أخبار

أقدم أبجدية عرفها التاريخ وسط كنوز مقبرة سورية

نشرت بتاريخ 25 ديسمبر 2024

أسطوانات، عُثر عليها في عام 2004، حملتْ نقوشًا لأقدم نماذج لأحرف أبجدية عرفها التاريخ، بحسب علماء الآثار.

ميريام ندّاف

أسطوانات فخارية صغيرة منقوش عليها رموز يُعتقد أنها أحرف.
أسطوانات فخارية صغيرة منقوش عليها رموز يُعتقد أنها أحرف.
Credit: Glenn Schwartz, Johns Hopkins University

عُثر على أسطوانات فخارية في إحدى المقابر بسوريا، يعود تاريخها إلى 4400 عام مضت، وتحمل نقوشًا تُظهر أقدم آثار لنظام كتابة أبجدي عرفه التاريخ، بحسب أحد التحليلات.

أما المقبرة التي تأوي الأسطوانات، فقد اكتُشفت في قرية أم المَرة قرب حلب في عام 2004، وحوت رفاتًا بشريًّا وقطعًا أثرية أخرى تعود إلى العصر البرونزي المبكر (الذي امتد بين عامَي 2600 و2150 قبل الميلاد). ومن بين القطع الأثرية، عُثر على أربع أسطوانات فخارية، يضاهي كل منها حجم الإصبع، ومنقوش عليها ثمانية رموز أبجدية يختلف بعضها عن بعض.

"قد تحملنا هذه النقوش على إعادة النظر في الموقع الذي أوى أقدم أحرف أبجدية"، بحسب كريس دوبس-ألسوب، الباحث في العهد القديم واللغات السامية في كلية لاهوت برينستون بولاية نيوجيرسي.

يلفت جلين شوارتز، عالم الآثار بجامعة جونز هوبكنز في مدينة بالتيمور بولاية ميريلاند، الذي شارك في قيادة أعمال التنقيب ودراسة النقوش، إلى أن الرموز تمثل أصواتًا تكافئ حروف الألف، والياء، والكاف، واللام، والنون، والسين.

وصحيح أن الأحرف المكتشفة لا تُنسب لأي لغة معروفة، إلا أن شوارتز عقد مقارنة بينها وبين الأحرف المستخدمة في اللغات السامية الغربية، بما فيها الأشكال القديمة والحديثة من اللغات العبرية والآرامية والعربية، حتى يتسنى له فك شفرتها. ويُحتمل أن النقوش كُتبتْ لتدوين أسماء أشخاص أو لتعريف أغراض في المقبرة، بحسب شوارتز الذي طرح نتائجه في الاجتماع السنوي للجمعية الأمريكية للبحوث في الخارج، في مدينة بوسطن بولاية ماساتشوستس الأمريكية، في الحادي والعشرين من نوفمبر الماضي.

كنوز المقبرة

عثر علماء الآثار على الأسطوانات في واحدة من المقابر العشر الموجودة في قرية أم المَرة. احتوت المقابر أيضًا على حلي ذهبية، وأوانٍ فضية، ومشط عاجي، وأوانٍ فخارية. وفي تعليقه على محتويات المقبرة، ذكر شوارتز في الاجتماع: "بالنظر إلى محتويات المقابر، يمكن القول إن هذه المقابر كانت تخصّ أشخاصًا من علية القوم".

ويبلغ سمك كل أسطوانة 1 سنتيمتر وطولها 4.7 سنتيمتر، يتخللها ثقب طوليّ صغير. وفي عام 2021، وباستخدام تقنية التأريخ بالكربون المشع، نجح شوارتز وفريقه في تحديد1 تاريخ صنع الأنابيب بأنه يعود إلى سنة 2400 قبل الميلاد تقريبًا. "بذا تسبق هذه النقوش أي نقوش أبجدية قديمة لدينا بخمسمئة عام. ما يجعل هذا الاكتشاف مفاجئًا"، كما يقول دوبس-ألسوب.

فقبل هذا الاكتشاف، كانت النقوش المصرية التي تعود إلى عام 1900 قبل الميلاد تُعد أقدم كتابة أبجدية جرى اكتشافها؛ حيث تمثل فيها أحرف أبجدية من اللغات السامية الغربية الرموز الهيروغليفية. لكن الهيروغليفية لا تعتبر أبجدية؛ فهي تعتمد في الأساس على الصور لتمثيل الكلمات بالكامل، بدلًا من أن تتكون من مجموعة من الحروف يكافئ كل منها صوتًا كما في سائر الأبجديات.

تَظهر مجموعة الرموز على الأسطوانات 11 مرة في المجمل، وبعضها مكرر، مما يدل على أنها قد تكون جزءًا من أبجدية. وعلى ما يبدو أن تتابع الرموز متطابق في أسطوانتين من الأربع، إذ ينتهيان بالرمز نفسه عند طرفيهما السليمين. ويقول شوارتز إنه كلما زاد عدد الرموز في التتابع، زادت الاحتمالات التي تشير إلى أنها جزء من نظام للتواصل كالكتابة وليست مجرد مجموعة رموز غير مرتبطة بلغة.

ومن جانبه يشير ثيودور لويس، المتخصص في اللغات السامية بجامعة جونز هوبكنز، والذي شارك شوارتز في الدراسة، إلى أن أحد تسلسلات الرموز - الذي يمكن ترجمته إلى "sl'nw" - قد يكون هو نفسه الاسم "سيلونو" Sillunu الوارد في نصوص عُثر عليها في مدينة أوغاريت القديمة التي تقع على الساحل السوري، والمشتق من كلمة تعني صخرة.

أهي أسماء أم وسوم؟

يلفت شوارتز إلى أن النقش الذي حملته الأسطوانات المكتشَفة ربما يكون قد كُتب لتدوين أغراض في المقبرة أو للإشارة إلى صاحبها. وأضاف في تعليق له خلال الاجتماعات: "إذا كانت أسطوانات أم المَرة استُخدمت كوسوم أو تعريفات، فإن ذلك يعلل بزوغ الكتابة بالتزامن مع زيادة الحاجة إلى الأعمال الإدارية في المجتمع".

يثير التحليل أيضًا تساؤلات بشأن ما إذا كان مصممو الأسطوانات قد تأثروا باللغة الهيروغليفية المصرية، أم أنهم قد ابتَكروا أبجديتهم بشكل مستقل في بلاد الشام.

وفي الواقع، يشبه حرفان من النقش الذي تحمله الأسطوانات الرموز الهيروغليفية، ما يشير إلى أن الأفراد الذين يُنسب إليهم هذا النقش في منطقة أم المَرة ربما سبق لهم التعرض بصورة مباشرة للرموز الهيروغليفية عبر التجارة، بحسب شوارتز.

وعن ذلك يقول دوبس-ألسوب، إن كان هناك تشابه مع الرموز المستخدمة في اللغة المصرية، "فإن احتمالية مصادفة ابتكار هذه النصوص الأبجدية بشكل منفصل تمامًا مستبعدةٌ للغاية".

ويتطلع شوارتز إلى أن تتمكن الدراسات المستقبلية من إزاحة الستار عن معنى الرموز والمساعدة في الوقوف على زمن ظهور أول أبجدية عرفها التاريخ. *هذه ترجمة للمقالة الإنجليزية المنشورة بمجلة Nature بتاريخ 26 نوفمبر 2024.

doi:10.1038/nmiddleeast.2024.338