستحدث من العينات، يجب إرسال هذه البيانات إلى البنك الحيوي، حيث تعمل فرق داخلية به على التحقق من جودتها واكتمالها. وهو ما توضحه كارسون بقولها: "نريد مشاركة أي بيانات يستحدثها الباحث مع غيره من الباحثين لإتاحة استخدامها".
الاختيار صعب
مع تزايد عدد الخيارات المتاحة من البنوك الحيوية على اختلاف أحجامها، ينبغي للباحثين تحديد البنك الأنسب لاحتياجاتهم. وتجدر الإشارة هنا إلى أن راش وفريقها البحثي وجدوا في استطلاع أُجروه عام 2022 أن نصف الباحثين الذين شملهم الاستطلاع ذكروا أنهم اضطروا إلى استخدام موارد من أكثر من بنك حيوي في دراساتهم (A. Rush et al. Biopreserv. Biobank. 20, 271–282; 2022). والفشل في اختيار البنك الحيوي الأنسب له مضاره. على سبيل المثال، ذكر 60% ممن شاركوا في الاستطلاع أنهم عمدوا إلى تضييق نطاق بحثهم لأنهم عجزوا عن العثور على البيانات المطلوبة له.
أما كافاليري، فقد استخدم عدة بنوك حيوية لأبحاثه حول الصرع. وهو يعلل لذلك قائلًا أنه عند خوض تعاون بحثي وثيق مع البنك الحيوي الصغير نسبيًا التابع لـ«كلية الحراحين الملكية في أيرلندا»، يمكن للباحثين استقاء معلومات قيمة من الأطباء الإكلينيكيين حول سبل العلاج المختلفة، واستجابات الأشخاص لها، ونتائج الفحوص المستمرة، وغير ذلك من التفاصيل التي قد ترشد خطى الدراسة. فيقول: "يجمع المرء عندئذ بيانات متعمقة حول الأنماط الظاهرية للمرض".
كما استخدم «البنك الحيوي البريطاني»، الذي سمح له في غضون أشهر قليلة بالوصول إلى البيانات الجينومية والبروتيومية وغيرها من أنماط البيانات حول آلاف المصابين بالصرع. وأضاف أنه "يمكن الوصول إلى كل هذه البيانات، "حتى إن كانت لديك ميزانية محدودة"، تغطي راتبك فقط ورسوم الوصول إلى هذه الموارد.
لكن على الباحثين الانتباه إلى الانحيازات الإحصائية التي تنطوي عليها قواعد البيانات تلك. فعينات وبيانات «البنك الحيوي البريطاني» تمثل المجموعات السكانية في المملكة المتحدة، ما يعني أن المشاركين الذين أسهموا بهذه العينات والبيانات ينحدر أغلبهم من أصول أوروبية. كما أنهم جميعهم من البالغين الذين تربو أعمارهم على 40 عامًا، ما يجعل موارد «البنك الحيوي البريطاني» أقل نفعًا للباحثين الذين يدرسون الأمراض التي تجعل المدى المتوقع لعمر الفرد أقصر كثيرًا. رغم ذلك، يقول كافاليري: "لا يمكن أن ترتكز البنية التحتية العلمية على بنك حيوي لشريحة سكانية كبيرة وحسب. فثمة حاجة إلى البيانات والعينات الخاصة بالمرض أيضًا".
وفي نهاية المطاف، قد يتبين أن الخدمات والمعلومات التي يقدمها فريق عمل البنك أكثر نفعًا من العينات والبيانات التي يحفظها. وهنا يضيف واتسون: "اللجوء إلى البنك الحيوي يشبه التوجه إلى باب غرفة ذات حراسة أمنية، لتطلب من شخص أن يعطيك شيئًا من داخلها. لكن علينا أن نعمل كمجموعة عمل خدمية متعاونة، وليس ككيان جامد غير متفاعل".
والجهود لدفع البنوك الحيوية إلى الالتزام بمجموعة مبادئ قوامها إتاحة العثور والوصول إلى محتويات هذه البنوك وإتاحة التعاوُن في العمل على محتوياتها، والسماح بالتثبت من صحة هذه المحتويات (فيما يُعرف إجمالًا بجموعة مبادئ FAIR) يفتح فرصًا للمضي نحو هذا الإطار القائم على مزيد من التعاوُن. ووفقًا لبايرن، يُمكن للباحثين الذين يؤسسون بنوكًا حيوية خاصة بهم مؤازرة هذه الجهود باتخاذ خطوات تحقق استدامة المشروع. على سبيل المثال، يمكنهم ضمان موافقة المشاركين في الأبحاث على إعادة استخدام العينات أو مشاركتها، أو يمكنهم توفير دعم مستمر للمستخدمين الراغبين في الوصول إلى العينات.
وتضيف بايرن أن مفاتحة البنك الحيوي بالأهداف التي حددتها ومتطلباتك البحثية قد يكون مفيدًا. ففرق عمل البنوك الحيوية يمكن أن تساعد الباحثين في قياس مدى جدوى المشروع البحثي، وفي تحديد ما إذا كان بنكًا حيويًا محددًا، سواء كان صغيرًا أو كبيرًا، يفي بمتطلباتهم. ؤيؤيد كارسون هذا الرأي، مضيفًا أن أي باحث يتساءل حول السبل التي يمكنه بها استخدام موارد «البنك الحيوي البريطاني»، ينبغي له التواصل مع البنك لمناقشة أسئلته. ويؤكد ذلك قائلًا: "أرى أنه من الأهمية الشديدة فتح باب للنقاش بين الباحثين والبنوك الحيوية".
ويشدد تشيتوف كمستخدم للبنوك الحيوية الوطنية وتلك التابعة للمؤسسات على أهمية هذا النقاش. فقد استخدم بيانات صحية من أجهزة قابلة للارتداء، مُدرجة في قاعدة بيانات «أول أوف أس»، لكنه عند اللجوء إلى الفريق البحثي الذي أسهم بالبيانات التي أراد استخدامها، من جامعة فاندربيلت في مدينة ناشفيل بولاية تينيسي الأمريكية، كان مترددًا في مفاتحته بأسئلة. مع ذلك، ساعده أعضاء الفريق البحثي على التعامُل مع هذه المعطيات وتحدثوا معه حول الطريقة المثلى لاستخدام مورد البيانات الذي قدموه. ومنحته هذه النقاشات الثقة في قدرته على الاستمرار في التعاوُن مع البنوك الحيوية والقيمون عليها.
ويسترجع تلك الفترة قائلًا إنه عندما علم بأن من يديرون البنوك الحيوية هدفهم هو مساعدة الباحثين، وليس مجرد حماية موارد هذه البنوك، فتح هذا عينه على حقيقة. وهي، كما يضيف، أنه "ليس هناك من يرغب في أن تقبع هذه العينات أو المعلومات الخاصة بالمشاركين في أرفف رقمية أو في المجمدات. فكلما زاد عدد من ينشرون بيانات حولها، دل هذا على استيفاء مهمة تحسين العلوم التي أخذها المشاركين على عاتقهم عندما بذلوا من وقتهم الخاص للإسهام في البنك".
Nature 645, 548-550 (2025)
هذه ترجمة المقال الإنجليزي المنشور في دورية Nature بتاريخ 10 سبتمبر عام 2025.
doi:10.1038/nmiddleeast.2025.183
تواصل معنا: