مقالات

البروتينات المُهندسة بالذكاء الاصطناعي: هل تُستغل كسلاح؟

نشرت بتاريخ 20 مارس 2024

أدوات الذكاء الاصطناعي القادرة على ابتكار بِنى بروتينية بكبسة زر ينبغي استخدامها على نحو أخلاقي يحقق السلامة، بحسب ما يفيد الباحثون في هذا المجال.

إوين كالاواي

 يمكن لنظام الذكاء الاصطناعي «ألفافولد» تصميم بروتينات تخدم في أداء مهام بعينها
 يمكن لنظام الذكاء الاصطناعي «ألفافولد» تصميم بروتينات تخدم في أداء مهام بعينها

Credit: Google DeepMind/EMBL-EBI (CC-BY-4.0)

هل يمكن استخدام البروتينات المهندسة بواسطة الذكاء الاصطناعي كسلاح بيولوجي؟ أملًا في درء هذه الاحتمالية وما يستتبعها من لوائح تنظيمية حكومية معوِّقة، أطلق باحثون مؤخرًا مبادرة تنادي بالاستخدام الآمن والأخلاقي لتقنيات تصميم البروتينات.

حول ذلك، يقول ديفيد بيكر اختصاصي علم الفيزياء الحيوية الحاسوبي من جامعة واشنطن في مدينة سياتل الأمريكية، وهو مشارك في المبادرة الطوعية: "الفوائد المحتملة لتصميم البروتينات (عبر أنظمة الذكاء الاصطناعي) تفوق حاليًا بكثير المخاطر التي قد تنجم عنها". ومثل بيكر، عمد عشرات من العلماء الآخرين ممن يستخدمون أنظمة الذكاء الاصطناعي في الهندسة الحيوية إلى توقيع قائمة التزامات تابعة للمبادرة.

تعقيبًا على هذه الخطوة، يقول مارك ديبول، اختصاصي سياسات الصحة العامة من جامعة جورج تاون في العاصمة الأمريكية واشنطن، والذي قاد جهود إعداد تقرير لعام 2023 عن نظام الذكاء الاصطناعي والأمن البيولوجي للمؤسسة البحثية «هيلينا»Helena  في ولاية لوس أنجلوس الأمريكية: "إنها بداية موفقة. وأعتزم التوقيع على هذه القائمة". غير أنه أضاف في هذا الإطار: "نحتاج إلى إجراءات وقواعد حكومية، وليس توجيهات طوعية فحسب".

وتأتي المبادرة في أعقاب تقارير وردت من الكونجرس الأمريكي ومؤسسات بحثية ومنظمات أخرى، تستكشف احتمالية أن تؤدي أدوات الذكاء الاصطناعي المستخدمة في هندسة البروتينات إلى تسهيل تطوير الأسلحة البيولوجية، مثل السموم أو الفيروسات عالية الانتشار. وتتنوع أنظمة الذكاء الاصطناعي التي قد تستخدم في هذ السياق، بدءًا من شبكات التنبؤ بالبنى البروتينية مثل شبكة «ألفافولد»AlphaFold ، وصولًا إلى أنظمة القوالب اللغوية الكبيرة، مثل تلك التي  تدير روبوت الدردشة «تشات جي بي تي»ChatGPT .

مخاطر البروتينات المُهندسة

سعى باحثون ومن بينهم بيكر وفريقه البحثي لتصميم واستحداث أنواع جديدة من البروتينات لعقود، غير أن إنتاجيتهم من البروتينات شهدت قفزة ونموًا هائلًا بفضل التطورات التي أُحرزت في مجال الذكاء الاصطناعي. فمحاولات مثل هندسة بروتينات ترتبط بجزيئات بعينها، والتي كانت تستغرق فيما مضى عدة سنوات، أو استحالت من الأساس، باتت ممكنة في غضون دقائق. وغالبية أدوات أنظمة الذكاء الاصطناعي التي طُورت لتسمح بهذا صارت متاحة بالمجان.

ولدراسة احتمالية استخدام هذه التطبيقات لأغراض خبيثة، استضاف معهد هندسة البروتينات الذي ينتمي إليه بيكر في جامعة واشنطن مؤتمرًا حول أمان أنظمة الذكاء الاصطناعي، انعقد في أكتوبر من عام 2023. في ذلك الصدد، يقول بيكر: "تتعلق المسألة هنا بكيفية تنظيم أنشطة تصميم البروتينات، إن كانت هناك ضرورة لذلك من الأساس، وبماهية المخاطر التي قد تترتب على هذه الأنشطة، إن كانت ثمة مخاطر قد تنجم عنها".

والمبادرة التي يطلقها بيكر اليوم مع عشرات من العلماء الآخرين في الولايات المتحدة وأوروبا وآسيا تناشد مجتمع علماء هندسة البروتينات بفرض رقابة ذاتية على أنشطته، ويدخل في ذلك مراقبة الممارسات البحثية وعقد مراجعات بانتظام تبحث في إمكانات أدوات الذكاء الاصطناعي. كذلك يتطلع بيكر إلى أن يرى المجال يؤسس لجنة خبراء للنظر في برمجيات هندسة البروتينات قبل إتاحتها على نطاق واسع، وللتوصية بالإجراءات الاحترازية الضرورية.

كذلك تناشد المبادرة بتحسين أنشطة معاينة ممارسات تخليق الحمض النووي وهي خطوة ضرورية لترجمة تصميم البروتينات بواسطة الذكاء الاصطناعي إلى جزيئات حيوية حقيقية. وفي الوقت الحالي، نجد أن كثيرًا من الشركات التي تقدم خدمة هندسة البروتينات قد انضم تحت لواء مجموعة معنية بهذا النشاط، هي الاتحاد الدولي لتخليق الجينات، الذي يُلزم هذه الشركات بفحص الأوامر البرمجية في عملية هندسة البروتينات للتعرف على الجزيئات الضارة مثل السموم أو المُمْرِضات.

وفي هذا الصدد، يقول جيمس ديجانز، الرئيس المعني بالأمن الحيوي لدى مؤسسة «تويست بايوساينس» Twist Bioscience، وهي شركة لتخليق الحمض النووي كائنة في ولاية سان فرانسيسكو بولاية كاليفورنيا الأمريكية، ويشغل أيضًا منصب رئيس مجلس الاتحاد الدولي لتخليق الجينات: "إن أمثل طريقة للوقاية من التهديدات التي قد تستحدثها أنظمة الذكاء الاصطناعي هي امتلاك نماذج ذكاء اصطناعي قادرة على رصد هذه التهديدات".

تقييم المخاطر

أخذت الحكومات بدورها في التصدي لأخطار الأمن الحيوي التي تهدد بها أنظمة الذكاء الاصطناعي. على سبيل المثال، في أكتوبر من عام 2023، وقع الرئيس الأمريكي جو بايدن أمرًا تنفيذيًا يناشد بتقييم هذه الأخطار ويثير احتمالية فرض معاينة لعمليات تخليق الحمض النووي التي تُجرى في الأبحاث الممولة فيدراليًا.

ويأمل بيكر ألا تتدخل اللوائح الحكومية في مستقبل المجال، إذ يرى أن هذا قد يحد من القدرة على تطوير العقاقير واللقاحات والمواد التي قد تنتجها البروتينات المهندسة بواسطة الذكاء الاصطناعي. ويضيف ديجانز أنه ليس من الواضح كيف يمكن أن يخضع استخدام أدوات هندسة البروتينات لقواعد منظمة، بسبب الوتيرة المحمومة التي تمضي بها خطى تطور المجال، ما يوضحه ديجانز بقوله: "من الصعب تخيل لوائح مُنظِّمة تبقى مواتية من أسبوع إلى آخر".

أما ديفيد ريلمان، اختصاصي بيولوجيا الأحياء الدقيقة من جامعة ستانفورد في ولاية كاليفورنيا الأمريكية، فيرى أن جهود العلماء ليست كافية لضمان استخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي على نحو آمن، فيقول: "اختصاصيو العلوم الطبيعية لا يمكنهم وحدهم التعبير عن صالح المجتمع الأعم".

doi:10.1038/nmiddleeast.2024.95