أول فيروسات من نسج الذكاء الاصطناعي: خطوة نحو علاجات مستقبلية آمنة
16 October 2025
نشرت بتاريخ 16 أكتوبر 2025
استعان العلماء بالذكاء الاصطناعي في كتابة جينومات فيروسية متماسكة، ثم استخدموها في تخليق عاثيات بكتيرية قادرة على الفتك بسلالات البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية.
في سبق علمي، نجح العلماء في تخليق أول فيروسات على الإطلاق من نسج الذكاء الاصطناعي (AI)، وهي قادرة على استهداف سلالات من بكتيريا الإشريكية القولونية (E. coli) والقضاء عليها.
يقول براين هاي، عالم البيولوجيا الحاسوبية بجامعة ستانفورد بكاليفورنيا: "هذه هي المرة الأولى التي تتمكن فيها أنظمة الذكاء الاصطناعي من كتابة تسلسلات متماسكة على نطاق الجينوم بأكمله". ويردف قائلًا: "في الخطوة التالية سوف يولّد الذكاء الاصطناعي شكلًا من أشكال الحياة". أما زميله صامويل كينج فيرى أنه "لا بد من حدوث الكثير من الإنجازات التجريبية قبل أن يصبح تصميم كائن حي كامل ممكنًا".
وقد نُشرت الدراسة التي أعدها هاي وكينج وزملاؤهما على خادم المسوّدات البحثية «بيوآركايف» bioRxiv في السابع عشر من سبتمبر الجاري1 ولم تخضع للتحكيم بعد. ومع ذلك، يشير المؤلفون إلى أن الدراسة تُبرز إمكانات الذكاء الاصطناعي في تصميم أدوات وعلاجات بيوتكنولوجية لمكافحة العدوى البكتيرية. يقول هاي: "نأمل أن تلعب استراتيجية كهذه دورًا مكملًا لاستراتيجيات العلاج بالعاثيات الحالية، وأن تسهم يومًا ما في تعزيز العلاجات المستهدِفة لمسببات الأمراض الخطيرة".
جينومات من إخراج الحاسوب
تُستخدم نماذج الذكاء الاصطناعي بالفعل في توليد تسلسلات الحمض النووي، وتصميم بروتينات مفردة، وبنى جزيئية متعددة المكونات2. غير أن تصميم جينوم كامل ينطوي على تحديات كبيرة للغاية، نظرًا للتفاعلات المعقدة بين الجينات وعمليات تناسخها وتنظيمها. ويشير هاي إلى أن أنظمة الذكاء الاصطناعي هذه باتت قادرة الآن على مساعدة العلماء في التعامل مع أنظمة بيولوجية شديدة التعقيد، مثل الجينومات الكاملة. ويتابع قائلًا: "ثمة العديد من الوظائف البيولوجية المهمة التي لا يمكن بلوغها إلا من خلال تصميم جينومات كاملة".
ولتصميم الجينومات الفيروسية لجأ الباحثون إلى نموذجَي الذكاء الاصطناعي «إيفو 1» Evo 1 و«إيفو 2» Evo 2، القادرَين على تحليل وتوليد تسلسلات الحمض النووي، والحمض النووي الريبي، والبروتينات. في البداية، احتاج الباحثون إلى قالب تصميم، وهو تسلسل مبدئي يوجه نموذج الذكاء الاصطناعي لتوليد جينوم يحمل الخصائص المرغوبة. ولهذا الغرض وقع اختيارهم على فيروس ΦX174، وهو فيروس بسيط ذو حمض نووي أحادي الجديلة يحتوي على 5386 قاعدة نيوكليوتيدية موزعة في 11 جينًا، ويضم كافة العناصر الجينية اللازمة لإصابة المضيف والتكاثر بداخله.
وقد دُربَ نموذجَا «إيفو» مسبقًا على أكثر من مليونَي جينوم للعاثيات، إلا أن الباحثين أعادوا تدريبهما باستخدام نهج يُدعى التعلم الخاضع للإشراف، بهدف توليد جينومات فيروسية شبيهة بفيروس ΦX174، قادرة على أداء وظيفة بعينها هي إصابة سلالات بكتيريا الإشريكية القولونية، وخصوصًا تلك المقاومة للمضادات الحيوية.
قيم الباحثون آلاف التسلسلات التي ولّدها الذكاء الاصطناعي، ثم حصروا بحثهم في 302 عاثية بكتيرية قادرة على أداء الوظيفة المرجوة. تشاركتْ معظم العاثيات البكتيرية المرشحة مع فيروس ΦX174 في أكثر من 40% من الهوية النيوكليوتيدية، في حين امتلك بعضها تسلسلات ترميزية مختلفة بالكامل. بعدئذ، عمد الباحثون إلى تخليق الحمض النووي من الجينومات التي نسجها الذكاء الاصطناعي، ثم أدخلوه في البكتيريا المضيفة كيما تتمكن العاثيات من النمو. واختبر الباحثون هذه العاثيات للتأكد من قدرتها على إصابة بكتيريا الإشريكية القولونية وقتلها.
تمكن نحو 16 من أصل 302 عاثية بكتيرية صممها الذكاء الاصطناعي من استهداف بكتيريا الإشريكية القولونية بعينها وإصابتها بنجاح. كما وجد الباحثون أن أمزجة معينة من تلك العاثيات قادرة على إصابة ثلاث سلالات مختلفة من بكتيريا الإشريكية القولونية وقتلها، وهو ما لم يستطع فيروس ΦX174 الطبيعي القيام به.
يقول كينج: "لقد كانت نتيجة غير متوقعة وأثارت حماستنا كثيرًا، لأنها تبين أن هذا النهج قد يكون ذا فائدة كبيرة في تطوير العلاجات".
مخاوف متعلقة بالسلامة البيولوجية
من جانبه يقول بيتر كوو، عالم البيولوجيا الحاسوبية في «مختبر كولد سبرينج هاربور» في منطقة لوريل هاولو بمدينة نيويورك الأمريكية: "تشكل هذه الدراسة مثالًا صارخًا لما يمكن إنجازه اليوم وتمهد الطريق أمام تطبيقات أكثر طموحًا في المستقبل". ويضيف: "وهي تسلط الضوء على مجال واعد لتطبيق هذه الأفكار".
ويشير كوو إلى أن نموذج «إيفو» وحده لا يزال غير كاف لتصميم الفيروسات وتوليدها دون عناية الفريق بالتوجيه والترشيح. ويتابع قائلًا: "ولكني أرى أنه بالنظر إلى النظام ككل، بكل ما يشتمل عليه من مرشحات وآليات عمل متكاملة، فإن ذلك يبين أن هذه المقاربة قد تتمخض يومًا ما عن جينومات فيروسية فعالة".
وثمة مخاوف أخلاقية من استغلال الذكاء الاصطناعي في تصميم فيروسات قادرة على إيذاء البشر. من جانبها ترى كيرستين جوبفريش، اختصاصية الفيزياء البيولوجية والبيولوجيا التخليقية، بجامعة هايدلبرج في ألمانيا، أن هذه الإشكالية - المعروفة باسم معضلة الاستخدام المزدوج للتكنولوجيا - ليستْ حكرًا على الذكاء الاصطناعي، بل تشكل مثار قلق دائم في علم البيولوجيا. وتضيف: "في تصوري أنه في مجال البحث العلمي بصفة عامة، دائمًا ما تواجهنا معضلة الاستخدام المزدوج. المسألة ليست خاصة بالذكاء الاصطناعي، فالتقدم يمكن أن يُستغل دائمًا إما في الخير أو في الضرر".
وبالفعل عرض المؤلفون في المسوّدة البحثية المخاوف المتعلقة بالسلامة البيولوجية. فقد ذكروا أنهم استبعدوا الفيروسات التي تصيب حقيقيّات النواة بما في ذلك البشر، من بيانات تدريب نماذج «إيفو». كما أن العاثية ΦX174 وأنظمة بكتيريا الإشريكية القولونية المضيفة التي خصوها بالدراسة كانت غير ممرضة أيضًا ولديها "باع طويل من الاستخدام الآمن في بحوث البيولوجيا الجزيئية"، حسبما أشاروا.
ويأمل الباحثون أن تُستخدم مقاربتهم في توليد فيروسات من نسج الذكاء الاصطناعي على نحو آمن، بحيث تعالج العديد من الأمراض وتتصدى لتحديات الصحة العامة بما فيها إشكالية مقاومة البكتيريا للمضادات الحيوية المتفاقمة.
تقول جوبفريش: "أرى أن هذا المجال سوف يشهد نموًا كبيرًا بالتأكيد، وأنا متحمسة له كل الحماس".
هذه ترجمة المقال الإنجليزي المنشور بمجلة Nature بتاريخ 19 سبتمبر 2025.
doi:10.1038/nmiddleeast.2025.181
King, S. H. et al. Preprint at bioRxiv https://doi.org/10.1101/2025.09.12.675911 (2025).
Madani, A. et al. Nature Biotechnol. 41, 1099–1106 (2023).
تواصل معنا: