أخبار

من العمارة إلى الابتكار التقني: كيف بنى طارق رخا شركته الناشئة من قلب الأبحاث الأكاديمية

نشرت بتاريخ 16 يوليو 2025

طارق رخا أستاذ مشارك في معهد جورجيا للتكنولوجيا، والرئيس التنفيذي لشركته الناشئة الأولى Lamarr.AI، التي تستخدم الطائرات المسيّرة، والتصوير بالأشعة تحت الحمراء، والذكاء الاصطناعي لإحداث نقلة نوعية في تشخيص المباني.

سعد لطفي

Credit:Tarek Rakha

يعود طارق رخا بذاكرته إلى الوراء فيقول: «لم يكن المنتج جاهزًا بعد. كانت الخوارزميات موجودة، والتقنيات متوفرة، لكن كانت تنقصنا الأتمتة". ورغم ذلك، تمكن من توقيع أول عقد مع عميل لشركته الناشئة «لامار إيه آي» Lamarr.AI؛ في خطوة غيّرت مسار تجربته المهنية.

طارق رخا هو أستاذ مشارك في معهد جورجيا للتكنولوجيا، والرئيس التنفيذي لشركته الناشئة الأولى «لامار إيه آي» التي تُوظف الطائرات المسيَّرة والتصوير بالأشعة تحت الحمراء والذكاء الاصطناعي لإحداث نقلة نوعية في مجال تشخيص المباني. ولتبسيط الفكرة، يمكن تشبيه التقنية بإجراء تصوير بالرنين المغناطيسي لكن للمباني.  

رخا معماري في الأصل، بدأ رحلته الأكاديمية في جامعة القاهرة، حيث حصل على درجتي البكالوريوس والماجستير، قبل أن يُكمل دراسته لنيل درجة الدكتوراه من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا. واتسع نطاق أبحاثه ليشمل دراسة قابلية المشي وركوب الدراجات والاستدامة الحضرية، مع التركيز على تحسين راحة المشاة في البيئات والمناخات الحضرية المتنوعة.

بعد حصوله على الدكتوراه، انضم رخا إلى جامعة سيراكيوز في عام 2015 وأسَّس مختبر "بيرفورماتيف براكسيس لاب" "بيبول" (PPL)، وبدأ في استخدام الطائرات المسيَّرة والتصوير الحراري لتشخيص أداء المباني، واضعًا بذلك الأساس التقني لشركته «لامار إيه آي».

حجر الأساس

يقول رخا: "لدي التزام بالاستدامة وكفاءة الطاقة، وشغف بمساعدة هذا الكوكب. فبينما يتحمس معظم الباحثين لتصاميم مبانٍ جديدة، اخترتُ التركيز على المباني القائمة، لأنها غالبًا ما تُهمل".

في الولايات المتحدة، شُيدت نحو نصف البيئة العمرانية قبل عام 1980، وغالبًا ما افتقرت تلك المباني إلى معايير الاستدامة في جانب كبير من عمليات إنشائها. وقد شكل هذا التحدي الدافع الرئيسي لأبحاث مختبر "بيبول"، الذي تجاوز حدود الهندسة المعمارية التقليدية لينفتح على مجالات متعددة التخصصات.

وفي إطار تطوير تقنيات التصوير الحراري القائمة على الطائرات المسيَّرة، تعاون رخا مع سنيم فيليباسالار، المتخصصة في الرؤية الحاسوبية والتعلم الآلي في جامعة سيراكيوز. وتوسَّع الفريق ليضم زميلين آخرين من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وهما نورهان بيومي وجون فرنانديز. وقد استطاعوا معًا النشر على نطاق واسع والحصول على منح بحثية كبيرة والارتقاء بمختبر "بي بي إل" ليصبح رائدًا في محاكاة الأداء والتشخيص الآلي للمباني.

الزخم

في عام 2019، انتقل رخا إلى معهد جورجيا للتكنولوجيا لقيادة مختبر المباني عالية الأداء، حيث تمكَّن من توسيع نطاق أبحاثه، واستقطب منحة بقيمة 1.8 مليون دولار أمريكي من وزارة الطاقة الأمريكية لدعم تطوير تقنيات التشخيص الحراري باستخدام الطائرات المسيّرة ونمذجة الطاقة.

مثَّلت المنحة التمويل الأولي لشركة «لامار إيه آي» التي شارك في تأسيسها نورهان بيومي وجون فرنانديز. في البداية، لم يخطط الفريق لتأسيس شركة. يعلق رخا عن هذا قائلًا: "كنا نبحث عن شريك تجاري، لكننا وصلنا إلى منعطفين مهمين".

كان المنعطف الأول عرضًا توضيحيًا قدمه الفريق في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا. صحيحٌ أن المنتج كان لا يزال قيد التطوير، لكن عميلًا محتملًا أبدى اهتمامًا فوريًا، ليصبح لاحقًا أول عميل لشركة «لامار إيه آي». وأما المنعطف الثاني فكان فوز الفريق في مسابقة «إي روبوت» بالتعاون مع شركاء من القطاع الصناعي، حيث حصلوا على تمويل بقيمة 222 ألف دولار أمريكي دون التنازل عن أي حصة من ملكية الشركة.

يتذكر رخا قائلًا: "استلمنا أموال الجائزة، ولم نكن نعرف بالضبط ماذا نفعل بها". في تلك المرحلة، حثَّه الشركاء على المُضي قدمًا في بناء الشركة. فقد سبق لفرنانديز أن قدم استشارات للعديد من الشركات الناشئة، وكانت نورهان بيومي لديها خبرة عملية سابقة في إطلاق شركة ناشئة أيضًا. أقنعت رؤيتهما رخا بأن «لامار إيه آي» ليست مجرد مشروع بحثي، بل شركة ناشئة.

 

طارق رخا أستاذ مشارك في معهد جورجيا للتكنولوجيا، والرئيس التنفيذي لشركته الناشئة الأولى Lamarr.AI
طارق رخا أستاذ مشارك في معهد جورجيا للتكنولوجيا، والرئيس التنفيذي لشركته الناشئة الأولى Lamarr.AI

المخاطرة، والمغامرة، والتحول

بعد فترة وجيزة من تأمين أول عميلين، أحدهما شركة عقارية والأخرى مؤسسة أكاديمية، قرر رخا المخاطرة، فتقدم بطلب إجازة غير مدفوعة الأجر من معهد جورجيا للتكنولوجيا ليتفرغ بالكامل لشركة «لامار إيه آي»، على الرغم من عدم حصوله على دعم رأس المال الجريء بعد. لم يكتفِ المعهد بالموافقة على الإجازة، ولكنه دعم الشركة أيضًا باتفاقية ترخيص، بل وضخ استثمارات لاحقًا في تمويل ما قبل التأسيس (Pre Seed Round).

من بين 70 مستثمرًا محتملًا تواصل معهم رخا، شارك سبعة منهم في جولة التمويل الأوَّلية، من بينهم شركات رأس مال استثماري، ومؤسسات أكاديمية، ومستثمرين ملائكيين. يقول رخا: "كنا نستهدف جمع مليون دولار أمريكي وانتهى بنا الأمر بجمع 1.1 مليون دولار، أي أننا تجاوزنا الحد المستهدف." ويضيف: «بصفتي الرئيس التنفيذي، كانت مهمتي الأولى هي جمع رأس المال».

ولتحقيق هذا الهدف، استعان رخا بمستشار للمساعدة في بناء الأدوات اللازمة لجمع الأموال؛ والتي شملت إعداد غرفة بيانات، وعرض تقديمي للمستثمرين، وقوائم تعريف بالمستثمرين. استفاد الفريق من منظومة ريادة الأعمال في معهدي ماساتشوستس وجورجيا للتكنولوجيا لتعزيز الانتشار والوصول إلى المستثمرين. يقول رخا: "كان هذا تحولًا في حياتي، فالأمر مختلف تمامًا عن العمل في الوسط الأكاديمي".

تحدي ريادة الأعمال

يقول رخا: "في الوسط الأكاديمي، هناك خطوات واضحة: الحصول على التمويل اللازم للأبحاث، والنشر، والتدريس، والتوجيه. أما ريادة الأعمال، فأنت تبحر في مياه مفتوحة؛ لا توجد خارطة طريق محددة، بل مبادئ عامة يتعين عليك تصميمها وفقًا لظروفك الخاصة".

أحد الدروس الرئيسة التي تعلمها رخا هو أهمية توظيف أفضل الكفاءات، الذين لا يمتلكون المهارات المطلوبة فحسب، بل أيضًا ملائمين من ناحية الأخلاقيات والسلوك. وكما يوضح رخا: "قد تمتلك أفضل منتج وأكبر تمويل، لكن إن لم يكن الفريق مناسبًا، فقد تتسبب في إغراق الشركة...ونفسك أيضًا."

وفي حين تُعد «لامار إيه آي» شركة هجينة، يحرص رخا على تشغيلها بشفافية كاملة؛ إذ يقول: "جميعنا يطلع على الرصيد المصرفي الحالي، وقائمة العملاء المحتملين، والأرباح والتحديات. كما نلتقي وجهًا لوجه شهريًا، وندير ناديًا للقراءة نناقش فيه كتب مثل «الشركات الناشئة الرشيقة» The Lean Startup و«قِس ما يهم» Measure What Matters.

القفز إلى المجهول

ينصح رخا الباحثين الذين يرغبون في خوض غمار ريادة الأعمال قائلًا: "ابدأوا بورشة عمل ضمن منظومات ريادة الأعمال المتاحة لكم والتي لديكم إمكانية الوصول إليها. فإذا كنتم في جامعة بها برامج للشركات الناشئة، أو برنامج لريادة الأعمال، أو حتى كلية إدارة أعمال، فهذا هو المكان المناسب للبدء". ويشدد رخا على أهمية اكتشاف العملاء مبكرًا، مقترحًا أن يشارك الباحثون في محادثات مع 50 عميلًا محتملًا على الأقل لفهم احتياجات السوق الحقيقية قبل تطوير منتج معين. ويقول: "أسوأ ما يمكن فعله هو تطوير منتج لا يرغب أحد في شرائه."

ويحث رخا الباحثين أيضًا على اتخاذ قرار حاسم، موضحًا: "في مرحلة ما، لا بد من تخصيص وقت جاد لهذا المسار. لا تترددوا. قرروا وانطلقوا".

ويضيف رخا: "إذا كنت في مرحلة من حياتك تتحمس فيها لفكرة تأسيس شركة ناشئة، وكنت قد تحققت بالفعل من صحة فكرتك، فابدأ دون تردد. ستشعر بأنك تحررت". ويشير رخا إلى أن هناك مسارات متعددة لتسويق الأبحاث تجاريًّا، بما في ذلك تولي القيادة المباشرة للشركات أو الاكتفاء بالعمل فيها كمستشار أو عضو مجلس إدارة.

بصفته مصريًا، يؤمن رخا بقدرة الجامعات العربية على دعم ريادة الأعمال الأكاديمية من خلال توفير تمويل حقيقي مع مرونة في إدارة حقوق الملكية الفكرية ومنح إجازات التفرغ مقابل حصص ملكية عادلة. "لا يمكنك الاستحواذ على نسبة كبيرة من ملكية شركة أحد المؤسسين ثم تتوقع منه تسويقًا تجاريًّا. العائد الحقيقي يكمن في بناء مجموعة من الشركات الناجحة المرتبطة باسم الجامعة ومكانتها."

مؤخرًا في عام 2025، اختار نظام جامعة جورجيا رخا لمنحه لقب "مبتكر مجلس الأمناء"، وهو تكريم يُمنح لأعضاء هيئة التدريس الذين حققت أبحاثهم تأثيرًا عبر التسويق التجاري. وقد نال رخا اللقب مصحوبًا بإجازة تفرغ قابلة للتجديد مدتها ثلاث سنوات من معهد جورجيا للتكنولوجيا، مما منحه فرصة للتفرغ الكامل لشركة «لامار إيه آي» دون الابتعاد عن الوسط الأكاديمي تمامًا.

بالنسبة لرخا، فإن بناء شركة «لامار إيه آي» ليس انقطاعًا عن الوسط الأكاديمي، بل هو امتداد له. وفي حين أن الشركة لا تزال في مراحلها المبكرة، تُعد رحلة رخا نموذجًا عمليًّا لكيفية تطور العمل البحثي حتى يصبح في النهاية ابتكارًا واقعيًا يخاطب احتياجات السوق.

تم نشر النسخة الإنجليزية من هذا المقال بتاريخ 10 يونيو 2025.

doi:10.1038/nmiddleeast.2025.110