ممارسة العمل العلمي بلغة غير لغتك الأم: الفرص والتحديات
28 November 2024
إسرائيل تغرق شبكة أنفاق غزة: والعلماء يقيمون المخاطر
نشرت بتاريخ 22 فبراير 2024
تنطوي خطة استهداف حماس على غمر أجزاء من شبكة أنفاقٍ تحت الأرض طولها 500 كيلومتر. والباحثون يحذرون من أن هذا قد يؤثر في إمدادات المياه في غزة.
بدأ الجيش الإسرائيلي في ضخ مياه البحر "عالية التدفق" في الأنفاق التي بنتها حماس أسفل قطاع غزة، في إطار محاولته "لتحييد البنى التحتية الإرهابية".
في الثلاثين من يناير الماضي، أكد جيش الدفاع الإسرائيلي (IDF) أنه ينفذ خطة غمر الأنفاق الموجودة أسفل قطاع غزة، في عدد من المواقع التي لم يُفصح عنها، وهي استراتيجية أثيرت حولها الشائعات منذ ديسمبر الماضي. وأضاف بيان جيش الدفاع الإسرائيلي أن هذه الخطوة كانت بمثابة "طفرة هندسية وتكنولوجية كبيرة"، وأن هذه المواقع قد اختيرت بعناية "لضمان عدم تعرض المياه الجوفية في المنطقة لأي ضرر".
ومع ذلك، حذّر بعض الباحثين في مجال المياه من أن غمر الأنفاق بمياه البحر قد يكون له تأثير مدمر في إمدادات غزة بالمياه العذبة الشحيحة بالفعل، وقد يؤدي إلى تقويض أساسات المباني. ثمة أيضًا مخاوف من أن يؤدي غمر الأنفاق إلى تعريض العديد من الرهائن الإسرائيليين الباقين للخطر، والذين يبلغ عددهم 130 تقريبًا، ممن اختطفتهم حماس في هجمات السابع من أكتوبر عام 2023، ولا تزال أماكن الرهائن غير معروفة. ولكن أحد الباحثين الذين تحدثتْ دورية Nature إليهم يقول إنه يعتقد أن تأثير الغمر سوف يكون محدودًا؛ نظرًا لأن طبقات المياه الجوفية في غزة ملوثة بالفعل بمياه البحر.
والأنفاق عبارة عن "شبكة عنكبوتية" من الممرات الرطبة المحفورة في تربة رملية، وفقًا لما أخبرت به الرهينة السابقة، يوخفيد ليفشيتز، وسائلَ الإعلام عقب إطلاق سراحها في أكتوبر الماضي. ووفقًا لوزارة الخارجية الإسرائيلية، يبلغ عمق أحد الأنفاق 50 مترًا، وبعضها له العديد من المداخل العمودية، وهي مدعومة بالخرسانة ومجهزة بأسلاك كهربائية وأنابيب. وأغلب الظن أن الأنفاق تُستخدم لتخزين الأسلحة، ولاحتجاز الرهائن أيضًا. وهي تكاد تمتد إلى كل ركن وكل زاوية من قطاع غزة المزدحم والمدمَّر، البالغة مساحته 363 كيلومترًا مربعًا.
القلق الأكبر
يتمثل واحد من أكبر المخاوف في أن مياه البحر المستخدمة لإغراق الأنفاق ستلوث إحدى طبقات المياه الجوفية الساحلية المهمة، التي تقع بين غزة ومصر وإسرائيل، وتمدّ قطاع غزة بما يقرب من 80% من مياهها.
يقول مارك زيتون، مهندس المياه والمدير العام لـ«مركز جنيف لبحوث المياه» (Water Hub) في سويسرا: إن المصدر الرئيس لمياه الشرب في غزة يتعرض للتلويث. ويُضيف: "إذا وضعتَ ماءً مالحًا في مصدر مياه عذبة، فإنه يُلوثه ويُفسده ويُسممه".
ويرى زيتون أن هناك احتمالية أن تتسرب مياه البحر بمجرد ضخها في الأنفاق؛ فيقول: "إذا حاولتَ ملء الأنفاق بالماء، مع افتراضي أنها ليست معزولة بدرجة كافية تسمح لها بالاحتفاظ بالمياه، فسوف تتسرب المياه إلى طبقة المياه الجوفية".
ويتفق الخبير الجغرافي أحمد رأفت غضية، الأستاذ بجامعة النجاح الوطنية في نابلس في الضفة الغربية، على أنه من المرجح أن تتلوث طبقة المياه الجوفية في غزة بالماء المالح على نحو يتعذر إصلاحه.
يقول غضية: "إذا أغرقوا هذه الأنفاق، فإن مياه البحر ستخترق الطبقات الجيولوجية، باتجاه طبقة المياه الجوفية. وسيكون لهذا الإجراء عواقب وخيمة على كافة جوانب الحياة في غزة — من زراعة، إلى تربة، إلى بنية تحتية". ويضيف غضية أن مياه البحر قد تسبب هبوطًا أرضيًّا يُقوّض أساسات المباني.
على الصعيد الآخر، يرى عالم الهيدرولوجيا نوام وايسبرود، عميد معاهد جاكوب بلاوستاين لأبحاث الصحراء في جامعة بن جوريون في النقب بإسرائيل، أن أولئك الذين ينتابهم القلق من تلوثٍ كاملٍ لطبقة المياه الجوفية الساحلية على نحو يتعذر إصلاحه؛ ربما يبالغون في تقدير آثار غمر الأنفاق بالمياه. ويتابع وايسبرود قائلًا: "لستُ واثقًا من أن المخاطر البيئية خطيرة على النحو الذي يريد البعض تصديقه". وأردف قائلًا: إن تأثير الغمر بالماء سوف يختلف باختلاف موقع الأنفاق المستهدفة.
وجدير بالذكر أن منسوب طبقة المياه الجوفية الساحلية في غزة يتراوح بين حوالي 60 مترًا تحت سطح البحر شرقًا، وبضعة أمتار فحسب كلما اتجهنا صوب الخط الساحلي، وفقًا لدراسة نُشرت في عام 2020 في دورية «ووتر» Water1. زد على ذلك أن كمية المياه الجوفية المسحوبة لا تتناسب مع كمية المياه العذبة التي يجري تعويضها بالسبل الطبيعية، وهكذا، تتسلل مياه البحر إلى طبقة المياه الجوفية بالفعل.
ويعزز وايسبورد منطقه في التفكير بحقيقة أن المياه الموجودة في طبقة المياه الجوفية مالحة بالفعل في المناطق القريبة من الساحل، ناهيك عن أن: "أجزاءً كبيرةً من طبقة المياه الجوفية ملوثةٌ بالفعل بسبب أنظمة الصرف الصحي غير المنظمة، وبسبب الأسمدة وغيرها"، بحسب قوله.
ويضيف وايسبورد أيضًا أن خطة إسرائيل قد يكون لها تأثير محدود. ويعلل ذلك بأن شبكة الأنفاق "ليستْ مخططًا لمترو واحد كبير مثلما هو الحال في نيويورك أو في لندن، إنها ليست شيئًا واحدًا كبيرًا يتصل بعضه ببعض. ومن ثم، فإنكم سوف تبذلون الكثير من الجهد وستغمرون شيئًا محدودًا للغاية في النهاية. إذًا، ربما لا يستحق الأمر كل ذلك العناء".
يتراوح منسوب طبقة المياه الجوفية الساحلية في غزة بين حوالي 60 مترًا تحت سطح البحر شرقًا، وبضعة أمتار فحسب كلما اتجهنا صوب الخط الساحلي. التُقطتْ هذه الصورة بالأقمار الصناعية لقطاع غزة في العاشر من يناير من عام 2024.
أزمة المياه في غزة
الجدل الدائر حول الأنفاق يُسلط الضوء على مشكلةٍ كانت قائمة بالفعل قبل بدء غمر الأنفاق؛ ألا وهي شح مياه الشرب النظيفة في غزة، بغض النظر عن مدى تلوث طبقة المياه الجوفية بفعل ضخ مياه البحر. ففي عام 2020، قدّرتْ وكالات الأمم المتحدة أن 10% من السكان يحصلون على مياه شرب آمنة.
يأتي بعض من هذه المياه من إسرائيل ومصر. كما دُشنتْ محطة لتحلية مياه البحر في قطاع غزة، بتكلفة مقدارها 10 ملايين يورو (10.9 مليون دولار أمريكي)، وبتمويل من الاتحاد الأوروبي في عام 2017، ولكنها على ما يبدو لا يمكن أن تعمل بدون تيار كهربائي. فقبل الحرب، كان حوالي نصف كهرباء غزة يأتي من إسرائيل، ولكن الحكومة الإسرائيلية قطعتْ إمدادات الكهرباء عن القطاع في أكتوبر الماضي.
تسببت الحرب في نزوح ما يقرب من 1.9 مليون شخص، يعيش الكثير منهم في خيام أو في الشوارع في مدينة رفح جنوب قطاع غزة. ويقول غضية: إنه عقب هطول الأمطار الغزيرة في يناير، لجأ العديد من الأشخاص إلى جمع مياه الشرب في أطباق ودلاء. فيما يشتري آخرون المياه من الشاحنات المحملة بصهاريج المياه — ولكنها مياه رديئة تأتي من طبقة المياه الجوفية وتتولى شركات خاصة تحليتها — وفقًا لما قاله دافيد ليرر، مدير مركز الدبلوماسية البيئية التطبيقية في معهد عربة للدراسات البيئية في وادي عربة بإسرائيل.
ويضيف ليرر أنه عندما تنتهي الحرب، لا بد أن تبدأ إسرائيل وغزة في التخطيط من أجل مستقبل أفضل للمياه؛ فمن خلال الشراكة التي أُبرمتْ عام 2023 مع شركة مرافق المياه الإسرائيلية «ووترجين» Watergen، ومنظمة الدامور الفلسطينية غير الحكومية للتنمية المجتمعية، والإدارة المدنية الإسرائيلية؛ تمكن معهد عربة من تشغيل خمسة مولدات مياه من الغلاف الجوي تعمل بالطاقة الشمسية في مراكز الرعاية الصحية المحلية في غزة. ووفقًا لمعهد عربة، يمكن لهذه المولدات توليد ما يقرب من 900 لتر من مياه الشرب النظيفة يوميًا عن طريق التقاط الرطوبة وتكثيفها وترشيحها.
يقول ليرر: إن هذه المبادرة وغيرها من التدابير المؤقتة، مثل معالجة مياه الصرف الصحي خارج الشبكة، سوف "تعطي بارقة أمل في تحسن الوضع في نهاية المطاف".
doi:10.1038/nmiddleeast.2024.60
1. Seyam, M. et al. Water 12, 2218 (2020).
تواصل معنا: