مخططات ثلاثية الأبعاد للخلايا السرطانية تكشف خبايا الأورام
10 November 2024
نشرت بتاريخ 25 يوليو 2024
إدارة موارد المختبر المالية مهارة مهنيَّة لا غنى عنها لأي باحث.. إلا أنها لا يُنظر إليها بالاهتمام الكافي.
بالنسبة إلى مايكل موناجان، الطريق إلى إدارةٍ أفضل لموارد المختبر المالية كان يكمن في هدم الجدران – حرفيًّا! عندما كان بحاجةٍ إلى توفير مِجهر باهظ التكلفة، لجأ موناجان، باحث الهندسة البيولوجية الطبية بكلية ترينيتي دوبلن، إلى حلٍّ مبتكر.
يقول: "لأن المجهر كان مودَعًا في مختبر مُقامٍ بمنطقة نائية، فقد كانت أعمال الفكّ والتركيب وإعادة المعايرة تتطلَّب مبالغ طائلة. وفي الأخير، حصلنا على موافقة بهدم جدار الغرفة المودَع بها المجهر، بما أتاح لنا إعادة رسم حدود المبنى. وهكذا، تمكَّنَّا بالتفكير خارج الصندوق من ضرب عصفورين بحجر واحد: استفدنا من المجهر، ولم نتكلَّف إلا 10% من التكلفة المقدَّرة للنقل".
لعلَّنا لا نجاوز الحق إن قلنا إن الباحثين لم يكونوا قطُّ أحوَج إلى الإدارة المالية للمختبرات مما هم الآن. فمع تباطؤ الاقتصاد العالمي الذي صاحب جائحة «كوفيد 19»، ظهر اتجاه عالمي إلى الاقتطاع من الميزانيات. خلال العام الحالي وحده، أعلنت الحكومة الكورية الجنوبية خفض إنفاقها على البحث العلمي بنسبة 14.7%، ويُتوقع أن تتخلَّف المؤسسات العلمية الأمريكية عن الوفاء بأهدافها بما يصل إلى 7 مليارات دولار أمريكي، أما الاتحاد الأوروبي، ممثَّلًا في برنامجه العلمي الأهم «هورايزون يوروب» Horizon Europe، فالتوقعات تشير إلى اقتطاع 2.1 مليار يورو (ما يعادل 2.28 مليار دولار) من ميزانيته المقدَّرة بنحو 95.5 مليار يورو.
ليس هذا فحسب، فمع الاضطرابات التي تضرب سلاسل الإمداد العالمية، وارتفاع أسعار الطاقة، ترتفع كذلك تكلفة إجراء البحث العلمي. أضف إلى ذلك تكلفة المعدات والأدوات والتجهيزات العلمية، التي ارتفعت هي الأخرى متأثرةً بالتضخم، في الوقت الذي لم تتحسَّن فيه المِنَح العلمية إلا قليلًا.
ورغم كل هذه المعطيات، يبقى تدريب العناصر الجُدد في المختبرات على إدارة الموارد المالية محدودًا حدَّ الندرة. تقول كاتلين سادلر، باحثة الهندسة المناعية بمعاهد الصحة الوطنية الأمريكية، ومقرها مدينة بيثيسدا بولاية ميريلاند: "كم تمنَّيتُ لو تلقَّيتُ مزيدًا من التدريب النظامي على إدارة الموارد المالية للمختبرات عندما كنتُ متدرِّبة بحثية". وقد تواصلت دورية Nature مع عدد من الباحثين لسؤالهم عما يمكن أن يُسدوه من نصائح تتعلق بالإدارة المالية وإدارة الميزانيات البحثية. وإليكم، فيما يأتي، بعضًا من هذه النصائح.
ابدأ ببناء جدار الثقة
مرَّ على سادلر أسلوبان لإدارة الأموال عندما كانت في مقتبل حياتها البحثية: الأول كان في المختبر الذي التحقت به أثناء عملها على رسالة الدكتوراه، حيث كانت تسود ثقافة الإنفاق المسؤول، التي أرساها الباحث الرئيس بالمختبر؛ أما الثاني فكان في المختبر الذي انتقلت إليه في مرحلة ما بعد الدكتوراه، وكان هذا الأسلوب يقوم على تخصيص ميزانية شهرية ثابتة لكل باحث في المختبر، ينفقها فيما يرى مناسبًا. وعندما حانت اللحظة لتأسيس مختبرها الخاص، انجذبت سادلر صوب أسلوب الإدارة الأول، مع إدخال بعض الضوابط الإضافية.
تقول: "في بداية العام المالي، كنتُ أجمع أعضاء المختبر لنناقش مواردنا المالية، والمشاريع القائمة. أرى أن اجتماعًا كهذا يبثُّ في النفوس شعورًا جمعيًا بالمشاركة في الملكية، وهو شعورٌ يعزز ثقافة الإنفاق المسؤول".
ومع ذلك، فتلافيًا لسوء استغلال الثقة التي تمنحها سادلر لأعضاء مختبرها، وضمانًا لتوفير بعض المال لوقت الحاجة، أعدَّت جدولًا يتضمن نفقات كل عضو من أعضاء المختبر، وهي تتابعه بعناية، حرصًا منها على أن تكون المعاملات المالية على أكبر قدرٍ من الوضوح. وهي تقيِّم نفقات المختبر بأكثر من قيمتها بعض الشيء، بحيث يتوفَّر لها من الأموال ما ينفعها في أوقات الطوارئ، أو يعينها على شراء شيء ترغب في اقتنائه. تقول: "مع بدء العام المالي المقبل، سيحسب أعضاء المختبر المتبقي معنا من المال، ونضيف إليه ما يمكننا من إجراء التجارب التي نرغب في تنفيذها. ولنأخذ، مثالًا على ذلك، تعيين تسلسل الحمض النووي الريبي على مستوى الخلية المفردة، الذي يتكلَّف إجراؤه للعيّنة الواحدة ما يصل إلى ألف دولار أمريكي. كانت هذه التجربة التي ساعدتنا على إطلاق دراسة جديدة في مختبرنا العام الماضي".
تفاوَض للحصول على تخفيض.. واشترِ بالجملة
التفاوض مهارة أخرى ضرورية لإدارة ميزانيات المختبرات، وإن لم يُلتَفت إليها بالقدر الكافي، كما يرى مايكل موناجان. وقد جَرَت العادة على أن يطلب آنية لاستزراع الخلايا (أو مستنبتات) لمختبره بالجملة؛ بحيث يتسنَّى له التفاوض للحصول على تخفيض، يتراوح في المعتاد بين 20% و50%. وللشراء بكميات كبيرة مزيَّتان أخريان: أُولاهما أن المشتريات الكبيرة نسبيًّا عادةً ما تُعطى الأولوية في الشحن؛ والثانية أن رسوم التوصيل – التي تُقدَّر حسب عدد الأصناف المشتراة، لا وزنها الإجمالي – تصير في هذه الحالة أقل. زِد على ذلك، حسبما يقول موناجان، أن هذا النهج في الشراء يوطِّد العلاقة مع مندوبي المبيعات، بما يحسِّن خدمات الدعم الفني، والتعريف بالمنتجات.
وقد ظهر مؤخرًا اتجاه في التسوُّق يُعرف بالشراء الجماعي (group buying)؛ ويُقصد به أن يشترك مجموعة من الباحثين في طلبية واحدة من ذات الشركة. وهو ما يُتيح لهم التفاوض للوصول إلى أسعار أفضل، فضلًا عن أن هذا يرفع إمكانية إيلاء هذه الطلبية الأولوية في الشحن. غير أن موناجان يستدرك بالقول إن "السياسات البيروقراطية المعمول بها في المؤسسات يمكن أن تضيف إلى الوقت الذي تستغرقه [هذه العملية]، بما قد يضيّع ما في هذا الحل من مزايا".
وهناك أيضًا الموقع الجغرافي للمختبر، الذي يدخل هو الآخر ضمن المعطيات الأساسية لقرارات الإنفاق، حسبما ذكر جيريمي تيو، الأستاذ المساعد بجامعة نيويورك في أبو ظبي، الكائنة بدولة الإمارات العربية المتحدة. يقول: "يمكن أن يستغرق شحن المواد الكيميائية والبيولوجية في أبو ظبي ما يصل إلى ثلاثة أمثال الوقت المستغرَق في الولايات المتحدة، كما أن الأشياء المشحونة ربما لا تُنقل في ظروف مثالية. ولذا، ففي حال كانت الأشياء قابلةً للحفظ، نحاول أن ننفق [لاقتنائها] في وقتٍ مبكِّر قدر الإمكان، تحاشيًا للتأخير". وأضاف تيو أن المختبر الذي يعمل به يفضِّل الشراء بكميات كبيرة، على أن يكون ذلك في فصل الشتاء، حيث يكون الطقس أميَل إلى البرودة، تجنُّبًا للحرّ اللافح في صيف أبو ظبي، الذي يمكن أن يُفسِد المواد البيولوجية أثناء نقلها.
لتكن الإدارة المالية عملًا جماعيًا
يمكن للباحث أن يغرق في سيلٍ من المهام والمسؤوليات اليومية، حتى تملك عليه وقته وجهده. ولما كان الأمرُ كذلك، فيجدُر بالباحثين العاملين في المختبر، وغيرهم من الموظفين العاملين بالمؤسسة التابع لها المختبر، أن يمدُّوا يد العون، ويتشاركوا العبء. تقول كاتلين سادلر: "إدارة الشؤون المالية عملٌ ينبغي أن ينهض به الفريق ككل، والاستعانة بمن لهم باعٌ في هذا الميدان ربما تكون لها فائدتها. في مختبري، تساعدني واحدة من أعضاء الفريق التقني في إدارة المسائل المالية، لخبرتها السابقة في التعامل مع الميزانيات. لها قدرة على تحديد ما إن كانت تكلفة الأشياء التي نرغب في شرائها أعلى مما ينبغي، كما أنها تحذق تجميع الصفقات معًا".
صورةٌ أخرى من صور الدعم يمكن أن توفِّرها المؤسسات التي ينتسب لها الباحثون. ويَحسُن بالباحثين، حديثي العهد بالعمل البحثي خاصة، أن ينتظموا في دورات تأهيلية تتركَّز حول إدارة الشؤون المالية، إضافةً إلى مطالعة الكتب الإرشادية ذات الصلة، وطلب النصيحة من الباحثين الأعلى مرتبةً وخبرة. وسادلر حريصة على حضور اجتماعات شهرية مع المسؤولين الإداريين ومسؤولي الإدارة المالية في مؤسستها، لمناقشة مصروفات المختبر، بما في ذلك النفقات المتوقَّعة، والمستجدات المتعلقة بمصادر التمويل التي يوشك أجلها على الانتهاء. تقول: "ساعدني ذلك على أن أبقى مطَّلعةً على أداء مختبري من الناحية المالية، وكذا على إنفاق المال في الوقت المناسب".
ويروي تيو أنه في بداية عمله أستاذًا مساعدًا، لم يكن يلقي بالًا إلى الرسائل الإلكترونية التي وصلت إليه من مؤسسته عبر الإيميل، ولا إلى سياسات المؤسسة المعنيَّة بالإنفاق البحثي، ليدرك لاحقًا أن هذا كان سببًا في عجزه عن تطوير موارده المالية، وصولًا بها إلى المستوى الأعلى. وعن هذه التجربة يقول: "كل خطأ ينطوي على درس. ونصيحتي إلى الباحثين الجدد هي أن يُطالعوا الرسائل التي تصلهم من إدارة الشؤون المالية، وأن يُعدُّوا ما يلزم من رسائل التذكير".
كلَّما كان تعلُّم إدارة الأموال مبكرًا.. كان أفضل
"مهارات الإدارة المالية ليست ضرورية للباحث الرئيس وحده، بل لكل باحث يرغب في ارتياد مجالات مختلفة"، هكذا علَّق جوردون شيونج، نائب مدير تحالف التقنيات الصحية في سنغافورة، الذي تابع قائلًا: "يُفترض في مدير المشروعات، مثلًا، أن يضع نظامًا يكفل تسليم المهام في وقتها، ويدير عمليات الإنفاق – وفق الميزانية الموضوعة – على المشروعات التابعة للمؤسسة، أو تلك التي ترعاها جهات خارجية معنيَّة بالمجال. ولكي يكون الباحث مُعَدًّا لشَغل وظيفةٍ كهذه، لا بُدَّ له من أن يكون قد تعرَّض مبكرًا للإدارة المالية وإدارة المشروعات".
وشيونج، شأنه شأن أغلب الباحثين، تعلَّم إدارة الميزانيات المالية كجزء من عمله، عندما كان يساعد المشرف على رسالة الدكتوراه الخاصة به في إعداد طلبات التقدُّم لِنَيل المِنَح البحثية. ثم كان أن تولَّى وظيفةً في مرحلة ما بعد الدكتوراه هيَّأت له أن يعمل باحثًا مشاركًا في العديد من المشروعات، وهناك سنحت له فرصة صقل مهاراته أكثر وأكثر. وهو اليومَ يدير برنامجًا كان معنيًّا في وقتٍ من الأوقات بمَنح تمويل أساسي لباحثي الجامعة. يقول: "أكثر الحاصلين على درجة الدكتوراه يكونون قد أكملوا خلال مسيرتهم البحثية مشاريع تجريبية تمتدُّ لسنواتٍ عدَّة؛ ولهذا يثق أرباب الأعمال في مهاراتهم التقنية كما التحليلية. أما بناء مهارات الإدارة المالية، التي لا تقلُّ أهمية، فيتطلَّب من الباحث الانخراط في إدارة ميزانيات المشروعات، وأن يكون ذلك في مرحلةٍ مبكرة [من مسيرته المهنية]".
من جانبها، ذكرت سادلر أنه على الرغم من غياب برنامج نظامي للتدريب على إدارة الموارد المالية في المؤسسة التي تنتمي إليها، فإنها تحرص على توجيه طلابها خلال عملية التقديم على المِنَح. وقالت: "الحصول على عروض تنافُسية من مورِّدي الأصناف عالية القيمة، وتحديد مقدار المال الذي ينبغي تخصيصه للعاملين بالمختبر – هذا مما يهيِّئ طلابي لتولِّي مسؤوليات القيادة في المستقبل".
أما موناجان، فقد ساند طلابه عند التقدُّم للحصول على زمالات، إذ كان عليهم أن يعدُّوا ميزانية للمصروفات، شاملةً الرواتب، وتكاليف الحصول على المواد، ومصاريف التنقُّل. يقول: "على الرغم من غياب البرامج التدريبية النظامية، يمكن للمشرفين أن يضطلعوا بمهمة التدريب غير النظامي، بأن يُتيحوا لطلابهم تجارب ليتعلموا منها. وعندما يتقدم طلابي في مرحلة ما بعد الدكتوراه للحصول على زمالات بحثية، أحرص على التدقيق في الأقسام التي تتناول الميزانية، إدراكًا مني أن المانحين يبحثون في المتدرِّب البحثي عمَّن تتوفر لديه مهارات وضع ميزانية واقعية. وثمرة ذلك أن عددًا من هؤلاء الطلاب قد أفلحوا بالفعل في اقتناص زمالات".
* هذه ترجمة للمقال الإنجليزي المنشور بدورية Nature بتاريخ 14 يونيو 2024.
doi:10.1038/nmiddleeast.2024.234
تواصل معنا: