أخبار

أمادو سال: سفير إفريقيا لتصنيع اللقاحات

نشرت بتاريخ 23 يوليو 2025

إلى عالِم الفيروسات أمادو سال يرجع الفضل الأول في إقامة مركز عالمي لتصنيع اللقاحات على أرض السنغال.

عبد الله تساني

يتطلع أمادو سال، من خلال مشروعه المسمَّى «ماديبا»، إلى تحقيق الاستقلالية في تصنيع اللقاحات لدول قارة إفريقيا جمعاء.

يتطلع أمادو سال، من خلال مشروعه المسمَّى «ماديبا»، إلى تحقيق الاستقلالية في تصنيع اللقاحات لدول قارة إفريقيا جمعاء.
حقوق الصورة: INSTITUT PASTEUR de DAKAR

سلسلة «عالِم في عمله»

هذا المقال منشور ضمن سلسلة من المقالات التي تُنشر بين الحين والحين، وتسعى من خلالها مجلة Nature إلى تسليط الضوء على علماء يتمتعون بسيرة علمية غير تقليدية، أو يحملون اهتمامات تتخطى حدود التخصص الأكاديمي.

تجمَّع أكثر من 300 شخص في فندق «تيرو-بي» المطل على ساحل المحيط الأطلسي في العاصمة السنغالية داكار في شهر ديسمبر الماضي احتفالًا بمرور قرن على إنشاء «معهد باستور في داكار» (IPD). وخلال الاحتفالية، راحت «شبكة باستور» Pasteur Network، التي تضم 32 معهدًا في 25 دولة، تُعدد إنجازات المعهد. استقطبت الفعالية لفيفًا من الباحثين وقادة العمل الخيري وصنّاع السياسات ووزراء الصحة الأفارقة، وأقبل كثيرٌ منهم على عالِم الفيروسات أمادو ألفا سال، والتفُّوا حوله. هذا الرجل، الذي سبق أن شغل منصب المدير التنفيذي لمعهد داكار، يُعد أول شخص أسود يتولى إدارة هذه المؤسسة منذ تأسيسها في عام 1924.

بردائه السنغالي الطويل اللامع، وقامته الفارعة التي تناهز المترين، بدا أن سال، البالغ من العمر 56 عامًا، حاضر في كل أرجاء القاعة في آن واحد.

في الدوائر البحثية في غرب إفريقيا، يشتهر سال باسمه الأول: أمادو، ولا شيء غير ذلك. وهو الذي أمضى ما يَنيف على ثلاثين عامًا في العمل باحثًا في علم الفيروسات وخبيرًا في مجال الصحة العامة. لم تقتصر إسهاماته على الاستجابة للتفشيات الوبائية في عشرات الدول، وإنما سعى أيضًا إلى إقناع المسؤولين الحكوميين وصناع السياسات في البلدان الإفريقية بدعم البحث العلمي، وتصنيع اللوازم الصحية — من وسائل تشخيص ولقاحات — التي يحتاج إليها سكان القارة. يصفه سولومون زوودو، المدير التنفيذي السابق لمؤسسة «ماستركارد فاونديشن» MasterCard Foundation، وهي منظمة خيرية مقرها مدينة تورونتو الكندية، بأنه "ودود ومرِح إلى أبعد الحدود".

أثناء سنوات عمله في معهد باستور في داكار، استطاع الدخول في شراكات دولية، وحشد الدعم من جهات التمويل الأجنبية، والمستثمرين، وشركات التكنولوجيا الحيوية، والمنظمات متعددة الأطراف. وكان له دور بارز في تحرير المعهد من الإرث الاستعماري، بتحويله إلى مؤسسة سنغالية غير هادفة للربح، أغلب القائمين على إدارتها سنغاليون، بعدما كان، حتى عام 2009، مؤسسة بحثية خاصة تابعة لمعهد باستور في باريس. يقول بيتر بيوت، عالم الفيروسات المتخصص في دراسة الإيبولا وفيروس نقص المناعة البشرية، والذي يرأس المجلس الاستشاري العلمي بالمعهد: "المستوى العلمي للمعهد استمر في التحسُّن تحت إدارة أمادو".

طوال السنوات الأربع الأخيرة من فترة رئاسته لمعهد داكار التي امتدت لتسع سنوات، ركّز سال جهوده على مشروع بناء منشأة متطورة لتصنيع اللقاحات في السنغال، وتوفير الكوادر البشرية اللازمة لتشغيلها، وهو المشروع الذي بلغت تكلفته 220 مليون دولار أمريكي. يهدف هذا المشروع (المسمَّى: «التصنيع في إفريقيا من أجل التحصين من الأمراض وبناء الاستقلالية»، ويُشار إليه اختصارًا بمشروع «ماديبا» MADIBA) إلى إنتاج ما يتراوح بين 300 مليون ومليار جرعة من اللقاحات عالية الجودة سنويًّا، لتطعيم أبناء القارة ضد أكثر الأمراض شيوعًا فيها، ومنها الإيبولا والحصبة. (جدير بالذكر أن اسم «ماديبا» يُنسب أيضًا إلى اسم نيلسون مانديلا بلغة عشيرته: «الخوسا»، تكريمًا للزعيم الجنوب إفريقي الأسبق، الذي قاد حركة الحقوق المدنية في بلده، وكان رمزًا للنضال الإفريقي من أجل الاستقلال). ولتحقيق هذه الغاية، كان على سال أن يعمل أيضًا على بناء قاعدة علمية من الكفاءات الوطنية. إنه يطمح إلى أن تكون المنشأة مركزًا متكاملًا لتصنيع اللقاحات، بما يكفل لإفريقيا السيادة على إنتاج لقاحاتها. يقول: "نريد أن نملك قرارنا بأيدينا، ولا نكون تحت رحمة الآخرين".

سرعان ما تجاوب مع رؤيته هذه مجموعة من شباب الباحثين السنغاليين الموهوبين، الذين قرروا العودة من الخارج للعمل في المشروع، وسال يشجعهم بإسناد الأدوار القيادية إليهم. يقول: "أحلم بأن تصبح إفريقيا رائدةً في التصنيع، وأن تصل اللقاحات إلى جميع الناس حيث هم". وقد حظي المشروع بدعم قادة دول، ووزراء صحة، وأثرياء تقدَّر ثرواتهم بمليارات الدولارات، من أمثال بيل جيتس، وسترايف ماسييوا، رجل الأعمال الزيمبابوي البارز وأحد رواد العمل الخيري.

مجمع «ماديبا» الصناعي المقام على أطراف العاصمة السنغالية، داكار.

مجمع «ماديبا» الصناعي المقام على أطراف العاصمة السنغالية، داكار.
حقوق الصورة: INSTITUT PASTEUR de DAKAR

الصورة تكتمل

أقيم مجمّع «ماديبا» لتصنيع اللقاحات على مشارف العاصمة السنغالية داكار، تحُوطه من كل جانب مساحات ممتدة من الحشائش المكسوَّة باللون الأخضر، ولمعة الطرق المرصوفة حديثًا. أحد الأبنية الكبيرة داخل هذا المجمَّع — وهو يحمل على واجهته اسم MADIBA بحروف إنجليزية زرقاء بارزة — يضم بين جدرانه منصَّات متطورة للتصنيع الحيوي من نوع «نيفو لاين» NevoLine. تتألف هذه المنصات من مفاعلات حيوية تُستخدم لاستزراع الخلايا، وتخليق الفيروسات، وإنتاج لقاحات مضادة لها.

في ذات صباح شتوي دافئ، وكان ذلك في يوم جمعة من شهر فبراير، قام سال بجولة تفقدية في المجمَّع المقام على مساحة خمسة هكتارات، يرافقه اثنان من مديري الموقع، هما لامين سين ويوسف بالدي، وقد ارتدى ثلاثتهم خوذات واقية، وسترات برتقالية اللون. وأوضح بالدي، وهو باحث سنغالي متخصص في الهندسة الحيوية استقدمه سال من كندا، أن المنشأة قادرة على التعامل مع مستويات إنتاج متعددة: من المفاعلات الحيوية الصغيرة إلى التصنيع واسع النطاق. يُضاف إلى ذلك أنها تحتوي على منصات متعددة الوحدات للتصنيع الدوائي، من تصميم شركة «كي بلانتس» KeyPlants التي يقع مقرها في العاصمة السويدية ستوكهولم؛ وهو ما يعني أن المنشأة تملك القدرة على تنفيذ العمليات الصيدلانية والبيولوجية الحيوية اللازمة لإنتاج عقاقير تذهب إلى ما هو أبعد من تصنيع اللقاحات الفيروسية. يقول بالدي: "يتضمن التصميم وحدات مخصصة لتقنيات مختلفة، وهو ما يحقق المرونة والقدرة على التكيُّف، تحسُّبًا لظهور أية معوقات"، كارتفاع تكلفة أحد المستلزمات الأساسية، على سبيل المثال.

يضيف سال أنه بمجرد دخول المنشأة حيز التشغيل، سيكون بمقدورها إنتاج لقاحات سائلة وأخرى مجففة بالتجميد للوقاية ضد مجموعة واسعة من الأمراض التي يُحتمل أن تسبب أوبئة، كالحصبة، والحصبة الألمانية، وحمى الوادي المتصدع، وحمى لاسا، والإيبولا. وإلى جوار منشأة «ماديبا»، توجد منشأة أخرى تحمل اسم «أفريك أماريل» AfricAmaril، سوف تستعين بتقنيات استزراع الخلايا اعتمادًا على البيض لزيادة إنتاج لقاحات الحمى الصفراء من 5 ملايين جرعة سنويًّا إلى 30 مليونًا، لتلبية احتياجات القارة.

خروج مشروع «ماديبا» إلى النور جاء في وقته تمامًا. فعلى الرغم من أن أعداد الوفيات الناجمة عن الأمراض المعدية في إفريقيا أعلى منها في أي مكان آخر، تخلَّفت القارة عن إنتاج الأدوات اللازمة لمواجهة تحدياتها الصحية. أكثر من 90% من الأدوية التي يتناولها سكان القارة و99% من اللقاحات التي تُعطى لهم مستوردة من الخارج؛ وقد تبدَّت هذه الحقيقة الصادمة للعيان إبان جائحة «كوفيد-19». يقول سال: "أرى من الظلم البيّن أن يموت الأفارقة من مرض له علاج".

فضحت جائحة «كوفيد-19» مظاهر غياب العدالة في الطريقة التي اتبعها العالم في توزيع اللقاحات، وكشفت النقاب عن الأخطار التي تتهدَّد الدول الإفريقية إن ركنت إلى الاعتماد على الدول الغنية. ونتيجةً لذلك، تعهَّد الزعماء الأفارقة والدول الأعضاء في الاتحاد الإفريقي، وعددها 55 دولة، بزيادة نسبة اللقاحات المصنَّعة داخل القارة من 1% إلى 60% بحلول عام 2040. ولذلك يرى بالدي أن الجائحة، وإن كانت تجربة مؤلمة في حد ذاتها، إلا أنها كانت بمثابة فرصة كذلك. يقول: "لماذا لم نستطع اجتذاب هذه الأيدي [المصنعة للقاحات] للعمل داخل إفريقيا؟".

مع اشتداد وطأة الجائحة في عام 2021، أقدم بالدي، وكان إذ ذاك يعمل بشركة «بروميتيك بيوساينسز» ProMetic BioSciences في مدينة لافال الكندية، على تنظيم مؤتمر افتراضي لعلماء السنغال في المهجر، من أجل مناقشة سبل المساعدة في مكافحة الجائحة من الخارج. وهناك جَمَعه أول لقاء بسال، الذي عرض فكرة «ماديبا»، وأقنع بالدى بأن التقدم المنشود يمكن تحقيقه حين تخرج العقول الإفريقية اللامعة لاكتساب المعرفة، ثم تعود إلى أرض الوطن لبناء الكفاءات. يقول بالدي: "لم يدَّعِ أنه يملك جميع الإجابات، لكني رأيت كيف أنه يهيئ المساحة التي تُفسح المجال أمام الكفاءات للمشاركة، وبناء شيء يتجاوز حدود ذواتهم". ولم يأتِ شهر مايو من عام 2024 إلا وقد باشر بالدي عمله في السنغال.

بدأ العمل على مشروع «ماديبا» في أوائل شهر يوليو من عام 2021. مشروعٌ بهذه الضخامة كان يتطلب ضخَّ مئات الملايين من الدولارات في صورة استثمارات من البنوك الدولية وتبرعات من القطاع الخاص، إلى جانب قطعة أرض تمنحها الحكومة السنغالية. ونجح سال في عقد شراكة مع أكثر من 12 جهة استثمارية كبرى، من بينها بنك الاستثمار الأوروبي، والاتحاد الأوروبي، ومؤسسة التمويل الدولية، وذلك بعد إقناع هذه الجهات بالمردود الاقتصادي لإنقاذ الأرواح، وبناء رأس المال البشري.

ومن ذلك أيضًا أن مؤسسة «ماستركارد فاونديشن» تضخ استثمارًا بقيمة 45 مليون دولار أمريكي لتمويل مختبر متقدم لتنفيذ عمليات المعالجة البيولوجية للقاحات مُقام داخل حرم معهد باستور في قلب داكار، علمًا بأن المختبر يدرِّب شباب الأفارقة كذلك على تصنيع اللقاحات. وفي مركز الأبحاث التابع للمعهد، يعكف أكثر من 50 باحثًا على تطوير اللقاحات، نحو 60% منهم عادوا لتوّهم من الخارج. من هؤلاء، ماري-أنجيليك سين، رئيسة المركز، التي وقع عليها اختيار سال بينما كانت تكمل دراستها لنيل درجة الدكتوراه من جامعة ماكجيل في مونتريال بكندا. تقول: "لم أتردد لحظة. ما ستجنيه بأدائك رسالة كهذه لا يمكن أن تجنيه في أي مكان آخر".

لكن لا تحسب أن تحويل مشروع «ماديبا» من فكرة إلى واقع ملموس كان أمرًا سهلًا. والآن، وقد اقتربت رحلة المشروع من خط النهاية، تظهر على سال علامات التعب. يقول بالدي: "إنه يعمل على الدوام، وبلا كلل". مهمته ليست سهلة حقًّا، وسال يعترف بأنه ضحَّى من أجلها بقسط من نومه.

العلماء منكبُّون على عملهم في مختبر يديره معهد باستور في داكار، الذي أنشأ فيه أمادو سال مشروع «ماديبا» لتعزيز التصنيع الحيوي في إفريقيا. 

العلماء منكبُّون على عملهم في مختبر يديره معهد باستور في داكار، الذي أنشأ فيه أمادو سال مشروع «ماديبا» لتعزيز التصنيع الحيوي في إفريقيا. 
حقوق الصورة: INSTITUT PASTEUR de DAKAR

محطات

كنا نتناول على الغداء وجبة الياسّا — ذلك الطبق السنغالي الحار المكوَّن من دجاج مطهو على مهل فوق الأرز، تعلوه طبقة سخية من البصل — في مطعم يقع بالقرب من معهد داكار، حين أخذ سال يستعيد ذكريات طفولته في المدينة، وكيف صاغت تلك البدايات مهاراته القيادية.

كان أبواه كلاهما من مدينة سانت لويس، التي اتخذها الاستعمار الفرنسي عاصمة للبلاد، وتقع عند مصب نهر السنغال، وقد نشأ في أسرة رقيقة الحال. كان أبوه موظفًا حكوميًّا، أما أمه فقد افتتحت مطعمًا صغيرًا في المنزل، أسمته «مطعم كير نداي» Restaurant Keur Ndeye، قدمت فيه أطباقًا محلية من المطبخ السنغالي. وما لبث المطعم الصغير أن تحوَّل إلى سلسلة مطاعم ناجحة في داكار، وعمل بها سال في سنوات الصبا. يستذكر قائلًا: "كان مطعم أمي رائجًا للغاية. وأستطيع القول إنها كانت رائدة أعمال كما ينبغي أن تكون، وقد تعلمتُ منها الكثير. وكان من أحَب الأشياء إلى نفسي خدمة الناس، والتواصل معهم، وسؤالهم عما يريدون".

كان والداه يوليان التعليم أهمية كبيرة. يُضاف ذلك إلى شغفه بدراسة العلم، الذي قاده إلى نيل شهادة جامعية في علم الأحياء من جامعة بول ساباتييه الكائن مقرها بمدينة تولوز الفرنسية، أتبعها بدرجة الدكتوراه في الصحة العامة وطب الفيروسات، التي حصل عليها من جامعة بيير وماري كوري (التي أصبحت الآن جزءًا من جامعة السوربون) في باريس. وبعدها عمل باحثًا في مرحلة ما بعد الدكتوراه في معهد باستور في باريس. وفي عام 1993، انتقل إلى معهد باستور في داكار للعمل باحثًا مساعدًا في وحدة الفيروسات المنقولة بالمفصليات التابعة للمعهد، ثم تدرَّج في المناصب حتى أصبح المدير التنفيذي للمعهد في عام 2016.

في عام 2021، التقى جون نكينجاسونج، عالم الفيروسات الكاميروني الذي كان يشغل آنذاك منصب مدير المراكز الإفريقية لمكافحة الأمراض والوقاية منها، بالملياردير زيمبابوي المولد سترايف ماسييوا، وطلبا التحدث إلى سال. كانا يريدان منه المساعدة في تلبية دعوة الاتحاد الإفريقي إلى تصنيع اللقاحات محليًّا.

من هنا بدأت قصة «ماديبا». تضم قارة إفريقيا نحو عشرة مراكز لتصنيع اللقاحات، لكن غالبيتها تركز على العمليات الأبسط والأقل تعقيدًا، كأعمال التعبية والتغليف (fill and finish)، وهي الخطوات النهائية من عملية التصنيع، التي تشمل إجراءات من قبيل تعبئة اللقاحات في قوارير. أما «ماديبا»، فبإمكانه إنتاج المكونات البيولوجية التي تدخل في تركيب اللقاحات.

لكن تبقى هناك بعض العقبات التي لا تزال تنتظر الحل. تشير بعض الأصوات الناقدة في الداخل إلى أن المشروع يعتمد إلى حد بعيد على تبرعات الأجانب، ما يُبقي إفريقيا رهينة لقرارات القوى الخارجية، وربما يجعل الباحثين الأفارقة عرضة للاستعمار البحثي وأجندات الجهات المانحة. والآن، مع انتهاء فترة ولاية سال في إدارة المعهد، يخشى البعض من احتمال توقُّف العمل في «ماديبا» إذا ما توقَّف ضخ التبرعات. بل إن سال نفسه يُقر بأن بعض المستثمرين من خارج القارة يُبدون شيئًا من التردد أو التقاعس عن الالتزام بالتمويل الذي تعهدوا بتقديمه.

يقول: "إذا بنيتَ مشروعًا كهذا في ألمانيا، فلن يسألك أحد عن جدواه، لكن الأسئلة تكثُر عندما تفعل الشيء نفسه في إفريقيا. إنها رؤية مجحفة، والجميع هنا يكافح لإثبات أننا قادرون على إنجاز المشروع في إفريقيا".

يشدد أمادو سال على أهمية أن يتلقى الباحثون الأفارقة التدريب في قارتهم، حتى يتسنى لهم

يشدد أمادو سال على أهمية أن يتلقى الباحثون الأفارقة التدريب في قارتهم، حتى يتسنى لهم "إيصال اللقاحات إلى الناس حيث هم".
حقوق الصورة: INSTITUT PASTEUR de DAKAR

في الثاني من يونيو الجاري، انتقل سال إلى «تحالف ابتكارات التأهب الوبائي» (CEPI) ليشغل منصب المدير التنفيذي لعمليات التصنيع وسلاسل الإمداد، وسوف يستقر بها المُقام في العاصمة البريطانية لندن. وهي خطوة أثارت امتعاض بعض مراقبي الصحة العالمية، إذ يرون فيها خسارة للعلوم في إفريقيا. يقول بيوت، وهو عضو مجلس إدارة مؤسس في التحالف: "هذا إنجاز كبير حقًا". لكنه يرى، مع ذلك، أن عمل سال في التحالف سيصنع فارقًا كبيرًا في إفريقيا: فالتحالف لم يعد "يفعل شيئًا لصالح إفريقيا"، بل يفعله بالتعاون مع الأفارقة.

من المقرر أن يكتمل إنشاء «ماديبا» بحلول نهاية عام 2025، وأن يعمل بكامل طاقته في بدايات عام 2026. ويأمل سال في أن ينجح المشروع في تجنيب الأفارقة نقص إمدادات اللقاحات، على غرار ما حدث خلال جائحة «كوفيد-19»، وأن يستفيد من التقنيات الجديدة التي ظهرت في مجال تطوير اللقاحات. غير أنه لا يسعى إلى منافسة أقطاب العلم في العالم، كالولايات المتحدة وأوروبا، بقدر ما يسعى إلى نقل المعرفة وتدريب الكوادر العلمية الإفريقية دون حاجة إلى الخروج من القارة.

وإذ يدنو سال من باب الخروج من «ماديبا»، يشدِّد على أن العبرة ليست بإنشاء مصنع واحد، بل بإرساء دعائم صناعة كاملة، وبناء مستقبل لا تكون فيه إفريقيا رهينةً لغيرها في الحصول على الأدوية المنقذة للحياة. وأشار إلى أولئك العائدين من الخارج قائلًا إنهم غدوا جزءًا من شيء أكبر من ذواتهم؛ من حركة تسعى إلى إحداث نقلة كبرى في منظومة الرعاية الصحية في قارة بأسرها.

يرى سال أن هذا مما يميّز السنغال عن غيرها من الدول في مضمار العلم. يقول: "الباحثون الموهوبون، الذين يستطيعون العمل في أي مكان بالعالم، يقررون العودة؛ لا لداعي الضرورة، وإنما لشعورهم العميق بالمسؤولية، وثقتهم في إمكانية صنع الفارق".

سؤال وجواب

هل سيكون من الصعب عليك ترك معهد باستور في داكار للانتقال إلى «تحالف ابتكارات التأهب الوبائي» في لندن؟

بالتأكيد. لقد أمضيت 32 عامًا في المعهد، أي ما يقارب 60% من عمري. لكنها فرصة جيدة جدًا، لأنني سأكون مختصًا بالعمل على تصنيع اللقاحات بالتعاون مع المنظمات التي تشكِّل شبكة شركاء التحالف في الشرق الأوسط، وجنوب شرق آسيا، وأمريكا الجنوبية، وإفريقيا. لذا، أستطيع القول إنني سأكمل ما بدأته داخل القارة بشكل أو بآخر.

ما أبرز المشكلات التي تتطلع إلى المشاركة في حلها من موقعك داخل التحالف؟

تصنيع اللقاحات عملية بالغة التعقيد، وهي تستهلك الكثير من الوقت والموارد. ولذلك، نحتاج إلى أن نوضح لجهات التمويل وقادة الدول أن عليهم مواصلة دعم هذه الجهود خدمةً لمصالح شعوبهم، وتحقيقًا للأمن الصحي العالمي.

ومسألة ثانية تتمثل في سلاسل الإمداد. آمل أن أساعد في علاج التحديات التي تواجه سلاسل الإمداد، بما قد يسهم في إتاحة اللقاحات والمنتجات الطبية بأسعار تقع في متناول سكان دول الجنوب العالمي. أتطلع إلى المشاركة في بناء الشبكات التي ستعمل على حشد الموارد اللازمة لإنتاج اللقاحات وتوصيلها في غضون مئة يوم من بدء ظهور تفشٍّ وبائي في أي بقعة من العالم.

بعيدًا عن العمل، كيف تقضي أوقات فراغك؟

أهوى القراءة، وأحب قضاء الوقت مع أبنائي الأربعة، والسفر في إجازات عائلية. لا يمرُّ عليَّ يوم دون قراءة: أقرأ في شتى المجالات، من الابتكار إلى التاريخ إلى مهارات القيادة. وتستهويني قراءة السِّيَر بشكل خاص، لفهم العوامل التي شكَّلت الشخصية التي أقرأ عنها. ولذلك اعتدت على قراءة كتب عديدة في ذات الوقت؛ ولو أن هذه العادة تزعج زوجتي، التي ترى أنني ينبغي ألا أجمع بين كتابين في وقت واحد.

doi:10.1038/nmiddleeast.2025.115