أخبار

خبراء يحذرون: لا لاستبعاد الباحثين الفلسطينيين من جهود إعمار غزة

نشرت بتاريخ 13 أكتوبر 2025

مع التوصُّل إلى وقف إطلاق النار في غزة، بموجب المرحلة الأولى من الاتفاق المبرم بين الطرفين المتحاربين، ينادي باحثون بعدم اللجوء إلى الحلول "الفوقية" في مرحلة إعادة الإعمار.

ميشيل كاتانزارو

صِبيةٌ فلسطينيون يحتفلون بقرار وقف إطلاق النار في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة.

صِبيةٌ فلسطينيون يحتفلون بقرار وقف إطلاق النار في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة.
حقوق الصورة: Eyad Baba/AFP via Getty.

تحدَّثت مجلة Nature إلى عددٍ من الباحثين المعنيين بدراسة إعادة الإعمار في مرحلة ما بعد الحروب، الذين أكَّدوا أن جهود إصلاح ما أفسدته الحرب في قطاعات الصحة العامة والبيئة والتعليم العالي والبحث العلمي في غزة لن تُكلَّل بالنجاح ما لم يقُدْ قاطرةَ هذه الجهود خبراءُ من داخل الأراضي الفلسطينية نفسها.

تأتي هذه التأكيدات على وَقع مشاهد الفرح التي عمّت غزة منذ يوم الخميس، التاسع من أكتوبر الجاري، على أثر توقيع فِرَق التفاوُض في مصر على المرحلة الأولى من خطة وقف إطلاق النار التي طرحها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وصادَقَ عليها مجلس الوزراء الإسرائيلي يوم الجمعة.

على مدى عامين، شنَّ الجيش الإسرائيلي حربًا على قطاع غزة راح ضحيَّتَها أكثر من 67 ألف شخص، ردًّا على هجمات حركة «حماس» في السابع من أكتوبر عام 2023، التي أسفرت عن مقتل 1200 شخص، وأسر 251 آخرين.

تنص خطة ترامب على نزع سلاح «حماس»، والإفراج عن الأسرى المتبقين، وألا تضطلع الحركة بأي دور في إدارة شؤون غزة مستقبلًا. وفي المقابل، ستُوقف إسرائيل عملياتها العسكرية في القطاع، وتسحب قواتها إلى مواقع متفق عليها، وتفرج عن عدد من المعتقلين الفلسطينيين، وتُفسح لدخول مزيد من المساعدات، وتسمح لوكالات الأمم المتحدة بالعمل داخل القطاع. إلا أن التفاصيل الدقيقة المتعلقة بآلية تنفيذ هذه البنود لم تُعلن بعد.

يقول فريد القيق، الباحث في التخطيط العمراني والرئيس السابق لجامعة غزة: "استيقظنا صباح [الخميس] على خبر سارّ طال انتظاره، فجَّر الاحتفالات في شوارع غزة".

ويؤكد الباحثون الذين تحدّثت إليهم Nature ضرورة أن تُمنح قيادة جهود إعادة الإعمار للفلسطينيين. هذا التأكيد يأتي في وقته تمامًا، بالنظر إلى أن خُطة ترامب لم تتطرَّق – من قريبٍ أو بعيد – إلى أي دور قيادي للمنظمات الفلسطينية.

يُذكر أن القوات الإسرائيلية قد عمدت منذ البداية إلى استهداف البنية التحتية المادية لقطاع غزة، ومنها المستشفيات وغيرها من مرافق الرعاية الصحية، إضافةً إلى شبكات المياه والصرف الصحي، فلم تُبقِ منها شيئًا تقريبًا.

بحلول نهاية شهر أغسطس الماضي، عندما كانت القوات الإسرائيلية تفرض قيودًا شديدة على دخول المساعدات، طالت المجاعة أكثر من نصف مليون من سكان القطاع، بحسب «لجنة تقييم المجاعة»، التي تتألف من مجموعة مستقلة من الخبراء. وكشفت بيانات نُشرت في مجلة «ذا لانسيت» The Lancet في الثامن من سبتمبر أن نحو 55 ألف طفل دون الخامسة كانوا يعانون من سوء تغذية حاد.

وإلى ذلك، أفادت بيانات صادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، ومقرّه رام الله في الضفة الغربية، بأن أكثر من 2200 من العاملين في قطاعَي الطب والتعليم قد قَضَوا منذ اندلاع الحرب. كما تشير منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، ومقرّها العاصمة الفرنسية، باريس، إلى أن ما يقارب أربعة أخماس مؤسسات التعليم العالي في غزة قد تضررت أو دُمّرت بالكامل، وأن نحو 88 ألف طالب في هذه المؤسسات قد قُطعت دراستهم.

أما سافو هيليتا، الباحث بجامعة نيلسون مانديلا، في جنوب أفريقيا، الذي يدرس التعليم العالي فيما بعد النزاعات وتدفّق المساعدات إلى الجامعات الفلسطينية، فيقول: "من الأهمية بمكان إدراك حجم الدمار المهُول الذي لحق بالقطاع". في ورقة بحثية لم تُنشر بعد، يُقدّر هيليتا أن الحرب ألحقت أضرارًا بالبنية التحتية للتعليم العالي تُقدّر قيمتها بما لا يقل عن 222 مليون دولار أمريكي، مضيفًا أن إعادة البناء ستحتاج إلى ما يقارب خمسة أضعاف هذا المبلغ – أي نحو مليار دولار – نظرًا لتكاليف إزالة الأنقاض والتخلُّص من الذخائر غير المنفجرة.

وإذا أخذنا بأحداث الماضي مؤشّرًا على ما يحمله المستقبل، كما يقول هيليتا، فأكبر الظن أن "بعض دول الخليج وتركيا ستكون في مقدمة الجهات المانحة" والمموِّلة لجهود الإعمار. ومع ذلك، يلفت إلى أن المساعدات التي كانت تُقدَّم للجامعات الفلسطينية في السنوات السابقة لم تتجاوز بحالٍ 20 مليون دولار سنويًّا.

وأما أماني المقادمة، رئيسة قسم العلاقات الدولية في الجامعة الإسلامية بغزة، والمشاركة في إعداد التقرير المعنوَن: «صمودٌ وسط الأنقاض»، الذي يُقيّم احتياجات التعليم العالي في غزة، فتقول إن أولويات القطاع تتجاوز إعادة بناء البنية التحتية المادية. لابد أن يُوضع ضمن هذه الأولويات أيضًا، كما ترى، الإبقاء على التعليم الإلكتروني إلى حين إعادة تهيئة القاعات الدراسية، وتوفير الدعم النفسي للطلبة والكوادر الأكاديمية، ووَصْل ما انقطع بين باحثي غزة والعالم الخارجي من خلال المؤتمرات والزيارات والمنح الدراسية. ولأن مؤسسات التعليم العالي في غزة تعتمد إلى حدٍّ بعيد على الرسوم الدراسية مصدرًا رئيسًا للدخل، تدعو المقادمة إلى توجيه المساعدات لتغطية مصروفات الطلبة بحيث تضمن بقاء الجامعات واستمرار عملها.

متظاهرون يحتشدون في «ساحة الرهائن» بمدينة تل أبيب في التاسع من أكتوبر الجاري احتفالًا باتفاق وقف إطلاق النار الذي ينهي الحرب في غزة.

متظاهرون يحتشدون في «ساحة الرهائن» بمدينة تل أبيب في التاسع من أكتوبر الجاري احتفالًا باتفاق وقف إطلاق النار الذي ينهي الحرب في غزة.
حقوق الصورة: Saeed Qaq/Anadolu via Getty.

لتكُن القيادة للفلسطينيين

تُشدِّد المقادمة، التي تعمل حاليًا في جامعة إدنبرة بالمملكة المتحدة، على ضرورة أن تكون المؤسسات العلمية في غزة شريكًا أصيلًا في جهود إعادة الإعمار، مؤكدةً أن "الأكاديميين الفلسطينيين يمتلكون معرفةً بواقعهم لا تتوفَّر لغيرهم، وهم الأدرى بأرضهم". وتتفق معها ناعومي رينتول-هاينز، الباحثة في علوم التربة بجامعة كانتربري كرايست تشيرش في المملكة المتحدة، التي تدرس الأثر البيئي للحرب على غزة، بقولها إن "القرارات المتعلقة بمستقبل المنطقة ينبغي أن تُبنى على مشاركة واسعة من الفئات التي ستتأثر بها أكثر من غيرهم".

بموجب خطة ترامب، سوف تتشكَّل لجنة "تكنوقراطية" تضم خبراء فلسطينيين ودوليين لإدارة الخدمات العامة في غزة، على أن تخضع لإشراف هيئة دولية من صنّاع القرار، يُرجَّح أن تضم عددًا من رؤساء الحكومات، وتحمل اسم «مجلس السلام». وهذا المجلس، الذي سوف يرأسه ترامب نفسه، سيضم في عضويته رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، توني بلير.

يتوقع سلطان بركات، الباحث في السياسات العامة بجامعة حمد بن خليفة في قطر، أن يُحجم أكاديميون كُثُر عن المشاركة في هذه اللجنة إنْ ثبت أنها "مجرد [أداة] لإدارة الاحتلال".

سوف "يحيط بهذه اللجنة جدلٌ كبير"، حسبما أضاف بركات، الذي شارك في تأليف تقريرٍ صدرَ العامَ الماضي تحت عنوان: «غزة: القيادة وإعادة الإعمار في اليوم التالي».

شبح العراق

تأمل أماني المقادمة في أن يُتاح للعلماء والباحثين الفلسطينيين المشاركة في هذه اللجنة أيضًا. ويرى بيل ويليامسون، الباحث في جامعة دورهام بالمملكة المتحدة والمتخصص في دراسة التعليم العالي الفلسطيني، أن السماح للفلسطينيين بتقرير مسارهم المستقبلي ليس أمرًا ضروريًا إعلاءً لمبدأ العدالة فقط، بل هو أيضًا شرط أساسي لإنجاح خطة ترامب. يقول ويليامسون إن هذه الخطة "لن يُكتب لها النجاح ما لم تفتح المجال أمام الفلسطينيين ليضطلعوا بدور رئيس في صياغة مستقبلهم كشعب يتمتع بالسيادة [على أرضه]". ويحذّر سانسوم ميلتون، الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني في العاصمة القطرية، الدوحة، من أنه إذا لم تُعالج القضايا السياسية الجوهرية، فإن "اليوم التالي لهذه الحرب قد يتحول إلى اليوم السابق لحرب قادمة".

ويذكر ميلتون، الذي درس جهود إعادة الإعمار في غزة وبلدان أخرى، أن جميع الأطراف المنخرطة في التخطيط لمستقبل غزة اليوم ينبغي أن تستخلص الدروس من أخطاء مرحلة ما بعد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، قائلًا: "شارك عدد هائل من الكوادر الإدارية" في عملية الإعمار آنذاك، لكن مع استبعاد الكثيرين من الأكاديميين العراقيين.

البحث العلمي تحت القصف

رغم الدمار الهائل الذي حلَّ بالقطاع، استطاع بعض الأكاديميين الإبقاء على شيء من نشاطهم البحثي، كما تقول أليسون فيبس، أستاذة اللغويات في جامعة جلاسجو بالمملكة المتحدة، التي تتعاون مع باحثين من غزة، ونظّمت مؤتمرًا دوليًّا في نهاية العام الماضي حول إعادة بناء التعليم العالي في القطاع.

وفي تصريحات لمنار الحوبي، طالبة الدكتوراه الغزّية التي تعمل تحت إشراف فيبس، أدلت بها لمجلة Nature، رَوَت كيف واصلت عملها رغم نزوحها أكثر من اثنتي عشرة مرة. قالت: "قرر زوجي أن يتخلَّى عن هاتفه: تركه داخل صندوق ثبَّته بعصيٍّ خشبية في وسط خيمتنا، حتى نستطيع التقاط إشارة ضعيفة للاتصال. وهكذا استطعتُ البقاء على اتصالٍ بمُشرفتي".

يقول القيق: "ما حلَّ بنا في هذه الحرب لا سابقة له. لم يخطر ببالي – ولا حتى في أسوأ كوابيسي – أن أعيش واقعًا كهذا، أو أن يعيش أطفالي هذا القدر من المعاناة. لكننا اليوم نستطيع أن نسعى لإعادة البناء، ومداواة جراحنا، والنظر إلى المستقبل بعين التفاؤل".

 

* هذه ترجمة المقال الإنجليزي المنشور بمجلة Nature بتاريخ 10 أكتوبر 2025.

doi:10.1038/nmiddleeast.2025.179