سابقة علاجية: غرسة دماغية تساعد مصابًا بعسر الكلام على الحديث بسلاسة والغناء
10 July 2025
نشرت بتاريخ 10 يوليو 2025
في هذا التحقيق الإخباري، نتناول ابتكار جهاز يترجم آنيًا الأفكار إلى حديث منطوق.
باستخدام غرسة دماغية تترجم النشاط العصبي إلى كلمات على نحو شبه آني، أمكن لرجل مصاب بدرجة شديدة من عسر الكلام الحديث والتعبير عن نفسه والغناء. إذ نجحت الغرسة في ترجمة الاختلاف في نبرة صوت الرجل عند طرحه للأسئلة، وعندما اختار التشديد على كلمات بعينها، وسمحت له بدندنة بعض النغمات بثلاث طبقات صوتية.
استخدَم هذا الجهاز، المعروف باسم واجهة التفاعل الدماغي الحاسوبي (BCI) — الذكاء الاصطناعي في فك شفرة النشاط الدماغي الكهربي لدى الرجل المشارك في التجربة أثناء محاولته الكلام. وهو أول جهاز ينجح في ترجمة الكلام الذي قصده المتحدث، مع إظهار سلاسة في ذلك بخواص مثل نقل نبرة الصوت، وطبقته، والتوكيد على ألفاظ بعينها؛ ما يخدم في التعبير عن المعاني والمشاعر.
في الدراسة التي أنتجت الجهاز، نقل صوت اصطناعي يحاكي صوت الرجل المشارك في التجربة كلمات هذا المشارك في غضون 10 مللي ثانية من النشاط العصبي المؤشر على الرغبة في الكلام. والجهاز الذي نقدم أوصافه اليوم هنا في دورية Nature1، يُعد خطوة كبيرة إلى الأمام، مقارنة بنماذج التفاعل الدماغي الحاسوبي السابقة، والتي نقلت كلام مستخدميها في غضون ثلاثة ثوان أو أفرزته بعد تعبير هؤلاء المستخدمين عن جملة تامة.
حول هذا الإنجاز، يقول كريستيان هيرف، اختصاصي علم الأعصاب الحاسوبي من جامعة ماستريخت في هولندا والذي لم يشارك في الدراسة: "هذه غاية غايات واجهات التفاعل الدماغي الحاسوبي الكلامية. فقد صرنا حقًا بصدد نقل الحديث بشكل فوري ومتتابع".
فك شفرات النشاط العصبي آنيًا
المشارك في الدراسة هو رجل يبلغ من العمر 45 عامًا، فقد القدرة على الكلام بوضوح بعد الإصابة بـالتصلب الجانبي الضموري، وهو شكل من أشكال اضطراب الأعصاب الحركية، يؤدي إلى تلف الأعصاب المسؤولة عن التحكم في العضلات، بما في ذلك تلك اللازمة للنطق. ورغم أنه ظل قادرًا على التلفظ بأصوات والتفوه بعدد من الكلمات، اتسم حديثه بالبطء وعدم الوضوح.
من هنا، بعد خمس سنوات من بدء أعراضه، خضع لجراحة تهدف إلى غرس 256 قطبًا كهربيًا من السليكون، كل بطول 1.5 مللي متر في منطقة من الدماغ مسؤولة عن التحكم في الحركة. وقد دربت المؤلفة المشاركة في الدراسة مايتريي وايراجكار، وهي عالمة أعصاب من جامعة كاليفورنيا في مدينة ديفيس الأمريكية مع زملائها خوارزميات تعلُم عميق على رصد الإشارات في دماغ الرجل كل 10 مللي ثانية. وهذه المنظومة من الأقطاب الكهربية، تعمل على فك شفرة الأصوات التي يحاول الرجل إنتاجها آنيًا، عوضًا عن محاولة فك شفرة الكلام المقصود أو الوحدات الصوتية التي تتألف منها الكلمات.
وهو ما توضحه وايراجكار قائلة: "لا نستخدم دائمًا الكلمات للتعبير عن مرادنا. فهناك الأصوات الدالة على انفعالاتنا. وهناك صور أخرى من التعبير الصوتي الذي لا تجسده المفردات. وللنجاح في مسعانا، سلكنا هذا النهج الذي لا يقتصر على نوع معين من التعبير الكلامي".
نجح الفريق أيضًا في مواءمة الصوت الاصطناعي الصادر عن الجهاز بحيث يشبه صوت الرجل، من خلال تدريب خوارزميات الذكاء الاصطناعي على بيانات تسجيلات صوتية لمقابلات أجراها الرجل قبل بدء مرضه.
وطلب الفريق البحثي من الرجل محاولة إنتاج تعابير صوتية مثل: "آه"، و"أوه"، و"همم" ونطق كلمات مُختلقة. وهنا، نجحت واجهة التفاعل الدماغي الحاسوبي في إنتاج هذه الأصوات، لتبرهن على قدرتها على استحداث الكلام دون الحاجة إلى الاعتماد على مفردات ثابتة.
حرية تعبير
باستخدام الجهاز، أمكن للرجل تهجؤ كلمات، والرد على أسئلة مفتوحة، وقول أي ما شاء باستخدام كلمات ليست جزءًا من البيانات التدريبية لجهاز فك الشفرات. وقد أعرب الرجل للباحثين بأنه شعر بـ"السعادة" عندما سمع كلامه بالصوت الاصطناعي، وبأنه شعر بأنه "صوته الحقيقي".
وفي تجارب أخرى، أمكن لجهاز التفاعل الدماغي الحاسوبي تحديد ما إذا كان الرجل المشارك في التجارب يحاول طرح سؤال، أم التفوه بعبارة. كما أمكن للجهاز الوقوف على عدة كلمات مختلفة قصد الرجل وضع نبرة عليها في الجمل، ليعدِّل نبرة صوته الاصطناعي تباعًا. حول ذلك، تقول وايراجكار: "نحاول أن نغطي جميع عناصر الخطاب البشري المهمة حقًا على اختلافها". جدير بالذكر أنه أمكن لواجهات التفاعل الدماغي الحاسوبي سابقًا فك شفرة النشاط العصبي وإنتاج حديث لا يُترجم النبرات.
من هنا تقول سيلفيا مارتشيسوتي، اختصاصية علم الأعصاب من جامعة جنيف السويسرية: "تعد هذه نقلة نوعية من ناحية أن هذه الابتكار قد يفضي إلى أداة عملية واقعيًا". وتضيف أن خواص الجهاز "تكتسب ضرورة عند تبني مرضى له في الاستخدام اليومي مستقبلًا".
doi: https://doi.org/10.1038/d41586-025-01818-1
تحديثات وتصحيحات
تحديث بتاريخ 13 يونيو عام 2025: عُدل التحقيق الإخباري لينص على أن واجهة التفاعل الدماغي الحاسوبي سمحت لمستخدمها التحكم في نبرته الكلامية.
هذه ترجمة المقال الإنجليزي المنشور في دورية Nature بتاريخ 11 يونيو عام 2025.
doi:10.1038/nmiddleeast.2025.106
1. Wairagkar, M. et al. Nature https://doi.org/10.1038/s41586-025-09127-3 (2025).
تواصل معنا: