مقالات

الأغذية غير الصحية تهدد تلاميذ المدارس الابتدائية التونسية بـ"السمنة"

نشرت بتاريخ 22 مارس 2024

يروج تجار التجزئة للمنتجات الغذائية غير الصحية والمشروبات الغازية بالقرب من الأحياء المدرسية في "تونس الكبرى".. ويبيعون الأطعمة غير الصحية لعدة أسباب أهمها أنها أرخص ثمنًا

هاني زايد

الافتقار إلى الحماية من إعلانات الأغذية غير الصحية يؤثر على اختيارات الأطفال الغذائية
الافتقار إلى الحماية من إعلانات الأغذية غير الصحية يؤثر على اختيارات الأطفال الغذائية
energyy/ iStock / Getty Images Plus Enlarge image
كشفت دراسة أجراها باحثون تونسيون من المعهد الوطني للتغذية والتكنولوجيا الغذائية بالتعاون مع باحثين بالجامعة الأميركية في بيروت عما قد يكون عاملًا مساهمًا في ارتفاع السمنة لدى الأطفال في سن المدرسة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

وأوضحت الدراسة التي نشرتها دورية "بابليك هيلث نيوتريشن" (Public Health Nutrition) أن 60٪ من تجارة المواد الغذائية، والإعلانات الخاصة بها، في الأحياء المحيطة بالمدارس الابتدائية الحضرية في إقليم "تونس الكبرى" غير صحية.

ووفق الدراسة، فإن معدلات زيادة الوزن والسمنة لدى الأطفال ارتفعت ارتفاعًا كبيرًا في البلدان المنخفضة الدخل والمتوسطة الدخل على مدى العقود الماضية، بينما تشهد منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا واحدة من أكبر الزيادات في معدلات السمنة لدى الأطفال بنسبة بلغت نحو 20%، وهو ما أكدته دراسة سابقة نشرتها دورية "ذا لانسيت" عام 2016.

عوامل معقدة

فحص الباحثون، بقيادة الدكتورة جليلة العاتي -رئيس قسم الدراسات والتخطيط بالمعهد الوطني للتغذية والتكنولوجيا الغذائية، والمتخصصة في أبحاث مرض السكري والسمنة- العروض الترويجية التي يقدمها 3621 بائع تجزئة و2098 إعلانًا تحتل منطقة يبلغ طولها 800 متر من كل شبكة طرق تؤدي إلى كل مدرسة من المدارس الخمسين المختارة في إقليم "تونس الكبرى".

وكشفت النتائج أن حوالي ثلثي هذه الإعلانات تروج لأغذية ومشروبات غير صحية، وأن المشروبات الغازية والمحلاة بالسكر تمثل أكبر مجموعة غذائية يتم الترويج لها بنسبة بلغت 22%، في حين استحوذ بائعو الفاكهة والخضراوات على 6% فقط من حجم الأسواق المحيطة بالمدارس.

وكانت نسبة تجارة التجزئة غير الصحية أعلى بكثير في المناطق الأكثر ثراءً، وهو ما يتناقض مع النتائج التي توصلت إليها البلدان ذات الدخل المرتفع؛ إذ تؤثر الخيارات الغذائية غير الصحية وارتفاع معدلات السمنة تأثيرًا غير متناسب على أفراد الفئات الاجتماعية والاقتصادية الدنيا، وفق الدراسة.

تقول هلا غطاس -الأستاذ المشارك في مجال تعزيز الصحة التعليم والسلوك في مدرسة أرنولد للصحة العامة وجامعة كارولاينا الجنوبية- في تصريحات لـ"نيتشر ميدل إيست": هناك العديد من العوامل المعقدة والمتشابكة التي تؤثر على النظام الغذائي للأطفال وحالتهم التغذوية؛ إذ من المحتمل أن تؤدي البيئات الغذائية المحيطة بالمدارس دورًا رئيسيًّا في تشكيل الخيارات الغذائية للأطفال، وبالتالي في حالة وزنهم.

تضيف "غطاس": تؤثر الأحياء المحيطة بالمدارس على الخيارات الغذائية للأطفال الذين يقضون جزءًا كبيرًا من يومهم في المدارس والمناطق المحيطة بها، سواء قبل المدرسة أو بعدها، أو حتى في أثناء العطلات، وقد تؤثر البيئات الغذائية على العادات الغذائية من خلال الوصول المباشر إلى الأطعمة أو من خلال تحفيز الإشارات والرغبات الغذائية.

ويسهم هذا البحث في توثيق تأثير البيئة المسببة للسمنة على النظام الغذائي للأطفال، ويساعد في توجيه السياسات والتدخلات للحد من وباء السمنة لدى الأطفال.

إجراءات مهمة

وحول الإجراءات الواجب اتخاذها لمواجهة تلك الظاهرة تقول "غطاس": يجب تنظيم المناطق الحضرية الواقعة في نطاق المدارس بما يضمن حماية الطلاب من بائعي الأغذية غير الصحية، بحيث لا يمكن لهؤلاء الباعة الاقتراب من بوابات المدارس، وأن يتم ذلك بالتوازي مع برامج تشجع الباعة على التحول إلى الاتجار في منتجات غذائية صحية.

هلا غطاس الأستاذ المشارك في مجال تعزيز الصحة التعليم والسلوك في مدرسة أرنولد للصحة العامة وجامعة كارولاينا الجنوبية
هلا غطاس الأستاذ المشارك في مجال تعزيز الصحة التعليم والسلوك في مدرسة أرنولد للصحة العامة وجامعة كارولاينا الجنوبية
Hala Ghattas Enlarge image
تضيف "غطاس": يجب أيضًا مواجهة طوفان تسويق الأطعمة والمشروبات غير الصحية عبر التلفاز خلال ساعات ذروة مشاهدة الأطفال له، وفي منافذ بيع المواد الغذائية المحيطة بطلاب المدارس، التي تستهدف إغراءهم في أثناء ذهابهم إلى المدرسة، وكذلك تفعيل برامج الوجبات الغذائية في المدارس شبه الحضرية بما يشجع الأطفال على تناول نظام غذائي متوازن داخل المدرسة بدلًا من استهلاك الأطعمة غير الصحية من الأكشاك ومنافذ الوجبات السريعة الموجودة خارج المدرسة.

وتتابع: الافتقار إلى الحماية من إعلانات الأغذية غير الصحية يؤثر على اختيارات الأطفال الغذائية وتفضيلاتهم الذوقية، ويؤدي إلى عواقب محتملة طويلة المدى على تفضيلاتهم وعاداتهم الغذائية فيما يتعلق بالأغذية غير الصحية، وقد يؤثر هذا على خطر الإصابة بالسمنة والأمراض المزمنة الأخرى المرتبطة بالنظام الغذائي.

ويوضح الباحثون أن خطوتهم المستقبلية تتمثل في دراسة العلاقة بين البيئات الغذائية في الأحياء المدرسية والحالة التغذوية للأطفال، ما يساعد في تحديد السياسات والبرامج اللازمة لتحسين النظام الغذائي للأطفال وتقليل عبء السمنة في تونس والبلدان ذات السياقات المماثلة.

تحذيرات سابقة

تتفق نتائج الدراسة مع تقرير سبق أن أعدته منظمة اليونيسف يوضح أن تعرض الأطفال للتسويق التجاري للوجبات السريعة والمشروبات المحلاة بالسكر يؤدي إلى شراء أغذية غير صحية تتسبب في إصابة الأطفال بالسمنة.

ويوضح التقرير أن الأطفال في بعض البلدان يشاهدون حوالي 30 ألف إعلان على شاشات التلفزيون وحدها سنويًّا، محذرًا من أن التسويق التجاري للوجبات السريعة أدى إلى زيادة مفزعة في معدلات السمنة لدى الأطفال والمراهقين الذين يعانون من السمنة، من 11 مليونًا في عام 1975 إلى 124 مليونًا في عام 2016.

وينقل التقرير عن هيلين كلارك -رئيسة وزراء نيوزيلندا السابقة والرئيسة المشاركة في إعداد تقرير اليونيسف- قولها: يواجه أطفال العالم أخطارًا تهدد حياتهم بسبب تغيُّر المناخ والضغوط التجارية، ويجب أن تصلح البلدان نهجها فيما يتعلق بصحة الأطفال والمراهقين، ليس لضمان الاعتناء بأطفالنا اليوم فقط، بل أيضًا لحماية العالم الذي سيرثونه غدًا.

ويقول فيكتور أهلكفيست -طالب الدكتوراة في قسم الصحة العامة العالمية في معهد كارولينسكا-: فترة المراهقة هي فترة مهمة في الحياة لتأسيس عادات جيدة، مثل ممارسة الرياضة واتباع نظام غذائي صحي.

وتؤكد دراسة سابقة أن ممارسة النشاط البدني بقدرٍ كافٍ واتباع نظام غذائي صحي من أهم العوامل التي تمنع السمنة وتزيد من اللياقة البدنية لدى الأطفال والمراهقين.

doi:10.1038/nmiddleeast.2024.97