قصص نجاح تتحدى الحدود: أكثر من 30% من الفائزين بجوائز نوبل في العلوم خلال هذا القرن من العقول المهاجرة
14 October 2025
نشرت بتاريخ 14 أكتوبر 2025
وفقًا لتحليل أجرته دورية Nature، ظلّت الولايات المتحدة منذ عام 2000 الوجهة الأكثر استقطابًا للعلماء المهاجرين الذين حصدوا في نهاية المطاف جوائز نوبل في الفيزياء والكيمياء والطب.
بلغ عدد الفائزين بجائزة نوبل في الفيزياء والكيمياء والطب خلال هذا القرن 202 من العلماء، واتضح أن نسبةً تقل عن 70% منهم كانوا ينحدرون من البلد نفسه الذي مُنحوا الجائزة فيه. وبالنسبة إلى الفائزين المتبقين وعددهم 63 فقد غادروا بلدانهم الأصلية قبل فوزهم بجائزة نوبل، وعبروا الحدود الدولية أحيانًا أكثر من مرة، وفقًا لتحليل أجرته دورية Nature (انظر "تدفقات نوبل").
ومن بين الفائزين بجائزة نوبل الذين هاجروا إلى بلدان أخرى اثنان من أصل ثلاثة فائزين في مجال الكيمياء أُعلن عنهم يوم الأربعاء الماضي. فقد وُلد ريتشارد روبسون في المملكة المتحدة، ولكنه يعيش الآن في أستراليا. وأصبح عمر ياغي، المقيم حاليًا في الولايات المتحدة، أول عالم أردني المنشأ يفوز بجائزة نوبل في العلوم. كذلك فإن اثنين من الفائزين الثلاثة بجائزة نوبل في الفيزياء لعام 2025 يُعَدان من المهاجرين أيضًا: فميشيل ديفوريه، المولود في فرنسا، وجون كلارك، المولود في المملكة المتحدة، يقيمان في الولايات المتحدة.
لطالما كان للمهاجرين نصيب في جوائز نوبل، ومن بينهم علماء بارزون مثل ألبرت أينشتاين، الذي انتقل من مسقط رأسه في ألمانيا إلى سويسرا (ثم إلى الولايات المتحدة بعد ذلك)، وماري كوري، التي غادرت موطنها بولندا للعمل في فرنسا. والسبب في ذلك أن أفضل الفرص العلمية المثمرة — أي أفضل برامج التدريب، وأحدث المعدات، وأقوى المجتمعات البحثية — موزَّعة في شتّى أنحاء العالم، وليست ممركّزة في مكان واحد. تقول إينا جانجولي، الخبيرة الاقتصادية من جامعة ماساتشوستس أمرست: "يمكن أن تُولد الموهبة في أي مكان، لكن الفرص لا تُتاح إلا في بقاع معينة. أعتقد أن هذا سبب رؤيتنا لهذا العدد الكبير من الأجانب الذين فازوا بجوائز نوبل".
يأتي التحليل الجديد في وقت يواجه فيه التدفق الدولي للعلماء والطلاب عقبات متزايدة. ففي الولايات المتحدة، على سبيل المثال، تُنذر الاقتطاعات الكبيرة التي طالت المنح العلمية على نطاق واسع وسياسات الهجرة الأكثر صرامة التي طبقتها إدارة الرئيس دونالد ترامب هذا العام "بنزوح وشيك" للعقول والكفاءات. تقول كارولين فاجنر، المتخصصة في سياسات العلوم والتقنية من جامعة ولاية أوهايو في كولومبوس، إن هذه القيود "ستُبطئ دون شك وتيرة الابتكار في مجال الأبحاث". ولم يستجب البيت الأبيض لطلب التعليق على الآثار المترتبة على سياسات ترامب.
في الوقت نفسه، وضعت أستراليا حدًا أقصى لعدد الطلاب الدوليين الذين يمكنهم الالتحاق بمؤسساتها سنويًا، واقترحت اليابان خفض الدعم المالي لطلاب الدراسات العليا الوافدين من بلدان أخرى.
وجهات تحظى بالإقبال الأكبر
من بين الذين عبروا الحدود بالفعل أندريه جايم، الفيزيائي من جامعة مانشستر بالمملكة المتحدة، والحائز على جائزة نوبل في مجال الفيزياء لعام 2010. وُلد جايم في روسيا لأبوين ألمانيين، ويوضح أنه "تنقل بحرية دون عوائق" طوال مسيرته البحثية، إذ شغل مناصب في روسيا والدنمارك والمملكة المتحدة وهولندا. وعن هذا يعلق بقوله: "إذا أمضيت حياتك بأكملها في مكان واحد، فسوف يفوتك الكثير من الفرص".
من بين العلماء الذين حازوا جائزة نوبل بعد انتقالهم من بلدانهم الأصلية وعددهم 63 عالمًا، كان 41 منهم يقيمون في الولايات المتحدة عندما مُنحت الجائزة لهم. تقول جانجولي إنه بعد الحرب العالمية الثانية، أصبحت الولايات المتحدة مركزًا عالميًا للعلوم. فقد توافد الباحثون الدوليون إليها بفضل منحها السخية وجامعاتها المرموقة (انظر "وجهات تحظى بالإقبال الأكبر بين الفائزين بجائزة نوبل"). وتضيف جانجولي: "تُتيح الولايات المتحدة بيئة فريدة من نوعها. إنها قِبلة الطلاب والعلماء النابغين". وحلَّت المملكة المتحدة في المركز الثاني بين وجهات الهجرة التي تحظى بالإقبال الأكبر عليها، إذ احتضنت سبعة من الفائزين بجائزة نوبل الذين هاجروا إليها قبل تلقيهم المكالمة الهاتفية الحاسمة من ستوكهولم.
لكن المملكة المتحدة شهدت أيضًا مغادرة علماء فازوا بعد ذلك بالجائزة. واتضح أن الفائزين بجائزة نوبل الذين وُلدوا في المملكة المتحدة، وعددهم 13، حازوا على الجائزة أثناء إقامتهم في مكان آخر (انظر "بلدان المغادرة")، ربما انجذبوا إلى رواتب أعلى ومناصب مرموقة، كما تقول فاجنر. كما غادر ألمانيا عدد كبير من العلماء الذين فازوا لاحقًا بجائزة نوبل، إذ حصل على الجائزة ستة من المهاجرين الألمان، أما اليابان وفرنسا وروسيا، فقد حاز أربعة من مهاجري كل منها على الجائزة.
وبالنظر إلى الفئات العلمية لجوائز نوبل، سجلت الفيزياء أعلى نسبة حتى الآن من الفائزين بالجوائز الذين وُلدوا في بلد أجنبي في القرن الحالي، إذ بلغت هذه النسبة 37% (انظر "تفاوت التخصصات العلمية")، تليها مباشرة الكيمياء بنسبة 33%، وأخيرًا الطب بنسبة 23%. والأرجح أن الفيزياء تتصدر هذه النسبة نظرًا لمتطلباتها الكثيفة من المعدات والأجهزة المعقدة والمكلفة حسبما تقول فاجنر. فالمصادِمات والمفاعلات وأجهزة الليزر والكاشفات والتلسكوبات باهظة الثمن واللازمة لإجراء أبحاث فيزيائية عالية المستوى، لا تتوفر بشكل أساسي سوى في عدد قليل من الدول الرائدة. تقول فاجنر: "ومن ثمَّ فمن المرجح أن تنتقل أفضل المواهب البحثية إلى أماكن مزودة بأفضل المعدات والأجهزة. الطب ليس مجالًا يعتمد بكثافة على المعدات والأجهزة المعقدة والمكلفة، لذا من الأسهل البقاء في الوطن".
نظرة مستقبلية
لا يزال الغموض يحيط بمستقبل التأثير المتبادل بين الهجرة وجوائز نوبل. فقد فرضت أستراليا وكندا والمملكة المتحدة قيودًا قللت من عدد طلاب الجامعات القادمين من الخارج. وخفضت إدارة ترامب هذا العام مليارات الدولارات حتى الآن من منح البحث العلمي. وتفرض سياسة أمريكية جديدة رسومًا قدرها 100 ألف دولار أمريكي على كل طلب للحصول على تأشيرة العمل المؤقتة فئة H-1B، والتي يعتمد عليها بعض الباحثين الذين وُلدوا في بلد أجنبي للعمل في الولايات المتحدة.
وبالفعل، يتخذ باحثون دوليون خطوات لمغادرة الولايات المتحدة، في ظل استعداد دول أخرى لاستقطابهم. فعلى سبيل المثال، وضعت فرنسا وكوريا الجنوبية وكندا برامج لاستقطاب الباحثين الأمريكيين عن طريق الجوائز والمنح الدراسية. ويقدم المجلس الأوروبي للبحوث، الذي يمول المجال البحثي في الاتحاد الأوروبي، ما يصل إلى مليوني يورو (2.3 مليون دولار أمريكي) للعلماء الذين ينقلون مختبراتهم إلى الاتحاد الأوروبي، بهدف مساعدة أولئك الذين ينتقلون من الولايات المتحدة.
تقول جانجولي إن النتيجة ربما تكون نزوحًا جماعيًا مشابهًا لتدفق العلماء الذين فروا من ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية ومن روسيا بعد تفكك الاتحاد السوفيتي رسميًا عام 1991. وتضيف جانجولي: "ستحدث خسارة كبيرة في رأس المال البشري، وسيتجه الناس إلى بلد آخر"، وإن كانت لا تزال غير متأكدة من ماهية ذلك البلد. وتضيف أنه على الرغم من أن دولًا، بما في ذلك بلجيكا وفرنسا، تبذل جهودًا لاستقطاب العلماء الأمريكيين، فإن رواتبها ربما لا تكفي لإقناع العديد من الباحثين بالهجرة إليها.
تؤيد فاجنر الرأي القائل أنه لا يمكن التنبؤ بالبلد التالي الذي ستتركز فيه جوائز نوبل، ويعود ذلك في المقام الأول إلى شبكة متداخلة من العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تسهم في تهيئة بيئة بحثية مثالية. تقول فاجنر: “أصحاب العقول اللامعة ينتشرون في أنحاء متفرقة من العالم. لكن هل سيكون بإمكانهم مجددًا تهيئة مثل هذه البيئة الفريدة للإبداع والتفوق؟ ذاك سؤال يبحث عن إجابة".
كما يصعب التنبؤ بالوقت الذي ستؤدي فيه التغييرات على صعيد السياسات الحالية إلى تحول ملحوظ في قائمة الفائزين بجائزة نوبل. فالعلماء يفوزون بجوائز نوبل في مراحل مختلفة من مسيرتهم المهنية، والأرجح أن الباحثين يعكفون بالفعل حاليًّا على المجموعة التالية من الاكتشافات التي ستكون جديرة بجوائز نوبل. تقول فاجنر إن الآثار الكاملة للتحول العلمي لن تصبح على الأرجح واضحة وجلية سوى "على المدى البعيد جدًا".
في الوقت الحالي، يحث جايم البلدان على عدم إغلاق حدودها أمام المواهب الجديدة، ويضيف: "التنقل مفيد للجميع. فكل وافد جديد يحمل معه أفكارًا جديدة، وتقنيات مستحدثة، وأساليب مختلفة لمعالجة المشكلات القديمة". والدول التي ترحب بهذا الامتزاج تحافظ على ذكائها وحيويتها وتميزها".
هذه ترجمة المقال الإنجليزي المنشور في دورية Nature بتاريخ 9 أكتوبر عام 2025.
doi:10.1038/nmiddleeast.2025.178
تواصل معنا: