كم عدد شهادات الدكتوراه التي يحتاج إليها العالَم؟
15 July 2025
نشرت بتاريخ 15 يوليو 2025
يرى باحثون ضرورة تعديل مسار برامج الدكتوراه بحيث تؤهل الطلاب لاقتناص الوظائف خارج أسوار الجامعة.
حقوق الصورة: ChinaImages/Sipa USA via Alamy
شهد العالم خلال العقود الماضية نموًا مطردًا في أعداد حَمَلة الدكتوراه، وبلغت وتيرة هذا النمو بلغت مستويات غير مسبوقة في بلدان مثل الصين والهند.
لطالما كانت شهادة الدكتوراه هي الباب الذي يدلف منه المرء إلى حياة أكاديمية يبقى فيها مدى عمره. لكننا إن نظرنا إلى الواقع اليوم، سنجد أن عدد الحاصلين على الدكتوراه يفوق بكثير عدد الوظائف المتاحة في الجامعات ومؤسسات البحث العلمي. ويعتقد باحثون أن كثيرًا من الجامعات لا تُعِدّ خريجيها بالقدر الذي يؤهلهم للعمل خارج الحرم الجامعي.
تقول كلوديا ساريكو، وزيرة الدولة لشؤون التعليم العالي في البرتغال، والتي سبق أن عملت لدى منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) في باريس: "نحن بحاجة إلى جعل برامج الدكتوراه أكثر جدوى واستدامة، وأكثر اتساقًا مع احتياجات المجتمع وسوق العمل المتنوعة".
تضخم في أعداد حمَلة الدكتوراه
ارتفع عدد الحاصلين على درجة الدكتوراه في الدول الأعضاء بمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية — وعددها 38 دولة — إلى ما يقارب الضعف بين عامي 1998 و2017، وما زال هذا الرقم يواصل ارتفاعه منذ ذلك الحين (لا يُستثنى من ذلك إلا دول قليلة، مثل أستراليا والبرازيل، حيث شهدت أعداد المسجلين في برامج الدكتوراه تراجعًا خلال السنوات الأخيرة، ويرجع ذلك إلى عوامل منها ارتفاع تكاليف المعيشة وانخفاض قيمة المِنَح الدراسية).
وفي الصين، تضاعف عدد طلاب الدكتوراه من نحو 300 ألف طالب في عام 2013 إلى أكثر من 600 ألف في عام 2023. ويعلق هوجو هورتا، الباحث في سياسات التعليم العالي بجامعة هونج كونج، قائلًا: "الأرقام هائلة، ولا تزال في تزايد مستمر". ويعزو هورتا هذه الزيادة إلى عدة عوامل، منها تزايد أعداد الحاصلين على درجات البكالوريوس والماجستير، والرؤية السائدة القائلة بأن الاستثمار في التعليم العالي يوفر آفاقًا اقتصادية واجتماعية أفضل.
لكن الوظائف الأكاديمية لا تزيد بوتيرة تتماشى مع الزيادة في عدد حملة الدكتوراه، حسبما يؤكد هورتا، مشيرًا إلى أن السواد الأعظم من طلاب الدكتوراه يعدُّون أنفسهم للالتحاق بالسلك الأكاديمي؛ وهو ما يعني أن كثيرًا منهم سيدخلون في منافسة شرسة على فرص محدودة.
آمال عريضة وواقع مختلف
في دول مثل الولايات المتحدة وأستراليا والمملكة المتحدة، بات من المعتاد أن يتجه خريجو الدكتوراه إلى وظائف خارج الإطار الأكاديمي. وقد كشفت دراسة2 أُجريت عام 2023 على أكثر من 4500 من حاملي الدكتوراه في المملكة المتحدة أن أكثر من ثلثيهم يعملون في وظائف غير أكاديمية.
على أن هذه الوظائف لا تكون دائمًا مرتبطة بالبحث العلمي أو تقع ضمن مجالات التخصص الأصلي للخريجين. ففي جنوب إفريقيا، ذكر 18% من أصل أكثر من 6 آلاف حاصل على الدكتوراه شملهم استبيان في عام 2020 أنهم واجهوا صعوبة في العثور على وظائف مرتبطة بمجال تخصصهم. وتقول ميلاندري فان ليل، الباحثة في جامعة ستيلينبوش في جنوب إفريقيا التي شاركت في تأليف الدراسة: "إنهم يجدون وظائف، لكنها لا تكون بالضرورة متصلة مباشرة بدرجة الدكتوراه التي حصلوا عليها، ولا تكون الوظائف التي كانوا يطمحون إليها أو يتوقعونها". وتضيف: "من وجهة نظري، بلغنا درجة التشبع من حيث أعداد حاملي الدكتوراه"، مشيرةً إلى أن بعض هؤلاء يشعرون بأنهم "مؤهَّلون أكثر مما تقتضي وظائفهم" وأنهم لا يُقدَّرون حق قدرهم.
ومع ذلك، فليس هذا هو الحال في كل مكان. فقد بيَّنت الدراسة المنشورة في عام 2023 أن الرضا الوظيفي بين حملة الدكتوراه عمومًا مرتفع، إذ أعرب أكثر من 90% منهم عن رضاهم عن مسيرتهم المهنية. وكانت فرصة الحاصلين على درجات علمية في مجالات العلوم والتكنولوجيا في العثور على وظائف بحثية — ترتبط عادة بمعدلات رضا وظيفي أعلى — أكبر من الفرص التي سنحت لأقرانهم في مجالات العلوم الاجتماعية والفنون والعلوم الإنسانية.
يثير اتجاه أعداد كبيرة من حاملي الدكتوراه إلى العمل خارج الحقل الأكاديمي تساؤلات بشأن جدوى هذه الدرجة العلمية في تعزيز فرص العمل والدخل، وهي الثمرة المنتظرة في وراء نيل درجة الدكتوراه في غالب الأحيان. ووفقًا لدراسة3 أخرى نُشرت في عام 2023 عن حملة الشهادات العليا في المملكة المتحدة، تبين أن حاملي الدكتوراه يحققون، في المتوسط، دخلًا أعلى في الساعة من حاملي الماجستير، غير أن هذا لم ينطبق على جميع التخصصات. ففي مجالات مثل القانون والاقتصاد والإدارة، تقاضى الحاصلون على الماجستير رواتب أعلى بقليل من نظرائهم من حملة الدكتوراه. وعند أخذ عدد سنوات الخبرة العملية في الاعتبار، تبين أن حاملي الماجستير — في جميع التخصصات — جنوا دخلًا أعلى قليلاً من حملة الدكتوراه.
إعادة تصور
ينادي الكثير من الباحثين بإعادة النظر في الغاية من برامج الدكتوراه، وإجراء إصلاحات في أنظمة التعليم العالي تواكب التحولات الجذرية في سوق العمل بالنسبة لحملة هذه الدرجة. وقد بدأت بعض الدول، مثل اليابان وألمانيا والمملكة المتحدة، في اتخاذ خطوات عملية في هذا الاتجاه؛ منها تقديم فرص تدريب مدفوعة الأجر أثناء الدراسة، أو إتاحة بدائل مثل «الدكتوراه العملية»، التي يُنجز فيها الطالب بحثه بالتعاون مع شركة.
ومع ذلك، يرى كثير من الطلاب أن الجامعات لا تبذل ما يكفي لإعدادهم لاقتناص وظائف خارج الإطار الأكاديمي.
تقول ساريكو: "ينبغي إعادة النظر في برامج الدكتوراه، بحيث تهيئ حاملي الدرجة على الحياة العملية بمساراتها المختلفة؛ ذلك أهم يملكون مهارات — كالابتكار، والتفكير النقدي، والتحليل — مطلوبة بشدة في سوق العمل".
* هذه ترجمة المقال الإنجليزي المنشور بمجلة Nature بتاريخ 22 يونيو 2025.
doi:10.1038/nmiddleeast.2025.109
1. Sarrico, C. S. High. Educ. 84, 1299–1315 (2022).
2. Hancock, S. Stud. High. Educ. 48, 1523–1537 (2023).
3. Marini, G. & Henseke, G. Stud. High. Educ. 48, 1538–1550 (2023)
تواصل معنا: