أمادو سال: سفير إفريقيا لتصنيع اللقاحات
23 July 2025
نشرت بتاريخ 21 يوليو 2025
تلقي دراسة، تعد الأكبر من نوعها، الضوء على آليات تصنع "متوالية نجاح" في اقتناص المنح البحثية، يشار إليها باسم "تأثير متَّى" Matthew effect.
حقوق نشر الصورة: malerapaso/Getty
وفقًا لدراسة تناولت أكثر من 100 ألف من المتقدمين للحصول على منح بحثية، وتقصت تأثير النجاح المبكر في رسم المستقبل، تُعد المثابرة ضرورية للحصول على المنح التمويلية العلمية.
وتبرهن الدراسة على أن ظاهرة "تأثير متى" - التي تصف كيف أن من يحالفهم النجاح أو الفرص مبكرًا يميلون إلى حصد مزيد من النجاحات مع الوقت - قد تؤدي إلى تعميق الفوارق وعدم تكافؤ الفرص في الحقل الأكاديمي.
جدير بالذكر أن دراسات أخرى سابقة كانت قد برهنت على أن من يفوزون بالمنح في نقطة مبكرة من مسيرتهم المهنية، يُكللون بمزيد من النجاح لاحقًا. غير أن الدراسة محل النظر، والتي ورد توصيفها في مسودتها الأولية المنشورة بتاريخ 12 يونيو الماضي على منصة نشر المسودات البحثية «فيجشير»Figshare 1 تُعد الأكبر من نوعها، وهي أول دراسة تتناول اتجاهات توزيع المنح على مستوى جهات تمويل ودول مختلفة. وعنها يقول، تايس بول اختصاصي علم الاجتماع من جامعة أمستردام: "تمكن الباحثون فيها من تسليط مزيد من الضوء على الآليات" التي تحرك تأثير متَّى.
إذ تلقي مجموعة البيانات التي تقدمها الدراسة الضوء على "عقبة كؤود" في الحقل البحثي بتعبير دونا جينتر، اختصاصية علم الاقتصاد من جامعة كانساس في مدينة لورانس الأمريكية. وهو ما توضحه قائلة: "بعض العلماء الواعدين قد يشعرون بالإحباط] إثر عدم الحصول على المنح البحثية[، ويتركون الساحة العلمية. وهذا قد يكبد المجتمع في المجمل خسارة على صعيد الاكتشافات العلمية به".
الأثرياء يزدادون ثراء
أطلق على تأثير متَّى هذا الاسم نسبة إلى المثل الإنجيلي القائل "كل من له يُعطى فيزداد"، وقد ثارت حول هذا التأثير نظريات دار حولها نقاش واسع في أوساط علماء اجتماع المجال البحثي. كان عالم الاجتماع روبرت ميرتون هو أول من استعرض هذا التأثير في أواخر ستينيات القرن الماضي، وقد لوحظ في مجال التمويل البحثي.
عام 2018، ظهرت أول ورقة بحثية تستخدم بيانات اتجاهات التمويل البحثي لتبرهن على أن صغار الباحثين في هولندا ممن نجحوا بالكاد في نيل منحة بحثية في نقطة مبكرة من مشوارهم المهني من جهة التمويل الوطنية بالبلد، تفوقوا على غيرهم ممن لم ينالوا منحة، وكانت فرصتهم في العمل كأساتذة جامعيين أكبر بنسبة 50%، رغم تساوي مجموعتي الباحثين في عدد ما صدر لهم من أوراق بحثية أو في نسب الاستشهادات البحثية بأبحاثهم عندما تقدموا للحصول على المنحة. حازت هذه الدراسة شهرة كبيرة وشارك في تأليفها بول 2 .
وللتحقق مما إذا كان هذا النمط يبقى قائمًا في الأعم، عمد فينسنت تراج، اختصاصي علم الاجتماع الحاسوبي من جامعة لايدن في هولندا، وفريقه البحثي إلى توسعة نطاق الدراسة لتشمل بيانات أكثر من 100 ألف من المتقدمين للمنح البحثية لدى 14 برنامج منح في كندا ولوكسمبورج والمملكة المتحدة والنمسا.
ووجد الفريق البحثي أنه لدى جميع جهات التمويل، وبين من فازوا بمنح في مرحلة لاحقة بمشوارهم المهني، بلغت نسبة من حازوا سابقًا منحًا بحثية في نقطة مبكرة من مسيرتهم العلمية 26%، مقارنة بنسبة قوامها 15% لم تحز منحًا بحثية مبكرًا في مشوارها المهني . حول ذلك، يقول بول: "يوسع هذا العمل البحثي نطاق دراستنا بدرجة كبيرة". فيوضح أن الدراسة الأخيرة لا تكشف فقط تحقق تأثير متَّى بين العديد من جهات التمويل من بلدان مختلفة، بل تبرهن أيضًا على أن هذا التأثير قائم بغض النظر عن مجموع الدرجات الذي حصل عليه الباحثون عند تقدمهم لطلبات المنح، وليس فقط في حال النجاح بالكاد في الحصول على المنحة.
وتشير نمذجة رياضية إلى أن الفارق بين مجموعتي الباحثين نتج بسبب زيادة معدل التقدم للحصول على مزيد من المنح بين من حازوا المنح مبكرًا في حياتهم المهنية مقارنة بمن لم يحصلوا عليها مسبقًا، ولم ينتج الفارق بسبب انحياز من جانب المراجعين تجاه إعطاء المنح لمن فازوا بها مسبقًا.
ظاهرة انتكاس
بحسب تراج، تشير النتائج إلى أنه على جهات التمويل النظر في سبل أخرى لتوزيع المنح التمويلية. فيقول: "رفع معدل منح التمويلات للباحثين الواعدين ممن فشلوا في الحصول على المنح سابقًا، قد يكون استراتيجية أكثر فاعلية من منح المزيد من التمويلات لمن سبق أن حازوا منحًا تمويلية".
وفي إطار مشروعه البحثي، أراد تراج وفريقه الوصول إلى فهم أفضل لظاهرة أخرى في الحقل البحثي، وهي ظاهرة انتكاس، قد يبدو أنها تناقض تأثير متَّى. وتعكس هذه الظاهرة اتجاهًا يُظهر فيه الباحثون ممن يقتربون من الحصول على المنح لكن يفوتونها أداءً أقوى في مرحلة لاحقة من حياتهم (على صعيد ما يصدر لهم من أوراق بحثية ونسب الاستشهاد بأبحاثهم)، مقارنة بمن ينجحون بأعجوبة في الحصول على المنح 3.
للبحث عن أدلة في مجموعة بيانات الدراسة تشير إلى حدوث هذا الانتكاس، تناول الفريق البحثي بالدراسة البيانات الخاصة بالمنح مع متوسط نسب الاستشهادات بأبحاث الباحثين في الدراسة والتي وردت في قاعدة بيانات «دايمنشنز» Dimensions لتحليل الاستشهادات المرجعية.
وبجمع البيانات من جميع جهات التمويل بالدراسة، وجد الفريق البحثي أن المتقدمين للمنح ممن "اقتربوا" في نقطة مبكرة من مشوارهم المهني من الفوز بها، بالحصول على درجات جيدة، كان متوسط الاستشهاد بأبحاثهم أعلى منه بين الباحثين الذين نجحوا بـ"أعجوبة" في الحصول على المنح. غير أن هذا الاتجاه لم يسرِ على جهات تمويل محددة. ولم يجد تراج وفريقه البحثي أدلة على أن هذا التأثير يمتد ليطال جميع المتقدمين للمنح، ويبدو أن حدوثه انحصر بين من اقتربوا من الفوز بالمنح، ومن حازوها بأعجوبة.
وحيثما وُجد هذا التأثير، يبدو أن ما حركه هو انحياز إحصائي يحدث باختيار عينة محددة من بين مجموعة المتقدمين للمنح. فيقول تراج: "من لم يحصلوا على المنح لكن جرى الاستشهاد بدرجة كبيرة بأبحاثهم قد يظهرون ميلًا أكبر كثيرًا من غيرهم لإعادة التقدم للحصول على المنح في مرحلة لاحقة من مسيرتهم المهنية، في حين أن الباحثين الذين حصلوا على منح سابقًا يتقدمون بطلب للتمويل بغض النظر عن معدل الاستشهاد بأبحاثهم".
تلفت الدراسة إلى الطرق التي يمكن بها لجهات التمويل أن تساعد في تحقيق تكافؤ الفرص للجميع، على سبيل المثال من خلال التركيز على تقديم الملاحظات والإفادة بالرأي للمرشحين الذين يقتربون من الحصول على المنح لكن يفوتونها، أو خلق منظومة إعادة تقديم على المنح أسرع لهم. وتجدر الإشارة في هذا الإطار إلى أن إحدى جهات التمويل في مجموعة البيانات، وهي المعهد الكندي للبحوث الصحية، توفر منحًا مؤقتة وتدعم غير الحاصلين على المنح ممن حظوا بدرجات مرتفعة لدى التقدم لها بإعلان برامج منح تمنحهم الأولوية. من هنا ذكرت المسودة البحثية للدراسة: "لعل هذا سببًا لما لاحظناه من ضعف تأثير متَّى في هذا المعهد".
هذه ترجمة المقال الإنجليزي المنشور في دورية Nature بتاريخ 20 يونيو عام 2025.
doi:10.1038/nmiddleeast.2025.113
1. Jovasevic, V. et al. Preprint at Figshare https://doi.org/10.6084/m9.figshare.29302004.v1 (2025).
2. Bol, T., de Vaan, M. & van de Rijt, A. Proc. Natl Acad. Sci. USA 115, 4887–4890 (2018).
3. Wang, Y., Jones, B. F. & Wang, D. Nature Commun. 10, 4331 (2019).
تواصل معنا: