رحلة باحثة بين محطات حقل دراسة التكاثفات
04 December 2024
نشرت بتاريخ 30 أغسطس 2024
أدى عزل البحر المتوسط إلى دورة متكررة من الجفاف الجزئي أو شبه الكامل للحوض.. ما أحدث تقلبات شديدة في الملوحة ودرجات الحرارة
قبل أكثر من خمسة ملايين عام، تعرض البحر المتوسط لمشكلة بيئية كبيرة نجمت عن زيادة نسبة الملوحة الميسينية، وهو ما أثر تأثيرًا كبيرًا على نظامه البيئي؛ إذ انقرض حوالي ثلثي الأنواع البحرية الأصلية لهذا الحوض، والتي استوطنته في أوائل العصر البليوسيني (من 12 إلى 3.6 ملايين سنة مضت).
ووفق دراسة نشرتها مجلة "ساينس" (Science) أمس "الخميس"، 29 أغسطس، فإن "86 فقط من أصل 779 نوعًا متوطنًا في البحر المتوسط نجت من الاضطرابات البيئية التي أعقبت انفصال المتوسط عن المحيط الأطلسي وجفافه الجزئي أو الكلي"، وحدثت إعادة تكوين التنوع البيولوجي للبحر المتوسط لاحقًا على مدار أكثر من مليون ونصف المليون سنة.
ومثلت أزمة الملوحة الميسينية -والتي حدثت في الفترة بين 5.97 و5.33 ملايين سنة مضت- حدثًا بيئيًّا مهمًّا؛ إذ أدت إلى تغير بيئة البحرالمتوسط بشكل كبير.
وأدى عزل المتوسط، الذي نتج عن النشاط التكتوني الذي أغلق اتصاله بالمحيط الأطلسي، إلى دورة متكررة من الجفاف الجزئي أو شبه الكامل لحوضه، ما أحدث تقلبات شديدة في الملوحة ودرجة الحرارة، فتراكم فيه نحو مليون كيلومتر مكعب من الملح.
يقول "جيوفاني بيانوتشي"، أستاذ علم الحفريات والبيئات القديمة في جامعة بيزا في إيطاليا، والمؤلف المشارك في الدراسة: "إن تحليل الأحداث الكارثية الماضية على نطاق إقليمي بمثل هذه التفاصيل التي عرضتها الدراسة، يمكن أن يكون قيمًا، ليس فقط لفهم كيفية خلق الكائنات الحية الحالية، ولكن أيضًا لتطوير نماذج تنبئية للمستقبل".
يتساءل "بيانوتشي" في تصريحاته لـ"نيتشر ميدل إيست": ما تأثير الأحداث المماثلة على النظم البيئية البحرية اليوم؟ هذا سؤال بالغ الأهمية في السيناريو العالمي الحالي، فتسارُع تغيُّر المناخ لا يتطلب تدابير مضادة فحسب، بل فهمًا أعمق أيضًا لما قد يحمله المستقبل القريب.
ويتابع: ضم الفريق البحثي تخصصات متعددة، وقمنا بتحليل مجموعة بيانات شاملة تحتوي على معلومات محدثة عن المجموعات الرئيسية من الكائنات البحرية التي عاشت في البحر المتوسط قبل أزمة الملوحة الميسينية وبعدها، وتضمنت مجموعة البيانات تلك قائمة كاملة بالسجل الأحفوري، تمت مراجعتها بدقة من حيث التصنيف والعمر الطبقي من قِبل علماء الحفريات.
ويوضح الباحثون أن الأثر الأكثر أهميةً لأزمة الملوحة الميسينية في البحر المتوسط الحالي هو غياب المكون الحيوي الاستوائي من أصل المحيطين الهندي والهادئ، والذي انقرض خلال الأزمة، ولكن مع ارتفاع درجات الحرارة مؤخرًا والهجرة العرضية للأنواع البحرية من البحر الأحمر عبر قناة السويس، نشهد الآن عودة الأنواع التي تعيش في المياه الدافئة، مما يؤدي تدريجيًّا إلى بيئة بحرية استوائية.
ويرى "بيانوتشي" أن أحداثًا مثل أزمة الملوحة الميسينية يمكن أن تُعد تذكيرًا بما قد نواجهه في المستقبل القريب.
لكن حنان عبد الحميد -أستاذ البيئة البحرية في المعهد القومي لعلوم البحار والمصايد، وغير المشاركة في الدراسة- ترى أن تكرار مثل هذا الحدث في المستقبل القريب قد يُعد أمرًا مستحيلًا، خاصةً مع اتصال البحر المتوسط بشبكة المحيطات العالمية والبحار المفتوحة، عبر مضيق جبل طارق الذي يصله بالمحيط الأطلسي من الغرب، وقناة السويس التي تصله بالبحر الأحمر ثم المحيط الهندي من الشرق.
وتؤكد "عبد الحميد" في تصريحات لـ"نيتشر ميدل إيست" أن "الكائنات الحية البحرية تتفاوت في قدرتها على تحمُّل درجات الملوحة، لذلك توجد أسماك تعيش في المياه العذبة، وأخرى تعيش في المياه المالحة، بالإضافة إلى الكائنات التي يمكنها التكيُّف مع التفاوتات في درجات الملوحة".
doi:10.1038/nmiddleeast.2024.274
تواصل معنا: