أخبار

المؤتمرات العلمية تبحث عن بدائل في ظل القيود على التأشيرات

نشرت بتاريخ 17 يوليو 2025

مع تضييق الولايات المتحدة الخناق على الهجرة والدخول إليها، تضعف مكانتها باعتبارها مركزًا للمؤتمرات. وهذه الوجهات الواعدة قد تسحب منها البساط وتفتح أبواب المؤتمرات للجميع.

كاتي كافانو

بفضل تسهيلات الدخول إليها، تُوصف بانكوك بأنها القِبلة

بفضل تسهيلات الدخول إليها، تُوصف بانكوك بأنها القِبلة "المثالية" لعقد المؤتمرات العلمية.
Credit: Oleh Slobodeniuk/iStock via Getty

ليس من المبالغة في شيء وصف المؤتمرات العلمية بأنها نبض في شريان حياة البحث العلمي، وهي التي تحمل فوائد جمة للعلماء من شتى أنحاء العالم؛ من إتاحة الفرصة لعرض أحدث ما توصلوا إليه من نتائج، إلى مدّ جسور التعاون، والتعرف إلى بعضهم البعض في فضاء من الحوار والانفتاح. غير أن اشتراطات الحصول على التأشيرات والرقابة على الحدود في الولايات المتحدة صارت أكثر صرامة مؤخرًا؛ ما دفع ببعض المؤتمرات العلمية إلى التماس أرض أكثر رحابةً. فما البدائل المثالية إذن لعقد المؤتمرات العلمية في ظل القيود الحالية؟ وهل يمكن أن يصبّ تنوع البلدان المضيفة في مصلحة العلوم؟

في الوقت الراهن، تتمركز المؤتمرات العلمية بكثافة في الغرب، حيث تعد الولايات المتحدة على نطاق واسع القِبلة الأبرز لهذه المؤتمرات، كما يشير جيرت سومسن، مؤرخ العلوم بالجامعة الحرة بأمستردام.

في عام 2023، شارك سومسن في تأليف ورقة بحثية تتناول دور المؤتمرات العلمية الدولية، عبر التاريخ، في فهم العلوم وتوصيلها1. ويضيف قائلًا إن مكان انعقاد المؤتمر "يعكس تصورًا معينًّا لنظام العالم وتراتبيته".

أما القيود الأخيرة التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فقد زادت من صعوبة دخول غير المواطنين إلى الولايات المتحدة، وفرضتْ حظرًا على دخول مواطني 12 دولة. ولكن حتى قبل هذه الإجراءات الأخيرة، كان من الصعب على مواطني الدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط الحصول على تأشيرات لحضور المؤتمرات في الولايات المتحدة، على حد قول هيزل بيانا، الفيلسوفة بجامعة دو لا سال في مانيلا،

التي تردف قائلة: "لطالما شكّل هذا تحديًا حقيقيًّا لنا على مر السنين". تحتل الولايات المتحدة المرتبة 81 - أي بالقرب من ذيل القائمة - في «قائمة الدول المرحبة» الصادرة عن شركة الاستشارات المالية العالمية «آرتون كابيتال» Arton Capital، التي تصنف البلدان بحسب عدد جوازات السفر التي تسمح بدخولها بدون تأشيرة، أو بشروط دخول غير معقدة نسبيًّا. وتضيف بيانا: "أعرف حالات كثيرةً واجهتْ مشكلات مشابهة".

المناخ السائد حاليًّا في الولايات المتحدة يدفع المنظِّمين إلى النظر بجدية في تأثير موقع انعقاد المؤتمر على إمكانية حضور المشاركين، ويتيح في الوقت ذاته فرصة لتعزيز إمكانية الوصول والمشاركة، وهو ما قد يصبّ في مصلحة البحث العلمي، بحسب ما يراه الباحثون.

يقول سومسن: "المؤتمرات العلمية في شكلها الحالي مشبَّعة بروح التقاليد الغربية والأوروبية". وتوسيع نطاق انعقاد المؤتمرات ليشمل أماكن أكثر تنوعًا، من شأنه أن ييسر مشاركة طيف أوسع من العلماء؛ ما قد يثري الحقل العلمي ذاته عبر دمج المعارف والخبرات المنوّعة.

الموقع، ثم الموقع، ثم الموقع

إذن، ما الموقع الأمثل لانعقاد المؤتمرات؟ بعد القيود الأخيرة التي فُرضتْ في الولايات المتحدة، قررت عدة مؤتمرات الانتقال إلى كندا. فمن ذلك مثلًا، من المقرر أن يُعقد «المؤتمر الدولي للإدراك المقارن» The International Conference on Comparative Cognition في موريال العام المقبل. إلا أن كندا بدورها تفرض قيودًا صارمة على الدخول إليها، ولا تتقدم على الولايات المتحدة في «قائمة الدول المرحبة» إلا بمركز واحد.

ومن بين الأماكن التي يفضلها الباحثون لعقد مؤتمراتهم تايلاند وإندونيسيا، اللتان تحتلان المرتبتين 38 و50، بفضل تسهيلات الدخول السخية التي تقدمانها. فكلا البلدين يقدمان "تأشيرة دخول عند الوصول"، ما يعفي الكثيرين من إجراءات التقديم المعقدة للحصول على التأشيرة. تصف بيانا بانكوك بأنها "القِبلة المثلى لانعقاد المؤتمرات التي تفتح أبوابها للجميع".

كما تشير أيضًا إلى بودابست باعتبارها وجهةً واعدة خارج أمريكا الشمالية وجنوب شرق آسيا، لما تتمتع به من تكاليف معقولة. وتحتل المجر المركز 53 على «قائمة الدول المرحبة».

وثمة أمور أخرى بخلاف التأشيرة ينبغي أخذها في الحسبان: فحرية التعبير تمثل عاملًا مهمًا أيضًا، بحسب تشارلوت بيج، مؤرخة العلوم بمركز ألكسندر-كوير بباريس، والمشاركة في تأليف ورقة بحثية عام 2023 حول تاريخ المؤتمرات العلمية.

بودابست يمكن أن تمثل خيارًا أوروبيًّا جذابًا ومنخفض التكاليف لعقد المؤتمرات.

بودابست يمكن أن تمثل خيارًا أوروبيًّا جذابًا ومنخفض التكاليف لعقد المؤتمرات.
Credit: Alexander Spatari/Getty

قضايا حقوق الإنسان

من جانبها تشدد أيضًا كارا هانسون، الباحثة في شؤون الصحة العالمية بكلية لندن للصحة والطب المداري، على ضرورة أن تؤخذ "قضايا حقوق الإنسان" بعين الاعتبار عند اختيار مكان انعقاد المؤتمر. وتوضح أن «الجمعية الدولية لاقتصاديات الصحة» التي ترأسها، تحرص على عقد مؤتمراتها في أماكن لا تفرض، مثلًا، حظرًا قانونيًّا على المثلية الجنسية.

تعد تايلاند من الدول القليلة التي تجمع بين مستوى عالٍ من حرية التعبير وسهولة الدخول. وعلى النقيض منها، لا توفر الأوضاع السياسية في كل من إندونيسيا والمجر بيئة مواتية للأقليات، مثل المنتمين إلى الأقليات الجنسية (أفراد مجتمع "الميم" وغيرهم LGBT+)؛ وفقًا لقاعدة بيانات «إيكوال ديكس» EqualDex، التي تجمع بيانات حول القوانين والرأي العام المتعلق بحقوق هذه الفئات.

ومن المعايير الضرورية الأخرى، بحسب الباحثين، سهولة السفر إلى مكان المؤتمر، كتوفر رحلات طيران مباشرة من عدد كبير من البلدان؛ ووفرة البنية التحتية اللازمة، مثل مراكز المعارض؛ إلى جانب وجود خيارات للرحلات والأنشطة الجانبية التي تتيح للباحثين فرصًا للتواصل والتفاعل.

وفي أعقاب جائحة مرض «كوفيد-19»، انتشرت بشدة الاجتماعات الافتراضية التي تجرى عبر الإنترنت، والاجتماعات الهجينة التي تجمع بين اللقاءات الفعلية والافتراضية. سهّل هذا مشاركة الأشخاص من مختلف البلدان في المؤتمرات، لكن هذه الاجتماعات لا تغني عن التواصل المباشر وجهًا لوجه. فيقول سومسن عن المؤتمرات الافتراضية: "التواصل الذي تتيحه هذه اللقاءات، ونوعية الروابط التي تنشأ من خلالها، أضعفُ كثيرًا مما نحتاج". ويتابع موضحًا أن الأعطال الفنية قد تؤثر سلبًا على الاجتماعات الافتراضية، وأن المشاركين فيها تزداد احتمالية تشتت انتباههم. كما أن للمؤتمرات الواقعية مزية أخرى؛ وهي أن "الابتعاد عن بيئة العمل المعتادة يدفعك إلى التفاعل والاندماج مع هذا المجتمع الخارجي الجديد".

شاركتْ بيج في مؤتمرات افتراضية كانت ناجحة إلى حد ما، لكنها تلفتُ إلى أن الفعاليات الاجتماعية التي تصاحب المؤتمرات الواقعية هي في غاية "الأهمية" ولا يمكن الاستعاضة عنها بفعاليات افتراضية عبر الإنترنت.

هذه ترجمة المقال الإنجليزي المنشور في دورية Nature بتاريخ 20 يونيو 2025.

doi:10.1038/nmiddleeast.2025.111