بعد الإطاحة بالنظام: هذه خارطة طريق للعلم في
سوريا
11 December 2024
نشرت بتاريخ 15 يناير 2024
الدوريات تسحب المؤلَّفات العلمية التي يُشتبه بارتباطها بمواقع تُتَاجر في حقوق تأليف الأوراق العلمية.
كشفت التحريات المتعلقة بنزاهة البحث العلمي عن مئات الإعلانات عبر الإنترنت التي تطرح فرصًا لشراء حقوق تأليف أوراق بحثية من المزمع نشرها في دوريات علمية مرموقة. ما انفك الناشرون يتحرّون تلك الادعاءات، وقد سحبوا بالفعل عشرات المقالات بسبب الاشتباه في دفع بعض الأشخاص مقابل وضع أسمائهم باعتبارهم مؤلفين لتلك الأوراق البحثية، على الرغم من عدم مشاركتهم في البحث. ويُحذر المتخصصون في النزاهة البحثية من أن المشكلة آخذة في التفاقم، مشيرين إلى احتمالية أن تكون هناك موجات أخرى من عمليات سحب الأوراق البحثية.
ولكَمْ شعر فيتاليج بيتشارسكي – الباحث في علم المواد بجامعة ولاية أيوا في مدينة أميس، ورئيس تحرير دورية علمية متضررة – «بالغضب الشديد» لدى علمه بشأن هذه الإعلانات، حيث صرح لدورية Nature عام 2022 قائلًا: "أعلم أن أشياء كثيرة تُطرح للبيع، لكن هل يعقل بيع حقوق التأليف؟ إنه أمر جنوني، وغير مقبول بالمرة"، (وقد قضى بيتشارسكي نحبه في ديسمبر من نفس العام).
تُنشر معظم الإعلانات على مواقع التواصل الاجتماعي، بما فيها «فيسبوك» و«تيليجرام»، وكذلك على مواقع الشركات التي تدّعي أنها تقدم خدمات النشر في المجال الأكاديمي. وغالبًا ما تتضمن تلك الإعلانات عنوان الورقة البحثية، والدورية التي ستُنشر فيها، وسنة النشر ومراكز التأليف الشاغرة المتاحة للشراء. وتتراوح الأسعار من مئات إلى آلاف الدولارات الأمريكية، على حسب مجال البحث والمكانة العلمية للدورية.
إعلانات مواقع التواصل الاجتماعي
شرع كل من أنا أبالكينا، الخبيرة الاقتصادية في جامعة برلين الحرة؛ ونيك وايز، المهندس في جامعة كامبريدج بالمملكة المتحدة؛ في التحقيق في الإعلانات بشكل مستقل عندما بدأت الإعلانات أول ما بدأتْ في الظهور بأعداد كبيرة في عام 2019. تُركز أبالكينا على الإعلانات التي تُنشر على المواقع الإلكترونية الناشئة في روسيا وأوروبا الشرقية؛ بينما يبحث وايز في الإعلانات المتداوَلة على مواقع التواصل الاجتماعي، بما في ذلك «فيسبوك» و«تيليجرام«.
وجد كلا الباحثَين أوراقًا بحثية منشورة، يعتقدان أنها ذات صلة بالإعلانات التي تطرح حقوق تأليف أوراق بحثية للبيع. تعرِض اثنتان من قنوات «تيليجرام»، التي يتابعها وايز، ما لا يقل عن 300 إعلان لكل قناة منهما.
وفي مسوّدة بحثية، تسرد أبالكينا تحليلًا لأكثر من ألف عرض من عروض حقوق التأليف، تبلغ قيمتها مجتمعة أكثر من 6.5 مليون دولار أمريكي، نُشرت في الفترة من 2019-2021 على موقعٍ ناطق بالروسية يُدعى «إنترناشيونال بابليشر» International Publisher (A. Abalkina. Preprint at https://arxiv.org/abs/2112.13322; 2021). وقد تمكنتْ أبالكينا الآن من إيجاد صلة بين 460 ورقةً بحثية منشورة وبين تلك الإعلانات. (لم يستجب الموقع الروسي «إنترناشيونال بابليشر» لطلب دورية Nature التعليق على الأمر).
سلسلة من عمليات سحب الأوراق البحثية
شرعت الدوريات في التحقيق في الأوراق البحثية التي يبدو أنها ذات صلة بالإعلانات؛ وبدأتْ في سحبها. ففي شهر يوليو عام 2022، سحبتْ دورية «ذا إنترناشيونال جورنال أوف إيمرجينج تكنولوجيز إن ليرنينج» International Journal of Emerging Technologies in Learning 30 ورقةً بحثية تَبيّنَ أن لها صلةً بإعلانات على موقع «إنترناشيونال بابليشر». ووردَ في إشعارات السحب أن العمل كان له علاقة بـ"عصابة إجرامية تبيع حقوق التأليف والمقالات المزمع نشرها في العديد من الدوريات عبر الإنترنت للعملاء الذين يدفعون مقابل تلك الخدمات".
وقد سَلّطتْ مُدوّنة «ريتراكشن ووتش» Retraction Watch التي تراقب الأبحاث المسحوبة بعد النشر الضوءَ على هذه القضية في تحقيق مع موقع «إنترناشيونال بابليشر»، ونُشر هذا التحقيق في شهر ديسمبر عام 2021.
ويقول تيم كيرسياس، المدير المسؤول عن النزاهة البحثية في دار نشر «سبرينجر نيتشر» Springer Nature في دوردريخت بهولندا: «بوجه عام، تزداد صعوبة إثبات هذه التهم». ومع ذلك، فالإعلانات التي تَذكر عناوين مسوّدات بحثية بعينها تقدّم أدلةً مقنعة على تورط بعض الأشخاص في شراء حقوق تأليف الأوراق البحثية، حسبما يضيف كيرسياس. (يُذكر أن فريق أخبار دورية Nature يعمل مستقلًا عن دار نشر «سبرينجر نيتشر» التابع لها).
وفي شهر مايو عام 2022، سحبتْ دار «سبرينجر نيتشر»، لأول مرة، ورقة بحثية بعد التحقيق في بلاغ من أبالكينا حول الاشتباه في بيع حقوق تأليفها. ومنذ ذلك الوقت، سُحبتْ إحدى عشرة ورقةً في خمس دوريات أخرى لأسباب مشابهة. وحاليًّا، يجري المزيد من التحقيقات.
ويضيف كيرسياس: «لا تهاون على الإطلاق في هذه المسألة، فهي تتعلق بمدى نزاهة السجل العام ومصداقيته». ويسترسل قائلًا: إن القراء بحاجة إلى أن يكونوا قادرين على الوثوق بأن المؤلِّفين المُدرجة أسماؤهم على الورقة البحثية هم من تولوا بالفعل عملية البحث للحصول على البيانات، وهم المساءلون بشأنها.
وسحبت الدورية التي كان بيتشارسكي يرأس تحريرها – دوريةُ «جورنال أوف ألويز أند كومبوندز» Journal of Alloys and Compounds,، التي تُصدرها دار «إلسيفير» Elsevier في أمستردام - ورقةً بحثية في شهر نوفمبر 2022 على إثر تحذيرٍ من وايز. وكان قد أُعلن عن بيع حقوق تأليف هذه الورقة البحثية على إحدى قنوات «تليجرام» الإيرانية. ولا تزال الدورية تُحقق في ورقتين أخريين وردتْ عناوينهما في إعلانٍ على القناة نفسها، وورقةٍ رابعة تحمل اسم مؤلف متطابق مع أحد الأسماء المدرجة على إحدى الأوراق البحثية قيد التدقيق.
وفي هذه الحالات، أوضح بيتشارسكي أنه جرى إضافة أسماء مؤلِّفين جدد إلى الأوراق البحثية بعد المرحلة الأولى من مراجعة الأقران. وقد كرس بيتشارسكي جهودًا لمراجعة أي أوراق نُشرت في الدورية خلال العامين الماضيين ووردتْ بشأنها طلبات لتغيير اسم المؤلف بعد المرحلة الأولى من المراجعة، حيث أخبر دورية Nature بقوله: «غايتي أن أتأكد من عدم استشراء هذا الاحتيال».
ويشير وايز إلى أنه منذ شهر أكتوبر 2022 حققتْ خمس دوريات في أوراق بحثية، وسحبتْ كل منها ورقة على إثر التحريات.
تطوّر عملية الاحتيال
تُشير «لجنة أخلاقيات النشر Committee on Publication Ethics «(COPE)، وهي مجلس استشاري للناشرين في إيسلي بالمملكة المتحدة، إلى أن إعلانات بيع حقوق تأليف الأوراق البحثية تُظهر تطوّر مصانع الأوراق البحثية المزيَّفة – وهي عبارة عن شركات تنتج أبحاثًا مزيَّفة للعلماء الذين يحتاجون إلى نشر أبحاث لتُدرج في سيرهم الذاتية. وتقول ديبورا كانْ، عضوة مجلس أمناء «لجنة أخلاقيات النشر»: "إنها سوق تجارية شديدة الرواج، وتديرها منظمات تزداد تعقيدًا وتطورًا يومًا بعد يوم".
وتعتقد أبالكينا أن هذه الشركات قد انبثقت عن تلك الشركات التي سبق لها التعاون مع الدوريات الاستغلالية – تلك الدوريات التي تنشر الأوراق البحثية مقابل رسوم، على أنها لا تلتزم بتطبيق ضوابط مراقبة الجودة كما هو الحال في الدوريات العلمية المتعارف عليها. وقد حذفتْ قواعد بيانات البحث العلمي العديدَ من هذه الدوريات.
ويذكر كل من أبالكينا ووايز أن سوق بيع حقوق تأليف الأبحاث العلمية قد شهدتْ تطورًا وتوسعًا؛ نظرًا لأنه لا يزال يجري تقييم الباحثين الذين يسعون إلى الحصول على الترقية في العديد من البلدان على أساس عدد الأوراق البحثية التي ينشرونها. وأما أولئك الأشخاص الذين يشقون طريقهم إلى الأوراق البحثية بالمال لا بالجهد، فإنهم عادةً ما يريدون نشر أوراقهم في الدوريات المدرّجة ضمن قواعد بيانات الاقتباس، مثل قاعدة بيانات «سكوبس» Scopus ومؤشر «ويب أوف ساينس» Web of Science؛ لإضفاء المزيد من الشرعية على تلك الأبحاث.
تقول أبالكينا: إن المشكلة ستتفاقم، "نحن نطاردهم، ولكنهم دائمًا ما يسبقوننا بخطوة".
doi:10.1038/nmiddleeast.2024.256
تواصل معنا: